المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فصل في العلاج وحفظ الصحة بدفع كل شيء بضده] - الآداب الشرعية والمنح المرعية - جـ ٢

[شمس الدين ابن مفلح]

فهرس الكتاب

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْمَلَكَةِ وَسُوءِ الْمَلَكَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْإِخْوَانِ وَسُؤَالِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدَبِ وَالتَّوَاضُعِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَحَظِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْجِوَارِ]

- ‌[فَصْلُ فِي حُبِّ الْفَقْرِ وَالْمَوْتِ وَالْحَذَرِ مِنْ الدُّنْيَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَحْدَةِ وَالْعُزْلَةِ وَالتَّوَاضُعِ فِي سِيرَةِ أَحْمَدَ]

- ‌[فَصْلٌ الْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ وَمَا قِيلَ فِي تَسَاوِيهَا وَعَدَمِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَمَا يُبْدَأُ بِهِ مِنْهُ وَمَا هُوَ فَرِيضَةٌ مِنْهُ وَفَضْلِ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ مَوْعِظَةُ الْعُلَمَاءِ الْمُتَّقِينَ بِالشِّعْرِ]

- ‌[فَصْلٌ الْعِلْمُ مَوَاهِبُ مِنْ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ يُنَالُ بِالتَّقْوَى وَالْعَمَلِ لَا بِالْحَسَبِ]

- ‌[فَصْلٌ الْحَذَرُ مِنْ الْقَوْلِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالظَّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَوْلِ الْعَالِمِ لَا أَدْرِي وَاتِّقَاءِ التَّهَجُّمِ عَلَى الْفَتْوَى]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْفَهْمِ فِي الْفِقْهِ وَالتَّثْبِيتِ وَعِلْمِ مَا يُخْتَلَفُ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ السُّؤَالِ عَنْ الْغَرَائِبِ وَعَمَّا لَا يُنْتَفَعُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأُغْلُوطَاتِ وَالْمُغَالَطَةِ وَسُوءِ الْقَصْدِ بِالْأَسْئِلَةِ]

- ‌[فَصْلٌ هَدْيُ النَّبِيِّ فِي التَّنْبِيهِ وَصَرَاحَتُهُ فِي التَّعْلِيمِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ الْكَلَامِ فِي الْوَسَاوِسِ وَخَطَرَاتِ الْمُتَصَوِّفَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَعْظِ الْقُصَّاصِ وَنَفْعِهِمْ وَضَرَرِهِمْ وَكَذِبِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ كَرَاهَةُ التَّشَدُّقِ فِي الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِرَاءَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُصَّاصِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّخَوُّلِ بِالْمَوْعِظَةِ خَشْيَةَ الْمَلَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُكْمِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَمَتَى يَكُونُ بِدْعَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْمُحَدِّثِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إنْصَافِ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَمَنْ كَانَ يُحَابِي فِي التَّحْدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يُودَعَ الْعِلْمُ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ عَنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَانُوا صِغَارَ السِّنِّ]

- ‌[فَصْلٌ الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ خَيْرُ النَّاسِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْخَيْرِ أَهْلُهُ وَجِيرَانُهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَنْ يَتَلَقَّى الْعِلْمَ مِمَّنْ يَنْتَفِعُ مِنْهُ بِغَيْرِ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَحْوِ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ دَفْنِهَا إذَا كَانَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُتَعَارِضَةِ فِيهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَفِقْهِهِ وَكَرَاهَةِ طَلَبِ الْغَرِيبِ وَالضَّعِيفِ مِنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ مَعْرِفَةُ عِلَلِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِلْمِ الْإِعْرَابِ لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي إصْلَاحِ اللَّحْنِ الْعَارِضِ لِمَتْنِ الْحَدِيثِ، وَمَتَى يَجُوزُ التَّحْدِيثُ وَمَنْ يُقَدَّمُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَكَانَةِ حُفَّاظِ الْحَدِيثِ وَإِقْبَالِ الْأُلُوفِ عَلَى مَجَالِسِهِمْ، وَحَسَدِ الْخُلَفَاءِ لَهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْدِيمِ النِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالْإِخْلَاصِ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي جَرْحِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ لِبَيَانِ الْحَقِيقَةِ وَمَعْرِفَةِ الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَطَإِ الثِّقَاتِ وَكَوْنِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي صِفَاتِ مَنْ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالدِّينُ وَمَنْ لَا يُؤْخَذُ عَنْهُمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سَمْتِ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ عَنْهُمْ الْحَدِيثُ وَالْعِلْمُ وَهَدْيِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الْعِلْمِ وَالرِّحْلَةِ عَنْ غَيْرِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَطَرِ كِتْمَانِ الْعِلْمِ وَفَضْلِ التَّعْلِيمِ وَمَا قِيلَ فِي أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَيْهِ]

- ‌[فَصْلٌ مُخَاطَبَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي وَضْعِ الْعَالِمِ الْمِحْبَرَةَ بَيْن يَدَيْهِ وَجَوَازِ اسْتِمْدَادِ الرَّجُلِ مِنْ مِحْبَرَةِ غَيْرِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكِتَابَةِ وَالْكُتُبِ وَالْكُتَّابِ وَأَدَوَاتِهِمْ الْكِتَابِيَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ فِي كِتَابِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أَوْ رِضَاهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَذْلِ الْعِلْمِ وَمِنْهُ إعَارَةُ الْكُتُبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قِيَامِ أَهْلِ الْحَدِيثِ اللَّيْلَ وَخُشُوعِهِمْ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَدَبِ مَعَ الْمُحَدِّثِ وَمِنْهُ التَّجَاهُلُ وَالْإِقْبَالُ وَالِاسْتِمَاعُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا تَطْلُبْ مِنْ صَاحِبِ دُنْيَا حَاجَةً]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْمُذَاكَرَةِ عَنْ النَّوَافِلِ وَفَضْلِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَصْدِقَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالشَّفَاعَةِ فِيهَا لَدَى الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَاطِينِ]

- ‌[فَصْلٌ رَجُلٌ لَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ وَلَهُ قَرَابَةٌ وَلَهُمْ وَلِيمَةٌ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ الشَّكْوَى مِنْ الْمَرَضِ وَالضَّيْرِ وَاسْتِحْبَابِ حَمْدِ اللَّهِ قَبْلَ ذِكْرَهُمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي شُكْرِ النِّعَمِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ وَفَوَائِدِهِ فِي الِالْتِجَاءِ إلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصَّبْرِ وَالصَّابِرِينَ وَفَوَائِدِ الْمَصَائِبِ وَالشَّدَائِدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْتِقَاطِ مَا يَقَعُ عَلَى الْأَرْضِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَدَبِ الصُّحْبَةِ وَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْمَلَلِ وَالْقَطِيعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَيَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْبَصِيرَةِ وَالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ]

- ‌[فَصْلٌ إنْكَارُ أَحْمَدَ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَتَوَاضُعُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَى مَعْرُوفٍ الْكَرْخِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي دُعَاءِ الْمَظْلُومِ عَلَى ظَالِمِهِ وَشَيْءٍ مِنْ مَنَاقِبِ أَحْمَدَ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِخَارَةِ وَهَلْ هِيَ فِيمَا يَخْفَى أَوْ فِي كُلِّ شَيْءٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي حَقِيقَةِ الزُّهْدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَخْبَارِ الْعَابِدَاتِ وَالْعَابِدِينَ وَالزُّهَّاد]

- ‌[التُّهَمَةِ فِي الْبِدْعَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَعَبُّدِ الْجَهْلِ وَتَقَشُّفِ الرِّيَاءِ وَتَزَهُّدِ الشُّهْرَةِ وَعُبُودِيَّةِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي مَنْ خَافَ مِنْ اللَّهِ عز وجل]

- ‌[فَصْلٌ أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يُزَوِّجَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ يَجْتَمِعَ لَهُ الدُّنْيَا وَالدِّينُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي سُنَّةِ الْمُصَافَحَةِ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَمَا قِيلَ فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَقْبِيلِ الْمَحَارِمِ مِنْ النِّسَاءِ فِي الْجَبْهَةِ وَالرَّأْسِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّنَاجِي وَكَلَامِ السِّرِّ وَأَمَانَةِ الْمَجَالِسِ]

- ‌[فَصْلٌ مَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ لِإِسْكَاتِ الْغَضَبِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ وَآدَابِهِ وَالْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الدُّعَاءِ وَالتَّوَكُّلِ وَمُرَاعَاةِ الْأَسْبَابِ وَسُؤَالِ الْمَخْلُوقِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي كَوْنِ التَّوَكُّلِ وَالدُّعَاءِ نَافِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ التَّسْلِيمُ لِلَّهِ فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ وَقَضَاءِ الْحَوَائِجِ]

- ‌[فُصُولُ خَاصَّةُ بِالْقُرْآنِ وَالْمُصْحَفِ] [

- ‌فَصْلٌ فِي كَرَاهَةِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ وَكِتَابَةِ الْأَخْمَاسِ وَالْأَعْشَارِ وَأَسْمَاءِ السُّوَرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَمَا تَجِبُ صِيَانَةُ الْمُصْحَفِ عَنْهُ]

- ‌[فَصْلٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الْقُرْآنُ بَدَلًا مِنْ الْكَلَامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاقْتِبَاسِ بِتَضْمِينِ بَعْضٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ وَحُكْمِ تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ وَالتَّابِعِيِّ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ حَالٍ إلَّا لِمَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقُرَّاءِ فِي السُّوقِ وَاخْتِلَافِ حَالِ الْقَارِئِ وَالسَّامِعِينَ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّلَاوَةِ عِنْدَ الْمَصَائِبِ لِتَسْكِينِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ وَتَقْسِيمِ خَتْمِهِ عَلَى الْأَيَّامِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي بَيَانِ سُوَرِ الْمُفَصَّلِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضْلِ الْقِرَاءَةِ فِي الْمُصْحَفِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَرِوَايَتِهِ وَالتَّسَاهُلِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ]

- ‌[فَصْلٌ رِوَايَةُ التَّكْبِيرِ مَعَ الْقُرْآنِ مِنْ سُورَةِ الضُّحَى إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَرْتِيلِ الْقُرْآنِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّخَشُّعِ وَالتَّغَنِّي بِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التِّلَاوَةِ بِأَلْحَانِ الْخَاشِعِينَ لَا أَلْحَانِ الْمُطْرِبِينَ]

- ‌[فَصْلٌ تَكْرَارُ الْخَتْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِمَاعِ لِلْقُرْآنِ وَالْإِنْصَاتِ وَالْأَدَبِ لَهُ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَعْتَرِي الْمُتَصَوِّفَةُ عِنْدَ سَمَاعِ الْوَعْظِ وَالْغِنَاءِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ الِاجْتِمَاعِ فِي الْمَسَاجِدِ فِي لَيَالِي الْمَوَاسِمِ وَالذَّهَابِ فِي أَيَّامِهَا إلَى الْمَقَابِرِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّعَوُّذِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْبَسْمَلَةِ لِكُلِّ سُورَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْأَحْوَالِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهَا الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ كُلُّ حَرْفٍ بِحَسَنَةٍ مُضَاعَفَةٍ]

- ‌[فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَأَهْلِهِ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يَقُولُ مَنْ نَسِيَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي تَطَيُّبِ الْمُصْحَفِ وَكُرْسِيِّهِ وَكِيسِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُطَاسِ وَالتَّثَاؤُبِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ إذَا حَمِدَ اللَّهَ]

- ‌[فَصْل الْإِمَامَ يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ]

- ‌[فَصْل الرَّجُلُ يُشَمِّت الْمَرْأَةَ إذَا عَطَسَتْ]

- ‌[فَصْل فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ كُلَّمَا عَطَسَ إلَى ثَلَاث]

- ‌[فَصْل تَشْمِيتِ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ دُونَ مَنْ لَمْ يَحْمَدْهُ]

- ‌[فَصْل فِيمَا يَنْبَغِي لِلْمُجَشِّي]

- ‌[فَصْل فِي التَّثَاؤُب وَمَا يَنْبَغِي فِيهِ]

- ‌[فَصْل فِي حُكْمِ التَّدَاوِي مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ]

- ‌[فَصْل الصَّرَعُ مِنْ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ]

- ‌[فَصْلٌ حُكْمُ مَسْأَلَةِ الْحِمْيَةِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ الْحَمِيَّة مِنْ التَّمْر لِلرَّمَدِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْحَرَارَةِ وَالرُّطُوبَةِ وَاعْتِدَالِ الْمِزَاجِ بِاعْتِدَالِهِمَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي الْأَكْحَالِ وَفَضِيلَةِ الْإِثْمِدِ مِنْهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الرَّوَائِحِ الطَّيِّبَةِ وَفَائِدَتِهَا فِي الصِّحَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي عِرْقِ النَّسَاءِ وَمَا وَرَدَ فِي دَوَائِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الشبرم]

- ‌[فَصْلٌ فِي خَوَاصِّ الْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ الْهِنْدِيِّ وَالزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الصُّدَاعِ وَأَسْبَابِهِ وَفَائِدَةِ الْحِجَامَةِ وَالْحِنَّاءِ فِيهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْعُذْرَةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي ذَرِّ الرَّمَادِ عَلَى الْجُرْحِ وَفَوَائِدِ نَبَاتِ الْبَرْدِيِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْقَمْلِ]

- ‌[فَصْلٌ يَتَعَلَّقُ بِمَا قَبْلَهُ فِي النَّخْلِ وَثَمَرِهِ وَفَوَائِدِهِ وَتَشْبِيهُهُ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَبِالْأُتْرُجِّ]

- ‌[فَصْلٌ فِي اللُّحُومِ وَأَنْوَاعِهَا وَأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ وَمُعَالَجَتِهَا]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْخُبْزِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ وَأَنْوَاعِهِ وَخَوَاصِّهَا]

- ‌[فَصْلٌ اسْتِطْبَابِ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ وَائْتِمَانِهِمْ وَنَظَرِ الْأَطِبَّاءِ وَالطَّبِيبَاتِ إلَى الْعَوْرَاتِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّبِيبِ وَالْعَامِلِ مِنْ الْعِلْمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِيمَا يَجُوزُ مِنْ التَّمَائِمِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْكِتَابَةِ لِلْمَرَضِ وَاللَّدْغِ وَالْعَيْنِ وَنَحْوِهِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي الْكَيِّ وَالْحُقْنَةِ وَتَعَالِيقِ التَّمَائِمِ]

- ‌[فَصْلٌ فِي التَّدَاوِي بِالنَّجَسِ وَالْمُحَرَّمِ وَالْأَلْبَانِ وَالسُّمُومِ]

الفصل: ‌[فصل في العلاج وحفظ الصحة بدفع كل شيء بضده]

[فَصْلٌ فِي الْعِلَاجِ وَحِفْظِ الصِّحَّةِ بِدَفْعِ كُلِّ شَيْءٍ بِضِدِّهِ]

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعِلَاجِ وَفِي حِفْظِ الصِّحَّةِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ دَفْعُ ضَرَرِ شَيْءٍ بِمُقَابِلِهِ كَالْبَارِدِ بِالْحَارِّ وَالرَّطْبِ بِالْيَابِسِ وَبِالضِّدِّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّعْدِيلِ وَدَفْعِ ضَرَرِ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِمَا يُقَابِلُهَا وَمِنْ هَذَا مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ» . وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُسَمِّنَنِي لِدُخُولِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَقْبَلْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تُرِيدُ حَتَّى أَطْعَمَتْنِي الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ فَسَمِنْت عَلَيْهِ كَأَحْسَنِ السِّمَنِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ.

وَالرُّطَبُ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ الْبَارِدَةَ وَيُوَافِقُهَا وَيَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ وَيَغْذُو وَهُوَ مُعَطِّشٌ، مُكَدِّرٌ لِلدَّمِ، مُصَدِّعٌ، مُوَلِّدٌ لِلسَّدَدِ، وَوَجَعُ الْمَثَانَةِ يَضُرُّ بِالْأَسْنَانِ، سَرِيعُ التَّعَفُّنِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا فِيمَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ، وَالْقِثَّاءُ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الثَّالِثَةِ يُسَكِّنُ الْحَرَارَةَ وَالصَّفْرَاءَ وَالْعَطَشَ، يُقَوِّي الْمَعِدَةَ فَيُدْفَعُ ضَرَرُهُ بِتَمْرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ نَحْوِهِ وَكَيْمُوسُهُ رَدِيءٌ مُسْتَعِدٌّ لِلْعُفُونَةِ، وَيُهَيِّجُ حُمَّيَاتٍ صَعْبَةً لِذَهَابِهِ فِي الْعُرُوقِ، وَهُوَ مُنْعِشٌ لِلْقُوَى مُدِرٌّ لِلْبَوْلِ مُوَافِقٌ لِلْمَثَانَةِ.

وَفِي مَعْنَى هَذَا عَنْ عَائِشَةَ: قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ، يَقُولُ يَدْفَعُ حَرَّ هَذَا بَرْدُ هَذَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ. وَالْمُرَادُ بِالْبِطِّيخِ فِي هَذَا الْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ، وَهُوَ بَارِدٌ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَةِ نَافِعٌ لِلْأَمْرَاضِ الْحَادَّةِ وَالْحُمَّيَاتِ الْمُحْرِقَةِ وَالْأَمْزِجَةِ الْمُلْتَهِبَةِ وَيُسَكِّنُ الْعَطَشَ مَعَ السَّكَنْجَبِينَ. وَيُدِرُّ الْبَوْلَ وَيَغْسِلُ الْمَثَانَةَ، وَمَاؤُهُ مَعَ السُّكَّرِ أَبْلَغُ فِي التَّبْرِيدِ وَهُوَ يُسِيءُ الْهَضْمَ وَيَضُرُّ بِالْمَشَايِخِ وَالْأَمْزِجَةِ الْبَارِدَةِ وَيَفْجُجُ الْأَخْلَاطَ، وَيَصْلُحُ السُّكَّرُ وَالْعَسَلُ وَنَحْوُهُ مَعَهُ أَوْ عَقِبَهُ قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْكَلُ قَبْلَ الطَّعَامِ. وَيُتْبَعُ بِهِ وَإِلَّا غَثِيَ وَقَيَأَ، قَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: هُوَ قَبْلَ الطَّعَامِ يَغْسِلُ الْبَطْنَ غَسْلًا، وَيَذْهَبُ بِالدَّاءِ أَصْلًا.

ص: 369

وَفِي الْبِطِّيخِ أَحَادِيثُ لَا تَصِحُّ وَأَكْثَرُهَا أَوْ كُلُّهَا مَوْضُوعَةٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ أَوْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَصِحُّ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُهُ.

وَأَمَّا الْبِطِّيخُ الْأَصْفَرُ فَبَارِدٌ فِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ رَطْبٌ فِي آخِرِهَا، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ: هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ حَارٌّ وَهُوَ مُبَرِّدٌ يُدِرُّ وَيَقْطَعُ وَيَجْلُو وَيَنْفَعُ مِنْ حِصِيِّ الْكُلَى وَالْمَثَانَةِ الصِّغَارِ، وَيُرْخِي الْأَحْشَاءَ، وَرُبَّمَا عَرَضَتْ مِنْهُ الْهَيْضَةُ وَيُثَوِّرُ الْمِرَّةَ الصَّفْرَاءَ، وَأَيُّ خَلْطٍ صَادَفَهُ فِي الْمَعِدَةِ اسْتَحَالَ إلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْكَلَ بَعْدَهُ السَّكَنْجَبِينُ وَنَحْوُهُ كَالرُّمَّانِ الْحَامِضِ وَأَنْ يُؤْكَلَ بَيْنَ طَعَامَيْنِ قَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ يُخْلَطُ بِالطَّعَامِ وَإِذَا فَسَدَ صَارَ كَالسُّمِّ فَلَا يُتْرَكُ وَيُتَّقَى، وَلْيَحْذَرْ الْبِطِّيخَ مَنْ كَانَتْ بِهِ حُمَّى وَهُوَ يُصَفِّي ظَاهِرَ الْبَدَنِ يَقْلَعُ الْبَهَقَ وَالْكَلَفَ وَالْوَسَخَ خُصُوصًا إنْ دُقَّ بِزْرُهُ وَنُخِلَ وَاسْتُعْمِلَ غَسُولًا. وَقِشْرُهُ يُلْزَقُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَيَمْنَعُ النَّوَازِلَ إلَى الْعَيْنِ وَدِرْهَمَانِ مِنْ أَصْلِهِ يُحَرِّكُ الْقَيْءَ بِلَا عُنْفٍ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَإِذَا كَانَ الْبِطِّيخُ فِي بَيْتٍ لَا يَخْتَمِرُ فِيهِ الْعَجِينُ أَصْلًا وَبَذْرُ الْبِطِّيخِ حَارٌّ رَطْبٌ فِي الثَّانِيَة يُقَوِّي الْمَعِدَةَ وَيَزِيدُ فِي الْمَنِيِّ وَيُكْثِرُ الْجِمَاعَ وَيُقَوِّي عَلَيْهِ، وَقِشْرُ الْبِطِّيخِ إذَا يَبِسَ كَانَ صَالِحًا لِجَلَاءِ الْآنِيَةِ مِنْ الزُّهُومَةِ قَالَ أَبُقْرَاطُ: قِشْرُهُ إذَا جُفِّفَ وَرُمِيَ مَعَ اللَّحْمِ أَنْضَجَهُ بِخَاصَّتِهِ.

وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٍ فَتَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٍ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» .

وَرَوَاهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّوْمَ يُخْلِي الْمَعِدَةَ مِنْ الْغِذَاءِ فَتَضْعُفُ الْكَبِدُ وَالْقُوَى، وَالْحُلْوُ تَجْذِبُهُ الْقُوَى وَتُحِبُّهُ فَتَقْوَى بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَاءُ يُطْفِئُ حَرَارَةَ الصَّوْمِ وَلَهَبَ الْمَعِدَةِ فَتَأْخُذُ الْغِذَاءَ بِشَهْوَةٍ، ذَكَرَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ يُوَافِقُ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ غَيْرَ

ص: 370

التَّمْرِ مِنْ الْحُلْوِ كَالتَّمْرِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ الْمَاءُ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ، وَيَتَوَجَّهُ بِمِثْلِهِ احْتِمَالٌ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَيَكُونُ خِطَابُ الشَّارِعِ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى كُلٍّ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ.

وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: «كُلُوا الْبَلَحَ بِالتَّمْرِ فَإِنَّ ابْنَ آدَمَ إذَا أَكَلَهُ غَضِبَ الشَّيْطَانُ، وَيَقُول: بَقِيَ ابْنُ آدَمَ حَتَّى أَكَلَ الْحَدِيثَ بِالْعَتِيقِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِمَعْنَاهُ وَفِيهِ: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَحْزَنُ بَدَلَ الْغَضَبِ» وَمَدَارُ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا عَلَى أَبِي زُكَيْرٍ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَئِمَّةُ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ، وَذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيُّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ، وَالْمُرَاد: كُلُوا هَذَا مَعَ هَذَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ بَعْضُ أَطِبَّاءِ: الْإِسْلَامِ أَمَرَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَلَحَ بَارِدٌ يَابِسٌ وَالتَّمْرَ حَارٌّ رَطْبٌ فَفِي كُلٍّ مِنْهَا إصْلَاحٌ لِلْآخَرِ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَكْلِ الْبُسْرِ مَعَ التَّمْرِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَارٌّ.

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَوَّلُ التَّمْرِ طَلْعٌ ثُمَّ خِلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ الْوَاحِدَة بَلَحَةٌ وَبُسْرَةٌ، وَقَدْ أَبْلَحَ النَّخْلُ وَأَبْسَرَ أَيْ: صَارَ مَا عَلَيْهِ بَلَحًا وَبُسْرًا قَالَ الْأَطِبَّاءُ: الْبَلَحُ بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ يُغْزِرُ الْبَوْلَ، وَشَرَابُهُ يَعْقِلُ الطَّبْعَ خَاصَّةً مَعَ شَرَابٍ قَابِضٍ وَيَمْنَعُ النَّزْفَ وَالسَّيَلَانَ وَالْبَوَاسِيرَ وَيَدْبُغُ الْفَمَ وَاللِّثَةَ وَالْمَعِدَةَ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ أَكْلِهِ يُوقِعُ فِي النَّافِضِ وَالْقُشَعْرِيرَةُ وَيَنْفُخُ خَاصَّةً إذَا شُرِبَ الْمَاءُ عَلَى أَثَرِهِ، وَتُدْفَعُ مَضَرَّتُهُ بِالتَّمْرِ أَوْ الْعَسَلِ، وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَيُصْلِحُهُ الْبَنَفْسَجُ الْمُرَبَّى بَعْدَهُ وَهُوَ بَطِيءٌ فِي الْمَعِدَةِ يَسِيرُ التَّغْذِيَةِ قَالُوا: وَالْبُسْرُ حَارٌّ فِي الْأُولَى يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ وَقِيلَ: بَارِدٌ يَابِسٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَالْحُلْوُ مِنْهُ يَمِيلُ إلَى الْحَرَارَةِ وَفِيهِ قَبْضٌ وَكَذَلِكَ طَبِيخُهُ يَحْبِسُ الطَّبْعَ وَيُسْكِنُ اللَّهْثَ مَعَ حِفْظِ الْحَرَارَةِ الْغَرِيزِيَّةِ. وَالْأَخْضَرُ مِنْهُ أَشَدُّ حَبْسًا لِلطَّبْعِ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَنْفَعُ اللِّثَةَ وَالْفَمَ.

قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُضِرٌّ بِالْفَمِ وَالْأَسْنَانِ عَسِرُ الْهَضْمِ وَيُوَلِّدُ رِيحًا وَسَدَادًا وَيُصْلِحُهُ السَّكَنْجَبِينُ السَّاذَجُ وَمِنْ ذَلِكَ «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَشْرَبُ نَقِيعَ التَّمْرِ إذَا أَصْبَحَ وَيَوْمَهُ ذَلِكَ وَعِشَاءً» ، وَدَعَاهُ أَبُو أَسِيدٍ السَّاعِدِيُّ فِي عُرْسِهِ وَامْرَأَتُهُ

ص: 371

وَهِيَ الْعَرُوسُ خَادِمُهُمْ، وَكَانَتْ أَنْقَعَتْ لَهُمْ تَمَرَاتٍ فِي تَوْرٍ فَلَمَّا أَكَلَ سَقَتْهُ وَإِيَّاهُ، وَفِي لَفْظٍ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الطَّعَام أَمَاثَتْهُ فَسَقَتْهُ تَخُصُّهُ بِذَلِكَ.

وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَامْقُلُوهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ شِفَاءً» وَفِي السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ «فَإِنَّهُ يُقَدِّمُ السُّمَّ وَيُؤَخِّرُ الشِّفَاءَ» " اُمْقُلُوهُ " اغْمِسُوهُ لِيَخْرُجَ الشِّفَاءُ كَمَا خَرَجَ الدَّاءُ، يُقَال لِلرَّجُلَيْنِ: هُمَا يَتَمَاقَلَانِ إذَا تَغَاطَى فِي الْمَاءِ، وَفِي الذُّبَابِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ يَدُلُّ عَلَيْهَا الْوَرَمُ وَالْحَكَّةُ الْعَارِضَةُ عَنْ لَسْعِهِ وَهِيَ كَالسِّلَاحِ فَإِذَا سَقَطَ فِيمَا يُؤْذِيه أَلْقَاهُ بِسِلَاحِهِ، وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَطِبَّاءِ أَنَّ لَسْعَ الزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ إذَا دُلِّكَ مَوْضِعُهُ بِالذُّبَابِ نَفَعَ مِنْهُ نَفْعًا بَيِّنًا، وَسَكَّنَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الشِّفَاءِ، وَإِذَا دُلِّكَ بِهِ الْوَرَمُ الَّذِي يَخْرُجُ فِي شَعْرِ الْعَيْنِ الْمُسَمَّى شُعَيْرَةٌ بَعْدَ قَطْعِ رَأْسِ الذُّبَابِ أَبْرَأَهُ.

وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: يُكْرَهُ الْجَمْعُ فِي الْمَعِدَةِ بَيْنَ حَارَّيْنِ أَوْ بَارِدَيْنِ أَوْ لَزِجَيْنِ أَوْ مُسْتَحِيلَيْنِ إلَى خَلْطٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْفَخَيْنِ أَوْ قَابِضَيْنِ أَوْ مُسَهِّلَيْنِ أَوْ غَلِيظَيْنِ أَوْ مُرْخِيَيْنِ، أَوْ بَيْنَ مُخْتَلِفَيْنِ كَقَابِضٍ وَمُسَهِّلٍ وَسَرِيعِ الْهَضْمِ وَبَطِيئِهِ، وَشِوَاءٍ وَطَبِيخٍ، وَبَيْنَ لَحْمٍ وَسَمَكٍ، وَبَيْنَ لَحْمٍ طَرِيٍّ وَقَدِيدٍ، وَبَيْنَ الْحَامِضِ وَاللَّبَنِ، قَالُوا: وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْبَيْضِ وَالسَّمَكِ يُوَلِّدُ الْبَوَاسِيرَ وَالْقُولَنْجَ وَالْفَالِجَ وَاللَّقْوَةَ وَوَجَعَ الضِّرْسِ، وَالْجَمْعُ بَيْن السَّمَكِ وَاللَّبَنِ يُوَلِّدُ الْبَرَصَ وَالْبَهَقَ وَالْجُذَامَ وَالنِّقْرِسَ، وَاللَّبَنُ وَالنَّبِيذُ يُوَلِّدُ الْبَرَصَ وَالنِّقْرِسَ، وَالْبَصَلُ النَّيْءُ وَالسَّمَكُ يُوَلِّدَانِ السَّوَادَ فِي الْوَجْهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَأَكْلِ الْمُلُوحَةِ زَادَ بَعْضُهُمْ بَعْد الْحَمَّامِ يُوَلِّدُ الْجَرَبَ وَالْبَهَقَ.

وَالنُّزُولُ فِي الْمَاءِ الْبَارِد عَقِيبَ أَكْلِ السَّمَكِ رُبَّمَا وَلَّدَ الْفَالِجَ، وَشُرْبُ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَقِيبَ الْجِمَاعِ رُبَّمَا أَوْرَثَ الِاسْتِرْخَاءَ، وَالْحَامِضُ بَعْدَ الْجِمَاعِ رَدِيءٌ وَالنَّوْمُ بَعْدَ أَكْلِ السَّمَكِ عَقِيبَ غَيْظٍ أَوْ جِمَاعٍ رُبَّمَا وَلَّدَ اللَّقْوَةَ، وَكَذَا لَبَنُ الْحَلِيبِ وَدُخُولُ الْحَمَّامِ بَعْدَهُ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الْبَيْضِ الْمَسْلُوقِ يُوَلِّدُ الطِّحَالَ

ص: 372

وَكَذَلِكَ الْكَبُّودَ، قَالُوا وَيُكْرَهُ الْخَلُّ بَعْدَ الْأَرُزِّ، وَالرُّمَّانُ بَعْدَ الْهَرِيسِ، وَالْمَاءُ الْحَارُّ بَعْدَ الْأَغْذِيَةِ الْمَالِحَةِ، وَالْمَاءُ الْبَارِدُ عَقِيبَ الْفَاكِهَةِ، أَوْ الْحُلْوِ أَوْ الطَّعَامِ الْحَارِّ، وَلَا يُشْرَبُ بَعْدَ الْأَكْلِ إلَى أَنْ يَخِفَّ أَعَالِي الْبَطْنِ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَسْكُنُ بِهِ الْعَطَشُ، وَلَا يُشْرَبُ الْمَاءُ الْبَارِدُ دَفْعَةً وَاحِدَةً عَقِيبَ حَمَّامٍ وَلَا فِيهِ وَجِمَاعٍ وَشِوَاءٍ وَحَرَكَةٍ ثَقِيلَةٍ يَتَجَرَّعُهُ قَلِيلًا قَلِيلًا، وَلَا يَشْرَبُ بِاللَّيْلِ إذَا انْتَبَهَ إذَا كَانَ الْعَطَشُ كَاذِبًا، وَلَا عَلَى الرِّيقِ فَإِنَّهُ يَقْرَعُ الْمَعِدَةَ، وَيُبَرِّدُ الْكَبِدَ.

وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْبَصَلِ، قَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُورِثُ الْكَلَفَ وَالتُّخَمَةَ مَنْ أَكَلَ الْبَيْضَ تَوَرَّثَ الطِّحَالَ. قَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ: مَنْ تَمَلَّأَ مِنْ بَيْضٍ مَسْلُوقٍ بَارِدٍ فَأَصَابَهُ رَبْوٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ. قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ: مَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ لَيْلًا فَأَصَابَهُ لَقْوَةٌ أَوْ دَاءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إلَّا نَفْسَهُ.

وَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الطَّبِيعَةَ تَتَحَيَّرُ مِنْ اخْتِلَافِ الْأَلْوَانِ وَتَعْجَزُ عَنْ تَمَامِ هَضْمِهَا، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَصِحُّ عَنْهُ أَكْلُ الْأَطْعِمَةِ الْمَالِحَةِ وَالْعَفِنَةِ كَالْكَامِخِ، وَالْمُخَلَّلِ، وَلَا طَعَامًا شَدِيدَ الْحَرَارَةِ، وَلَا طَبِيخًا بَائِتًا يُسَخَّنُ لَهُ بِالْغَدِ، لَكِنَّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لَيْسَ لِضَرَرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ طَعَامِ أَهْلِ بَلَدِهِ.

وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: إنَّ الْقَابِضَ يُصْلِحُ الدَّسَمَ وَالْحُلْوَ وَيُصْلِحَانِهِ، وَالْحَامِضُ يُصْلِحُ الْمَالِحَ، وَإِنَّ الْحُلْوَ مُعْتَدِلُ الْحَرَارَةِ تَجْتَذِبُهُ الْقُوَى وَتُحِبُّهُ وَيُعَطِّشُ، وَالْمَالِحُ حَارٌّ يَمْنَعُ التَّعَفُّنَ، وَالْحِرِّيفُ قَوِيُّ الْحَرَارَةِ يُلَطِّفُ، وَالْحَامِضُ يُوَلِّدُ الرِّيَاحَ وَيَضُرُّ الْعَصَبَ.

وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْهُ عليه السلام: «أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْعَشَاءِ

ص: 373

وَلَوْ بِكَفٍّ مِنْ تَمْرٍ، وَيَقُولُ: تَرْكُ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ» وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ «نَهَى عَنْ النَّوْمِ عَلَى الْأَكْلِ» ، وَكَذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ: حِفْظُ الصِّحَّةِ الْحَرَكَةُ بِاعْتِدَالٍ لَا السُّكُونُ الدَّائِمُ، وَكَذَا النَّوْمُ الْكَثِيرُ وَإِنْ كَانَ يُسْرِعُ الْهَضْمَ، وَكَذَا الْحَرَكَةُ الْعَنِيفَةُ بَعْدَ الطَّعَام، وَإِنْ أَسْرَعَ الْهَضْمَ فَإِنَّهُ جَالِبٌ لِصُنُوفِ الْأَمْرَاضِ. وَالِامْتِلَاءُ مِنْ الطَّعَام يَضُرُّ بِالْعَيْنِ، وَكَذَا النَّوْمُ عَلَى الِامْتِلَاءِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: أَنْ يَمْشِي نَحْوَ خَمْسِينَ خُطْوَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُصَلِّي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِيَسْتَقِرَّ الْغِذَاءُ بِقَعْرِ الْمَعِدَةِ.

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَرَادَ الصِّحَّةَ فَلْيُجَوِّدْ الْغِذَاءَ، وَلْيَأْكُلْ عَلَى نَقَاءٍ، وَلْيَشْرَبْ عَلَى ظَمَإٍ، وَلْيُقْلِلْ مِنْ شُرْبِ الْمَاءِ، وَيَتَمَدَّدْ بَعْدَ الْغَدَاءِ، وَيَتَمَشَّى بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَلَا يَنَامُ حَتَّى يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى الْخَلَاءِ، وَلْيَحْذَرْ الْحَمَّامَ عَقِبَ الِامْتِلَاءِ، وَمَرَّةٌ فِي الصَّيْفِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرَةٍ فِي الشِّتَاءِ، وَأَكْلُ الْقَدِيدِ الْيَابِسِ بِاللَّيْلِ مُعِينٌ عَلَى الْفَنَاءِ، وَمُجَامَعَةُ الْعَجُوزِ تُهْرِمُ وَتُسْقِمُ.

وَهَذَا بَعْضُهُ مِنْ كَلَامِ الْحَارِثِ طَبِيبِ الْعَرَبِ، وَقَالَ الْحَارِثُ وَهُوَ ابْنُ كِلْدَةَ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: مُرْنَا بِأَمْرٍ نَنْتَهِي إلَيْهِ مِنْ بَعْدِك، فَقَالَ: لَا تَتَزَوَّجُوا مِنْ النِّسَاءِ إلَّا شَابَّةً، وَلَا تَأْكُلُوا الْفَاكِهَةَ إلَّا فِي أَثَرِ أَوَانِ نُضْجِهَا، وَلَا يَتَعَالَجَنَّ أَحَدُكُمْ مَا احْتَمَلَ بَدَنُهُ الدَّاءَ، وَعَلَيْكُمْ بِتَنْظِيفِ الْمَعِدَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنَّهَا مُذِيبَةٌ لِلْبَلْغَمِ، مُهْلِكَةٌ لِلْمِرَّةِ، مُنْبِتَةٌ لِلَّحْمِ، وَإِذَا تَغَذَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَنَمْ عَلَى أَثَرِ غَدَائِهِ، وَإِذَا تَعَشَّى فَلِيَمْشِ أَرْبَعِينَ خُطْوَةً. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ نَحْوَ هَذِهِ الْأُمُورَ.

وَقَالَ: خَمْسِينَ خُطْوَةً، وَقَالَ

ص: 374

عَلَيْك فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ بِقَيْئَةٍ تُنَقِّي جِسْمَكَ، وَلَا تُخْرِجْ الدَّمَ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَعَلَيْك بِدُخُولِ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ الْأَطْبَاقِ مَا لَا تَصِلُ الْأَدْوِيَةُ إلَى إخْرَاجِهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَرْبَعَةٌ تُقَوِّي الْبَدَنَ، أَكْلُ اللَّحْمِ، وَشَمُّ الطِّيبِ، وَكَثْرَةُ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَلُبْسُ الْكَتَّانِ. وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَدَنَ: كَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَكَثْرَةُ الْهَمِّ، وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ عَلَى الرِّيقِ وَكَثْرَةُ أَكْلِ الْحَامِضِ، وَأَرْبَعَةٌ تُقَوِّي الْبَصَرَ: الْجُلُوسُ حِيَالَ الْكَعْبَةِ، وَالْكُحْلُ عِنْدَ النَّوْمِ، وَالنَّظَرُ إلَى الْخُضْرَةِ وَتَنْظِيفُ الْمَجْلِسِ، وَأَرْبَعَةٌ تُوهِنُ الْبَصَرَ: النَّظَرُ إلَى الْقَذَرِ وَإِلَى الْمَصْلُوبِ وَإِلَى فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَالْقُعُودُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْجِمَاعِ: أَكْلُ الْعَصَافِيرِ والأطريفل وَالْفُسْتُقِ وَالْخَرُّوبِ. وَأَرْبَعَةٌ تَزِيدُ فِي الْعَقْلِ: تَرْكُ الْفُضُولِ مِنْ الْكَلَامِ، وَالسِّوَاكُ، وَمُجَالَسَةُ الصَّالِحِينَ، وَمُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ. كَذَا رَأَيْتُهُ عَنْهُ وَالْخَرُّوبُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ غِذَاءَهُ رَدِيءٌ وَهُوَ قَابِضٌ بَارِدٌ يَابِسٌ، وَقِيلَ حَارٌّ.

وَقِيلَ لِجَالِينُوسَ: مَالَكَ لَا تَمْرَضُ؟ فَقَالَ: لِأَنِّي لَا أَجْمَعُ بَيْنَ طَعَامَيْنِ رَدِيئَيْنِ، وَلَمْ أُدْخِلْ طَعَامًا عَلَى طَعَامٍ، وَلَمْ أَحْبِسْ فِي الْمَعِدَةِ طَعَامًا تَأَذَّيْتُ مِنْهُ.

وَقَالَ أَبُقْرَاطُ: كُلُّ كَثِيرٍ فَهُوَ مُعَادٍ لِلطَّبِيعَةِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: الْكَلَامُ الْكَثِيرُ يُقَلِّلُ مُخَّ الدِّمَاغِ وَيُضْعِفُهُ وَيُعَجِّلُ الشَّيْبَ. وَالنَّوْمُ الْكَثِيرُ يُصَفِّرُ الْوَجْهَ، وَيُهَيِّجُ الْعَيْنَ، وَيُكَسِّلُ عَنْ الْعَمَلِ، وَيُوَلِّدُ الرُّطُوبَاتِ فِي الْبَدَنِ، وَيُعْمِي الْقَلْبَ.

وَقَالَ طَبِيبُ الْمَأْمُونِ: عَلَيْك بِخِصَالٍ مَنْ حَفِظَهَا فَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَعْتَلَّ إلَّا عِلَّةَ الْمَوْتِ: لَا تَأْكُلْ طَعَامًا وَفِي مَعِدَتِك طَعَامٌ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَأْكُلَ طَعَامًا تُتْعِبُ أَضْرَاسَك فِي مَضْغِهِ فَتَعْجِزُ مَعِدَتُك عَنْ هَضْمِهِ: وَإِيَّاكَ وَكَثْرَةَ

ص: 375

الْجِمَاعِ فَإِنَّهُ يَقْتَبِسُ نُورَ الْحَيَاةِ، وَإِيَّاكَ وَمُجَامَعَةَ الْعَجُوزِ فَإِنَّهُ يُورِثُ مَوْتَ الْفَجْأَةِ، وَإِيَّاكَ وَالْفَصْدَ إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَعَلَيْكَ بِالْقَيْءِ فِي الصَّيْفِ.

وَقَالَ أَفْلَاطُونُ: خَمْسٌ يُذِبْنَ الْبَدَنَ وَرُبَّمَا قَتَلْنَ: قِصَرُ ذَاتِ الْيَدِ، وَفِرَاقُ الْأَحِبَّةِ، وَتَجَرُّعُ الْمَغَائِظِ وَرَدُّ النُّصْحِ، وَضَحِكُ ذَوِي الْجَهْلِ بِالْعُقَلَاءِ.

وَقَالَ جَالِينُوسُ لِأَصْحَابِهِ: اجْتَنِبُوا ثَلَاثًا، وَعَلَيْكُمْ بِأَرْبَعٍ وَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إلَى الطَّبِيبِ: اجْتَنِبُوا الْغُبَارَ وَالدُّخَانَ وَالنَّتِنَ، وَعَلَيْكُمْ بِالدَّسَمِ وَالطِّيبِ. وَالْحَلْوَى وَالْحَمَامِ، وَلَا تَأْكُلُوا فَوْقَ شِبَعِكُمْ، وَلَا تَتَحَلَّلُوا بِالْبَاذَرُوجِ وَالرَّيْحَانِ، وَلَا تَأْكُلُوا الْجَوْزَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَلَا يَنَامُ مَنْ بِهِ زُكْمَةٌ عَلَى قَفَاهُ، وَلَا يَأْكُلُ مَنْ بِهِ غَمٌّ حَامِضًا، وَلَا يُسْرِعُ الْمَشْيَ مَنْ افْتَصَدَ فَإِنَّهُ مَخَاطِرُ الْمَوْتِ، وَلَا يَتَقَيَّأُ مَنْ تُؤْلِمُهُ عَيْنُهُ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي الصَّيْفِ لَحْمًا كَثِيرًا.

وَلَا يَنَمْ صَاحِبُ الْحُمَّى الْبَارِدَةِ فِي الشَّمْسِ، وَلَا تَقْرَبُوا الْبَاذِنْجَانَ الْعَتِيقَ الْمُبَزَّرَ. وَمَنْ شَرِبَ كُلَّ يَوْمٍ فِي الشِّتَاءِ قَدَحًا مِنْ مَاءٍ حَارٍّ أَمِنَ مِنْ الْإِعْلَالِ، وَمَنْ دَلَّكَ جِسْمَهُ فِي الْحَمَّامِ بِقُشُورِ الرُّمَّانِ أَمِنَ مِنْ الْحَكَّةِ وَالْجَرَبِ. وَمَنْ أَكَلَ خَمْسَ سُوسَاتٍ مَعَ قَلِيلِ مُصْطَكَى رُومِي وَمِسْكٍ وَعُودٍ خَامٍ بَقِيَ طُولَ عُمْرِهِ لَا تَضْعُفُ مَعِدَتُهُ وَلَا تَفْسُدُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرْبَعَةٌ تَضُرُّ بِالْفَهْمِ وَالذِّهْنِ: إدْمَانُ أَكْلِ الْحَامِضِ وَالْفَوَاكِهِ، وَالنَّوْمُ عَلَى الْقَفَا، وَالْهَمُّ، وَالْغَمُّ.

وَأَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْفَهْمِ: فَرَاغُ الْقَلْبِ وَقِلَّةُ التَّمَلُّؤِ مِنْ الطَّعَام وَالشَّرَابِ، وَحُسْنُ تَدْبِيرِ الْغِذَاءِ بِالْحُلْوِ وَالدَّسَمِ، وَإِخْرَاجُ فَضْلَةٍ مُثْقِلَةٍ لِلْبَدَنِ. وَيَضُرُّ بِالْعَقْلِ: إدْمَانُ أَكْلِ الْبَصَلِ وَالْبَاقِلَّاءِ وَالزَّيْتُونِ وَالْبَاذِنْجَانِ وَكَثْرَةُ الْجِمَاعِ وَالْوَحْدَةُ وَالْأَفْكَارُ وَالسُّكْرُ وَالْهَمُّ وَالْغَمُّ وَكَثْرَةُ الضَّحِكِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ النَّظَرِ: قُطِعْتُ فِي ثَلَاثِ مَجَالِسَ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ عِلَّةً إلَّا أَنِّي أَكْثَرْتُ مِنْ الْبَاذِنْجَانِ فِي أَحَدِ تِلْكَ الْأَيَّامِ وَمِنْ الزَّيْتُونِ فِي الْآخَرِ وَمِنْ الْبَاقِلَّا فِي الثَّالِثِ.

وَيَضُرُّ بِالْعَيْنِ الْأَغْذِيَةُ الْغَلِيظَةُ وَالْمُبَخِّرَةُ كَالسُّكَّرِ

ص: 376

وَالشَّرَابُ الْغَلِيظُ الْحُلْوُ وَالْمُصَدِّعَةُ وَالْكُسْفُرَةُ وَالْفُجْلُ وَالْخَسُّ وَالْعَدَسُ وَالنَّوْمُ عَلَى الْقَفَا وَالنَّظَرُ إلَى الضَّوْءِ الْكَثِيرِ فَإِنَّهُ يُشَتِّتُ الْبَصَرَ وَإِلَى الظُّلْمَةِ الْكَثِيرَةِ فَإِنَّهَا تُطْفِئُ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ وَالْبُكَاءُ وَاسْتِقْبَالُ رِيحٍ بَارِدَةٍ وَالْغُبَارُ وَالدُّخَانُ وَالسَّهَرُ وَالتَّعَبُ وَالْمَالِحَةُ كَالتَّمْرِ وَالسَّمَكِ لَا سِيَّمَا الْمَالِحِ مِنْهُ وَكَذَا الْقَيْءُ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ فَيَرْفُقُ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ: وَيَعْصِبُ عَيْنَيْهِ. وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي الِاسْتِفْرَاغَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحِجَامَةِ.

وَالدَّارَصِينِيُّ وَالسَّذَابُ، وَالزَّنْجَبِيلُ يَحِدُّ الْبَصَرَ أَكْلًا وَكُحْلًا وَالْقُرُنْفُلُ يَحِدُّ الْبَصَرَ وَالْفِلْفِلُ يَنْفَعُ مِنْ ظُلْمَةِ الْبَصَرِ وَالدَّمْعَةِ وَالْعَسَلُ يُقَوِّي السَّمْعَ وَيَجْلُو ظُلْمَةَ الْبَصَرَ وَالِاكْتِحَالُ بِمَاءِ الرازيانج عَلَى الدَّوَامِ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ، قَالَ ابْنُ جَزْلَةَ وَغَيْرُهُ: هُوَ يَحِدُّ الْبَصَرَ وَخُصُوصًا مَضْغُهُ، وَالِاكْتِحَالُ بِالْحَضَضِ يَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ وَقُوَّتَهَا، وَكَذَلِكَ الْهَلِيلَجُ إذَا أُخِذَ عَلَى الْمِسَنِّ بِمَاءِ الْوَرْدِ وَدُلِّكَ الْأَعْضَاءُ السُّفْلَى مَعَ الرِّيَاضَةِ فَإِنَّ بِذَلِكَ تَنْحَطُّ الْبُخَارَاتُ الصَّاعِدَةُ إلَى الرَّأْسِ وَالْعَيْنِ، وَقَدْ يَنْفَعُ فِي ذَلِكَ الْغَوْصُ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالتَّحْدِيقُ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ الْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ، وَتَعَاهُدُ قِرَاءَةِ الْكُتُبِ غَيْرِ الدَّقِيقَةِ وَحَمْلُهَا عَلَى اسْتِخْرَاجِ الدَّقِيقَةِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ.

قَالَ جَالِينُوسُ: وَالْخَسُّ يَجْلُو الْبَصَرَ الْمُظْلِمَ، وَيُحْدِثُ فِي الصَّحِيحِ ظُلْمَةً وَمِنْ الْمَعْلُومِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ غَالِبًا بِبَلَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ مَفْقُودًا، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ مَوْجُودٍ اشْتَهَاهُ، فَحَبْسُ النَّفْسِ وَقَسْرُهَا عَلَى مُطْعَمٍ أَوْ مَشْرُوبٍ خِلَافُ عَادَتِهِ.

وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَوَّدَ شَيْئًا وَيُلَازِمَهُ وَلَا النَّوْمَ فِي وَقْتٍ خَاصٍّ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَأْخُذَ نَفْسَهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَلَوْ بِالتَّدْرِيجِ إنْ كَانَ أَلِفَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَضُرُّهُ وَقَدْ يَتَعَذَّرُ فَيَنْضَرُّ بِتَرْكِهِ وَيَحْمِلُ نَفْسَهُ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَشْتَهِيه ضَرَرُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفْعِهِ، وَلِهَذَا «لَمْ يَأْكُلْ عليه السلام الضَّبَّ الْمَشْوِيَّ، وَقِيلَ لَهُ: أَحَرَامٌ هُوَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» .

" وَأَكَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَمْ يَمْنَعْ مَنْ اشْتَهَاهُ وَأَكَلَهُ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلَّا تَرَكَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

ص: 377

«وَكَانَ عليه السلام يُحِبُّ اللَّحْمَ وَأَحَبُّهُ إلَيْهِ الذِّرَاعُ» وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ وَكَانَتْ تُعْجِبُهُ» ، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الصَّحِيحَيْنِ وَمَعْنَاهُ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ. وَعَنْ «ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ: أَنَّهَا ذَبَحَتْ فِي بَيْتِهَا شَاةً فَأَرْسَلَ إلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَطْعِمِينَا مِنْ شَاتِكُمْ، قَالَتْ لِلرَّسُولِ: مَا بَقِيَ عِنْدَنَا إلَّا الرَّقَبَةُ وَإِنِّي لِأَسْتَحْيِيَ أَنْ أُرْسِلَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَجَعَ الرَّسُولُ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إلَيْهَا قُلْ لَهَا: أَرْسِلِي بِهَا فَإِنَّهَا هَادِيَةُ الشَّاةِ وَإِنَّهَا أَقْرَبُ الشَّاةِ إلَى الْخَيْرِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ الْأَذَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ الْفَضْلُ بْنُ الْفَضْلِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: تَفَرَّدَ عَنْهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ: وَرَوَى هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا قَالَ غَيْرُ الْبُخَارِيِّ رَوَاهُ مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامٍ.

الْهَادِيَةُ وَالْهَوَادِي الْعُنُقُ وَالرَّقَبَةُ؛ لِأَنَّهَا تَتَقَدَّمُ الْبَدَنَ وَلِأَنَّهَا تَهْدِي الْجَسَدَ، وَإِنَّمَا أَحَبَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ عَلَى الْمَعِدَةِ وَأَسْرَعُ هَضْمًا وَأَكْثَرُ نَفْعًا، وَهَذَا أَفْضَلُ الْغِذَاءِ، وَقَدْ قَالَ الْأَطِبَّاءُ: مَقَادِمُ الْحَيَوَانِ أَخَفُّ وَأَسْخَنُ.

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ مَرْفُوعًا: «أَطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ» .

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَفِيهِ ضَعْفٌ أَوْ ضَعِيفٌ «، وَكَانَ عليه السلام يُحِبُّ الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَابْنُ مَاجَهْ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الْعَسَلِ

ص: 378

وَسَبَقَ كَلَامُ الْأَطِبَّاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ الْحُلْوَ تَجْتَذِبُهُ الْقُوَى وَتُحِبُّهُ وَأَنَّهُ مُعْتَدِلُ الْحَرَارَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ: الْحُلْوُ حَارٌّ رَطْبٌ يُكَثِّرُ الصَّفْرَاءَ وَالدَّمَ وَيُوَلِّدُ السَّدَادَ وَالْوَرَم فِي الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ، وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُرْخِي الْمَعِدَةَ وَهُوَ صَالِحٌ لِلصَّدْرِ وَالرِّئَةِ مُخْصِبٌ لِلْبَدَنِ مُكْثِرٌ لِلْمَنِيِّ، وَالْحَامِضُ بَارِدُهُ يَقْمَعُ الصَّفْرَاءَ وَالدَّمَ وَيَعْقِلُ إذَا كَانَتْ الْمَعِدَةُ نَقِيَّةً وَيُطْلِقُ إذَا كَانَ فِيهَا بَلْغَمٌ كَثِيرٌ: وَيُوهِنُ قُوَّةَ الْهَضْمِ عَنْ الْكَبِدِ وَيَضُرُّ الْعَصَبَ وَيُخَفِّفُ الْبَدَنَ إلَّا أَنَّهُ يُنَبِّهُ قُوَّةَ الشَّهْوَةِ، وَالدَّسَمُ يُرْخِي الْمَعِدَةَ وَيُطْلِقُ الْبَطْنَ وَيُسَخِّنُ لَا سِيَّمَا الْمَحْمُومِينَ وَأَصْحَابِ الْمَعِدَةِ الْحَارَّةِ وَالْأَكْبَادِ الْحَارَّةِ، وَيُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيُلَيِّنُهُ وَيَزِيدُ فِي الْبَلْغَمِ وَيُنَوِّمُ، وَالْحِرِّيفُ يُسَخِّنُ وَيُهَيِّجُ الْحَرَارَةَ وَيَمِيلُ بِالْبَدَنِ أَوَّلًا إلَى الصَّفْرَاءِ ثُمَّ إلَى السَّوْدَاءِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْضًا: الْإِكْثَارُ مِنْ الْأَغْذِيَةِ الْجَافَّةِ يَذْهَبُ بِالْقُوَّةِ وَبِاللَّوْنِ، وَالْإِكْثَارُ مِنْ الدَّسَمِ يُذْهِبُ الشَّهْوَةَ وَمِنْ الْمَالِحِ يَضُرُّ بِالْبَصَرِ، وَمِنْ الْحِرِّيفِ وَالْحَامِضِ يَجْلِبُ الْهَرَمَ، وَكَانَ عليه السلام: يَأْدُمُ الْخُبْزَ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ، وَنُقِلَ عَنْهُ عليه السلام أَشْيَاءُ فَمِنْهُ: تَمْرٌ وَخُبْزٌ وَشَعِيرٌ وَهُوَ مِنْ التَّدْبِيرِ الْحَسَنِ لِحَرَارَةِ التَّمْرِ وَرُطُوبَتِهِ. وَخُبْزُ الشَّعِيرِ بَارِدٌ يَابِسٌ قَالَ بَعْضُهُمْ: سُمِّيَ الْأُدْمُ أُدْمًا لِإِصْلَاحِهِ الْخُبْزَ وَجَعْلِهِ مُلَائِمًا لِحِفْظِ الصِّحَّةِ.

وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: الْإِدَامُ وَالْأُدْمُ مَا يُؤْدَمُ بِهِ، تَقُولُ مِنْهُ: أَدَم الْخُبْزَ بِاللَّحْمِ يَأْدِمُهُ بِالْكَسْرِ، وَالْأُدْمُ الْأُلْفَةُ وَالِاتِّفَاقُ، يُقَالُ: أَدِمَ اللَّهُ وَآدَمَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا فَعَلَ وَافْعَلَّ، بِمَعْنَى أَيْ: أَصْلَحَ وَأَلْفَتَ. .

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كُنْت جَالِسًا فِي دَارِي فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَشَارَ إلَيَّ فَقُمْتُ إلَيْهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَى بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ فَدَخَلَ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلْت الْحِجَابَ عَلَيْهَا فَقَالَ: هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟ فَقَالُوا: نَعَمْ، فَأُتِيَ

ص: 379

بِثَلَاثَةِ أَقْرِصَةٍ فَوُضِعْنَ عَلَى نَبِيٍّ فَأَخَذَ قُرْصًا فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيَّ ثُمَّ أَخَذَ آخَرَ فَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثْنَتَيْنِ فَجَعَلَ نِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَنِصْفَهُ بَيْنَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ مِنْ أُدُمٍ؟ قَالُوا: لَا إلَّا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ. فَقَالَ: هَاتُوهُ فَنِعْمَ الْأُدُمُ هُوَ» وَفِي لَفْظٍ قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زِلْت أُحِبُّ الْخَلَّ مُذْ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قَالَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ: وَمَا زِلْت أُحِبُّ الْخَلَّ مُنْذُ سَمِعْتُهَا مِنْ جَابِرٍ نَبِيٌّ بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُشَدَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ أَيْ: مَائِدَةٌ مِنْ خُوصٍ، وَقِيلَ إنَّهُ بَتِّيٌّ بِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتَ مُشَدَّدَةٍ، وَالْبَتُّ: كِسَاءٌ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ، قِيلَ: هُوَ مَدْحٌ لِلْخَلِّ مُطْلَقًا.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: إنَّمَا هُوَ مَدْحٌ لَهُ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ الْحَاضِرِ، وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ لَوْلَا فَهْمُ جَابِرٍ كَقَوْلِ أَنَسٍ مَا زِلْت أُحِبُّ الدُّبَّاءَ.

وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ ائْتَدِمُوا بِالْخَلِّ وَنَحْوِهِ مِمَّا تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ وَلَا يَعِزُّ وُجُودُهُ، كَذَا قَالَا، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّهُ بَارِدٌ يَابِسٌ وَأَنَّهُ يُضَادُّ الْبَلْغَمَ وَأَنَّهُ جَيِّدٌ لِلْمَعِدَةِ الْحَارَّةِ الرَّطْبَةِ.

وَفَهْمُ جَابِرٍ قَدْ لَا يُعَارِضُ هَذَا، وَلِهَذَا نَظَائِرُ تَأْتِي قَالَ الْأَطِبَّاءُ: الْخَلُّ قَوِيُّ التَّجْفِيفِ يَمْنَعُ مِنْ انْصِبَابِ الْمَوَادِ، وَيُلَطِّفُ بِقَمْعِ الصَّفْرَاءِ، وَيَمْنَعُ ضَرَرَ الأدية الْقَتَّالَةِ وَيُحَلِّلُ اللَّبَنَ وَالدَّمَ إذَا جَمَدَ فِي الْجَوْفِ، وَيَنْفَعُ الطِّحَالَ وَيَدْبُغُ الْمَعِدَةَ وَيَعْقِلُ الطَّبِيعَةَ وَيَقْطَعُ الْعَطَشَ؛ وَلِهَذَا إذَا قَلَّ الْمَاءُ فَلْيُمْزَجْ بِقَلِيلِ خَلٍّ فَإِنَّ قَلِيلَهُ يَكْفِي فِي تَسْكِينِ الْعَطَشِ وَيَمْنَعُ الْوَرَمَ حَيْثُ يُرِيدُ أَنْ يَحْدُثَ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَيُلَطِّفُ الْأَغْذِيَةَ الْغَلِيظَةَ وَيَرِقُّ الدَّمَ، وَإِذَا شُرِبَ بِالْمِلْحِ نَفَعَ مَنْ أَكَلَ الْفِطْرَ الْقَتَّالَ.

وَإِذَا حُسِيَ قَلَعَ الْعَلَقَ الْمُتَعَلِّقَ بِأَصْلِ الْحَنَكِ نَافِعٌ لِلدَّاحِسِ إذَا طُلِيَ بِهِ وَالنَّمِلَةِ وَالْأَوْرَامِ الْحَارَّةِ وَحَرْقِ النَّارِ مِنْهُ لِلْأَكْلِ مُطَيِّبٌ لِلْأَطْعِمَةِ صَالِحٌ لِلشَّبَابِ فِي الصَّيْفِ وَلِسُكَّانِ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ، قَالَ بَعْضُهُمْ

ص: 380

الْإِكْثَارُ مِنْهُ يُضْعِفُ الْبَصَرَ وَيَضُرُّ بِالْعَصَبِ، وَرُبَّمَا أَدَّى إلَى الِاسْتِسْقَاءِ، وَيُقِلُّ ضَرَرَهُ مَزْجُهُ بِالْمَاءِ وَالسُّكَّرِ، وَيُهْزِلُ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ وَيُقَوِّي السَّوْدَاءَ. وَالْخَبَرُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أُمِّ سَعْدٍ مَرْفُوعًا:«نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي الْخَلِّ فَإِنَّهُ كَانَ إدَامَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي وَلَمْ يَفْقَرْ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ» إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ بِلَا خِلَافٍ.

وَمِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ أَكْلُهُ عليه السلام مِمَّا تَيَسَّرَ لَهُ مِنْ الْفَاكِهَةِ وَهِيَ دَوَاءٌ نَافِعٌ إذَا أُكِلَتْ عَلَى مَا يَنْبَغِي، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي كُلِّ بَلَدٍ مِنْ الْفَاكِهَةِ مَا يُنَاسِبُهُمْ، وَمَنْ احْتَمَى عَنْهَا مُطْلَقًا إنْ انْتَفَعَ بِذَلِكَ فَضَرَرُهُ أَكْثَرُ.

وَمِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ إلَيْهِ الْحُلْوَ الْبَارِدَ» قَالَتْهُ عَائِشَةُ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.

وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الشَّرَابِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: الْحُلْوُ الْبَارِدُ.» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَهَذَا أَصَحُّ. وَهَذَا مِنْ أَلَذِّ شَيْءٍ وَأَنْفَعِهِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ رَطْبٌ، رُطُوبَتُهُ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ، وَشُرْبُهُ بَعْدَ الطَّعَامِ يُقَوِّي الْمَعِدَةَ، وَيُنْهِضُ الشَّهْوَةَ، وَيُجْزِئُ قَلِيلُهُ، وَيُخْلِفُ عَلَى الْبَدَنِ مَا تَحَلَّلَ مِنْ رُطُوبَاتِهِ، وَيَرْفُقُ الْغِذَاءَ وَيُسْرِعُ نُفُوذَهُ وَإِيصَالَهُ إلَى الْأَعْضَاءِ، لَكِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ يُورِثُ هُزَالًا. يُقَال: هَزِلَ لَحْمُهُ بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ: اضْطَرَبَ وَاسْتَرْخَى

، وَيُحْدِثُ كِرَازًا وَسُبَاتًا وَرَعْشَةً وَنِسْيَانًا فَيُقْتَصَرُ عَلَى أَكْثَرِ مَا يَرْوِي، وَقِيلَ عَلَى نِصْفِهِ. وَالْمَاءُ رَدِيءٌ لِلْقُرُوحِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْطَشَ، فَإِنَّهُ يُوهِنُ الشَّهْوَةَ وَالْقُوَّةَ، وَيُجَفِّفُ، وَيُظْلِمُ الْبَصَرَ. وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ أَنَّهُ لَا يُغَذِّي؛ لِأَنَّهُ لَا يُنَمِّي الْأَعْضَاءَ وَلَا يُخْلِفُ عَلَيْهَا بَدَلَ مَا حَلَّلَتْهُ الْحَرَارَةُ كَالطَّعَامِ، وَلَا يُكْتَفَى بِهِ بَدَلَ الطَّعَامِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُغَذِّي الْبَدَنَ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ عَنْ زَمْزَمَ إنَّهَا مُبَارَكَةٌ

ص: 381

إنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ» وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ، وَزَادُوا فِيهِ:«وَشِفَاءُ سَقَمٍ» أَيْ: تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَالطَّعَامِ.

وَمَا سَبَقَ مِنْ نَفْعِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ عُمُومُ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ فَإِنَّ مَنْ ضَعُفَ عَصَبُهُ، أَوْ مَعِدَتُهُ وَكَبِدُهُ بَارِدَتَانِ لَا يَنْبَغِي لَهُ شُرْبُ مَاءِ الثَّلْجِ، وَكَذَا الْمَشَايِخُ وَمَنْ يَتَوَلَّدُ فِيهِمْ الْأَخْلَاطُ الْبَارِدَةُ، وَيُهَيِّجُ السُّعَالَ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ بِالتَّجْرِبَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ وَحَذَّرُوا مِنْهُ فِي أَمْرَاضٍ كَوَجَعِ الْمَفَاصِلِ. وَقَوْلُ بَعْضِ الْأَطِبَّاءِ: الثَّلْجُ حَارٌّ غَلِيظٌ وَهُوَ يُهَيِّجُ الْحَرَارَةَ؛ فَلِذَلِكَ يُعَطِّشُ لَا أَنَّهُ حَارٌّ فِي نَفْسِهِ، وَتَوَلُّدُ الْحَيَوَانِ فِيهِ لَا يَدُلُّ عَلَى حَرَارَتِهِ كَتَوَلُّدِهِ فِي خَلٍّ وَفَاكِهَةٍ بَارِدَةٍ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِمَاءِ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ» وَإِنَّمَا سَأَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْخَطَايَا تُضْعِفُ الْقَلْبَ وَتَكْسِيهِ حَرَارَةً، وَهَذَا الْمَاءُ يُقَوِّيه وَيُصْلِبُهُ وَيُطَهِّرُهُ وَيُبَرِّدُهُ. وَلَا يَتَنَاوَلُ بَارِدًا بَعْدَ حَارٍّ وَلَا عَكْسَهُ، فَإِنَّهُ مِنْ حِفْظِ صِحَّةِ الْأَسْنَانِ وَقُوَّتِهَا وَذَلِكَ مَعْلُومٌ.

وَمِنْهُ تَرْكُ كَسْرِ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَة بِهَا وَمَضْغُ الْأَشْيَاءِ الْعَلِكَةِ كَالْحُلْوِ وَالتَّمْرِ وَالْمُحَذِّرَةِ كَالثَّلْجِ وَالْمُضَرِّسَةِ كَالْحَوَامِضِ، وَكَثْرَةُ الْقَيْءِ يُفْسِدُهَا. وَإِذَا تَوَجَّعَ السِّنُّ مِنْ مَسِّ شَيْءٍ بَارِدٍ فَلْيَعَضَّ عَلَى خُبْزٍ حَارٍّ وَنَحْوِهِ، وَإِذَا كَانَ وَجَعُ السِّنِّ مِنْ حَرَارَةٍ سَكَنَ مِنْ بَارِدٍ، وَيُفِيدُ فِي وَجَعِهَا الْمَضْمَضَةُ بِحَامِضٍ وَمَضْغُ الطَّرْخُونِ وَالْغِذَاءُ حُمُوضَاتٌ، وَيُمْسَكُ فِي الْفَمِ آسٌ رَطْبٌ أَوْ وَرَقُ زَيْتُونٍ غَضٍّ أَوْ خَلٌّ طُبِخَ فِيهِ جَوْزُ السَّرْوِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ طُبِخَ فِيهِ عَفْصٌ. هَذَا إذَا كَانَ مِنْ بُخَارِ الدَّمِ: فَإِنْ كَانَ مِنْ بُخَارِ الْبَلْغَمِ أَمْسَكَ فِي الْفَمِ دُهْنًا مُسَخَّنًا وَيُدَلَّكُ السِّنُّ بِالْفِلْفِلِ وَالثُّومِ وَنَحْوِهِ.

قَالَ ثَابِتٌ الطَّبِيبُ: أَجْمَعَ الْأَوَائِلُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْفَمَ فِي عِلَاجِ الْأَسْنَانِ خَيْرٌ مِنْ الْخَلِّ وَالْمِلْحِ؛ لِأَنَّهُمَا يُسَكِّنَانِ الْوَجَعَ وَيُخَفِّفَانِ الْبَلَمَةَ الزَّائِدَةَ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْحَارَّةِ الْخَلُّ وَحْدَهُ وَسَوَادُ الْأَسْنَانِ لِرَدَاءَةِ مَا يَتَغَدَّى بِهِ فَيُدَلَّكُ بِالْفِلْفِلِ

ص: 382

وَنَحْوِهِ وَيَزُولُ الضِّرْسُ بِمَضْغِ الْبَقْلَةِ الْحَمْقَاءِ وَهِيَ الفرفحين أَوْ اللَّوْزِ، وَيُمْسَكُ دُهْنُ اللَّوْزِ مُفَتَّرًا فِي الْفَمِ وَالْعِلْكِ، وَالشَّمْعِ وَالزِّفْتِ إذَا مُضِغَ.

وَالسِّوَاكِ وَمَنَافِعِهِ، وَمَا يُطَيِّبُ النَّكْهَةَ وَيَمْنَعُ ارْتِقَاءَ الْبُخَارِ مَذْكُورٌ فِي بَابِ السِّوَاكِ مِنْ الْفِقْهِ، وَإِنْ وُضِعَتْ الْيَدَانِ أَوْ الرِّجْلَانِ الَّتِي تَثَلَّجَتْ وَتَفَتَّحَتْ عَلَى الْبَلَاطِ الشَّدِيدِ الْحَرَارَةِ فِي الْحَمَّامِ وَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ مِرَارًا، فَإِنَّهُ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَالتَّثَلُّجُ الَّذِي لَمْ يَنْفَتِحْ يُؤْخَذُ قَلِيلُ فِلْفِلٍ فَيُسْحَقُ نَاعِمًا وَيُغْلَى فِي الزَّيْتِ ثُمَّ يُدْهَنُ بِهِ التَّثَلُّجُ قَبْلَ فَتْحِهِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً فَإِنَّهُ يَزُولُ وَلَا يُفْتَحُ، وَأَمَّا الْمَاءُ الْفَاتِرُ وَالْحَارُّ فَفِعْلُهُ عَكْسُ فِعْلِ الْمَاءِ الْبَارِدِ. لَكِنْ إذَا شَرِبَ عَلَى الرِّيقِ مَاءً حَارًّا غَسَلَ الْمَعِدَةَ مِنْ فُضُولِ الْغِذَاءِ الْمُتَقَدِّمِ وَرُبَّمَا أَطْلَقَ، وَالسَّرَفُ فِي اسْتِعْمَالِهِ يُوهِنُ الْمَعِدَةَ، وَأَمَّا إذَا خَالَطَ الْمَاءُ الْبَارِدُ مَا يُحَلِّيهِ فَإِنَّهُ يُوَصِّلُ الْغِذَاءَ إلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَيُغَذِّي الْبَدَنَ وَيُسَخِّنُهُ وَيَنْشُرُ حَرَارَتَهُ الْغَرِيزِيَّةَ إلَى سَائِرِهِ وَيُجَوِّدُ الْهَضْمَ. وَالْمَاءُ الْبَارِدُ بَعْضُهُ أَنْفَعُ.

وَلِهَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إنْ كَانَ عِنْدَكَ مَاءٌ بَاتَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فِي شَنَّةٍ وَإِلَّا كَرَعْنَا» .

وَفِي مُسْلِمٍ: «أَنَّ عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَنْ النَّبِيذِ فَدَعَتْ جَارِيَةً حَبَشِيَّةً فَقَالَتْ: سَلْ هَذِهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ الْحَبَشِيَّةُ: كُنْتُ أَنْبِذُ لَهُ فِي سِقَاءٍ مِنْ اللَّيْلِ وَأُوكِيهِ وَأُعَلِّقُهُ، فَإِذَا أَصْبَحَ شَرِبَ مِنْهُ» وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّهُ أَلَذُّ وَأَنْقَعُ لِصَفَائِهِ وَبُرُودَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يُرَكِّدُ وَيُرَشِّحُ الْمَاءَ مِنْ مَسَامِّهَا الْمُتَفَتِّحَةِ فِيهَا.

وَفِي الْخَبَرِ جَوَازُ الْكَرْعِ وَهُوَ الشُّرْبُ بِالْفَمِ مِنْ حَوْضٍ وَنَحْوِهِ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بَابَ الْكَرْعِ فِي الْحَوْضِ.

ص: 383

قَالَ أَبُو دَاوُد بَابُ الْكَرْعِ: وَهَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحَوْضُ مُرْتَفِعًا فَيَجْلِسُ عَلَى شَيْءٍ وَيَكْرَعُ مِنْهُ، أَوْ يَكْرَعُ مِنْهُ قَائِمًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُتَّكِئًا وَلَا غَيْرَ مُنْتَصِبٍ، وَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَقَدْ بُيِّنَ الْجَوَازُ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي أَثْنَاءِ فُصُولِ آدَابِ الْأَكْلِ أَنَّهُ عليه السلام شَرِبَ خَالِصًا وَمَشُوبًا وَفِي ذَلِكَ حِفْظُ الصِّحَّةِ لَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ؛ لِأَنَّهُ يُرَطِّبُ الْبَدَنَ وَيَرْوِي الْكَبِدَ لَا سِيَّمَا لَبَنُ الدَّوَابِّ الَّتِي تَرْعَى الشِّيحَ وَغَيْرَهُ فَإِنَّ لَبَنَهَا شَرَابٌ وَغِذَاءٌ وَدَوَاءٌ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْآتِي فِيمَا يَقُولُهُ بَعْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

وَقَالَ أَحْمَدُ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ.» طَارِقٌ لَهُ رُؤْيَةٌ وَيَزِيدُ هُوَ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ: ابْنُ عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ لِينٌ وَلَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ.

وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ: لَا يُتَابَعُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ.

وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فُضَالَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقٍ بْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا. وَعَنْ ابْنِ مُثَنَّى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الرَّبِيعِ بْنِ لُوطٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ طَارِقٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَقَصَهُ اللَّيِّنُ. قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى بِهِ وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ أَيُّوبَ الطَّائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقٍ بِهِ مُرْسَلًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَخْزَمَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا: «أَلْبَانُ الْبَقَرِ شِفَاءٌ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَسْلَمَ بِإِسْنَادٍ مَرْفُوعًا.

وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الشَّيْبَانِيِّ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ دَغْفَلٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيِّ بْنِ صُهَيْبٍ

ص: 384

عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: «عَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ شِفَاءٌ وَسَمْنُهَا دَوَاءٌ، وَلُحُومُهَا دَاءٌ» . رِفَاعٌ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى هُوَ ابْنُ بُزَيْغٍ الْجَرِيرِيُّ لَمْ أَجِدْ لَهُ تَرْجَمَةً فِي ثِقَاتٍ وَلَا ضُعَفَاءَ وَيَخْطِرُ عَلَى بَالِي أَنَّ الْعُقَيْلِيَّ قَالَ: لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَبَاقِي الْإِسْنَادِ حَسَنٌ، وَلَيْسَ هَذَا الْخَبَرُ بِذَاكَ الضَّعِيفِ الْوَاهِي، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَثْبُتُ، كَذَا قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمِنْ حِفْظِ الصِّحَّةِ إخْرَاجُ حَاصِلٍ يَضُرُّ الْبَدَنَ بَقَاؤُهُ وَفِعْلُ مَا احْتَاجَهُ الْبَدَنُ مِنْ نَوْمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَالِ الْعُقَلَاءِ وَيَأْتِي فِي آدَابِ الْأَكْلِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُخَالَفَةَ ذَلِكَ يَضُرُّ مَعَ التَّكْرَارِ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَطِبَّاءُ: حَبْسُ الرِّيحِ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ يُورِثُ الْحَصْرَ وَظُلْمَةَ الْعَيْنِ وَوَجَعَ الْفُؤَادِ وَالرَّأْسِ، وَحَبْسُ الْبَوْلِ يُورِثُ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مَعَ الْحَصَاةِ. وَحَبْسُ الْبِرَازِ يُورِثُ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَطُولُ الْمُكْثِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ يُوَلِّدُ الدَّاءَ الدَّوِيَّ، وَحَبْسُ الْجُشَاءِ يُورِثُ الْفِرَاقَ، وَحَبْسُ الْبَاءَةِ يُورِثُ وَجَعَ الذَّكَرِ وَالْفُؤَادِ وَسَيَلَانَ النُّطْفَةِ وَالْحَصَاة وَالْأُدْرَةِ، وَحَبْسُ النَّوْمِ يُورِثُ الثِّقَلَ فِي الرَّأْسِ وَوَجَعَ الْعَيْنِ.

وَمِنْ مَقَاصِدِ الْجِمَاعِ إخْرَاجُ الْمَنِيِّ الَّذِي يَضُرُّ بَقَاؤُهُ وَنَيْلُ اللَّذَّةِ وَالشَّهْوَةِ وَتَكْثِيرُ النَّسْلِ إلَى أَنْ تَتَكَامَلَ الْعِدَّةُ الَّتِي عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدَّرَ ظُهُورَهَا إلَى الْعَالَمِ. وَكَانَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ يَرَوْنَ الْجِمَاعَ مِنْ أَسْبَابِ حِفْظِ الصِّحَّةِ.

وَمِزَاجُ الْمَنِيِّ حَارٌّ رَطْبٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الدَّمِ الْمُغَذِّي لِلْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَنْبَغِي إخْرَاجُهُ إلَّا لِشِدَّةِ الشَّهْوَةِ فَإِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْهُ يُطْفِئُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ وَيُشْعِلُ الْحَرَارَةَ الْغَرِيبَةَ وَيُسْقِطُ الْقُوَّةَ وَيُضْعِفُ الْمَعِدَةَ وَالْكَبِدَ وَيُسِيءُ الْهَضْمَ وَيُفْسِدُ الدَّمَ وَيُجِفُّ الْأَعْضَاءَ الْأَصْلِيَّةَ وَيُسْرِعُ إلَيْهَا الْهَرَمَ وَالذُّبُولَ وَيُبَرِّدُ الْبَدَنَ

ص: 385

وَيُجَفِّفُهُ وَيُضْعِفُهُ وَيُخَلْخِلُهُ وَيَهْرَمُ سَرِيعًا وَيُجَفِّفُ الدِّمَاغَ وَيَضُرُّ بِالْعَصَبِ وَيُفْسِدُ اللَّوْنَ وَيُورِثُ الرَّعْشَةَ وَيَضُرُّ بِالصَّدْرِ وَالرِّئَةِ وَالْكُلَى وَيُهْزِلُهَا، وَيَضُرُّ مَنْ يَعْتَرِيهِ الْقُولَنْجُ وَوَجَعُ الْمَفَاصِلِ وَمَنْ بِهِ مَرَضٌ بَارِدٌ وَمَنْ بِهِ جَرَبٌ وَنَحْوُهُ؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ يُحَرِّكُ الْمَوَادَّ إلَى خَارِجٍ، وَالْمَخْمُورُ فَإِنَّهُ يَمْلَأُ الرَّأْسَ بُخَارًا دُخَّانِيًّا وَيَضُرُّ بِالْعَيْنِ وَالْخَاصِرَةِ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَقَدْ قِيلَ: هُوَ نُورُ عَيْنِكَ، وَمُخُّ سَاقَيْكَ، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُلْتَقَطِ الْمَنَافِعِ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ.

وَالْأَوْلَى بِالْحَذَرِ مِنْهُ أَصْحَابُ الْأَبْدَانِ النَّحِيفَةِ وَالْأَمْزِجَةِ الْيَابِسَةِ؛ فَإِنَّهُ يُسْرِعُ بِهِمْ إلَى الذُّبُولِ. وَالْأَبْدَانُ الْبِيضُ الشَّحْمِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ عَنْ الذُّبُولِ إلَّا أَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى أَمْرَاضِ الْعَصَبِ لِكَثْرَةِ الْفُضُولِ. وَمَنْ مَنِيُّهُ قَلِيلٌ وَدَمُهُ قَلِيلٌ فَشَهْوَتُهُ لَهُ ضَعِيفَةٌ، وَالْأَقْوَى عَلَيْهِ مَنْ كَثُرَ شَعْرُ أَسْفَلِ بَدَنِهِ مِمَّا يَلِي الْعَانَةَ وَالْفَخِذَيْنِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى حَرَارَةِ مِزَاجِ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْقَضِيبِ.

وَيَنْبَغِي أَنْ يَحْذَرَ مِنْهُ حَذَرَ الْعَدُوِّ الشَّيْخُ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْكَهْلُ وَمَنْ فَقَدَ شَعْرَ إبْطَيْهِ لِكِبَرِهِ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ وَنَسْلُهُ، وَمَنْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقِلَّ إخْرَاجَ الدَّمِ وَالتَّعَبَ وَالْحَمَّامَ وَيَزِيدَ فِي الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ وَالنَّوْمِ وَالطِّيبِ وَالِادِّهَانِ، وَلْيَتَنَقَّلْ بِاللَّوْزِ وَالْفُسْتُقِ وَالسُّكَّرِ وَيَتَعَاهَدُ مَا يُكَثِّرُ الْمَنِيَّ. وَالْأَغْذِيَةُ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، وَاَلَّذِي يَجْمَعُ ذَلِكَ مَا لَهُ غِلَظٌ وَرُطُوبَةٌ فَضْلِيَّةٌ وَحَرَارَةٌ، وَاجْتَمَعَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَمْضِ وَاللِّفْتِ وَالْجَزَرِ، وَمَنْ ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ بَعْدَهُ جِدًّا يَتَدَارَكُ بِالْأَغْذِيَةِ السَّرِيعَةِ النُّفُوذَ كَاللَّحْمِ الْمُطَيَّبِ وَالْبِيضِ النِّيمَرِشْتِ.

قَالَ جَالِينُوسُ: الْإِكْثَارُ مِنْهُ إذَا كَانَتْ الْقُوَّةُ قَوِيَّةً يَنْفَعُ مِنْ الْأَمْرَاضِ الْبَلْغَمِيَّةِ، وَمِنْ مَنَافِعِهِ الْإِبْرَاءُ مِنْ الْمَالَيْخُولِيَا وَطَرَبُ النَّفْسِ وَقُوَّةُ النَّشَاطِ وَيُخَفِّفُ عَلَى الرَّأْسِ وَالْحَوَاسِّ وَإِزَالَةُ دَاءِ الْعِشْقِ وَغَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ النَّفْسِ

ص: 386

وَالْأَجْرُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَنْفَعُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ، وَقَدْ رَغَّبَ الشَّرْع فِيهِ، وَحَضَّ عَلَيْهِ، وَأَمَرَ بِهِ كَمَا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَخْبَارِ مَذْكُورٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ.

وَمِمَّا يَزِيدُ فِي الْبَاءَةِ اللَّوْزُ الْحُلْوُ وَالْفُسْتُقُ وَالْبُنْدُقُ وَحَبُّ الصَّنَوْبَرِ وَالسُّكَّرُ وَالسِّمْسِمُ الْمَقْشُورُ وَلُبْسُ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالْوَرْسِ وَكَثْرَةُ رُكُوبِ الْخَيْلِ وَالْعِنَبُ الْحُلْوُ وَالتِّينُ وَصُفْرَةُ الْبَيْضِ وَلِسَانُ الْعَصَافِيرِ، وَالدَّارَصِينِيّ، وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْمَسُ فِيهِ الْحَدِيدُ الْمَحْمِيُّ وَسَمْنُ الْبَقَرِ وَالْعَصَافِيرُ وَالْعَسَلُ وَالْهِلْيُونُ وَاللَّبَنُ الْحَلِيبُ وَغَيْرُ ذَلِكَ. وَلَا يَدَعُ الْجِمَاعَ دَائِمًا؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الشَّرْعِ.

وَقَالَ الْأَطِبَّاءُ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الرَّازِيّ وَغَيْرُهُ: مَنْ هَجَرَهُ ضَعُفَتْ قُوَى أَعْضَائِهِ وَاسْتَدَّتْ مَجَارِيهَا وَتَقَلَّصَ ذَكَرُهُ، وَرَأَيْتُ جَمَاعَةً تَرَكُوهُ لِنَوْعٍ مِنْ التَّقَشُّفِ فَبَرَدَتْ أَبْدَانُهُمْ، وَعَسُرَتْ حَرَكَاتُهُمْ، وَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ كَآبَةٌ وَقَلَّتْ شَهَوَاتُهُمْ وَهَضْمُهُمْ، وَأَنْفَعُ الْجِمَاعِ بَعْدَ الْهَضْمِ عِنْدَ اعْتِدَالِ الْبَدَنِ، وَشِدَّةِ الشَّهْوَةِ لَا مَعَ فِكْرٍ أَوْ نَظَرٍ وَنَحْوِهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ يَنْبَغِي لِحَاجَةِ الْبَدَنِ إلَيْهِ لَا لِشَوْقِ النَّفْسِ إلَيْهِ. وَمُرَادُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَدْنَى شَوْقٍ وَإِلَّا فَإِذَا أَشْتَدَّ شَوْقُهُ ضَرَّهُ إنْ لَمْ يُخْرِجْهُ.

وَلَا يَنْبَغِي الْجِمَاعُ عَلَى الْجُوعِ فَإِنَّهُ يُوقِعُ فِي الدِّقِّ وَلَا عَلَى الِامْتِلَاءِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْهَضْمَ مَعَ أَنَّهُ أَقَلُّ ضَرَرًا مِنْ الْجُوعِ وَلَا عَلَى عَطَشٍ أَوْ غَضَبٍ أَوْ عَقِبَ سَهَرٍ أَوْ تَعَبٍ أَوْ فِي الْحَمَّامِ أَوْ عَقِبَ إسْهَالٍ.

وَمِمَّا يُضْعِفُ الْبَاءَةَ كُلُّ حَارٍّ لَطِيفٍ مِنْ الْأَغْذِيَةِ وَالْأَدْوِيَةِ كَالسَّذَابِ وَنَحْوِهِ، وَكُلُّ قَوِيِّ التَّجْفِيفِ يَابِسٍ كَالْأَرُزِّ وَالْعَدَسِ، وَكُلُّ بَارِدٍ مُجَمِّدٍ لِلْمَنِيِّ كَالنَّيْلُوفَرِ وَالْخِلَافِ وَالْوَرْدِ وَالْأَشْيَاءِ الْقَابِضَةِ وَالْحَامِضَةِ وَالْمُزَّةِ كَالسَّفَرْجَلِ وَالتُّفَّاحِ وَالْخَلِّ، وَشَرُّهَا مَا جَمَعَ إلَى الْحُمُوضَةِ قَبْضًا مِثْلُ الْحِصْرِمِ وَالسُّمَّاقِ وَالرُّمَّانِ وَالْحَامِضِ، وَكُلُّ مَالَهُ مَائِيَّةٌ كَثِيرَةٌ بَارِدَةٌ مِنْ الْبُقُولِ كَالْخَسِّ وَالْقَرْعِ وَبَقْلَةِ الْحَمْقَاءِ وَهِيَ الفرفحين وَالطَّرْخُونُ وَالْهِنْدَبَا وَالْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَكَثْرَةُ شُرْبِ الْمَاءِ الْبَارِدِ وَالتَّخَمُ وَإِتْيَانُ الْحَائِضِ وَالصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الَّتِي لَا شَهْوَةَ لَهَا وَالْكَرِيهَةِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمَرِيضَةِ.

وَقَالَ

ص: 387

بَعْضُهُمْ: وَالْحَائِلِ الَّتِي لَمْ تُؤْتَ زَمَانًا طَوِيلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْعَاقِرِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَجِمَاعُ الثَّيِّبِ أَنْفَعُ مِنْ جِمَاعِ الْبِكْرِ وَأَحْفَظُ لِلصِّحَّةِ؛ وَعُلِّلَ بِأَنَّ جِمَاعَ الْبِكْرِ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُنَّ يُضْعِفُ قُوَّةَ أَعْضَاءِ الْجِمَاعِ خَاصَّةً، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْبِكْرِ مُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، قَالَ ابْنُ بَخْتَيَشُوعَ وَغَيْرُهُ: وَطْءُ الْحَائِضِ يُوَلِّدُ الْجُذَامَ.

قَالَ جَالِينُوسُ فِي النَّيْلُوفَرِ خَاصِّيَّةٌ مُضَادَّةٌ لِلْمَنِيِّ فَشَمُّهُ يُضْعِفُهُ وَشُرْبُهُ يَقْطَعُهُ، وَقَالَ: الْإِكْثَارُ مِنْ إدْرَارِ الْبَوْلِ يَنْقُضُ الْبَاءَةَ؛ لِأَنَّهُ يُهْزِلُ الْكُلَى وَمَنْ يَعْتَرِيه عَقِبَهُ نَافِضٌ فَمِنْ الْمُرَارِ الْأَصْفَرِ، وَمَنْ تَأْتِيه رَعْشَةٌ فَيُقَوِّي دِمَاغَهُ بِالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالطُّيُورِ الْحَارَّةِ، وَمَنْ يَرْتَفِعُ إلَى رَأْسِهِ بُخَارٌ فَيَصْعَدُ فَيُقَوِّي رَأْسَهُ بِمَا يُنَاسِبُ مِنْ الْبَارِدِ.

قَالَ أَبُقْرَاطُ: السِّمَانُ لَا يَشْتَهُونَ الْبَاءَةَ وَلَا يَقْوُونَ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ، قَالَ: وَالْمُقْعَدُونَ أَكْثَرُ جِمَاعًا لِقِلَّةِ تَعَبِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَمْشُونَ كَثِيرًا وَمَنْ كَانَ مِزَاجُ أُنْثَيَيْهِ حَارًّا رَطْبًا انْتَفَعَ بِالْجِمَاعِ لِكَثْرَةِ الْمَنِيِّ الْمُتَوَلِّدِ فِيهِ فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْهُ تَعَفَّنَ وَوَلَّدَ أَمْرَاضًا.

وَمَنْ كَانَ مِزَاجُ أُنْثَيَيْهِ حَارًّا يَابِسًا كَانَ كَثِيرَ الشَّبَقِ إلَّا أَنَّهُ يَمَلُّ الْجِمَاعَ سَرِيعًا بِسَبَبِ قِلَّةِ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الْمَنِيِّ لِغَلَبَةِ الْيُبْسِ، وَهَذَا مَتَى جَامَعَ كَثِيرًا اسْتَضَرَّ بِهِ، وَمَنْ كَانَ مِزَاجُ أُنْثَيَيْهِ بَارِدًا رَطْبًا كَانَتْ نَهْضَتُهُ إلَى الْجِمَاعِ بَطِيئَةً، وَهَذَا يَسْتَضِرُّ بِالْجِمَاعِ، وَإِنْ كَانَ مِزَاجُهُمَا بَارِدًا يَابِسًا كَانَ عَدِيمَ الشَّهْوَةِ بِالْجُمْلَةِ.

وَمَادَّةُ الْمَنِيِّ مِنْ الْهَضْمِ الرَّابِعِ، وَنَقْضُ الْمَنِيِّ مِنْ قِبَلِ الدِّمَاغِ، وَعَدَمُ انْتِشَارِ الذَّكَرِ، وَقُوَّةُ حَرَكَتِهِ مِنْ قِبَلِ الْقَلْبِ، وَفَقْدُ شَهْوَةِ الذَّكَرِ مِنْ قِبَلِ الْكَبِدِ. وَأَحْرَصُ مَا يَكُونُ أَشَدُّ غِلْمَةً إذَا احْتَلَمَ، وَكُلَّمَا دَخَلَ فِي السِّنِّ نَقَصَ ذَلِكَ، وَالْمَرْأَةُ يَشْتَدُّ حِرْصُهَا عَلَى ذَلِكَ حِين تَكْتَهِلُ، وَلِلْأَطِبَّاءِ قَوْلَانِ أَيُّهُمَا أَشَدُّ شَهْوَةً الرِّجَالُ أَمْ النِّسَاءُ؟

ص: 388

وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا «فُضِّلَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى الرَّجُلِ بِتِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْ اللَّذَّةِ أَوْ قَالَ مِنْ الشَّهْوَةِ، لَكِنَّ اللَّهَ أَلْقَى عَلَيْهِنَّ الْحَيَاءَ» وَذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: قَالَ فَقِيهٌ: شَهْوَةُ الْمَرْأَةِ فَوْقَ شَهْوَةِ الرَّجُلِ بِتِسْعَةِ أَجْزَاءٍ، فَقَالَ حَنْبَلِيٌّ: لَوْ كَانَ هَذَا مَا كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَرْبَعٍ وَيَنْكِحَ مَا شَاءَ مِنْ الْإِمَاءِ.

وَلَا تَزِيدُ الْمَرْأَةُ عَلَى رَجُلٍ، وَلَهَا مِنْ الْقَسْمِ الرُّبُعُ وَحَاشَا حِكْمَتَهُ أَنْ تَضِيقَ عَلَى الْأَحْوَجِ.

وَأَحْسَنُ أَحْوَالِ الْجِمَاعِ أَنْ تَتَقَدَّمَهُ مُقَدِّمَاتُهُ مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُدَاعَبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِتَتَحَرَّكَ الشَّهْوَةُ مِنْهَا. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ: أَنَّ الرَّجُلَ إذَا فَرَكَ حَلَمَتَيْ الْمَرْأَةِ اغْتَلَمَتْ ثُمَّ يَعْلُوهَا مُسْتَفْرِشًا لَهَا قَالَ تَعَالَى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187] وَهَذِهِ الْحَالُ أَسْبَغُ اللِّبَاسِ وَأَكْمَلُهُ.

وَأَمَّا عُلُوُّ الْمَرْأَةِ لِلرَّجُلِ فَخِلَافُ مُقْتَضَى الشَّرْعِ وَالطَّبْعِ وَهُوَ مُضِرٌّ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ قَالُوا: يُورِثُ الْأُدْرَةَ وَالِانْتِفَاخَ وَقُرُوحَ الْإِحْلِيلِ وَالْمَثَانَةِ؛ لِأَجْلِ مَا يَسِيلُ مِنْ مَنِيِّهَا وَيَدْخُلُ الْإِحْلِيلَ وَهُوَ حَارٌّ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ إنَّمَا يَأْتُونَ النِّسَاءَ عَلَى جُنُوبِهِنَّ عَلَى حَرْفٍ: وَيَقُولُونَ هُوَ أَسْتَرُ لِلْمَرْأَةِ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ وَالْأَنْصَارُ تُشَرِّحُ النِّسَاءَ عَلَى أَقْفَائِهِنَّ فَعَابَتْ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] .

وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ، وَقَدْ كَرِهَ أَحْمَدُ رحمه الله لِلْمَرْأَةِ تَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهَا، وَقَالَ: يُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَرِهَهُ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ غَيْرُ حَالِ الْمُجَامَعَةِ مَعَ أَنَّ كَرَاهَتَهُ، تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ. وَقَدْ ذَكَرَ

ص: 389

الْأَطِبَّاءُ: أَنَّ الْجِمَاعَ عَلَى جَنْبٍ مُضِرٌّ رُبَّمَا أَوْرَثَ وَجَعَ الْكُلَى وَأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ قُعُودٍ يَضُرُّ بِالْعَصَبِ.

قَالَ ابْنُ مَاسَوَيْهِ: وَمَنْ احْتَلَمَ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى وَطِئَ أَهْلَهُ فَوَلَدَتْ مَجْنُونًا أَوْ مُخْتَبَلًا فَلَا يَلُومَنِّ إلَّا نَفْسَهُ، وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي بَقَاءِ الْبَدَنِ مِنْ الْغِذَاءِ وَالشَّرَابِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَبْقَى مِنْ الْغِذَاءِ فَضْلَةٌ عِنْدَ كُلِّ هَضْمٍ فَيَجْتَمِعُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَمَرِّ الزَّمَانِ شَيْءٌ يَضُرُّ الْبَدَنَ بِثِقَلِهِ أَوْ غَيْرِهِ، وَإِنْ اسْتَفْرَغَ بِدَوَاءٍ تَأَذَّى الْبَدَنُ بِهِ إمَّا بِسُمْنَةٍ أَوْ لِإِخْرَاجِهِ صَالِحًا مُنْتَفَعًا بِهِ، وَقَدْ يَضُرُّ بِكَيْفِيَّتِهِ بِأَنْ يَسْخَنَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْعَفَنِ أَوْ يَبْرُدَ بِنَفْسِهِ أَوْ يُضْعِفَ الْحَرَارَةَ الْغَرِيزِيَّةَ عَنْ إنْضَاجِهِ، وَالْحَرَكَةُ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي مَنْعِ تَوَلُّدِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تُسَخِّنُ الْأَعْضَاءَ وَتُسِيلُ فَضَلَاتِهَا فَلَا تَجْتَمِعُ، وَتُعَوِّدُ الْبَدَنَ الْخِفَّةَ وَالنَّشَاطَ وَتَجْعَلُهُ قَابِلًا لِلْغِذَاءِ وَتُصَلِّبُ الْمَفَاصِلَ وَتُقَوِّي الْأَوْتَارَ وَالرِّبَاطَاتِ. وَتُؤْمَنُ جَمِيعُ الْأَمْرَاضِ الْمَادِّيَّةِ وَأَكْثَرُ الْمِزَاجِيَّةِ إذَا اسْتَعْمَلَ الْقَدْرَ الْمُعْتَدِلَ مِنْهَا فِي وَقْتِهِ وَكَانَ بَاقِي التَّدْبِيرِ صَوَابًا، وَوَقْتُ الرِّيَاضَةِ بَعْدَ انْحِدَارِ الْغِذَاءِ وَكَمَالِ الْهَضْمِ، وَالرِّيَاضَةُ الْمُعْتَدِلَةُ هِيَ الَّتِي تَحْمَرُّ فِيهَا الْبَشَرَةُ وَتَرْبُو وَيَتَنَدَّى بِهَا الْبَدَنُ، فَأَمَّا الَّذِي يَلْزَمُهَا سَيَلَانُ الْعَرَقِ فَمُفْرِطَةٌ.

قَالَ الْأَطِبَّاءُ: وَكُلُّ عُضْوٍ يَقْوَى بِالرِّيَاضَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ وَخُصُوصًا عَلَى نَوْعِ تِلْكَ الرِّيَاضَةِ، بَلْ كُلُّ قُوَّةٍ. فَهَذَا شَأْنُهَا فَمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْ الْحِفْظِ قَوِيَتْ حَافِظَتُهُ، وَمِنْ الْفِكْرِ قَوِيَتْ قُوَّتُهُ الْمُفَكِّرَةُ قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلِكُلِّ عُضْوٍ رِيَاضَةٌ تَخُصُّهُ، فَلِلصَّدْرِ الْقِرَاءَةُ فَيَبْتَدِئُ فِيهَا مِنْ الْخُفْيَةِ إلَى الْجَهْرِ بِتَدْرِيجٍ، وَرِيَاضَةُ السَّمْعِ بِسَمْعِ الْأَصْوَاتِ، وَالْكَلَامِ بِالتَّدْرِيجِ فَيَنْتَقِلُ مِنْ الْأَخَفِّ إلَى الْأَثْقَلِ، وَكَذَلِكَ رِيَاضَةُ الْبَصَرِ وَقَدْ سَبَقَ رِيَاضَةُ اللِّسَانِ فِي الْكَلَامِ.

وَرِيَاضَةُ الْمَشْيِ بِالتَّدْرِيجِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَرُكُوبِ الْخَيْلِ وَرَمْيِ النُّشَّابِ وَالصِّرَاعِ. وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْأَقْدَامِ رِيَاضَةُ الْبَدَنِ كُلِّهِ، وَهِيَ قَالِعَةٌ لِأَمْرَاضٍ مُزْمِنَةٍ كَالْجُذَامِ وَالِاسْتِقَاءِ

ص: 390

وَالْقُولَنْجِ. وَرِيَاضَةُ النُّفُوسِ بِالتَّعَلُّمِ وَالتَّأَدُّبِ، وَالْفَرَحِ، وَالصَّبْرِ، وَالثَّبَاتِ وَالْإِقْدَامِ وَالسَّمَاحَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ، وَإِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى صَارَ عَادَةً وَطَبِيعَةً ثَانِيَةً.

وَقَدْ ذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ أَنَّ الْعَوَائِدَ طَبَائِعُ ثَوَانٍ، وَمِنْ أَبْلَغِ ذَلِكَ وَأَنْفَعِهِ الْجِهَادُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالْحَجُّ. وَقَدْ سَبَقَ هَذَا الْمَعْنَى قَبْلَ فُصُولِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فِي الْكَلَامِ عَلَى ذِي النُّونِ وَتَضَمُّنِهِ عِلَاجَ زَوَالِ الْهَمِّ وَالْغَمِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي الصَّبْرِ نَحْوَ نِصْفِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْكَلَامِ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَالزُّهْدِ وَسَبَقَ الْكَلَامُ فِي الصَّوْمِ وَالْجُوعِ فِي ذِكْرِ الْحِمْيَةِ.

وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُبَلِّغُ بِهِ النَّبِيُّ: صلى الله عليه وسلم «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ إذَا نَامَ يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِذَا تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَتَانِ فَإِذَا صَلَّى انْحَلَّتْ الْعُقَدُ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ» قَافِيَةُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرَهُ، وَمِنْهُ قَافِيَةُ الشِّعْرِ. وَهَذِهِ الْعُقَدُ قِيلَ: حَقِيقَةٌ كَعُقَدِ السِّحْرِ، وَقِيلَ: هُوَ قَوْلٌ يَقُولُهُ، وَقِيلَ: هُوَ فِعْلٌ يَفْعَلُهُ، وَقِيلَ: هُوَ مِنْ عَقْدِ الْقَلْبِ وَتَصْمِيمِهِ، فَكَأَنَّهُ يُوَسْوِسُ فِي نَفْسِهِ بِبَقَاءِ اللَّيْلِ، وَقِيلَ: هُوَ مَجَازٌ كَنَّى بِهِ عَنْ تَثْبِيطِ الشَّيْطَانِ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ.

قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِالذِّكْرِ وَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَإِلَّا دَخَلَ فِيمَنْ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ. وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ: وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ إنْ لَمْ يَأْتِ بِبَعْضِ ذَلِكَ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي بَاتَ عِنْدَهُ ابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ إذَا اسْتَيْقَظَ وَيُصَلِّي قَبْلَ نَوْمِهِ مَا قُدِّرَ لَهُ، وَلِهَذَا كَانَتْ التَّرَاوِيحُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا خَلْقٌ، فَلَا يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ؛ وَلِأَنَّهُ يَبْعُدُ الْقَوْلُ بِظَاهِرِهِ فِيمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ ثُمَّ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةٍ وَاسْتِغْفَارٍ وَدُعَاءٍ حَتَّى تَوَضَّأَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ، أَوْ اشْتَغَلَ بِرِبَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ مَعَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ، أَوْ فِيمَنْ

ص: 391

تَوَضَّأَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ اسْتَيْقَظَ فَلَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمَّا مَنْ لَمْ يَسْتَيْقِظْ فَإِنَّهُ مَعْذُورٌ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:«لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ» فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُصْبِحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.

فَإِنْ قِيلَ فَفِي مُسْلِمٍ أَوْ فِي الصَّحِيحَيْنِ: «أَنَّ رَجُلًا ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَامَ لَيْلَهُ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ، أَوْ قَالَ: فِي أُذُنَيْهِ» فَلَمْ يُعْذَرْ بِالنَّوْمِ، قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي رَجُلٍ خَاصٍّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ الْعِشَاءِ أَوْ الْفَجْرِ أَوْ هُمَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. وَلَمْ أَجِدْ مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ حُجَّةً فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ، فَيُقَالُ: لَا عُقُوبَةَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَمَكَّنَ مِنْهُ فَثَبَّطَهُ عَنْ فِعْلِ الْمُبْرَزِينَ فِي الْخَيْرَاتِ بِنَوْمِهِ، وَأَمَّا هُنَا فَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ عُقُوبَةٌ مُسْتَقْبَلَةٌ لِمَا سَبَقَ مِنْهُ. وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَبَا هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَظُنُّ فِي مُسْلِمٍ وَأَبَا ذَرٍّ فِي النَّسَائِيّ بِالْوَتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ لِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ، وَبِصَلَاةِ الضُّحَى بَدَلًا عَمَّا فَاتَهُمْ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْ بِهِمَا سِوَاهُمْ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ، وَلَا يُظَنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُصْبِحُ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِي بَابِ صَلَاةِ الْعَتَمَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَدَبِ ثَنَا مُسَدَّدٌ ثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثَنَا مُسَعَّرُ بْنُ كَدَامٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ قَالَ مُسَعَّرٌ: أَرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ وَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «يَا بِلَالُ أَقِمْ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا» . حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَنْبَأَ إسْرَائِيلُ ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ

ص: 392

عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبِي إلَى صِهْرٍ لَنَا مِنْ الْأَنْصَارِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَقَالَ لِبَعْضِ أَهْلِهِ: يَا جَارِيَةُ ائْتُونِي بِوَضُوءٍ لَعَلِّي أُصَلِّي فَأَسْتَرِيحَ فَقَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ فَقَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«يَا بِلَالُ أَقِمْ فَأَرِحْنَا بِالصَّلَاةِ» إسْنَادَانِ جَيِّدَانِ، وَاحْتَجَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ: وَلَمْ يَقُلْ أَرِحْنَا مِنْهَا.

ص: 393