الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خامسا بعض الأضرار الناتجة عن إهمال القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
خامسا: بعض الأضرار الناتجة عن إهمال القيام بواجب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأضرار الخطيرة التي تصيب الأمة بسبب إهمال القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله:«مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» (1) .
فانظر أخي المسلم: كيف بين الرسول صلى الله عليه وسلم، في هذا الحديث الشريف أن هلاك المجتمع إنما هو نتيجة محتومة لترك أصحاب المنكر والعصاة يعيثون في الأرض فسادا، وعدم الأخذ على أيديهم. وإن المنكر قد يرى في أول الأمر هينا وبسيطا، كالخرق في السفينة، فإن ترك مع بساطته وعدم اتساعه، فشا في المجتمع وازداد حتى يؤول في آخر المطاف إلى بلاء عظيم، وقد يؤدي إلى القضاء عليه، وهذه سنة من سنن الله عز وجل
(1) رواه البخاري.
أشار إليها في قوله: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: 25](1) في هذا الحديث مثل النبي صلى الله عليه وسلم، المجتمع الإنساني بركاب سفينة، ومثل النظم والآداب التي تحفظ هذا المجتمع وتعصمه - بإذن الله - بهيكل السفينة وجوانبها وأصبح واضحا من التمثيل أن على كل راكب أن يحافظ على سلامة حدودها التي حدها الله بها بين الحياة والموت والنجاة والهلاك. ثم قسم صلى الله عليه وسلم، المجتمع بالنسبة للمحافظة على هذه الحدود إلى طبقتين:(2) .
أ) طبقة المحافظين عليها والقائمين على حراستها وهم الطبقة العليا، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر.
ب) وطبقة المنتهكين لها الواقعين في مخالفتها وهي الطبقة السفلى أهل المنكر والمعصية.
ثم وضح صلى الله عليه وسلم، أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياة هذا المجتمع فذكر أن الطبقة السفلى ترغب في ارتكاب جريمة إبادة عامة بغباوة وحسن نية وعاطفة حب؛ لأنه صعب عليها أن تتسبب في مضايقة العليا بمرورها بها صاعدة نازلة كلما أرادت شيئا من الماء فهداها تفكيرها الأخرق إلى أن تخرق مكانها من أسفل السفينة لتستقي منه ولا تؤذي جيرانها.
(1) سورة الأنفال الآية 25.
(2)
للمزيد من المعلومات انظر: - عبد العزيز عبد الستار، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصدر سابق، ص 11.
- محمد نعيم ياسين، الجهاد، مصدر سابق، ص 169.
إن أصغر خرق هنا يساوي أوسع حيز لهذا المجتمع كله كما قيل، وإن السكوت على هذه الجريمة النكراء جريمة أخرى أشد نكرا، وأعظم خطرا، وأن ضرورة النجاة تفرض على أهل العقل والطبقة العليا أن يقوموا فورا بالضرب على أيدي الأسفلين الذين يريدون أن يغرقوا المجتمع كله بحمقهم وسوء عملهم.
ومما تضمنه هذا الحديث الشريف يتضح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يساوي حياة المجتمع وسلامته وأن أي تهاون في القيام، به لا جزاء له إلا أن تهوى السفينة بالجميع إلى القاع، وأن يصبح الكل من المهلكين المغرقين. ويقول صلى الله عليه وسلم، موضحا أن التخلف عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من موجبات سخط الله وعقابه:«والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا منه فتدعونه فلا يستجيب لكم» (1) ففي هذا الحديث يبين الرسول صلى الله عليه وسلم، أن التخلف عن القيام بواجب الأمر بسبب من الأسباب المؤدية إلى سخط الله وعقابه، كما يحول دون استجابة الدعاء.
وفي الترهيب من إهمال هذه الفريضة (2) روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا، اتق الله ودع ما
(1) رواه الترمذي، الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(2)
الجهاد، مصدر سابق، 175.
تصنع فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله، فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ - تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ} [المائدة: 78 - 80] إلى قوله تعالى: (فاسقون)، ثم قال: كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم، لتأطرنه على الحق أطرا، ولتقصرنه على الحق قصرا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم» (1) .
ويطول بنا المقام لو حاولنا استقصاء ما ورد في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، من الوعيد الشديد لمن تقاعس عن القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونكتفي بالتأكيد على أن أخطر ما يترتب على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إصابة الأمة المهملة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالعذاب العام، وعدم إجابة دعاء الصالحين، واستحقاق اللعنة وعدم الاستقرار والأمن والأمان. . . .
(1) رواه أبو داود والترمذي.