الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ثالثا درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة]
ثالثا: إن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة من القواعد والمبادئ العامة التي تحكم القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يدرك الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن درء المفسدة مقدم على طلب المصلحة؛ لذا عليه أن يفقه المصالح الحاصلة من أمره ونهيه والمفاسد الناتجة عن ذلك، وإيضاح ذلك أنه:
1 -
إن حصلت مصلحة أعظم من المفسدة وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2 -
إن كانت المفسدة أعظم من المصلحة لم يجب عليه بل يحرم.
3 -
إذا حصل التساوي والتكافؤ بين المعروف والمنكر لم يؤمر بالمعروف ولم ينه عن المنكر؛ لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح.
4 -
اختلاط المعروف بالمنكر: عند ذلك يدعى إلى المعروف دعوة مطلقة، ينهى عن المنكر نهي مطلق.
وقد أوضح ابن تيمية رحمه الله هذه القاعدة العامة بقوله: " وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة، فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منها فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارضت المصالح والمفاسد.
فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما، إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته.
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها، وإلا اجتهد برأيه إذا كان من أهل الاجتهاد لمعرفة الأشباه والنظائر. وقل أن تعوز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالاتها على الأحكام.
وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرق بينهما، بل إما أن يفعلوهما جميعا أو يتركوهما جميعا، لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا ينهوا عن المنكر، بل ينظر فإن كان المعروف أكثر أمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وزوال فعل الحسنات.
وإن كان المنكر أغلب نهي عنه وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه أمرا بمنكر وسعيا في معصية الله ورسوله. وإن تكافأ المعروف والمنكر
المتلازمان، لم يأمر بهما، ولم ينه عنهما، فتارة يصلح الأمر، وتارة يصلح النهي، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي، حيث كان المعروف والمنكر متلازمين، وذلك في الأمور المعينة الواقعة.
وأما من جهة النوع فيؤمر بالمعروف مطلقا وينهى عن المنكر مطلقا، وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة، يؤمر بمعروفها وينهى عن منكرها ويحمد محمودها ويذم مذمومها، بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكثر منه أو حصول منكر فوقه، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أكبر منه أو فوات معروف أرجح منه. وإذا اشتبه الأمر استبان المؤمن، حتى يتبين له الحق فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية. وإذا تركها كان عاصيا، فترك الأمر الواجب معصية وفعل ما نهي عنه من الأمر معصية (1) .
(1) ابن تيمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصدر سابق، ص 33 -34.