الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" منها الإخلاص، فيجب على الداعية أن يكون مخلصا لله عز وجل لا يريد رياء ولا سمعه ولا ثناء الناس ولا حمدهم، إنما يدعو إلى الله يريد وجهه عز وجل (1) قال سبحانه:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 108](2) وقال عز وجل {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ} [فصلت: 33](3) .
هذا بعض ما قاله العلماء حول مكانة الإخلاص وخطورة الرياء وشره، فاحرص أخي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على أن يكون قصدك فيما تقوم به من عمل لأداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجه الله وحده طالبا رضاه، راغبا في ثوابه خائفا من عقابه، وأن تتجرد كل التجرد من حب ثناء الناس أو طلب الجاه، أو ابتغاء الشهرة والظهور فإن حب الظهور كما قيل - يقصم الظهور.
[ثالثا الصبر]
ثالثا: الصبر الصبر من الصفات اللازمة لنجاح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وهو فضيلة من الفضائل التي حث عليها القرآن الكريم في أكثر من آية حتى وردت مادة (ص. ب. ر) في القرآن الكريم في مائة وثلاثة مواضع.
والصبر خصلة من خصال أولي العزم من الرسل، وإنه من عزم الأمور. قال تعالى:{وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 43](4) وقال
(1) الدعوة إلى الله وأخلاق الدعاة، مصدر، سابق ص 380.
(2)
يوسف، الآية 108.
(3)
فصلت، الآية 33.
(4)
سورة الشورى، الآية 43.
تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ} [الأحقاف: 35](1) وجزاء الصبر سلام وخير كما قال تعالى: {وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126](2) وقال تعالى: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد: 24](3) وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} [السجدة: 24](4) .
وقد أوضح العلماء رحمهم الله أهمية الصبر بالنسبة للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، يقول الإمام الرازي:" من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذى فأمره بالصبر "(5) . ويقول الإمام ابن تيمية: " أمر الله الرسل، وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بالصبر "(6) . وأخرج الطبراني في الأوسط (7) عن أبي جعفر الخطمي أن جده عمير بن حبيب بن حماسة، رضي الله عنه، وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند احتلامه أوصى لولده، فقال: " يا بني إياك ومجالسة السفهاء فإن مجالستهم داء، ومن يحلم عن السفيه يسر. . . ومن يحبه يندم. . .
(1) سورة الأحقاف، الآية 35.
(2)
سورة النحل، الآية 126.
(3)
سورة الرعد، الآية 24.
(4)
سورة السجدة، الآية 24.
(5)
الحسبة في الإسلام، مصدر سابق، ص 71.
(6)
نقلا عن الجهاد، ميادينه وأساليبه، مصدر سابق، ص 187.
(7)
قال الهيثمي عن هذا الخبر: رجاله ثقاة، وأخرجه أبو نعيم أيضا وأحمد في كتاب الزهد، ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة، انظر: حياة الصحابة، جـ 2، ص 730.
وإذا أراد أحدكم أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر فليوطن نفسه على الصبر على الأذى، ويثق بالثواب من الله تعالى، فإن من يثق بالثواب من الله عز وجل لم يضره مس من الأذى ".
إن الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر رجل نصب نفسه لبيان الحق، والحق لا يرضي كل الناس، لذا فإنه يتعرض للأذى ممن لا يرضيهم الحق فيكون ذلك ابتلاء له وامتحانا، قال الله تعالى:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ - وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2 - 3](1) .
فلا بد لمن يقوم بهذه الفريضة أن يكون حليما صبورا، فإنه إن لم يكن كذلك فربما يؤول أسلوبه إلى فساد أكثر من الإصلاح، ولذلك كانت وصية لقمان لابنه كما قال الله تعالى:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17](2) فأوصاه بالصبر مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكذلك فإن الله سبحانه وتعالى أمر رسله وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - كما يقول الإمام ابن تيمية - بالصبر، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ - قُمْ فَأَنْذِرْ - وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ - وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ - وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ - وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ - وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر: 1 - 7](3) فأمره
(1) العنكبوت، الآيتان 2، 3.
(2)
سورة لقمان، الآية 17.
(3)
المدثر، الآيات 1 - 7.
من بداية الطريق بالصبر على الإنذار الذي هو أمر بالمعروف الأكبر، ونهي عن المنكر الأكبر (1) وللمزيد من إلقاء الأضواء على أهمية الصبر بالنسبة إلى الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أنقل نص ما قاله فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في إحدى محاضراته عن موضوع الصبر نظرا للفائدة العظيمة لما تحدث عنه فضيلته، يقول جزاه الله خيرا (2) " أن يكون الداعية صابرا على دعوته، صابرا على ما يدعو، إليه صابرا على ما يعترض دعوته، صابرا على ما يعترضه من الأذى. أن يكون صابرا على الدعوة أي مثابرا عليها لا يقطعها ولا يمل، بل يكون مستمرا في دعوته إلى الله بقدر المستطاع، وفي المجالات التي تكون الدعوة فيها أنفع وأولى وأبلغ. وليصبر على الدعوة ولا يمل فإن الإنسان إذا طرقه الملل استحسر وترك. ولكن إذا كان مثابرا على دعوته فإنه ينال أجر الصابرين من وجه، وتكون له العاقبة من وجه آخر.
واستمع إلى قول الله عز وجل مخاطبا نبيه {تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود: 49](3) ولا بد أن يكون الإنسان صابرا على ما يعترض دعوته من معارضات ومجادلات لأن كل إنسان يقوم داعيا إلى الله عز
(1) لمزيد من المعلومات انظر: الحسبة لابن تيمية، ص 73 - 74.
(2)
زاد الداعية إلى الله عز وجل، مصدر سابق، ص 13 -19.
(3)
سورة هود، الآية 49.
وجل لا بد أن يعارض: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا} [الفرقان: 31](1) فكل دعوة حقة لا بد أن يقوم لها معارض لا بد أن يقوم لها ممانع ومجادل فيها ومشكك، ولكن يجب على الداعية أن يصبر على ما يعترض دعوته حتى لو وصفت تلك الدعوة بأنها خطأ أو أنها باطل، وهو يدرك أنها مقتضى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليصبر على ذلك.
ولكن هذا لا يعني أن الإنسان يصر على ما يقول وما يدعو إليه وإن تبين له الحق، فإن الذي يصر على ما يدعو إلية وإن تبين له الحق يشبه من قال الله فيهم:{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ} [الأنفال: 6](2) المجادلة في الحق بعد ما تبين صفة مذمومة. وقد قال الله فيمن اتصف بها: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115](3) فما يعترض دعوتك، أيها الداعية، إن كان حقا فالواجب عليك الرجوع إليه، وإن كان باطلا فلا يثني عزمك عن المضي قدما في دعوتك.
كذلك لا بد أن يكون الداعية صابرا على ما يعترضه هو من الأذى؛ لأن الداعية لا بد أن يؤذى إما بالقول وإما بالفعل، وها هم الرسل صلوات الله
(1) سورة الفرقان، الآية 31.
(2)
سورة الأنفال، الآية 6.
(3)
سورة النساء، الآية 115.
وسلامه عليهم أوذوا بالقول وأوذوا بالفعل، اقرأ قول الله عز وجل:{كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} [الذاريات: 52](1) ما رأيك فيمن يأتيه الوحي من ربه ويقال له في وجهه إنك ساحر أو مجنون؟ لا شك أنه يتأذى، ومع هذا فالرسل صبروا على ما أوذوا بالقول وعلى ما أوذوا بالفعل. انظر إلى أول الرسل نوح عليه الصلاة والسلام:
كان قومه يمرون به وهو يصنع الفلك ويسخرون به فيقول لهم: {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ - فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [هود: 38 - 39](2) ولم يقتصر الأمر بهم على السخرية به بل توعدوه بالقتل: {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء: 116](3) أي من المقتولين رميا بالحجارة. هنا توعد بالقتل مع تهديد بأنا قد رجمنا غيرك إظهارا لعزتهم وأنهم قد رجموا آخرين وأنت منهم، ولكن هذا لم يثن نوحا عليه الصلاة والسلام عن دعوته بل استمر حتى فتح الله بينه وبين قومه. وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام قابله قومه بالرفض بل شهروا به بين الناس:{قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ} [الأنبياء: 61](4) ثم توعدوه بالإحراق: {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 68]
(1) سورة الذاريات، الآية 52.
(2)
سورة هود، الآيتان 38، 39.
(3)
سورة الشعراء، الآية 116.
(4)
سورة الأنبياء، الآية 61.
(1)
فأوقدوا نارا عظيمة ورموه بالمنجنيق لبعدهم عنها لشدة حرارتها، ولكن قال رب العزة والجلال:{قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69](2) فكانت بردا وسلاما ونجا منها فكانت العاقبة لإبراهيم: {وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ} [الأنبياء: 70](3) .
وهذا موسى عليه الصلاة والسلام توعده فرعون بالقتل فقال: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26](4) فتوعدوه بالقتل، ولكن آخر الأمر كانت العقبى لموسى عليه الصلاة والسلام:{وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ} [غافر: 45](5) .
وهذا عيسى عليه الصلاة والسلام حصل له من الأذية ما حصل حتى رماه اليهود بأنه ابن بغي، وقتلوه على زعمهم وصلبوه ولكن الله تعالى يقول:{وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا - بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 157 - 158](6) فنجي منهم.
وهذا خاتم الرسل وإمامهم وسيد بني آدم محمد صلى الله عليه وسلم، قال الله عنه:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30]
(1) سورة الأنبياء، الآية 68.
(2)
سورة الأنبياء، الآية 69.
(3)
سورة الأنبياء، الآية 70.
(4)
سورة غافر، الآية 26.
(5)
سورة غافر، الآية 45.
(6)
سورة النساء، الآية 157 - 158.
(1)
وقال تعالى: {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 36](2) وحصل من أذيتهم القولية والفعلية مما هو معلوم لدى العلماء في التاريخ، ومع هذا صبر فكانت العاقبة له، إذن فكل داعية لا بد أن يناله الأذى ولكن عليه أن يصبر، ولهذا لما قال الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} [الإنسان: 23](3) كان من المتوقع أن يقول الله فاشكر نعمة الله على تنزيل هذا القرآن ولكن الله قال له: فاصبر لحكم ربك (4) إشارة إلى أن كل من قام بهذا القرآن فلا بد أن يناله ما يناله من الأمور التي تحتاج إلى صبر عظيم. فعلى الداعية أن يكون صبورا، وأن يستمر حتى يفتح الله له، وليس من الضروري أن يفتح الله له في حياته، بل إن المهم أن تبقى دعوته ولو بعد موته فإنه حي، قال الله عز وجل:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام: 122](5) ففي الحقيقة أن حياة الداعية ليس معناها أن تبقى روحه في جسمه فقط بل أن تبقى مقالته حية بين الناس، وانظر إلى قصة أبي سفيان مع هرقل حين
(1) سورة الأنفال، الآية 30.
(2)
سورة الصافات، الآية 36.
(3)
سورة الإنسان، الآية 23.
(4)
سورة الإنسان، الآية 24.
(5)
سورة الأنعام، الآية 122.
قدم عليه في السنة السابعة للهجرة، فلما سمع به هرقل وكان قد سمع بمخرج النبي صلى الله عليه وسلم، دعا أبا سفيان فسأله عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ذاته ونسبه وما يدعو إليه وأصحابه، فلما أخبره أبو سفيان عما سأله عنه، قال هرقل له:" إن كان ما تقول حقا فسيملك ما تحت قدمي هاتين ". سبحان الله من يتصور ملكا إمبراطوريا، كما يقولون، يقول مثل هذا القول في محمد صلى الله عليه وسلم، وهو مع ذلك لم يحرر جزيرة العرب من رق الشيطان والهوى، ومن يتصور أن مثل هذا الرجل يقول مثل هذا القول؟ ولهذا لما خرج أبو سفيان قال لقومه:" لقد أمر أمر ابن أبي كبشة إنه ليخافه ملك بني (الأصفر) . " أمر " يعني عظم ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: 71](1) أتى عظيما.
وقد ملك النبي صلى الله عليه وسلم، ما تحت قدمي هرقل بدعوته لا بشخصه؛ لأن دعوته أتت على هذه الأرض واكتسحت الأوثان والشرك وأصحابه. وملكها الخلفاء الراشدون بعد محمد صلى الله عليه وسلم، ملكوها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وشريعة النبي عليه السلام، إذن على الداعية أن يصبر وستكون العاقبة له إذا كان صادقا مع الله سواء في حياته أو بعد مماته.
قال موسى لقومه: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128](2) وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 90](3) . .
(1) سورة الكهف، الآية 71.
(2)
سورة الأعراف، الآية 128.
(3)
سورة يوسف، الآية 90.