الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ مُخَاطَبَةُ النَّاسِ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ]
ْ) قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْعَدْلِ فَقَالَ: لَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا فَإِنَّك لَا تُدْرِكُهُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ: حَرَامٌ عَلَى عَالِمٍ قَوِيِّ الْجَوْهَرِ أَدْرَكَ بِجَوْهَرِيَّتِهِ وَصَفَاءِ نَحِيزَتِهِ عِلْمًا أَطَاقَهُ فَحَمَلَهُ أَنْ يُرَشِّحَ بِهِ إلَى ضَعِيفٍ لَا يَحْمِلُهُ وَلَا يَحْتَمِلُهُ، فَإِنَّهُ يُفْسِدُهُ، وَلِهَذَا قَالَ عليه السلام «نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهَذَا الْخَبَرُ رَوَاهُ أَبُو الْحَسَنُ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْعَقْلِ لَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:«نَحْنُ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ نُخَاطِبُ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» .
وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَاكَمَدَاهُ مِنْ مَخَافَةِ الْأَغْيَار، وَاحَصْرَاهُ مِنْ أَجْلِ اسْتِمَاعِ ذِي الْجَهَالَةِ لِلْحَقِّ وَالْإِنْكَارِ، وَاَللَّهِ مَا زَالَ خَوَاصُّ عِبَادِ اللَّهِ يُتَطَلَّبُونَ لِتَرَوُّحِهِمْ رُءُوسَ الْجِبَالِ، وَالْبَرَارِي وَالْقِفَارَ، لِمَا يَرَوْنَهُ مِنْ الْمُنْكَرِينَ لِشَأْنِهِمْ مِنْ الْأَغْمَارِ، وَالسَّفِيرُ الْأَكْبَرُ يَهْرُبُ مِنْ فَرْشِ الزَّوْجَاتِ إلَى خَلْوَةٍ بِمَسْجِدٍ لِلتَّرَوُّحِ بِتِلْكَ الْمُنَاجَاةِ، فَلَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يُنْكِرَ تَكْدِيرَ عِيشَةٍ.
وَقَالَ أَيْضًا: وَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ مُسْلِمًا إلَى أَنْ يَضِيقَ بِهِ عَيْشٌ، وَإِنَّمَا دِينُنَا مَبْنِيٌّ عَلَى شَعَثِ الدُّنْيَا وَصَلَاحِ الْآخِرَةِ. فَمَنْ طَلَبَ بِهِ الْعَاجِلَةَ أَخْطَأَهُ.
وَرَوَى الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ فِي الْمُخْتَارَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ زِيَادٍ الْعَتَكِيِّ ثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ سَالِمِ ثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ الزَّرَّادُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أُمِرْنَا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ نُكَلِّمَ النَّاسَ عَلَى قَدْرِ عُقُولِهِمْ» ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الزَّرَّادُ: لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَلَا الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ الْكُنَى.
وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمْلِيَ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْعَوَامّ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه:
حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ وَدَعُوا مَا يُنْكِرُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إلَّا كَانَ فِتْنَةً لِبَعْضٍ، رَوَاهُ مُسْلِمٍ فِي الْمُقَدِّمَة وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ إلَى الْبُخَارِيِّ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ مَرْفُوعًا «إذَا حَدَّثْتُمْ النَّاسَ عَنْ رَبِّهِمْ فَلَا تُحَدِّثُوهُمْ مَا يَعْزُبُ عَنْهُمْ وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ» وَسَبَقَ بِنَحْوِ كُرَّاسَةٍ الْكَلَامُ فِي الْقِصَاصِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمْ وَلَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا.
وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي قُدَامَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ قَالَ: سُئِلَ الْخَلِيلُ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَبْطَأَ بِالْجَوَابِ فِيهَا قَالَ: فَقُلْتُ مَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كُلُّ هَذَا النَّظَرِ قَالَ: فَرَغْتُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابِهَا وَلَكِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجِيبَك جَوَابًا يَكُونُ أَسْرَعَ إلَى فَهْمِكَ قَالَ أَبُو قُدَامَةَ: فَحَدَّثْتُ بِهِ أَبَا عُبَيْدٍ فَسُرَّ بِهِ.
وَفِي تَارِيخِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ السَّرَخْسِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْفَقِيهِ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَامِدٍ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ سَمِعْتُ الرَّبِيعَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ كَانَ يُكَلِّمُنَا عَلَى قَدْرِ عَقْلِهِ مَا فَهِمْنَا عَنْهُ لَكِنَّهُ كَانَ يُكَلِّمُنَا عَلَى قَدْرِ عُقُولِنَا فَنَفْهَمُهُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ «قَزَعَةَ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ وَهُوَ مَكْثُورٌ عِنْدَهُ، أَيْ: عِنْدَهُ نَاسٌ كَثِيرُونَ، فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْهُ قُلْتُ: أَسْأَلُكَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا لَكَ فِي ذَلِكَ مِنْ خَيْرٍ. فَأَعَادَ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ» . وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: مَعْنَاهُ أَنَّك لَا تَسْتَطِيعُ الْإِتْيَانَ بِمِثْلِهَا، وَإِنْ تَكَلَّفْتَ ذَلِكَ شَقَّ عَلَيْكَ وَلَمْ تُحَصِّلْهُ، فَتَكُونُ قَدْ عَلِمْتَ السُّنَّةَ وَتَرَكْتَهَا. وَسَبَقَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي رَمْي الْعَالِمِ الْمَسْأَلَةَ وَسُؤَالِ النَّاسِ لَهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَخْبَرْتُ الشَّافِعِيَّ يَوْمًا بِحَدِيثٍ وَأَنَا غُلَامٌ فَقَالَ مَنْ حَدَّثَكَ؟ فَقُلْتُ: أَنْتَ قَالَ: مَا حَدَّثْتُكَ مِنْ شَيْءٍ، فَهُوَ كَمَا حَدَّثْتُكَ، وَإِيَّاكَ وَالرِّوَايَةَ عَنْ الْأَحْيَاءِ.