الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الْغَرَائِبِ وَعَمَّا لَا يُنْتَفَعُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ]
قَالَ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلَنِي رَجُلٌ مَرَّةً عَنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَمُسْلِمُونَ هُمْ؟ فَقُلْتُ لَهُ أَحْكَمْتَ الْعِلْمَ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ ذَا وَقَالَ أَيْضًا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سَأَلَ بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ عَنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ فَصَاحَ بِهِ وَقَالَ يَا صَبِيُّ أَنْتَ تَسْأَلُ عَنْ ذَا وَقَالَ حَنْبَلٌ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَسَأَلَهُ ابْنُ الشَّافِعِيِّ الَّذِي وَلِيَ قَضَاءَ حَلَبَ قَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ذَرَارِيُّ الْمُشْرِكِينَ أَوْ الْمُسْلِمِينَ لَا أَدْرِي أَيُّهُمَا سَأَلَ عَنْهُ، فَصَاحَ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ لَهُ: هَذِهِ مَسَائِلُ أَهْلِ الزَّيْغِ مَا لَكَ وَلِهَذِهِ الْمَسَائِلِ؟ فَسَكَتَ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعُدْ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى خَرَجَ.
وَنَقَلَ أَحْمَدُ بْنُ أَصْرَمَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي اللِّعَانِ فَقَالَ سَلْ رَحِمَكَ اللَّهُ عَمَّا اُبْتُلِيتَ بِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ لَهُ دَعْنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُحْدَثَةِ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ أُخْرَى فَغَضِبَ وَقَالَ: خُذْ وَيْحَكَ فِيمَا تَنْتَفِعُ بِهِ وَإِيَّاكَ وَهَذِهِ الْمُحْدَثَةَ وَخُذْ فِي شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثٌ وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ قَالَ دَعْنَا لَيْتَ أَنَّا نُحْسِنُ مَا جَاءَ فِيهِ الْأَثَرُ وَقَالَ مُهَنَّا سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ دَارِهِ سَنَةً بِعَبْدٍ فَلَمْ يَسْكُنْ الدَّارَ وَأَبَقَ الْعَبْدُ، فَقَالَ لِي اعْفِنَا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَسَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الْمَرِيضِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَضْعُفُ عَنْ الصَّوْمِ قَالَ: يُفْطِرُ قُلْتُ: يَأْكُلُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَيُجَامِعُ امْرَأَتَهُ قَالَ: لَا أَدْرِي فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ فَحَوَّلَ وَجْهَهُ عَنِّي.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ جَيَّانَ الْقَطِيعِيُّ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ: أَتَوَضَّأُ بِمَاءِ النُّورَةِ؟ فَقَالَ مَا أُحِبُّ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَتَوَضَّأُ بِمَاءِ الْبَاقِلَّا قَالَ: مَا أُحِبُّ ذَلِكَ قَالَ: ثُمَّ قُمْتُ فَتَعَلَّقَ بِثَوْبِي وَقَالَ: أَيْشٍ تَقُولُ
إذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ: أَيْشٍ تَقُولُ إذَا خَرَجْتُ مِنْ الْمَسْجِدِ؟ فَسَكَتَ فَقَالَ: اذْهَبْ فَتَعَلَّمْ هَذَا.
وَعَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ قَالَ لِي إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ إيَّاكَ وَمَا يَسْتَشْنِعُ النَّاسُ مِنْ الْكَلَامِ، وَعَلَيْكَ بِمَا يَعْرِفُ النَّاسُ مِنْ الْقَضَاءِ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِرَأْيِهِ أَوْ فِي أَمْرِ خُصُومَةٍ.
وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثٍ عَنْ طَاوُسِ عَنْ ابْن عُمَرَ قَالَ: لَا تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ فَإِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ يَنْهَى أَنْ يُسْأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ.
وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا كَانُوا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا سَأَلُوا إلَّا عَنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ، كُلُّهُنَّ فِي الْقُرْآنِ وَمَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ مَا أَنْزَلَ الْبَلَاءَ إلَّا كَثْرَةُ السُّؤَالِ.
وَرَوَى ذَلِكَ الْخَلَّالُ.
وَقَدْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَحْمَدَ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَنْفَعُ السَّائِلَ وَيَتْرُكُ مَا يَنْفَعُهُ وَيَحْتَاجُهُ، وَإِنَّ الْعَامِّيَّ يَسْأَلُ عَمَّا يَعْلَمُ بِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [المائدة: 101] .
وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الشَّيْءِ قَبْلَ وُقُوعِهِ.
وَفِي حَدِيثِ اللِّعَانِ «فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا» .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا «كَانَ يَنْهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ
وَإِضَاعَةِ الْمَالِ، وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَفِي لَفْظٍ إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِيهِمَا عَنْ سَعْدٍ مَرْفُوعًا قَالَ:«أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ» .
قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَنْ سَأَلَ تَكَلُّفًا أَوْ تَعَنُّتًا عَمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ فَأَمَّا مَنْ سَأَلَ لِضَرُورَةٍ بِأَنْ وَقَعَتْ لَهُ مَسْأَلَةٌ فَسَأَلَ عَنْهَا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا يَحْنَثُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ كَرِهَ السَّلَفُ السُّؤَالَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ كَوْنِهَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَإِنَّمَا سَأَلَ بِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ قَبْلَ الْوَاقِعَةِ وَقَدْ يَتَغَيَّرُ اجْتِهَادُهُ عِنْدَهَا. وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» وَقَالَ طَاوُسِ عَنْ عُمَرَ لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَسْأَلُوا عَمَّا لَمْ يَكُنْ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي الْفَتْحُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَهَذِهِ الْعَضْلَ فَإِنَّهَا إذَا نَزَلَتْ بَعَثَ اللَّهُ لَهَا مِنْ يُقِيمُهَا أَوْ يُفَسِّرُهَا، وَرُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ نَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الصَّلْتِ بْنِ رَاشِدٍ قَالَ: سَأَلْتُ طَاوُسًا عَنْ شَيْءٍ فَقَالَ: أَكَانَ هَذَا قُلْتُ نَعَمْ. فَحَلَّفَنِي فَحَلَفْت لَهُ.
فَقَالَ: إنَّ أَصْحَابَنَا حَدَّثُونَا عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: " أَيُّهَا النَّاسُ لَا تَعَجَّلُوا بِالْبَلَاءِ قَبْلَ نُزُولِهِ فَيَذْهَبَ بِكُمْ هَهُنَا وَهَهُنَا وَإِنَّكُمْ إنْ لَمْ تَعَجَّلُوا لَمْ يَنْفَكَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ إذَا سُئِلَ سُدِّدَ، أَوْ قَالَ وُفِّقَ " وَرَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَ ذَلِكَ لِلْمُتَفَقِّهَةِ لِيُرْشِدُوا إلَى طَرِيقِ النَّظَرِ قَالَ: وَالرَّأْيِ، قَالَ وَعَلَى ذَلِكَ وَضَعَ الْفُقَهَاءُ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ وَأَخْبَرُوا بِآرَائِهِمْ فِيهَا.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ انْطَلِقْ فَأَفْتِ النَّاسَ فَمَنْ سَأَلَكَ عَمَّا يَعْنِيهِ فَأَفْتِهِ، وَمَنْ سَأَلَكَ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ فَلَا تُفْتِهِ فَإِنَّك تَطْرَحُ عَنْ نَفْسِك ثُلْثَيْ مُؤْنَةِ النَّاسِ.
وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَفِيهِ انْطَلِقْ فَأَفْتِ النَّاسَ وَأَنَا لَكَ عَوْنٌ قَالَ قُلْتُ لَوْ أَنَّ هَذَا النَّاسَ مِثْلَهُمْ مَرَّتَيْنِ لَأَفْتَيْتُهُمْ.
وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» وَقَدْ أَذِنَ عليه السلام فِي الْكِتَابَةِ. فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ عليه السلام «اُكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ» وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْن عُمَرَ «أَنَّهُ عليه السلام أَوَمَأَ بِإِصْبَعِهِ إلَى فِيهِ وَقَالَ: اُكْتُبْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا حَقٌّ» وَأَمَرَ عليه السلام فِي الْكِتَابَةِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ.
فَأَمَّا قَوْلُ الْعَالِمِ لِلنَّاسِ سَلُونِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَلُونِي فَهَابُوا أَنْ يَسْأَلُوهُ فَجَاءَ رَجُلٌ فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْإِسْلَامُ» الْحَدِيثَ. أَيْ سَلُونِي عَمَّا تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ، فَلَا تَعَارَضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلَ فَيَسْأَلُهُ» الْحَدِيثُ.
وَفِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَهْفِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: سَلُونِي. وَأَمَّا جُلُوسُ الْعَالِمِ فِي حَلْقَةٍ فَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كُنَّا قُعُودًا حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَنَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي نَفَرٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَخَشِينَا أَنْ يَنْقَطِعَ دُونَنَا
وَفَزِعْنَا فَقُمْنَا فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ فَزِعَ» .
الْحَدِيثَ يُقَالُ قَعَدْنَا حَوْلَهُ وَحَوَلَيْهِ وَحَوْلَيْهِ وَحَوَلَهُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ فِي جَمِيعِهَا أَيْ جَوَانِبُهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: وَلَا يُقَالُ حَوَالِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيُقَالُ نَحْنُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَظَهْرَيْكُمْ وَظَهْرَانِيكُمْ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ: بَيْنكُمْ، وَالْفَزَعُ يَكُونُ بِمَعْنَى الرَّوْعِ وَبِمَعْنَى الْهُبُوبِ لِلشَّيْءِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ وَبِمَعْنَى الْإِغَاثَةِ.
قَالُوا: وَفِي هَذَا الْخَبَرِ اهْتِمَامُ الْأَتْبَاعِ بِحُقُوقِ مَتْبُوعِهِمْ وَالِاعْتِنَاءُ بِتَحْصِيلِ مَصَالِحِهِمْ وَدَفْعِ الْمَفَاسِدِ عَنْهُمْ، وَفِيهِ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَائِطًا لِلْأَنْصَارِ وَهُوَ الْبُسْتَانُ وَأَنَّهُ عليه السلام أَعْطَاهُ نَعْلَيْهِ وَقَالَ: اذْهَبْ بِنَعْلَيَّ أَيْ عَلَامَةً فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ وَأَنَّهُ لَقِيَ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ قَالَ: فَضَرَبَ عُمَرُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ فَخَرَرْتُ لِاسْتِي، فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ. وَقَوْلُهُ فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَجَهَشْتُ أَيْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَتَهَيَّأَ لِلْبُكَاءِ وَأَنَّهُ أَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ يَا عُمَرُ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ أَيْ بِكَذَا قَالَ نَعَمْ قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَتَّكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا فَخَلِّهِمْ يَعْمَلُونَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَلِّهِمْ» وَفِي هَذَا الْخَبَرِ فَوَائِدُ.