المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في الصبر والصابرين وفوائد المصائب والشدائد] - الآداب الشرعية والمنح المرعية - جـ ٢

[شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْمَلَكَةِ وَسُوءِ الْمَلَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْإِخْوَانِ وَسُؤَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدَبِ وَالتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحَظِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلُ فِي حُبِّ الْفَقْرِ وَالْمَوْتِ وَالْحَذَرِ مِنْ الدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْدَةِ وَالْعُزْلَةِ وَالتَّوَاضُعِ فِي سِيرَةِ أَحْمَدَ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَمَا قِيلَ فِي تَسَاوِيهَا وَعَدَمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَمَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْهُ وَمَا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ وَفَضْلِ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْعِظَةُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ بِالشِّعْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعِلْمُ مَوَاهِبُ مِنْ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ يُنَالُ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ لَا بِالْحَسَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَذَرُ مِنْ الْقَوْلِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَوْلِ الْعَالِمِ لَا أَدْرِي وَاتِّقَاءِ التَّهَجُّمِ عَلَى الْفَتْوَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْفَهْمِ فِي الْفِقْهِ وَالتَّثْبِيتِ وَعِلْمِ مَا يُخْتَلَفُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الْغَرَائِبِ وَعَمَّا لَا يُنْتَفَعُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأُغْلُوطَاتِ وَالْمُغَالَطَةِ وَسُوءِ الْقَصْدِ بِالْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُ النَّبِيِّ فِي التَّنْبِيهِ وَصَرَاحَتُهُ فِي التَّعْلِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْكَلَامِ فِي الْوَسَاوِسِ وَخَطَرَاتِ الْمُتَصَوِّفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَعْظِ الْقُصَّاصِ وَنَفْعِهِمْ وَضَرَرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّخَوُّلِ بِالْمَوْعِظَةِ خَشْيَةَ الْمَلَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَمَتَى يَكُونُ بِدْعَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْمُحَدِّثِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إنْصَافِ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَمَنْ كَانَ يُحَابِي فِي التَّحْدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُودَعَ الْعِلْمُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ عَنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارَ السِّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ خَيْرُ النَّاسِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْخَيْرِ أَهْلُهُ وَجِيرَانُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَتَلَقَّى الْعِلْمَ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحْوِ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ دَفْنِهَا إذَا كَانَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَفِقْهِهِ وَكَرَاهَةِ طَلَبِ الْغَرِيبِ وَالضَّعِيفِ مِنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ مَعْرِفَةُ عِلَلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إصْلَاحِ اللَّحْنِ الْعَارِضِ لِمَتْنِ الْحَدِيثِ، وَمَتَى يَجُوزُ التَّحْدِيثُ وَمَنْ يُقَدَّمُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَكَانَةِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَإِقْبَالِ الْأُلُوفِ عَلَى مَجَالِسِهِمْ، وَحَسَدِ الْخُلَفَاءِ لَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَرْحِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَطَإِ الثِّقَاتِ وَكَوْنِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالدِّينُ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَمْتِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالْعِلْمُ وَهَدْيِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ عَنْ غَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَطَرِ كِتْمَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ التَّعْلِيمِ وَمَا قِيلَ فِي أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ مُخَاطَبَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَضْعِ الْعَالِمِ الْمِحْبَرَةَ بَيْن يَدَيْهِ وَجَوَازِ اسْتِمْدَادِ الرَّجُلِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالْكُتُبِ وَالْكُتَّابِ وَأَدَوَاتِهِمْ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ رِضَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَذْلِ الْعِلْمِ وَمِنْهُ إعَارَةُ الْكُتُبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِيَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اللَّيْلَ وَخُشُوعِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدَبِ مَعَ الْمُحَدِّثِ وَمِنْهُ التَّجَاهُلُ وَالْإِقْبَالُ وَالِاسْتِمَاعُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تَطْلُبْ مِنْ صَاحِبِ دُنْيَا حَاجَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْمُذَاكَرَةِ عَنْ النَّوَافِلِ وَفَضْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَصْدِقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا لَدَى الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ]

- ‌[فَصْلٌ رَجُلٌ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَهُ قَرَابَةٌ وَلَهُمْ وَلِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ الشَّكْوَى مِنْ الْمَرَضِ وَالضَّيْرِ وَاسْتِحْبَابِ حَمْدِ اللَّهِ قَبْلَ ذِكْرَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُكْرِ النِّعَمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَفَوَائِدِهِ فِي الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّبْرِ وَالصَّابِرِينَ وَفَوَائِدِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْتِقَاطِ مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَبِ الصُّحْبَةِ وَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْمَلَلِ وَالْقَطِيعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبَصِيرَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْكَارُ أَحْمَدَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَتَوَاضُعُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَى مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُعَاءِ الْمَظْلُومِ عَلَى ظَالِمِهِ وَشَيْءٍ مِنْ مَنَاقِبِ أَحْمَدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَهَلْ هِيَ فِيمَا يَخْفَى أَوْ فِي كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الزُّهْدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْبَارِ الْعَابِدَاتِ وَالْعَابِدِينَ وَالزُّهَّاد]

- ‌[التُّهَمَةِ فِي الْبِدْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَبُّدِ الْجَهْلِ وَتَقَشُّفِ الرِّيَاءِ وَتَزَهُّدِ الشُّهْرَةِ وَعُبُودِيَّةِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ خَافَ مِنْ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[فَصْلٌ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُنَّةِ الْمُصَافَحَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا قِيلَ فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْبِيلِ الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَاجِي وَكَلَامِ السِّرِّ وَأَمَانَةِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِإِسْكَاتِ الْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ وَالْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَمُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ وَسُؤَالِ الْمَخْلُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَوْنِ التَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ نَافِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ]

- ‌[فُصُولُ خَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَمَا تَجِبُ صِيَانَةُ الْمُصْحَفِ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرْآنُ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِبَاسِ بِتَضْمِينِ بَعْضٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ وَحُكْمِ تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا لِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقُرَّاءِ فِي السُّوقِ وَاخْتِلَافِ حَالِ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِينَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّلَاوَةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ لِتَسْكِينِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ وَتَقْسِيمِ خَتْمِهِ عَلَى الْأَيَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ سُوَرِ الْمُفَصَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَرِوَايَتِهِ وَالتَّسَاهُلِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ رِوَايَةُ التَّكْبِيرِ مَعَ الْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّخَشُّعِ وَالتَّغَنِّي بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّلَاوَةِ بِأَلْحَانِ الْخَاشِعِينَ لَا أَلْحَانِ الْمُطْرِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ تَكْرَارُ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتِ وَالْأَدَبِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَعْتَرِي الْمُتَصَوِّفَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْوَعْظِ وَالْغِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالذَّهَابِ فِي أَيَّامِهَا إلَى الْمَقَابِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْبَسْمَلَةِ لِكُلِّ سُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ كُلُّ حَرْفٍ بِحَسَنَةٍ مُضَاعَفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يَقُولُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَطَيُّبِ الْمُصْحَفِ وَكُرْسِيِّهِ وَكِيسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ]

- ‌[فَصْل الْإِمَامَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل الرَّجُلُ يُشَمِّت الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ]

- ‌[فَصْل فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ كُلَّمَا عَطَسَ إلَى ثَلَاث]

- ‌[فَصْل تَشْمِيتِ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُجَشِّي]

- ‌[فَصْل فِي التَّثَاؤُب وَمَا يَنْبَغِي فِيهِ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ التَّدَاوِي مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْل الصَّرَعُ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْحِمْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ الْحَمِيَّة مِنْ التَّمْر لِلرَّمَدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِاعْتِدَالِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْأَكْحَالِ وَفَضِيلَةِ الْإِثْمِدِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَفَائِدَتِهَا فِي الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِرْقِ النَّسَاءِ وَمَا وَرَدَ فِي دَوَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشبرم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ الْهِنْدِيِّ وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصُّدَاعِ وَأَسْبَابِهِ وَفَائِدَةِ الْحِجَامَةِ وَالْحِنَّاءِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُذْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَرِّ الرَّمَادِ عَلَى الْجُرْحِ وَفَوَائِدِ نَبَاتِ الْبَرْدِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي النَّخْلِ وَثَمَرِهِ وَفَوَائِدِهِ وَتَشْبِيهُهُ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَبِالْأُتْرُجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّحُومِ وَأَنْوَاعِهَا وَأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَمُعَالَجَتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُبْزِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَأَنْوَاعِهِ وَخَوَاصِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِطْبَابِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَائْتِمَانِهِمْ وَنَظَرِ الْأَطِبَّاءِ وَالطَّبِيبَاتِ إلَى الْعَوْرَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّبِيبِ وَالْعَامِلِ مِنْ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ التَّمَائِمِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْكِتَابَةِ لِلْمَرَضِ وَاللَّدْغِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَيِّ وَالْحُقْنَةِ وَتَعَالِيقِ التَّمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْأَلْبَانِ وَالسُّمُومِ]

الفصل: ‌[فصل في الصبر والصابرين وفوائد المصائب والشدائد]

[فَصْلٌ فِي الصَّبْرِ وَالصَّابِرِينَ وَفَوَائِدِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ]

ِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156]{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] وَقَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] .

إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ. وَصَحَّ عَنْهُ الْأَمْرُ بِالصَّبْرِ فِي أَحَادِيثَ. وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] اللَّهُمَّ اُؤْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «وَمَنْ يَصْبِرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرٌ وَأَوْسَعُ مِنْ الصَّبْرِ» وَخَيْرٌ مَرْفُوعٌ خَبَرُ مُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ خَيْرٌ. وَرُوِيَ " خَيْرًا " قَالَ: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» .

فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّهُ وَمَا يَمْلِكُهُ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ أَوْجَدَهُ مِنْ عَدَمٍ وَيُعْدِمُهُ أَيْضًا وَيَحْفَظُهُ فِي حَالِ وُجُودِهِ، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ الْعَبْدُ إلَّا بِمَا يُتَاحُ لَهُ وَأَنَّ مَرْجِعَهُ إلَى اللَّه، وَلَا بُدَّ فَرْدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80] .

ص: 187

وَقَوْلُهُ {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94] .

وَأَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ. كَمَا قَالَهُ وَكَمَا قَالَ تَعَالَى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ - لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22 - 23] .

وَإِنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ جَعَلَ مُصِيبَتَهُ أَعْظَمَ مِمَّا هِيَ، وَإِنَّهُ إنْ صَبَرَ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَعْظَمَ مِنْ فَوَاتِ مُصِيبَتِهِ، وَإِنَّ الْمُصِيبَةَ لَا تَخْتَصُّ بِهِ فَيَتَأَسَّى بِأَهْلِ الْمَصَائِبِ، وَمُصِيبَةُ بَعْضِهَا أَعْظَمُ، وَإِنَّ سُرُورَ الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَانْقِطَاعِهِ مُنَغِّصٌ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لِكُلِّ فَرْحَةٍ تَرْحَةٌ، وَمَا مُلِئَ بَيْتٌ فَرَحًا إلَّا مُلِئَ تَرَحًا وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ رحمه الله: مَا كَانَ ضَحِكٌ قَطُّ إلَّا كَانَ بَعْدَهُ بُكَاءٌ. وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ مِنْ تَغَيُّرِ الدُّنْيَا بِأَهْلِهَا فِي أَسْرَعِ مَا يَكُونُ الْعَجَائِبَ.

وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ: لَقَدْ رَأَيْتنَا وَنَحْنُ مِنْ أَعَزِّ النَّاسِ وَأَشَدِّهِمْ مُلْكًا، ثُمَّ لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ حَتَّى رَأَيْتنَا وَنَحْنُ مِنْ أَقَلِّ النَّاسِ، وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَمْلَأَ دَارًا حِيَرَةً إلَّا مِلْأَهَا عِبْرَةً، وَبَكَتْ أُخْتُهَا حُرْقَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ يَوْمًا وَهِيَ فِي عِزِّهَا فَقِيلَ: مَا يُبْكِيك لَعَلَّ أَحَدًا آذَاك؟ قَالَتْ: لَا، وَلَكِنْ رَأَيْت غَضَارَةً فِي أَهْلِي وَقَلَّمَا امْتَلَأَتْ دَارٌ سُرُورًا إلَّا امْتَلَأَتْ حُزْنًا.

وَالْغَضَارَةُ طَيِّبُ الْعَيْشِ يَقُولُ: بَنُو فُلَانٍ مَغْضُورُونَ وَقَدْ غَضَرَهُمْ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَفِي غَضَارَةٍ مِنْ الْعَيْشِ، وَفِي غَضْرَاءَ مِنْ الْعَيْشِ أَيْ:

ص: 188

فِي خِصْبٍ وَخَيْرٍ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: لَا يُقَالُ: أَبَادَ اللَّهُ غَضْرَاءَهُمْ، وَلَكِنْ أَبَادَ اللَّهُ غَضِرَاهُمْ، أَيْ هَلَكَ خَيْرُهُمْ وَغَضَارَتُهُمْ.

وَقَالَتْ حُرْقَةُ أَيْضًا: مَا نَحْنُ فِيهِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِمَّا كُنَّا فِيهِ بِالْأَمْسِ. إنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل بَيْتٍ يَعِيشُونَ فِي حِيرَةٍ، إلَّا سَيُعَقَّبُونَ بَعْدهَا غُبْرَةٌ. وَإِنَّ الدَّهْرَ لَمْ يَظْهَرْ لِقَوْمٍ بِيَوْمٍ يُحِبُّونَهُ إلَّا بَطَنَ لَهُمْ بِيَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ، ثُمَّ قَالَتْ:

فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا

إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَتَنَصَّفُ

فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا

تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ

تَنَصَّفَ أَيْ خَدَمَ وَعَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ الْجَزَعَ لَا يَرُدُّ الْمُصِيبَةَ بَلْ هُوَ مَرَضٌ يَزِيدُهَا، وَإِنَّهُ يَسُرُّ عَدُوَّهُ وَيُسِيءُ مُحِبَّهُ، وَإِنَّ فَوَاتَ ثَوَابِهَا بِالْجَزَعِ أَعْظَمُ مِنْهَا، وَمِنْهُ بَيْتُ الْحَمْدِ الَّذِي يُبْنَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ عَلَى حَمْدِهِ وَاسْتِرْجَاعِهِ.

وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْت صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلَّا الْجَنَّةَ» وَفِي التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ غَرِيبٌ عَنْ جَابِرَ مَرْفُوعًا: «يَوَدُّ نَاسٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ تُقْرَضُ بِالْمَقَارِيضِ فِي الدُّنْيَا، لِمَا يَرَوْنَ مِنْ ثَوَابِ أَهْلِ الْبَلَاءِ» .

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا إلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ» . وَعَنْ ابْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً قَالَ: الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلِ مِنْ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسْبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلَابَةٌ زِيدَ فِي بَلَائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِي عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ «بِالْمُؤْمِنِ أَوْ الْمُؤْمِنَةِ فِي جَسَدِهِ وَفِي مَالِهِ وَفِي وَلَدِهِ، حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ» صَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى الثَّانِيَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ. وَرَوَيَا أَيْضًا وَالْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُصِيبُ مِنْهُ» .

ص: 189

وَعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إنَّ أَمَرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ» وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «عَجِبْتُ لِلْمُؤْمِنِ، إنَّ اللَّهَ تبارك وتعالى لَمْ يَقْضِ لَهُ قَضَاءً إلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ» . وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الصَّالِحُونَ، إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ لَيَفْرَحُ بِالْبَلَاءِ، كَمَا يَفْرَحُ أَحَدُكُمْ بِالرَّخَاءِ» مُخْتَصَرٌ مِنْ ابْنِ مَاجَهْ. وَعَنْ شَدَّادٍ مَرْفُوعًا «يَقُولُ اللَّهُ عز وجل: إذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنًا فَحَمِدَنِي عَلَى مَا ابْتَلَيْتُهُ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مِنْ مَضْجَعِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ مِنْ الْخَطَايَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: مَنْظُورٌ عَنْ عَمِّهِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا «إنَّ الْمُؤْمِنَ إذَا أَصَابَهُ سَقَمٌ ثُمَّ أَعْفَاهُ اللَّهُ مِنْهُ، كَانَ كَفَّارَةً لِمَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِهِ وَمَوْعِظَةً لَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَإِنَّ الْمُنَافِقَ إذَا مَرِضَ ثُمَّ أُعْفِيَ كَانَ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ، فَلَمْ يَدْرِ لِمَ عَقَلُوهُ وَلِمَ أَرْسَلُوهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا، إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً»

وَمَا كَفَى إنْ فَاتَ حَتَّى عَصَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْخَطَ رَبَّهُ، وَفَوَاتُ لَذَّةِ عَاقِبَةِ الصَّبْرِ وَاحْتِسَابُهُ أَعْظَمُ مِمَّا أُصِيبَ بِهِ، لَوْ بَقِيَ وَعَلِمَ أَنَّ فِي اللَّه خَلَفًا وَدَرْكًا فَرَجَا الْخَلَفَ مِنْهُ.

وَقَدْ رَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تُوُفِّيَ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ: إنَّ فِي اللَّهِ عَزَاءً مِنْ كُلِّ مُصِيبَةٍ، وَخَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ، وَدَرْكًا مِنْ كُلِّ مَا فَاتَ، فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا، وَإِيَّاهُ فَارْجُوَا، فَإِنَّ الْمُصَابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوَابَ، وَعَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ حَظَّهُ مِنْ الْمُصِيبَةِ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ، وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ مَرْفُوعًا «إنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» إسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَهُوَ إسْنَادُ حَدِيثِ «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا» وَلِذَاكَ إسْنَادٌ آخَرُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فِي مَحْمُودٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِم وَغَيْرُهُ: لَا صُحْبَةَ لَهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَزَادَ «وَمَنْ جَزِعَ

ص: 190

فَلَهُ الْجَزَعُ» .

وَعَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «إنَّ أَعْظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمِنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ» وَعَنْهُ أَيْضًا «إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ حَتَّى يُوَافِيَ رَبَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ الْأَوَّلَ وَرَوَى أَحْمَدُ الثَّانِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، وَعَلِمَ أَنَّ آخِرَ أَمْرِهِ الصَّبْرَ، وَهُوَ مُثَابٌ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «إنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى» وَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: إنَّكَ إنْ صَبَرْتَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَإِلَّا سَلَوْتَ الْبَهَائِمَ، وَعَلِمَ أَنَّ الَّذِي ابْتَلَاهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ لِيَمْتَحِنَ صَبْرَهُ وَيَسْمَعَ تَضَرُّعَهُ، وَيُخَوِّفَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: 76] وَقَالَ تَعَالَى {وَأَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف: 48] .

قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْقَادِرِ: يَا بُنَيَّ الْمُصِيبَةُ مَا جَاءَتْ لِتُهْلِكَ، وَإِنَّمَا جَاءَتْ لِتَمْتَحِنَ صَبْرَك وَإِيمَانَك، يَا بُنَيَّ الْقَدَرُ سَبُعٌ، وَالسَّبُعُ لَا يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، فَالْمُصِيبَةُ كِيرُ الْعَبْدِ، فَإِمَّا أَنْ يَخْرُجَ ذَهَبًا أَوْ خَبَثًا كَمَا قِيلَ:

سَبَكْنَاهُ وَنَحْسَبُهُ لُجَيْنًا

فَأَبْدَى الْكِيرُ عَنْ خَبَثِ الْحَدِيدِ

اللُّجَيْنُ الْفِضَّةُ جَاءَ مُصَغَّرًا مِثْلَ الثُّرَيَّا وَكُمَيْتٌ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْلَا الْمَصَائِبُ لَبَطَرَ الْعَبْدُ وَبَغَى وَطَغَى فَيَحْمِيهِ بِهَا مِنْ ذَلِكَ وَيُطَهِّرُهُ مِمَّا فِيهِ، فَسُبْحَانَ مِنْ يَرْحَمُ بِبَلَائِهِ، وَيَبْتَلِي بِنَعْمَائِهِ كَمَا قِيلَ:

ص: 191

قَدْ يُنْعِمُ اللَّهُ بِالْبَلْوَى وَإِنْ عَظُمَتْ

وَيَبْتَلِي اللَّهُ بَعْضَ الْقَوْمِ بِالنِّعَمِ

وَاعْلَمْ أَنَّ مَرَارَةَ الدُّنْيَا حَلَاوَةُ الْآخِرَةِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَلِهَذَا قَالَ: عليه السلام «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» وَقَالَ: «حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْعَاقِلَ مَنْ احْتَمَلَ مَرَارَةَ سَاعَةٍ لِحَلَاوَةِ الْأَبَدِ.

وَذُلَّ سَاعَةٍ لِعِزِّ الْأَبَدِ، هَذَا مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ حَتَّى نَظَرَ فِي الْعَوَاقِبِ وَالْغَايَاتِ، وَالنَّاسُ إلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ آثَرُوا الْعَاجِلَ لِمُشَاهَدَتِهِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يُحِبُّ رَبَّهُ وَأَنَّ الْمُحِبَّ وَأَنَّهُ إنْ أَسْخَطَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ فِي مَحَبَّتِهِ، وَلِهَذَا كَانَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رضي الله عنه يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: أَحَبُّهُ إلَيَّ أَحَبُّهُ إلَيْهِ، وَكَذَا أَبُو الْعَالِيَة وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: رضي الله عنه إنَّ اللَّهَ إذَا قَضَى قَضَاءً أَحَبَّ أَنْ يُرْضَى بِهِ، وَعَلِمَ أَنَّ مَرَاتِبَ الْكَمَالِ مَنُوطَةٌ بِالصَّبْرِ وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ، وَأَقَلُّ الْأَحْوَالِ أَنْ لَا يَتَّهِمَ رَبَّهُ فِي قَضَائِهِ لَهُ.

كَمَا رَوَى أَحْمَدُ حَدَّثَنَا حَسَنُ ثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ يَقُولُ: سَمِعْت عُبَادَة بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: إنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَتَصْدِيقٌ بِهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ قَالَ: أُرِيدُ أَهْوَنَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لَا تَتَّهِمْ اللَّهَ فِي شَيْءٍ قُضِيَ لَك» ابْنُ لَهِيعَةَ فِيهِ كَلَامٌ مَشْهُورٌ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ السُّلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «أَنَّ الْعَبْدَ إذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا، ابْتَلَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبْلِغَهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ عز وجل» رَوَاهُ أَحْمَدُ أَبُو دَاوُد، وَعَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا «لَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ نَكْبَةٌ فَمَا فَوْقَهَا أَوْ دُونَهَا إلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ.

فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ هَذِهِ الْأُمُورَ نَظَرَ فِيهَا وَتَأَمَّلَهَا صَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَحَصَلَ لَهُ مِنْ

ص: 192

خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالنَّاسُ فِي هَذَا مُتَفَاوِتُونَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأُمُورِ وَسَيَأْتِي آخِرَ فُصُولِ التَّدَاوِي. (فَصْلٌ فِي دَاءِ الْعِشْقِ) لَهُ مُنَاسَبَةٌ وَتَعَلُّقٌ بِهَذَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ مَا أَنْشَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ لِنَفْسِهِ:

يَقُولُونَ لِي فِي الصَّبْرِ رَوْحٌ وَرَاحَةٌ

وَلَا عَهْدَ لِي بِالصَّبْرِ مُذْ خُلِقَ الْحُبُّ

وَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّبْرَ كَالصَّبِرِ طَعْمُهُ

وَإِنَّ سَبِيلَ الصَّبْرِ مُمْتَنِعٌ صَعْبُ

وَقَدْ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ: السِّرُّ الْمَصُونُ اعْلَمْ أَنَّ مِنْ طَلَبَ أَفْعَالَهُ مِنْ حَيْثُ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ، فَلَمْ يَجِدْ يَعْتَرِضُ، وَهَذِهِ حَالَةٌ قَدْ شَمِلَتْ خَلْقًا كَثِيرًا مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالْجُهَّالِ أَوَّلَهُمْ إبْلِيسُ، فَإِنَّهُ نَظَرَ بِمُجَرَّدِ عَقْلِهِ فَقَالَ: كَيْفَ يُفَضَّلُ الطِّينُ عَلَى جَوْهَرِ النَّارِ؟ وَفِي ضِمْنِ اعْتِرَاضِهِ أَنَّ حِكْمَتَك قَاصِرَةٌ وَأَنَّ رَأْيِي أَجْوَدُ، فَلَوْ لَقِيت أَنَا إبْلِيسَ كُنْت أَقُولُ لَهُ: حَدِّثْنِي عَنْ فَهْمِك هَذَا الَّذِي رَفَعْت بِهِ أَمْرَ النَّارِ عَلَى الطِّينِ، أَهُوَ وَهَبَهُ لَك أَمْ حَصَلَ لَك مِنْ غَيْرِ مَوْهِبَتِهِ فَإِنَّهُ سَيَقُولُ: وُهِبَ لِي، فَأَقُولُ: أَفِيهِ لَك كَمَالُ الْفَهْمِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ حِكْمَتُهُ فَتَرَى أَنْتَ الصَّوَابَ، وَيَرَى هُوَ الْخَطَأَ؟ وَتَبِعَ إبْلِيسَ فِي تَغْفِيلِهِ وَاعْتِرَاضِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِثْلَ ابْنِ الرَّاوَنْدِيِّ وَالْمَعَرِّيّ وَمِنْ قَوْلِهِ:

إذَا كَانَ لَا يَحْظَى بِرِزْقِك عَاقِلٌ

وَتَرْزُقُ مَجْنُونًا وَتَرْزُقُ أَحْمَقَا

فَلَا ذَنْبَ يَا رَبَّ السَّمَاءِ عَلَى امْرِئٍ

رَأَى مِنْكَ مَا لَا يُشْتَهَى فَتَزَنْدَقَا

وَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ مُقْلَةَ يَقُول:

أَيَا رَبُّ تَخْلُقُ أَقْمَارَ لَيْلٍ

وَأَغْصَانَ بَانٍ وَكُثْبَانَ رَمْلِ

ص: 193

وَتُبْدِعُ فِي كُلِّ طَرْفٍ بِسِحْرٍ

وَفِي كُلِّ قَدٍّ وَسَبْقٍ بِشَكْلِ

وَتَنْهَى عِبَادَك أَنْ يَعْشَقُوا

أَيَا حَاكِمَ الْعَدْلِ ذَا حُكْمُ عَدْلِ

وَكَانَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ يَقُولُ: لَيْسَ عَلَى الْمَخْلُوقِ أَضَرُّ مِنْ الْخَالِقِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: دَخَلْت عَلَى صَدَقَةَ بْنِ الْحُسَيْنِ الْحَدَّادِ وَكَانَ فَقِيهًا غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ كَثِيرَ الِاعْتِرَاضِ، وَكَانَ عَلَيْهِ جَرَبٌ فَقَالَ: هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى جَمَلٍ لَا عَلَيَّ، وَكَانَ يَتَفَقَّدُهُ بَعْضُ الْأَكَابِرِ بِمَأْكُولٍ فَيَقُولُ: بُعِثَ لِي هَذَا عَلَى الْكِبَرِ وَقْتَ لَا أَقْدِرُ آكُلُهُ، وَكَانَ رَجُلٌ يَصْحَبُنِي قَدْ قَارَبَ ثَمَانِينَ سَنَةً كَثِيرَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَمَرِضَ وَاشْتَدَّ بِهِ الْمَرَضُ فَقَالَ لِي: إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ أَمُوتَ، فَيُمِيتَنِي، فَأَمَّا هَذَا التَّعْذِيبُ فَمَا لَهُ مَعْنًى.

وَاَللَّهُ لَوْ أَعْطَانِي الْفِرْدَوْسَ كَانَ مَكْفُورًا. وَرَأَيْت آخَرَ يَتَزَيَّا بِالْعِلْمِ إذَا ضَاقَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ يَقُولُ أَيْشٍ هَذَا التَّدْبِيرُ؟ وَعَلَى هَذَا كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ إذَا ضَاقَتْ أَرْزَاقُهُمْ اعْتَرَضُوا، وَرُبَّمَا قَالُوا: مَا تُرِيدُ نُصَلِّي. وَإِذَا رَأَوْا رَجُلًا صَالِحًا يُؤْذَى قَالُوا: مَا يَسْتَحِقُّ، قَدْ حَافَ الْقَدَرُ، وَكَانَ قَدْ جَرَى فِي زَمَانِنَا تَسَلُّطٌ مِنْ الظَّلَمَةِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ يَتَزَيَّا بِالدِّينِ: هَذَا حُكْمٌ بَارِدٌ، وَمَا فَهِمَ ذَاكَ الْأَحْمَقُ أَنَّ اللَّهَ يُمْلِي لِلظَّالِمِ. وَفِي الْحَمْقَى مَنْ يَقُولُ: أَيُّ فَائِدَةٍ فِي خَلْقِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، وَمَا عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ أُنْمُوذَجٌ لِعُقُوبَةِ الْمُخَالِفِ وَبَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ مَنْ يَتَزَيَّا بِالْعِلْمِ أَنَّهُ قَالَ: اشْتَهَيْت أَنْ يَجْعَلَنِي وَزِيرًا فَأَدْبَرَ. وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ شَاعَ فَلِهَذَا مَدَدْت النَّفْسَ فِيهِ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ قَدْ ارْتَفَعَ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا وَعَلَا عَلَى الْخَالِقِ بِالتَّحَكُّمِ عَلَيْهِ، وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ كَفَرَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ رَأَوْا حِكْمَةَ الْخَالِقِ قَاصِرَةٌ. وَإِذَا كَانَ تَوَقُّفُ الْقَلْبِ عَنْ الرِّضَا بِحُكْمِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ عَنْ الْإِيمَانِ.

قَالَ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65] .

ص: 194

فَكَيْف يَصِحُّ الْإِيمَانُ مَعَ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى؟ وَكَانَ فِي زَمَنِ ابْن عَقِيلٍ رَجُلٌ رَأَى بَهِيمَةً عَلَى غَايَةٍ مِنْ السَّقَمِ فَقَالَ: وَا رَحْمَتِي لَك، وَا قِلَّةَ حِيلَتِي فِي إقَامَةِ التَّأْوِيلِ لِمُعَذِّبِكِ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَقِيلٍ: إنْ لَمْ تَقْدِرْ عَلَى حَمْلِ هَذَا الْأَمْرِ لِأَجْلِ رِقَّتِكَ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَمُنَاسَبَتِك الْجِنْسِيَّةِ، فَعِنْدَك عَقْلٌ تَعْرِفُ بِهِ تَحَكُّمَ الصَّانِعِ، وَحِكْمَتُهُ تُوجِبُ عَلَيْك التَّأْوِيلَ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ اسْتَطْرَحْت لِفَاطِرِ الْعَقْلِ، حَيْثُ خَانَكَ الْعَقْلُ عَنْ مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ.

وَاعْلَمْ أَنَّ رِضَا الْعَقْلِ بِأَفْعَالِ الْخَالِقِ سبحانه وتعالى أَوْ فِي الْعِبَادَاتِ أَشَدِّهَا وَأَصْعَبِهَا. ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ ابْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ: وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى الْعَجْزِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْعَوَاقِبِ فَقَالَ تَعَالَى: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ.

فَفِي عُقُولِنَا قُوَّةُ التَّسْلِيمِ وَلَيْسَ فِيهَا قُدْرَةُ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ. وَقَدْ يَدْعُو الْإِنْسَانُ فَلَا يُجَابُ فَيَنْدَمُ، وَهُوَ يُدْعَى إلَى الطَّاعَةِ فَيَتَوَقَّف، فَالْعَجَبُ مِنْ عَبِيدٍ يَقْتَضُونَ الْمَوَالِيَ اقْتِضَاءَ الْغَرِيمِ، وَلَا يَقْتَضُونَ الْغَرِيمَ وَلَا يَقْتَضُونَ أَنْفُسَهُمْ بِحُقُوقِ الْمَوَالِي.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَمَنْ تَأَمَّلَ دَقَائِقَ حِكْمَتِهِ وَمَحَاسِنَ صِفَاتِهِ أَخْرَجَهُ حُبُّهُ إلَى الْهَيَمَانِ فِيهِ، فَإِنَّ الْمَعَانِيَ الْمُسْتَحْسَنَةَ تُحَبُّ أَكْثَرَ مِنْ الصُّوَرِ، وَلِهَذَا تُحِبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهم لِمَعَانِيهِمْ لَا لِصُوَرِهِمْ، فَكَيْفَ لَا تَقَعُ الْمَحَبَّةُ الْمُخْتَصَّةُ بِالْكَمَالِ الْمُنَزَّهِ عَنْ نَقْصٍ؟ فَوَا أَسَفَا لِلْغَافِلِينَ عَنْهُ، وَوَا حَسْرَتَا لِلْجَاهِلِينَ بِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ قَبْلَ ذَلِكَ: مَنْ نَظَرَ إلَى أَفْعَالِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْلِ أَنْكَرَ، فَأَمَّا مَنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَالِكٌ وَحَكِيمٌ، وَأَنَّ حِكْمَتَهُ قَدْ تَخْفَى سَلَّمَ لِمَا لَمْ يَعْلَمْ عِلَّتَهُ بِأَفْعَالِهِ مُسْلِمًا إلَى حِكْمَتِهِ.

وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ لَمْ يَحْتَرِزْ بِعَقْلِهِ مِنْ عَقْلِهِ هَلَكَ بِعَقْلِهِ. وَهَذَا

ص: 195

كَلَامٌ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، فَإِنَّا إذَا قُلْنَا لِلْعَقْلِ هُوَ حَكِيمٌ قَالَ: لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنِّي قَدْ رَأَيْت عَجَائِبَ أَفْعَالِهِ الْمُحْكَمَةِ فَعَلِمْت أَنَّهُ حَكِيمٌ، فَإِذَا رَأَيْت مَا يُصْدَرُ مَا ظَاهِرُهُ يُنَافِي الْحِكْمَةَ، نَسَبْت الْعَجْزَ إلَيَّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ تَسْلِيمُ الْعُقُولِ لِمَا يُنَافِيهَا، وَذَلِكَ عِبَادَةُ الْعُقُولِ قَالَ: وَصَارَ هَذَا كَمَا خَفِيَ عَنْ مُوسَى حِكْمَةُ فِعْلِ الْخَضِرِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى الْعَامِّيِّ مَا يَفْعَلُهُ الْمَلِكُ فَقَدْ قَالَ الْمُتَنَبِّي:

يَدِقُّ عَنْ الْأَفْكَارِ مَا أَنْتَ فَاعِلُ

وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: الْوَاحِدُ مِنْ الْعَوَامّ إذَا رَأَى مَرَاكِبَ مُقَلَّدَةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَدُورًا مَشِيدَةً مَمْلُوءَةً بِالْخَدَمِ وَالزِّينَةِ قَالَ: اُنْظُرْ إلَى مَا أَعْطَاهُمْ مَعَ سُوءِ أَفْعَالِهِمْ، وَلَا يَزَالُ يَلْعَنُهُمْ وَيَذُمُّ مُعْطِيَهُمْ وَيَسْقَفُ حَتَّى يَقُولَ: فُلَانٌ يُصَلِّي الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعِ، وَلَا يَذُوقُ قَطْرَةَ خَمْرٍ، وَلَا يُؤْذِي الذَّرَّ، وَلَا يَأْخُذُ مَا لَيْسَ لَهُ، وَيُؤَدِّي الزَّكَاةَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ، وَيَحُجُّ وَيُجَاهِدُ، وَلَا يَنَالُ خُلَّةً بِقُلَّةٍ، وَيُظْهِرُ الْإِعْجَابَ كَأَنَّهُ يَنْطِقُ عَنْ تَخَايُلِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الشَّرَائِعُ حَقًّا لَكَانَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ مَا نَرَى، وَكَانَ الصَّالِحُ غَنِيًّا وَالْفَاسِقُ فَقِيرًا. مَا ذَاكَ إلَّا لِأَنَّهُ لَحَظَ أَنَّ اللَّهَ أَعْطَى هَذَا أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ وَالْوُقُوفِ، بِأَنْ يَأْكُلَ الرِّبَا وَيُفَاسِدَ الْعُقُودَ، وَهَذَا افْتِئَاتٌ وَتَجَوُّزٌ وَسَخَطٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

فَإِنَّ لِلَّهِ كِتَابًا قَدْ مَلَأَهُ بِالنَّهْيِ وَحِرْمَانِ أَخْذِ الْمَالِ الْحَرَامِ وَأَكْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَوْ كَانَ مُنْصِفًا لَقَالَ لَهُ تَدَبَّرْ هَذَا كِتَابُ اللَّهِ مَمْلُوءٌ بِالنَّهْيِ وَالْوَعِيدِ، فَصَارَ الْفَرِيقَانِ مَلْعُونَيْنِ، هَذَا بِكُفْرِهِ وَهَذَا بِارْتِكَابِ النَّهْيِ. وَمِنْ الْفَسَادِ فِي هَذَا الِاعْتِقَادِ أَنَّهُ لَا يُبْقِي فِي الْعَقْلِ ثِقَةً إلَى دَلَالَةٍ قَامَتْ عَلَى شَرِيعَةٍ أَوْ حُكْمٍ.

فَإِنَّ يَنْبُوعَ الثِّقَةِ وَمَصْدَرَهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يُؤَيِّدُ غَيْرَ الصَّادِقِ، وَلَا يُلْبِسُ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ.

فَإِذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فَلَا ثِقَةَ وَقَالَ أَيْضًا: إذَا تَأَمَّلَ الْمُتَدَيِّنُ أَفْعَالَ الْخَلْقِ فِي مُقَابَلَةِ إنْعَامِ الْحَقِّ اسْتَكْثَرَ لَهُمْ شَمَّ الْهَوَاءِ، وَاسْتَقَلَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَكْثَرَ الْبَلَاءِ، إذَا رَأَى هَذِهِ الدَّارَ الْمُزَخْرَفَةَ بِأَنْوَاعِ الزَّخَارِيفِ، الْمُعَدَّةَ لِجَمِيعِ التَّصَارِيفِ وَاصْطِبَاغًا وَأَشْرِبَةً وَأَدْوِيَةً، وَأَقْوَاتًا

ص: 196

وَإِدَامًا وَفَاكِهَةً، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَقَاقِيرِ، ثُمَّ إرْخَاءَ السَّحَابِ بِالْغُيُوثِ فِي زَمَنِ الْحَاجَاتِ ثُمَّ تَطْيِيبَ الْأَمْزِجَةِ وَإِحْيَاءَ النَّبَاتِ، وَخَلْقَ هَذِهِ الْأَبْنِيَةِ عَلَى أَحْسَنِ إتْقَانٍ، وَتَسْخِيرَ الرِّيَاحِ وَالنَّسِيمِ الْمُعَدِّ لِلْأَنْفَاسِ، إلَى غَيْر ذَلِكَ مِنْ النِّعَمِ، ثُمَّ نِعْمَةَ الْعَقْلِ وَالذِّهْنِ ثُمَّ سَائِرَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى الصَّانِعِ، ثُمَّ إنْزَالَ الْكُتُبِ الَّتِي تَحُثُّ عَلَى الطَّاعَاتِ وَتَرْدَعُ عَنْ الْمُخَالَفَةِ، ثُمَّ اللُّطْفَ بِالْمُكَلَّفِ، وَإِبَاحَةَ الشِّرْكِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَرَ بِالْجُمُعَةِ فَضَايَقُوهُ فِي سَاعَةِ السَّعْي بِنَفْسِ مَا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْبَيْعِ فِي أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ، وَعَظَّمُوا كُلَّ مَا هَوَّنَهُ وَارْتَكَبُوا كُلَّ مَا هَوَّنَهُ حَتَّى اسْتَخَفُّوا بِحُرْمَةِ كِتَابِهِ، فَأَنَا أَسْتَقِلُّ لَهُمْ كُلَّ مِحْنَةً.

وَقَالَ أَيْضًا: لَا تَتِمُّ الرُّجْلَةُ فِي الْعَبْدِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَقَامِ اخْتِلَالِ أَحْوَالِهِ، وَإِشْبَاطِ أَخْلَاطِهِ وَأَفْرَاحِهِ، وَتَسَلُّطِ أَعْدَائِهِ ثَابِتًا بِثُبُوتِ الْمُتَلَقِّي وَالْمُتَوَقِّي، فَيَتَلَقَّى النِّعَمَ بِالشُّكْرِ لَا بِالْبَطَرِ، مُتَمَاسِكًا عَنْ تَحَرُّكِ الرَّعَنِ، وَعِنْدَ الْمَصَائِبِ مُسْتَسْلِمًا نَاظِرًا إلَى الْمُبْتَلَى بِعَيْنِ الْكَمَالِ، وَعِنْدَ اشْتِطَاطِ الْغَضَبِ مُتَلَقِّيًا بِالْحُكْمِ، وَعِنْدَ الشَّهَوَاتِ مُسْتَحْضِرًا لِلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَسُبْحَانَ مَنْ كَمَنَ جَوَاهِرَ الرِّجَالِ فِي هَذِهِ الْأَجْسَادِ، ثُمَّ أَظْهَرَهَا بِابْتِلَائِهِ لِيُعْطِيَ عَلَيْهَا جَزِيلَ ثَوَابِهِ، وَيَجْعَلَهَا حُجَّةً عَلَى بَقِيَّةِ عِبَادِهِ.

وَقَالَ: زِنُوا أَنْفُسَكُمْ: مِنْ الْمَبَادِئِ مَاءٌ وَطِينٌ، وَفِي الثَّوَانِي مَاءٌ مَهِينٌ، وَفِي الْوَسَطِ عَبِيدٌ مَحَاوِيج لَوْ حُبِسَ عَنْكُمْ نَسِيمُ الْهَوَاءِ لَأَصْبَحْتُمْ جِيَفًا، وَلَوْ مُكِّنَتْ مِنْكُمْ الْبُقُوقُ عَنْ السِّبَاعِ لَأَكَلَتْكُمْ، كُونُوا مُتَعَرِّفِينَ لَا عَارِفِينَ.

وَقَالَ لَنَا: عِنْدَك ذَخَائِرُ وَوَدَائِعُ بِاَللَّهِ لَا تَضَعْهَا فِي التُّرَّهَاتِ، وَدُمُوعٌ وَدِمَاءٌ وَنُفُوسٌ، بِاَللَّهِ لَا تَجْرِي الدُّمُوعَ إلَّا عَلَى مَا فَاتَ وَيَفُوتُ، وَلَا تُرِقْ الدِّمَاءَ، إلَّا فِي مُكَافَحَةِ الْأَعْدَاءِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِنَا، وَأَنْفَاسٌ مِنْ نَفَائِسِ الذَّخَائِرِ، فَبِحَقِّنَا لَا تَتَنَفَّسْ الصُّعَدَاءَ إلَّا فِي الشَّوْقِ إلَيْنَا، وَالتَّأَسُّفِ عَلَيْنَا.

ص: 197

كَمْ نَخْلَعُ عَلَيْك خِلْعَةً نَفِيسَةً تَبْذُلُهَا فِي الْأَقْذَارِ، وَتَخْلُقُهَا فِي خِدْمَةِ الْأَغْيَارِ، اشْتَغَلْتَ بِالصُّوَرِ، شَغْلَ الْأَطْفَالِ بِاللَّعِبِ، فَاتَتْكَ أَوْقَاتٌ لَا تَتَلَافَى إلَى أَنْ قَالَ: فَإِنْ كَسَرْنَا عَلَيْك لُعْبَةً مِثْلَ أَنْ نَسْلُبَك وَلَدًا مَنَحْنَاهُ، أَخَذْت تُضَيِّعُ الدُّمُوعَ وَتَخْرُقُ الْجُيُوبَ، وَا أَسَفَا عَلَى أَوْقَاتٍ فَاتَتْ، أَمَا رَأَيْت الْمُتَدَارِكِينَ هَذَا يَقُولُ: هَلَكْت وَأَهْلَكْت، وَهَذَا يَقُولُ: زَنَيْت فَطَهِّرْنِي، زَاهِدًا فِي مُصَاحَبَةِ نَفْسٍ خَائِنَةٍ فِيمَا عَاهَدَتْ، وَصَاحِبُ الشَّرْعِ يُقِيمُ لَهَا التَّأْوِيلَ وَيَقُولُ:" لَعَلَّكَ قَبِلْت " وَذَاكَ مُصِرٌّ عَلَى التَّشَفِّي مِنْ النَّفْسِ الْمُخَالِفَةِ لِلْحَقِّ، أَتُرَاهُ سَلَّطَ هَذِهِ الْبَلَاوِيَ إلَّا لِيُظْهِرَ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالْغَيْرَةِ؟ تُرَى لَوْ دَامَ الْخَلِيلُ وَالذَّبِيحُ فِي كَتْمِ الْعَزْمِ، كَانَ وُجِدَ لِأَخْذِ قَدَمٍ، إلَى أَنْ قَالَ: فَصَارَ الْوَلَدُ كَالشَّاةِ الْمُعَدَّةِ لِلذَّبْحِ. أَخْجَلَ وَاَللَّهِ هَذَا الْجَوْهَرُ الَّذِي أَظْهَرَهُ الِامْتِحَانُ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ.

{قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ} [البقرة: 30] . أَيْنَ التَّسْبِيحُ مِنْ عَزْمِ الذَّبْحِ وَبَذْلِ الذَّبِيحِ؟ لَقَدْ تَرَكَتْ هَذِهِ الْمَكَارِمُ رُءُوسَ الْكُلِّ مُنَكَّسَةً خَجَلًا بِبُخْلِهِمْ شَاةً مِنْ أَرْبَعِينَ، وَنِصْفَ دِينَارٍ مِنْ عِشْرِينَ. وَتَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ الدَّبُوسِيِّ الْحَنَفِيِّ: إنَّ الدُّنْيَا دَارُ جَزَاءٍ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ، فَأَمَّا لِحَقِّهِ فَيَتَأَخَّرُ إلَى الْآخِرَةِ، وَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ انْتَهَى كَلَامُهُ. قَالَ تَعَالَى:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} [فاطر: 45] وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] .

وَقِيلَ لِأَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ مَا بَالُ الْعُقَلَاءِ أَزَالُوا اللَّوْمَ عَمَّنْ أَسَاءَهُمْ، قَالَ: إنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ إنَّمَا ابْتَلَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ. وَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ. وَلِابْنِ مَاجَهْ

ص: 198

وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ» وَلِأَحْمَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا «مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَقَدْ أَخْطَأَ أَوْ هَمَّ بِخَطِيئَةٍ لَيْسَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا» وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيح عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} [النجم: 32]

إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا

وَأَيُّ عَبْدٍ لَك إلَّا أَلَمَّا.

ص: 199