الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[فَصْلٌ فِي التَّنَاجِي وَكَلَامِ السِّرِّ وَأَمَانَةِ الْمَجَالِسِ]
ِ) وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثِهِمَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَقَالَ فِي الْمُجَرَّدِ وَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ وَاحِدٍ، وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ التَّحْرِيمُ وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا «لَا يَحِلُّ لِثَلَاثَةٍ يَكُونُونَ بِأَرْضٍ فَلَاةٍ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّهْي عَامٌّ وِفَاقًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالسَّفَرِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَمُرَادُهُمْ جَمَاعَةٌ دُونَ وَاحِدٍ، وَأَنَّهُ إنْ أَذِنَ فَلَا نَهْيَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ.
وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ أَنْ يَتَنَاجَى الْجَمِيعُ دُونَ مُفْرَدٍ وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَأَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ فِي سِرِّ قَوْمٍ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِيهِ وَالْجُلُوسُ وَالْإِصْغَاءُ إلَى مَنْ يَتَحَدَّثُ سِرًّا بِدُونِ إذْنِهِ، وَقِيلَ يَحْرُمُ وَظَاهِرُهُ عَوْدُهُ إلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْفُصُولِ وَعُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَإِنْ كَانَ إذْنُهُ اسْتِحْيَاءً فَذَكَرَ صَاحِبُ النَّظْمِ يُكْرَهُ.
وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ مَنْ أَعْطَى مَالًا حَيَاءً لَمْ يَجُزْ الْأَخْذُ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى الْفُصُولِ.
وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِمَاعُ إلَى كَلَامِ قَوْمٍ يَتَشَاوَرُونَ وَيَجِبُ حِفْظُ سِرِّ مَنْ يَلْتَفِتُ فِي حَدِيثِهِ حَذَرًا مِنْ إشَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْمُسْتَوْدَعِ لِحَدِيثِهِ.
وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ ثِقَةٌ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا «إذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذًا هِيَ أَمَانَةٌ» ثُمَّ قَالَ أَبُو دَاوُد حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ قَرَأْت عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ أَخِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إلَّا ثَلَاثَةُ مَجَالِسَ: سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ
وَفَرْجٌ حَرَامٌ، وَاقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثٍ أَبِي الدَّرْدَاءِ «مَنْ سَمِعَ مِنْ رَجُلٍ حَدِيثًا لَا يَشْتَهِي أَنْ يُذْكَرَ عَنْهُ فَهُوَ أَمَانَةٌ وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْتِمْهُ» وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ.
وَلَهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «مَا خَطَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَّا قَالَ: لَا إيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ» .
وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَتَى السَّاعَةُ قَالَ: إذَا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ» .
وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ إفْشَاءُ السِّرِّ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ: الْمُصَرِّ.
وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَالصَّحِيحَيْنِ أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه أَخْبَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْمَرْأَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ لَمَّا سَأَلَهُ " مَنْ هُمَا؟ " بَعْدَ قَوْلِهِمَا لَا تُخْبِرْهُ مَنْ، نَحْنُ، وَكَانَتَا تَسْتَفْتِيَانِهِ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ جَوَابُهُ صلى الله عليه وسلم وَاجِبٌ وَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَإِذَا تَعَارَضَتْ الْمَصَالِحُ بُدِئَ بِأَهَمِّهَا وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخَبَرَ الْمَرْوِيَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَسَرَّ إلَى أَخِيهِ سِرًّا لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُفْشِيَهُ عَلَيْهِ» وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه يَا بُنَيَّ إنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِيك يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَاحْفَظْ عَنِّي ثَلَاثًا: لَا تُفْشِيَنَّ لَهُ سِرًّا، وَلَا تَغْتَابَنَّ عِنْدَهُ أَحَدًا، وَلَا يَطَّلِعَنَّ مِنْك عَلَى كِذْبَةٍ.
وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ: إنَّ سِرَّك مِنْ دَمِك فَانْظُرْ أَيْنَ تُرِيقُهُ وَكَانَ يُقَالُ أَكْثَرُ مَا يُتِمُّ التَّدْبِيرَ الْكِتْمَانُ وَلِهَذَا كَانَ عليه السلام إذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَّى بِغَيْرِهَا.
قَالَ الشَّاعِرُ:
وَسِرُّك مَا كَانَ عِنْدَ امْرِئٍ
…
وَسِرُّ الثَّلَاثَةِ غَيْرُ الْخَفِيِّ
وَقَالَ آخَرُ:
فَلَا تُخْبِرْ بِسِرِّك كُلُّ سِرٍّ
…
إذَا مَا جَاوَزَ الِاثْنَيْنِ فَاشِ
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السِّرَّ مَا أَسْرَرْته فِي نَفْسِك وَلَمْ تُبْدِهِ إلَى أَحَدٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَا اسْتَوْدَعْت رَجُلًا سِرًّا فَأَفْشَاهُ فَلُمْته لِأَنِّي كُنْت أَضْيَقَ صَدْرًا مِنْهُ حَيْثُ اسْتَوْدَعْته إيَّاهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْقَائِلُ:
إذَا ضَاقَ صَدْرُ الْمَرْءِ عَنْ سِرِّ نَفْسِهِ
…
فَصَدْرُ الَّذِي يُسْتَوْدَعُ السِّرَّ أَضْيَقُ
وَأَنْشَدَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ:
وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أَبُثُّهَا
…
وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَقْتُلُنِي غَمَّا
وَإِنَّ سَخِيفَ الرَّأْيِ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً
…
حَزِينًا بِكِتْمَانٍ كَأَنَّ بِهِ حُمَّى
وَفِي بَثِّك الْأَسْرَارَ لِلْقَلْبِ رَاحَةٌ
…
وَتَكْشِفُ بِالْإِفْشَاءِ عَنْ قَلْبِك الْهَمَّا
وَقَالَ آخَرُ:
وَلَا أَكْتُمُ الْأَسْرَارَ لَكِنْ أُذِيعُهَا
…
وَلَا أَدَعُ الْأَسْرَارَ تَغْلِي عَلَى قَلْبِي
وَإِنَّ ضَعِيفَ الْقَلْبِ مَنْ بَاتَ لَيْلَةً
…
تُقَلِّبُهُ الْأَسْرَارُ جَنْبًا عَلَى جَنْبِ
وَكَانَ يُقَالُ لَا تُطْلِعُوا النِّسَاءَ عَلَى سِرِّكُمْ، يَصْلُحُ لَكُمْ أَمْرُكُمْ وَكَانَ يُقَالُ كُلُّ شَيْءٍ تَكْتُمُهُ عَنْ عَدُوِّك فَلَا تُظْهِرْ عَلَيْهِ صَدِيقَك.
قَالَ الشَّاعِرُ:
إذَا كَتَمَ الصَّدِيقُ أَخَاهُ سِرًّا
…
فَمَا فَضْلُ الْعَدُوِّ عَلَى الصَّدِيقِ
وَقَالَ آخَرُ:
أُدَارِي خَلِيلِي مَا اسْتَقَامَ بِوُدِّهِ
…
وَأَمْنَحُهُ وُدِّي إذَا يَتَجَنَّبُ
وَلَسْت بِبَادٍ صَاحِبِي بِقَطِيعَةٍ
…
وَلَا أَنَا مُبْدٍ سِرَّهُ حِينَ يَغْضَبُ
وَقَالَ آخَرُ:
إذَا مَا ضَاقَ صَدْرُك عَنْ حَدِيثٍ
…
فَأَفْشَتْهُ الرِّجَالُ فَمَنْ تَلُومُ
إذَا عَاتَبْتُ مَنْ أَفْشَى حَدِيثِي
…
وَسِرِّي عِنْدَهُ فَأَنَا الظَّلُومُ
وَإِنِّي حِينَ أَسْأَمُ حَمْلَ سِرِّي
…
وَقَدْ ضَمَّنْته صَدْرِي سَئُومُ
وَلَسْت مُحَدِّثًا سِرِّي خَلِيلًا
…
وَلَا عِرْسِي إذَا خَطَرَتْ هُمُومُ
وَأَطْوِي السِّرَّ دُونَ النَّاسِ إنِّي
…
لِمَا اسْتَوْدَعْت مِنْ سِرِّي كَتُومُ
وَقَدْ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الثَّالِثِ،» وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا «إذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى رَجُلَانِ دُونَ الْآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا.