الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
.
وإن من علائم الشكر لنعم الله تعالى وفضله زيادة الخوف منه والإقبال على طاعته، والإدبار عن معصيته والتواضع لجلاله وعظمته، فضلا عن تسخير العلم لتعليم الناس وهدايتهم وتوجيههم وإرشادهم.
وعلى الدعاة إلى الله أن يحاسبوا أنفسهم دبر كل حديث القوه، أو خطاب ارتجلوه، أو مقال كتبوه، أو اجتماع أداروه؛ ليطمئنوا إلى أن مشاعر العجب وأحاسيس الكبر لم توقظها طلاقة لسان أو حسن بيان أو مظاهر إعجاب واستحسان، لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له، وأنه هو القائل على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:«الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني فيهما قصمته» (2) .
[خامسا معرفة متى يكون الأمر بالمعروف سرا ومتى يكون جهرا]
خامسا: معرفة متى يكون الأمر بالمعروف سرا ومتى يكون جهرا من الأمور اللازمة لنجاح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معرفة متى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سرا ومتى يكون جهرا، وعليه أن يعلم أن الأمر السري لا يعالج علنا، يعالج سرا؛ لئلا يفشو المنكر، ولئلا يفتضح فاعله. وإذا كان الأمر ظاهرا فإنه يعالج علنا ولا
(1) سورة إبراهيم، الآية 7.
(2)
رواه أبو داوود والترمذي وابن حبان.
حرج في ذلك؛ لأن صاحب المنكر هو الذي فضح نفسه وأعلن البلاء (1) .
وكان السلف يجبون أن يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سرا فيما بين الآمر والمأمور، فإن ذلك من علامات النصح له، فإن الناصح ليس غرضه إشاعة عيوب من ينصح له، وإنما غرضه إزالة المفسدة التي وقع فيها (2) .
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا المعنى: " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه في وعظه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه "(3) .
وأما الإشاعة وإظهار العيوب فهو مما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19](4) .
والأحاديث في فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سرا كثيرة جدا (5) . وقال بعض العلماء لمن يأمر بالمعروف: " واجتهد أن تستر
(1) عبد الله بن حسن آل قعود، أثر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الرياض، دار العاصمة، بدون تاريخ، ص 39.
(2)
الحافظ بن رجب، الفرق بين النصيحة والتعيير، الأردن، دار عمان، 1406 هـ، ص 17 - 18.
(3)
شرح النووي على صحيح مسلم، ج 2، ص 24.
(4)
سورة النور، الآية 19.
(5)
انظر: فتح الباري، جـ 5، ص 97، وصحيح مسلم 4 1996.
العصاة، فإن ظهور عوراتهم وهن في الإسلام، أحق شيء بالستر " (1) .
فلهذا كانت إشاعة الفاحشة مقترنة بالتعيير وهما من خصال الفجار؛ لأن الفاجر لا غرض له في زوال المفاسد ولا في اجتناب المؤمن للنقائص والمعايب، إنما غرضه في مجرد إشاعة العيب في أخيه المؤمن، فهو يعيد ذلك ويبديه، ومقصوده تنقص أخيه المؤمن في إظهار عيوبه ومساويه للناس، ليدخل عليه الضرر في الدنيا.
وأما الناصح الأمين فغرضه بذلك إزالة عيب أخيه المؤمن واجتنابه له.
أخي الداعية إلى الله، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إذا علمت ذلك فإنني أوصيك بتقوى الله أولا ثم أوصيك بعدم تعيير الفاسق بما ابتلي به، بل ادع له بالهداية والتوبة والعافية مما ابتلي؛ لأن عقوبة من أشاع السوء عن أخيه المؤمن وتتبع عيوبه وكشف عورته عقوبة خطيرة؛ لأن الله يتبع عورة المتبع لأخيه المؤمن ويفضحه ولو في جوف بيته، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يا معاشر من آمن بلسانه ولم يؤمن قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإن من يتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف بيته» (2) وأخرج الترمذي من حديث واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:«لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك» (3) .
(1) نقلا بتصرف من الفرق بين النصيحة والتعيير، مصدر سابق، ص17.
(2)
رواه أحمد وأبو داوود والترمذى.
(3)
رواه الترمذى.