الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الثاني حكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
[أولا حكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الحكمة من إيجابه في الشريعة الإسلامية
الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر
شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أولا: حكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب من أعظم واجبات الإسلام، لأنه لب الرسالة وسياج العقيدة، وسر قوة الأمة الإسلامية ووحدتها، والأصل في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104](1) وقوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ - يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران: 113 - 114](2) .
وقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [التوبة: 71](3) .
وقوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ - كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78 - 79]
(1) سورة آل عمران، الآية 104.
(2)
سورة آل عمران، الآيتان 113، 114.
(3)
سورة التوبة، الآية 71.
(1)
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110](2) وقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} [الحج: 41](3) وقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114](4) وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2](5) .
وقد تأكدت هذه المعاني جميعها بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» (6) .
2 -
وقوله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيدي لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا منه فتدعونه فلا يستجيب لكم» (7) .
(1) سورة المائدة الآيتان 78 - 79.
(2)
سورة آل عمران، الآية 110.
(3)
سورة الحج، الآية 41.
(4)
سورة النساء، الآية 114.
(5)
سورة المائدة، الآية 2.
(6)
رواه مسلم.
(7)
رواه الإمام أحمد والترمذي.
3 -
وقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (1) .
هذه بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الدالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد أجمعت الأمة الإسلامية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا تجد من العلماء المتقدمين أو المتأخرين ممن يعتد به من لم يجعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أساسا للدين وفريضة من فرائض الإسلام (2) .
وقد أكد الفقهاء على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس حقا للأفراد يأتونه إن شاءوا ويتركونه إذا شاءوا، وإنما هو واجب على الأفراد ليس لهم أن يتخلوا عن أدائه وفرض لا محيص لهم من القيام بأعبائه (3) .
(1) رواه مسلم، انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، جـ 2، ص 27.
(2)
السيد جلال الدين العمري، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصدر سابق، ص 46.
(3)
عبد القادر عودة، التشريع الجنائي، جـ 1، مصدر سابق، ص 493.
وفيما يلي نستعرض بعض أقوال العلماء بشأن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها "(1) ويقول أبو بكر الجصاص: " أكد الله تعالى فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أخبار متواترة عنه فيه، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبه "(2) ويقول النووي رحمه الله: " قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وهو أيضا من النصيحة التي هي من الدين "(3) .
ويقول ابن حزم رحمه الله: " اتفقت الأمة كلها على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بلا خلاف من أحدهم "(4) .
وقال الضحاك: " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة من فرائض الله كتبها على المؤمنين "(5) .
ويقول الشوكاني: " وجوبه ثابت بالكتاب والسنة وهو من أعظم واجبات
(1) الحسبة في الإسلام، ص 81.
(2)
أحكام القرآن، جـ 2 ص 592.
(3)
شرح مسلم، جـ 1، ص 51.
(4)
الفصل في الملل والأهواء والنحل، جـ 4، ص 171.
(5)
فتح القدير، جـ 2، ص 392.
الشريعة وأصل عظيم من أصولها، وركن مشيد من أركانها وبه يكمل نظامها ويرتفع سنامها " (1) .
وقد بدأ الإمام الغزالي حديثه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله: (الباب الأول في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفضيلته والمذمة في إهماله وإضاعته، ويدل على ذلك إجماع الأمة عليه، وإشارة العقول السليمة والآيات والأخبار والآثار)(2) .
والخلاصة أن علماء الإسلام قديما وحديثا أجمعوا على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب مستدلين على ذلك بما ورد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ويجدر بنا في هذا المقام أن نشير إلى المفهوم الصحيح للآية الواردة في سورة المائدة وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105](3) هذه الآية الكريمة لا تدل على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد صحح أبو بكر رضي الله عنه الفهم الخاطئ، فقد روى أبو داود رحمه الله في سننه بإسناده عن قيس قال:" قال أبو بكر بعد أن حمد الله وأثنى عليه: أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وتضعونها على غير موضعها "، قال عن خالد: وأنا سمعنا
(1) فتح القدير، جـ 1، ص 237.
(2)
إحياء علوم الدين، جـ1، ص 306، دار المعرفة، بيروت.
(3)
سورة المائدة، الآية 105.
النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:«إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب منه» (1) وليس في هذه الآية الكريمة " ما يدل على عدم وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإنما أراد الله سبحانه أن يعلم عباده بأنه لا يطلب منهم هداية العباد، ونتائج أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وإنما واجبهم جهاد المنكر وأما تحقيق النتائج فهو أمر يختص به رب العالمين، فلا يجوز إذن أن يعتذر أحد عن تقاعسه عن هذا الواجب بصدود الناس وعدم استجابتهم، إذ ليس عليه هداهم ولكن عليه نهيهم عن المنكر وأمرهم بالمعروف "(2) .
يقول ابن تيمية رحمه الله: " والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب، فإذا قام المسلم بما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قام بغيره من الواجب لم يضره ضلال الضلال "(3) .
ويقول الزمخشري في تفسير الآية: " ليس المراد ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد، وإنما هو بعض الضلال الذي فصلت الآية بينهم وبينه "(4) .
ويقول أبو السعود: " ولا يتوهمن فيه رخصة في ترك الأمر بالمعروف
(1) رواه الترمذي وقال عنه صحيح، انظر الترمذي بشرح ابن العربي، جـ 2، ص 15.
(2)
الجهاد، مصدر سابق، ص 174.
(3)
الحسبة في الإسلام، ص 64.
(4)
الكشاف عن حقائق التنزيل، جـ 1، ص 386.
والنهي عن المنكر من استطاعهما، كيف لا ومن جملة الاهتداء أن ينكر على المنكر حسبما تفي له الطاقة " (1) .
ويقول الجصاص: " ومن الاهتداء اتباع أمر الله في أنفسنا وفي غيرنا فلا دلالة فيها على سقوط فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "(2) .
وبالجملة فإن هذه الآية الكريمة لا تنفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل تؤكد فرضيته أبلغ التأكيد.
(1) إرشاد العقل السليم، جـ 4، ص 119 - ص 120.
(2)
أحكام القرآن، جـ 2، ص 592.
هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية أو فرض عين؟ اتضح لنا مما سبق من الحديث عن حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب لا يجوز تركه وهذا باتفاق العلماء المعتد بعلمهم. والعلماء وإن كانوا اتفقوا على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا أنهم اختلفوا في تحديد صفة هذا الواجب.
حيث انقسم العلماء فريقين (1) في تحديد صفة الوجوب فقال البعض: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين أي واجب محتم، وعلى كل مسلم أن يؤديه بنفسه على قدر استطاعته ولو كان هناك من هو أقدر منه على تأديته أو من هو على استعداد لتأديته أو من هو متفرغ لتأديته، وهم يشبهونه بفريضة الحج، فهي فرض عين، ولكن على المستطيع، وعندهم أن فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر آكد من فريضة الحج، ولم تشترط فيها الاستطاعة؛ لأنها مستطاعة دائما، فالاستطاعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ممكنة لجميع الأفراد، فالجاهل يستطيع أن يأمر بالمعروف فيما هو ظاهر كأداء الصلاة والصوم
(1) عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي، جـ 1، مصدر سابق ص 493.
وينهى عن المنكر فيما لا يخفى كالسرقة والزنا، والعالم يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فيما هو ظاهر وفيما هو خفي، ويرى أصحاب هذا الرأي أن في جعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين حفاظا للأمة وحرزا لها من الفساد والتحلل. ومن العلماء الذين قالوا إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين: ابن كثير ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا، وقد نسبه الجصاص والرازي في تفسيريهما إلى قوم دون ذكرهم (1) .
ورأى الفريق الآخر وهم جمهرة الفقهاء، أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من فروض الكفايات كالجهاد، فهو واجب حتم على كل مسلم، ولكن هذا الواجب يسقط عن الفرد إذا أداه غيره، وممن قال بهذا الرأي ابن تيمية رحمه الله حيث يقول:" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يجب على كل أحد بعينه بل هو على الكفاية كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد من تمام ذلك، كان الجهاد أيضا من فروض الكفاية "(2) .
ومن العلماء الذين قالوا بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية ابن تيمية وأبو بكر الجصاص، والماوردي وأبو يعلى
(1) انظر: تفسير ابن كثير، جـ 2، ص 86، وتفسر المنار، جـ 4، ص 29، وأحكام القرآن للجصاص جـ 2، ص 29، التفسير الكبير جـ 8، ص 166.
(2)
الحسبة في الإسلام، ص 66.