الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثانيا العلم بحقيقة ما يؤمر به وحقيقة ما ينهى عنه]
ثانيا: العلم من القواعد والمبادئ العامة التي تحكم القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر العلم بحقيقة المعروف للدعوة إليه وحقيقة المنكر للنهي عنه، إذ لا يمكن العمل بهما مع الجهل بحقيقتهما والأحكام المتعلقة بهما، يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله في هذا الصدد عند حديثه عن شروط الأمر والنهي:" ولا يكون عمله صالحا إن لم يكن بعلم وفقه. . . . وهذا ظاهر، فإن العمل إن لم يكن بعلم كان جهلا وضلالا، واتباعا للهوى، وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام، فلا بد من العلم بالمعروف والمنكر في التمييز بينهما، ولا بد من العمل بحال المأمور وحال المنهي "(1) . ويقول أيضا: " وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السلف ورووه مرفوعا - ذكره القاضي أبو يعلى في المعتمد " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيها فيما يأمر به، فقيها فيما ينهى عنه، رفيقا فيما يأمر به، رفيقا فيما ينهى عنه، حليما فيما يأمر به، حليما فيما ينهى عنه " (2) .
ويقول سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مخاطبا الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وموضحا له الأخلاق
(1) ابن تيمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحقيق محمد السيد الجليند، جدة، دار المجتمع، 1407 هـ، ص 39.
(2)
المصدر السابق، ص 40.
والصفات التي ينبغي للدعاة أن يتخلقوا بها وأن يسيروا عليها، يقول أمد الله في عمره:" أن تكون على بينة في دعوتك أي على علم، لا تكن جاهلا بما تدعو إليه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} [يوسف: 108] فلا بد من العلم، فالعلم فريضة، فإياك أن تدعو على جهالة وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله، إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدع إلى شيء إلا بعد العلم به والبصيرة بما قاله الله ورسوله، فلا بد من بصيرة وهي العلم، فعلى طالب العلم وعلى الداعية أن يتبصر فيما يدعو إليه وأن ينظر فيما يدعو إليه ودليله، فإن ظهر له الحق وعرفه دعا إلى ذلك سواء كان ذلك فعلا أو تركا يدعو إلى الفعل إذا كان طاعة لله ورسوله ويدعو إلى ترك ما نهى الله عنه ورسوله على بينة وبصيرة "(1) .
ويقول فضلية الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - حفظه الله - مؤكدا على أهمية العلم للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر الداعين إلى الله (2) " أن يكون الداعية على علم فيما يدعو إليه، على علم صحيح مرتكزا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كل علم يتلقى من سواهما
(1) سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، الكويت، الدار السلفية، 1404هـ، ص 39.
(2)
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، زاد الداعية إلى الله عز وجل، الرياض، مطابع المدينة، 1409 هـ، ص 9 - ص 13.
فإنه يجب أن يعرض عليهما أولا وبعد عرضه فإما أن يكون موافقا أو مخالفا، فإن كان موافقا قبل، وإن كان مخالفا وجب رده إلى قائله كائنا من كان، فقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" توشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، إذا كان هذا في قول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما الذي يعارض به قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما بالكم بقول من دونهما في العلم والتقوى والصحبة والخلاف؟ إن رد قوله إذا خالف كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من باب أولى، ولقد قال عز وجل: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] (1) . قال الإمام أحمد رحمه الله: " أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك ".
وإن أول زاد يتزود به الداعية إلى الله عز وجل أن يكون على علم مستمد من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، الصحيحة المقبولة، وأما الدعوة بدون علم فإنها دعوة على جهل، والدعوة على جهل ضررها أكبر من نفعها؛ لأن الداعية قد نصب نفسه موجها ومرشدا، فإذا كان جاهلا فإنه بذلك يكون ضالا مضلا والعياذ بالله، ويكون جهله هذا جهلا مركبا، والجهل المركب أشد من الجهل البسيط. فالجهل البسيط
(1) سورة النور، الآية 63.
يمسك صاحبه ولا يتكلم ويمكن رفعه، ولكن المشكلة كل المشكلة في حال الجاهل المركب، إن هذا الجاهل المركب لن يسكت بل سيتكلم ولو على جهل وحينئذ يكون مدمرا أكثر مما يكون منورا. . . إن الدعوة إلى الله على غير علم خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ومن اتبعه. . استمعوا إلى قول الله تعالى آمرا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، حيث قال:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108](1) فقال: أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني، أي أن من اتبعه صلى الله عليه وسلم، فإنه لا بد أن يدعو إلى الله على بصيرة لا على جهل، وتأمل أيها الداعية لله قول الله تعالى (على بصيرة) أي على بصيرة في ثلاثة أمور:
1 -
على بصيرة فيما يدعو إليه بأن يكون عالما بالحكم الشرعي فيما يدعو إليه؛ لأنه قد يدعو إلى شيء يظنه واجبا وهو في شرع الله غير واجب، فيلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به، وقد يدعو إلى ترك شيء يظنه محرما وهو في دين الله غير محرم فيحرم على عباد الله ما أحل الله لهم.
2 -
على بصيرة من حالة المدعو، ولهذا «لما بعث النبي صلى الله عليه سلم معاذا إلى اليمن قال له: إنك ستأتي قوما أهل كتاب» ، ليعرف حالهم
(1) سورة يوسف، الآية 108.
وليستعد لهم، فلا بد أن تعلم حال هذا المدعو ما مستواه العلمي؟ وما مستواه الجدلي؟ حتى تتأهب له فتناقشه وتجادله لأنك إذا دخلت مع مثل هذا في جدال وكان عليك لقوة جدله في هذا نكبة عظيمة على الحق وأنت سببها، ولا تظن أن صاحب الباطل يخفق بكل فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:«إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع» . فهذا يدل على أن المخاصم وإن كان مبطلا قد يكون ألحن بحجته من الآخر فيقضي بحسب ما تكلم به هذا المخاصم، فلا بد أن تكون عالما بحال المدعو.
3 -
على بصيرة في كيفية الدعوة قال الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125](1) .
وبعض الناس قد يجد المنكر فيهجم عليه، ولا يفكر في العواقب الناتجة عن ذلك لا بالنسبة له وحده، ولكن بالنسبة له ولنظرائه من الدعاة إلى الحق؛ لذا يجب على الداعية قبل أن يتحرك أن ينظر إلى النتائج ويقيس، قد يكون في تلك الساعة ما يطفئ لهيب غيرته فيما يصنع، لكن سيخمد هذا الفعل نار غيرته وغيرة غيره في المستقبل. قد يكون في المستقبل القريب دون البعيد، لهذا أحث أخواني الدعاة على
(1) سورة النحل، الآية 125.
استعمال الحكمة والتأني، والأمر وإن تأخر قليلا لكن العاقبة حميدة بمشيئة الله تعالى.
وإذا كان هذا - أعني تزود الداعية بالعلم الصحيح المبني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو مدلول النصوص الشرعية، فإنه كذلك مدلول العقول الصريحة التي ليس فيها شبهات ولا شهوات؛ لأنك كيف تدعو إلى الله عز وجل وأنت لا تعلم الطريق الموصل إليه، لا تعلم شريعته كيف يصح أن تكون داعية (1) .
هذا بالنص ما قاله فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين عن العلم كأحد الأسس المهمة التي تقوم عليها مهمة الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما قاله - حفظه الله - ما هو في حقيقة الأمر إلا تقرير وتعليل لما قاله العلماء رحمهم الله من أنه لا بد للداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون على علم بحقيقة المعروف الذي يدعو إليه وعلى علم بحقيقة المنكر الذي ينهى عنه.
(1) فضيلة الشيخ محمد بن محمد بن صالح العثيمين، زاد الداعية إلى الله عز وجل، الرياض، مطابع المدينة 1409 هـ، ص 9 - 13.