المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ثامنا القدوة فيما يدعو إليه واجتناب ما ينهى عنه] - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء الكتاب والسنة

[سليمان الحقيل]

فهرس الكتاب

- ‌[مقدمة الطبعة الثانية]

- ‌[تقديم بقلم معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[مقدمة]

- ‌[الفصل الأول نبذة تاريخية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[أولا نبذة تاريخية عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمم الماضية]

- ‌[تبني الدولة الإسلامية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل رسمي]

- ‌[اهتمام علماء الإسلام بالحسبة]

- ‌[وظائف المحتسب]

- ‌[مزايا الحسبة]

- ‌[الفرق بين المحتسب والمتطوع]

- ‌[ثانيا تعريف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[ثالثا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحاجة إليه]

- ‌[رابعا فضل القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[خامسا بعض الأضرار الناتجة عن إهمال القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[الفصل الثاني حكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[أولا حكم القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[القائلون بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض عين وأدلتهم]

- ‌[القائلون بأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية وأدلتهم]

- ‌[الأحوال التي أجمع العلماء على أنها فرض عين]

- ‌[ثانيا الحكمة من إيجاب الشريعة الإسلامية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[ثالثا الشروط الواجب توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر]

- ‌[رابعا شروط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[خامسا الفرق بين النهي عن المنكر وتغييره]

- ‌[الفصل الثالث أهم القواعد والمبادئ العامة التي تحكم طريقه القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[أولا الشريعة الإسلامية هي الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[ثانيا العلم بحقيقة ما يؤمر به وحقيقة ما ينهى عنه]

- ‌[ثالثا درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة]

- ‌[رابعا البدء بالأهم فالمهم وتقديم الكليات على الجزئيات]

- ‌[خامسا عدم جواز التجسس على الناس واقتحام دورهم بالظنون]

- ‌[سادسا كيفية أداء فريضة الأمر بالمعروف وأساليبها]

- ‌[سابعا الدرجات التنفيذية التي حددها العلماء لتغيير المنكر]

- ‌[هل يحق للعامة استعمال القوة لتغيير المنكر]

- ‌[الفصل الرابع الصفات والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر]

- ‌[أولا أن يكون رقيقا لطيفا رحيما بمن يأمره وينهاه]

- ‌[ثانيا الإخلاص]

- ‌[ثالثا الصبر]

- ‌[رابعا التواضع]

- ‌[خامسا معرفة متى يكون الأمر بالمعروف سرا ومتى يكون جهرا]

- ‌[سادسا التحقق والتثبت من المنكر]

- ‌[سابعا معرفة أحوال الناس وظروفهم]

- ‌[ثامنا القدوة فيما يدعو إليه واجتناب ما ينهى عنه]

- ‌[تاسعا كسر الحواجز بين الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وبين الناس]

- ‌[عاشرا اتساع الصدر لقبول الخلاف فيما يسوغ الخلاف فيه]

- ‌[الملاحق]

- ‌[رسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]

- ‌[المصادر والمراجع]

الفصل: ‌[ثامنا القدوة فيما يدعو إليه واجتناب ما ينهى عنه]

المجتمع، ويدرك تيارات الفكر واتجاهات السياسة، ويحرص على إيجاد الحلول الصحيحة للواقع الجديد، وعلى مقاومة الانحرافات بعد معرفتها وإدراك جذورها. . . وليس من الضروري أن يصبح كل داعية كذلك، لكن لا بد أن تنفر من المؤمنين طائفة ليقوموا بهذه الفريضة، وعلى المستوى العام لا بد أن يكون للداعية نافذة على الواقع يدرك خلالها أهم الأحداث المحيطة به ويستطيع أن يكون مرشدا للناس إلى السلوك الصحيح حيالها. وعلى العموم فإن معرفة الداعية لأحوال الناس وظروفهم وخصائص عصرهم تساعد الداعية إلى الله في تحقيق أهداف قيامه بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

[ثامنا القدوة فيما يدعو إليه واجتناب ما ينهى عنه]

ثامنا: القدوة فيما يدعو إليه واجتناب ما ينهى عنه من الأمور اللازمة لنجاح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يفعل ما يأمر به ويجتنب ما ينهى عنه، وسبق أن أوضحنا في موضوع شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن العدالة ليست شرطا أساسيا للقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما هي شرط كمال وأدب، واستشهدنا فيما ذهبنا إليه بأقوال بعض العلماء. والذي لا شك فيه أن الداعية إلى الله لا يستطيع أن ينفذ بدعوته إلى مستمعيه ما لم يكن قدوة حسنة، إن مسئولية الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر تجاه أنفسهم أعظم بكثير من مسئولياتهم تجاه المجتمع. . وخطورة التقصير

ص: 154

فيما للدعاة على أنفسهم من واجبات يفوق خطورة التقصير فيما للمجتمع عليهم من حقوق. . . فالدعاة إلى الله ينبغي أن يكونوا قدوة حسنة للمجتمع الذي يعيشون فيه، تبدو في حياتهم آثار الرسالة التي يدعون إليها (1) .

وقد أنكر الله - جل وعلا - على أولئك الذين يعظون الناس ولا يتعظون، وينهونهم ولا ينتهون، فقال تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44](2) وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ - كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2 - 3](3) .

إن على الدعاة أن يترسموا خطى الدعوة في كل شأن من شئونهم في أقوالهم وأفعالهم في حياتهم الخاصة والعامة. . . في أنفسهم كأفراد، وفي بيوتهم كأزواج وآباء. . . وهذا ما يؤكد عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول:" من نصب نفسه للناس إماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تهذيبه لسيرته قبل تهذيبه بلسانه، فمعلم نفسه ومهذبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومهذبهم "(4) . وهل يجني الذين يقولون ما لا يفعلون. . . ويعظون ولا يتعظون ويرشدون ولا

(1) بتصرف: مشكلات الدعوة والداعية، مصدر سابق، ص 66 - ص 70.

(2)

سورة البقرة، الآية 44.

(3)

سورة الصف، الآيتان 2 - 3.

(4)

مشكلات الدعوة والداعية، مصدر سابق، ص 69.

ص: 155

يسترشدون إلا سخرية العباد وسخط رب العباد، يخسرون دينهم ودنياهم وذلك هو الخسران المبين. قال الشعبي:" يطلع يوم القيامة قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون لهم: ما أدخلكم النار، وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم؟ فيقولون: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله وننهى عن الشر ونفعله "(1) .

إن الواجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون حريصا على إصلاح سره كما يجب عليه أن يكون حريصا على إصلاح جهره. . . عليه أن يكون صريحا مع نفسه فلا يخادعها، ومع الناس فلا يرائيهم ولا ينافقهم. . . . وليسمع قول ابن السماك في هذا المعنى:" كم من مذكر بالله ناس لله. . . وكم من مخوف بالله جريء على الله. . . وكم من مقرب إلى الله بعيد عن الله. . . وكم من داع إلى الله فار من الله. . . وكم من تال لكتاب الله منسلخ عن آيات الله "(2) .

فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ينبغي أن يخشى الله لا الناس، ويخلص له في سره وجهره، فلا يكون في ظاهره ملاكا وفي باطنه شيطانا، وليحذر أن يكون ممن عناهم الله بقوله:{يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ} [النساء: 108](3) .

(1) مشكلات الدعوة والداعية، مصدر سابق، ص69.

(2)

المصدر السابق، ص 70.

(3)

سورة النساء، الآية 108.

ص: 156

وليعلم أن الله قريب منه مطلع على سره، قال الله تعالى:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة: 7](1) .

ورحم الله أبا الأسود الدؤلي حين قال:

يا أيها الرجل المعلم غيره

هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام من الضنا

كي يشتفي منه وأنت سقيم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

فابدأ بنفسك فانهها عن غيها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما تقول ويقتدى

بالقول منك وينفع التعليم

مما سبق تتضح لنا أهمية القدوة للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر. وإكمالا للفائدة في هذا الموضوع أورد ما قاله فضيلة الشيخ محمد بن

(1) سورة المجادلة، الآية 7.

ص: 157

صالح بن عثيمين في إحدى محاضراته عن أهمية تخلق الداعية بما يدعو إليه، يقول جزاه الله خيرا (1)" أن يتخلق الداعية بالأخلاق الفاضلة، يتخلق بأخلاق الداعية بحيث يظهر عليه أثر العلم في معتقده وفي عبادته. . . إلخ، وفي هيئته وفي جميع مسلكه حتى يمثل دور الداعية إلى الله، أما أن يكون على العكس من ذلك فإن دعوته سوف تفشل وإن نجحت فإن نجاحها قليل ".

فعلى الداعية أن يكون متمثلا بما يدعو إليه من عبادات ومعاملات أو أخلاق وسلوك حتى تكون دعوته مقبولة، وحتى لا يكون من أول من تسعر بهم النار.

أيها الإخوة إننا إذا نظرنا إلى أحوالنا وجدنا أننا في الواقع قد ندعو إلى شيء ولكننا لا نقوم به، وهذا لا شك أنه خلل كبير، اللهم إلا أن يحول بيننا وبينه النظر إلى ما هو أصلح؛ لأن لكل مقام مقالا، فالشيء الفاضل قد يكون مفضولا لأمور تجعل المفضول راجحا، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو إلى بعض الخصال ولكنه ينشغل أحيانا بما هو أهم منها: وربما يصوم حتى يقال لا يفطر، ويفطر حتى يقال لا يصوم.

أيها الإخوة إنني أريد من كل داعية أن يكون متخلقا بالأخلاق التي تليق بالداعية حتى يكون داعية حقا، وحتى يكون قوله أقرب إلى القبول (2) .

(1) زاد الداعية، مصدر سابق، ص 24 - 25.

(2)

زاد الداعية إلى الله عز وجل، مصدر سابق، ص 24 - 25.

ص: 158