الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصاته صلى الله عليه وسلم بهم، ومعرفة حقهم، ونهيه عن سبهم والطعن فيهم، وغير هذا مما ستراه مبسوطا في مواضعه من هذا البحث.
* * *
*
المسألة الرابعة: عقيدة السلف الصالح فيهم
…
وفيها فرعان:
- أولهما: عقيدتهم فيهم إجمالا
عقيدة أهل السنة والجماعة وسط بين الإفراط، والتفريط، ووسط بين الغلو والجفاء في جميع مسائل الاعتقاد، ومن هذا عقيدتهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
. وكل ما أثبته الله عز وجل في كتابه - الكريم -، والنبي صلى الله عليه وسلم في سنته المشرفة للصحابة حق يجب الأخذ به، وعدم العدول عنه عندهم
…
من اعتقاد إخلاصهم في استحابتهم لله، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وإيمانهم، وعدالتهم، وشرائهم أنفسهم ابتغاء مرضات الله، ورجاء رحمته، وحسن ثوابه، وهجرتهم، وجهادهم بأنفسهم، وبأموالهم، ونصرتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وحمايتهم له. مع شدة بأسهم على أهل الكفر والزيغ والفساد، ولين جانبهم لأهل الإيمان والحق والرشاد. واعتقاد خوفهم من الله - جل وعلا -، ودعائهم، أن يتقبل الله - تعالى - منهم، وأن يغفر لهم. واعتقاد أن الله - جل وعلا - قد رضي عنهم، ورضوا عنه، وعدّهم من المحسنين، آتاهم ثواب الدنيا، وحسن ثواب الآخرة، وبشرهم برحمة منه، ورضوان،
(1)
وانظر: مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام (3/ 375).
وجنات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبدا. واعتقاد أنهم خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويعتمدون على الله - جل وعلا -. واعتقاد أن قرنهم خير قرون الناس أجمعين، وينزلونهم منازلهم بالعدل والإنصاف، ويحبونهم، ويوقرونهم، ويترضون عنهم، ويكفون عما شجر بينهم، ولا يذكرونهم إلا بالجميل، وينشرون مناقبهم وفضائلهم، ولا يروون ما ينقل في معايبهم، وأخطائهم
(1)
، وأن لهم من السوابق، والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر.
قال الشيخ الطحاوي
(2)
: (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من حب أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير. وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم نفاق وطغيان) اهـ. واعتقاد أن الطعن فيهم، أو سبهم منهي عنه لا يجوز، وأن من سبهم فهو من أهل الزيغ، والضلال، ولازم قوله: الطعن في هذا الدين ورسوله، لأنهم أتباعه، ونقلته، وناشروه. قال البربهاري
(3)
: (واعلم أنه من تناول أحدًا من
(1)
خيار هذه الأمة هم الصحابة، ومن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قط طائفة - من الأمة، وغيرها - أعظم اجتماعًا على الهدى والرشاد ودين الحق، ولا أبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف منهم. وكل ما يذكر عنهم مما فيه نقص فهذا إذا قيس إلى ما يوجد في غيرهم من الأمة كان قليلًا من كثير. قالة شيخ الإسلام في منهاج السنة (6/ 364، 366).
(2)
في عقيدته (ص/ 23)، وانظر: شرح السنة للبربهاري (ص / 76).
(3)
شرح السنة (ص/ 123) رقم النص/ 147.
أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه إنما أراد محمدًا صلى الله عليه وسلم، وقد آذاه في قبره) ا هـ. وقال - أيضًا -
(1)
: (وإذا رأيت الرجل يطعن علي أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه صاحب قول سوء، وهوى، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا ذكر اصحابي فأمسكوا"
…
وقوله: "ذروا أصحابي، لا تقولوا فيهم إلّا خيرا". ولا تحدّث بشيء من زللهم، ولا حربهم، ولا ما غاب عنك علمه، ولا تسمعه من أحد يحدّث به؛ فإنه لا يسلم لك قلبك إن سمعت) اهـ. وقال ابن تيمية
(2)
: (من أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم، وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ويتبرؤن من طريقة الروافض، الذين يبغضون الصحابة، ويسبونهم. وطريقة النواصب الذين يوذون أهل البيت
…
ويسكتون عما شجر بين الصحابة .. وقد ثبت بقول رسول الله أنهم خير القرون، وأن المد من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهبًا ممن بعدهم)
(3)
ا هـ.
واعتقاد فضائلهم، ومناقبهم الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء ما ورد منها على وجه الإجمال، أو على وجه التفصيل، واعتقاد فضل الخلفاء الراشدين، وأنهم أفضل الخلق بعد النبيين، والمرسلين، وأن
(1)
شرح السنة (ص / 115) رقم النص / 133.
(2)
العقيدة الواسطية (2/ 142 - 151) - الهراس -، وانظر: مجموع الفتاوى (4/ 431 - 433، 434 وما بعدها).
(3)
وانظر: الرواة الثقات للذهبي (تحقيق: الموصلي) ص/ 23 - 24.
ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة. واعتقاد فضل المهاجرين، والأنصار، وحقوقهم، وحفظ وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم فيهم. واعتقاد فضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتقرب إلى الله عز وجل بموالاتهم، ومحبتهم، وصلتهم، وحفظ وصايا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم. واعتقاد فضل أمهات المؤمنين، وتعظيم قدرهن، ومعرفة فضلهن، وطهرهن، وشرفهن، ولا تُذكر إحداهنّ إلّا بخير، مع الإيمان بأنهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة. والتمسك بما كانوا عليه، والاقتداء بهم، واعتقاد أن من حقهم رضي الله عنهم أجمعين - على كل من جاء بعدهم من المؤمنين أن يدعو لهم، ويستغفر لهم، قال - تعالى -
(1)
: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ
(1)
الآيات: (8 - 10)، من سورة: الحشر. وانظر: العقيدة الطحاوية مع شرحها لابن أبي العز (ص / 501 - 503)، وعقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (ص/ 287 - 294)، وشرح أصول الاعتقاد (1/ 156)، والعقيدة الواسطية لشيخ الإسلام - مع شرح الهراس - (ص / 152 - 153)، - ومع شرح العثيمين - (2/ 247 - 295)، ورسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرد على الرافضة، وعقيدة أهل السنة في الصحابة الكرام للدكتور / ناصر الشيخ.
بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)}.
- والآخر: عقيدتهم في عدالتهم بخاصة
العدالة مَلَكة تحمل المرء على ملازمة التقوى، والمروءة
(1)
. والصحابة - رضوان الله عليهم - كلهم عدول، مأمونون بنص كتاب الله عز وجل، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بما جاء فيهما من حسن الثناء عليهم، ووصفهم بأحسن الأوصاف، وما أعدّ لهم في الآخرة من الخير العظيم، والخلود المقيم في جنات النعيم
…
هذا قول السلف، وأجمع عليه من يعتد به في الإجماع ممن بعدهم
(2)
…
قال الله - عز رجل
(3)
(4)
: {كُنْتُمْ خَيْرَ
(1)
انظر: نزهة النظر (ص/ 18)، والكفاية (ص/ 136 - 144، 160 - 167)، وتفسير القرطبي (3/ 396)، والتحرير لابن الهمام (3/ 44 - 45)، وتيسيره لأمير بادشاه (3/ 44، وما بعدها)، والأشباه والنظائر للسيوطي (ص/ 413 - 414)، والتوقيف للمناوي (ص/ 296).
(2)
ذكر الإجماع: ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 9)، والخطيب في الكفاية (ص/ 96)، وابن الصلاح في علوم الحديث (ص/ 260)، والنووي في شرح مسلم (15/ 149)، وابن كثير في اختصار علوم الحديث (2/ 498)، والزركشي في البحر المحيط (4/ 299)، والسخاوي في الغاية (1/ 382)، والسفاريني في لوائح الأنوار (2/ 190)، وغيرهم. وانظر: السنن الأبين (ص/ 120)، وتحقيق منيف الرتبة (ص/ 78).
(3)
الآية: (143)، من سورة: البقرة.
(4)
الآية: (110)، من سورة: آل عمران.
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، وقال
(1)
(2)
: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} ، وقال
(3)
: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (74)} ، وفي نصوص القرآن الشاهدة بذلك كثرة وعدد جمّ يكثر إيراده، ويطول تعداده.
كما أن في النصوص الصحيحة المسندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على عدالتهم كثرة متسعة، استفاضت، وتواترت في هذا المعنى، والسنة مبينة للقرآن، قال - تعالى -
(4)
: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} ....... وهذه النصوص مذكورة بأسانيدها، ومتونها في بحثي هذا، انظر فيه - مثلًا -: ما ورد في فضل مَن رأى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، وما ورد في أن خير الناس القرن الذي كان فيه النبي - صلى الله
(1)
الآيتان: (147 - 148)، من السورة المتقدمة.
(2)
الآية: (62)، من سورة: الأنفال.
(3)
الآية: (74)، من السورة المتقدمة.
(4)
الآية: (44)، من سورة: النحل.
عليه وسلم -، وما ورد في النهي عن سبهم، وغير هذا مما وردت فيه فضائلهم العامة، والخاصة.
قال ابن حبان
(1)
: (كلهم أئمة، سادة، قادة، عدول، نزه الله عز وجل أقدار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يلزق بهم الوهن. وفي قوله صلى الله عليه وسلم:"ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب" أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول، وليس فيهم مجروح، ولا ضعيف
…
وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفًا) اهـ.
وقال الخطيب في ترجمة أحد أبواب الكفاية
(2)
: (باب ما جاء في تعديل الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم)، ثم قال:(لأن عدالة الصحابة ثابتة، معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن). وقال ابن عبد البر
(3)
: (فهم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم، وثناء رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل
(1)
في صحيحه (الإحسان 1/ 161).
(2)
(ص/ 93)، وانظره (ص / 96 - 97).
(3)
الاستيعاب (1/ 2).
منها)، إلى أن قال
(1)
: (إنما وضع الله عز وجل في الموضع الذي وصفهم فيه بثنائه عليهم من العدالة، والدين، والأمانة؛ لتقوم الحجة على جميع أهل الملة بما أدوه عن نبيهم من فريضة وسنة). وقال ابن تيمية
(2)
: (الصحابة كلهم ثقات باتفاق أهل العلم بالحديث، والفقه). وقال ابن حجر
(3)
: (اتفق أهل السنة على أن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة) ا هـ
(4)
.
ومع ثبوت عدالة الصحابة الكرام رضي الله عنهم ثبوتًا قطعيًا فأهل السنة، والجماعة - بحمد الله - ليسوا ممن يغلون فيهم، ولا يدّعون لهم العصمة، بل هم بشر كسائر البشر، يجوز عليهم الذنب، والخطأ، والنسيان، والعصمة إنما هي للأنبياء والمرسلين - عليهم الصلاة، والسلام -
…
وإن ثبت على أحد من الصحابة شيء من ذلك فهو مغمور في سعة رحمة الله بما ثبت لهم من الفضائل، والمحامد التي لا يسع صاحب دين، أو لبّ أن يكتمها، ويدفنها.
وهذا خلاف لمن تجاوزوا الحد، وكانوا على طرفي نقيض في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
…
في أحدهما من يكفرهم، وبغير الحق يذكرهم، وفي الآخر من رفع بعضهم فوق المنزلة الي قررها لهم الكتاب،
(1)
(1/ 7).
(2)
منهاج السنة (2/ 457).
(3)
الإصابة (1/ 10).
(4)
وانظر: أضواء البيان (1/ 400).