الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الرابع الصفات والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر]
[أولا أن يكون رقيقا لطيفا رحيما بمن يأمره وينهاه]
أولا: أن يكون رقيقا لطيفا رحيما بمن يأمره وينهاه.
ثانيا: الإخلاص.
ثالثا: الصبر.
رابعا: التواضع.
خامسا: معرفة متى ينبغي أن يكون الأمر بالمعروف سرا، ومتى ينبغي أن يكون جهرا.
سادسا: التحقق والتثبت من المنكر.
سابعا: معرفة أحوال وظروف من يأمرهم أو ينهاهم.
ثامنا: القدوة.
تاسعا: كسر الحواجز بين الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر وبين الناس.
عاشرا: اتساع الصدر لقبول الخلاف فيما يجوز الخلاف فيه.
- ملحق برسالة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن كيفية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الصفات والآداب التي لا بد من توافرها في الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الأعمال الصالحة التي يقوم بها المسلم، فهو باب من أبواب الجهاد، وهو قيام بأمانات الله وحفظ لحرمات المسلمين، ولذا يشترط في القائم به شروط، وينبغي له آداب، وقد تحدثنا عن شروط وجوبه، وهنا نذكر جملة من الصفات والآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، حتى يكون لعمله قبول وأثر محمود.
وفيما يلي أهم هذه الصفات والآداب:
أولا: أن يكون رقيقا لطيفا بمن يأمره وبمن ينهاه من الصفات الكريمة والآداب الحميدة التي يجب أن يتحلى بها من يتصدى لدعوة الناس إلى الخير ونهيهم عن الشر: لين الجانب وحسن الخلق؛ ليكون التأثير أبلغ والاستجابة أقوى، وهذه الصفة من اللطف والرفق واللين هي من أميز ما يجب أن يظهر به الداعية في طريق الإصلاح والتبليغ والدعوة إلى الله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان العنف في شيء إلا شانه» (1) .
(1) رواه مسلم، انظر صحيح مسلم بشرح النووي، جـ 16، ص 146.
وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: «إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف» (1) وقال سفيان الثوري رحمه الله: " لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فيه خصال ثلاث: رفيق بما يأمر رفيق بما ينهى، عدل بما يأمر عدل بما ينهى، عالم بما يأمر عالم بما ينهى (2) .
وقال أحمد بن حنبل - رحمه الله تعالى -: " الناس يحتاجون إلى مداراة ورفق في الأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجلا مباينا معلنا بالفسق، فيجب عليه نهيه وإعلانه؛ لأنه يقال: ليس لفاسق حرمة، فهذا لا حرمة له "، وقال أيضا:" كان أصحاب ابن مسعود إذا مروا بقوم يرون منهم ما يكرهون يقولون مهلا يرحمكم الله "(3) .
ومن الرفق أن يراعي القائم بهذه الفريضة حرمة الناس ومشاعرهم فلا يفضحهم، وإنما يأمرهم وينهاهم بالرفق واللين وبدون تشهير بهم، قال الإمام الشافعي:" من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه "(4) .
(1) رواه البخاري ومسلم، انظر صحيح البخاري مع فتح الباري، جـ 10، ص 369.
(2)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مصدر سابق، ص 96.
(3)
المصدر السابق.
(4)
شرح النووي على صحيح مسلم جـ 2، ص 24.
إلا أنه يستثنى من ذلك من اختاروا فضح أنفسهم فجاهروا بمعاصيهم، فهؤلاء لا بأس من أمرهم ونهيهم سرا وعلانية (1) .
إن الرفق واللطف واللين في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له فوائد عظيمة في كسب الأنصار والمؤيدين وبالتالي انطلاق الدعوة إلى الخير والالتفاف حولها، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159](2) . وقد ورد في تفسير هذه الآية قول لعبد الله بن عمر جاء فيه: " إني أرى صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة، إنه ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ".
وفي السيرة النبوية أمثلة عديدة لأسلوب الرفق واللطف الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغ أمر ربه والدعوة إليه، وفيما يلي نذكر بعضا من هذه الأمثلة:
1 -
روى الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه وأريقوا على بوله سجلا (دلوا) من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا
(1) الجهاد ميادينه وأساليبه، مصدر سابق، ص 185 - 186.
(2)
سورة آل عمران الآية 159.
معسرين» . أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بترك هذا الأعرابي الجاهل حتى ينتهي من بوله، فلما انتهي أمر أن يراق على بوله ذنوبا من ماء فزالت المفسدة. ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، الأعرابي فقال:«إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن» أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فانشرح صدر الأعرابي لهذه المعاملة الحسنة، ولهذا رأيت بعض العلماء نقل أن هذا الأعرابي قال: اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا؛ لأن محمدا عامله هذه المعاملة الطيبة، أما الصحابة - رضوان الله عليهم - فسعوا في إزالة المنكر من غير تقدير لحال هذا الرجل الجاهل " (1) .
2 -
(1) فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، مصدر سابق، ص 22.
فانظر يا أخي الداعية إلى الله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم هذا الداء برحمة ولين ورفق، ما عنفه النبي صلى الله عليه وسلم، وما حمل عليه بقسوة، بل جعل يخاطب عقله، ويقوي في نفسه روح الخير، ويضعف في نفسه نار الشهوة. . .
3 -
روى الإمام مسلم أن معاوية بن الحكم السلمي حدث يوما فقال: «بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه. . . . . ما شأنكم تنظرون إلى؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني سكت، فلما صلى، عليه الصلاة والسلام، فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فوالله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني. . . وإنما قال: إن هذه الصلاة لا يصح فيهما شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن، أو كما قال صلى الله عليه وسلم» (1) . فانظر أخي الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر كيف أن الدعوة المحببة إلى النفوس يقبلها الإنسان وينشرح لها صدره.
4 -
«جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هلكت: قال " ما أهلكك؟ "، قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتق رقبة، فقال: لا أجد، ثم أمره أن يصوم شهرين متتابعين، قال: لا أستطيع، ثم أمره أن يطعم ستين مسكينا، قال: لا
(1) رواه الإمام أحمد.
أستطيع، فجلس الرجل فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بتمر فقال: خذ هذا فتصدق به، ولكن الرجل طمع في كرم النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعظم كرم لمخلوق، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه أو نواجذه؛ لأن هذا الرجل جاء خائفا يقول (هلكت) فذهب غانما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" أطعمه أهلك " فذهب الرجل مطمئنا غانما فرحا بهذا الدين الإسلامي، وبهذا اليسر من الداعية الأول لهذا الدين الإسلامي صلوات الله وسلامه عليه» (1) .
5 -
«رأى النبي صلى الله عليه وسلم، رجلا في يده خاتم ذهب فنزعه النبي صلى الله عليه وسلم، بيده الكريمة وطرحه في الأرض وقال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده» . فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يعامله معاملة الأولين بل نزعه من يده وطرحه في الأرض، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، قيل له: خذ خاتمك انتفع به، فقال: والله لا أخذ خاتما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم الله أكبر هذا الامتثال العظيم من الصحابة رضي الله عنهم دلالة كل ما سبق أنه يجب على الداعية الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يدعو إلى الله عز وجل بالحكمة والرفق واللين، فليس الجاهل كالعالم، وليس المعاند كالمستسلم، فلكل مقام مقال ولكل منزلة حال (2) .
(1) زاد الداعية لفضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين، مصدر سابق، ص 23.
(2)
المصدر السابق، ص 24.
هذه نماذج من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تبين لنا كيف كان صلى الله عليه وسلم يأمر وينهى بالرفق واللين واللطف. . . فليكن لنا أسوة وقدوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، نتعلم منه كيف نأخذ بأيدي العصاة إلى طاعة الله.
إن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها، وقد تدفعها القسوة والشدة أحيانا إلى المكابرة والإصرار والنفور فتأخذها العزة بالإثم، ولا يقصد بالرفق واللين واللطف في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المداهنة والرياء والنفاق (1) وإنما يقصد بها بذل النصح وإسداء المعروف بأسلوب دمث مؤثر يفتح القلوب ويشرح الصدور، وبخاصة إذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجها (لجماعة المسلمين) فإنه لا ينبغي بحال مخاطبتهم بالتوبيخ والتقريع والعنف ما دام ينفع النصح والوعظ والإرشاد، وقد أوضحنا هذا المعنى عند الحديث عن الدرجات التنفيذية لتغيير المنكر وإزالته.
إن الداعية الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الناجح، يستهوي القلوب بلطفه ولينه ورقته وهدوئه وحبه للناس وتآلفه معهم، فالمؤمن بطبعه آلف ومألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ألا إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجالس يوم القيامة أحسنكم أخلاقا
(1) للمزيد من المعلومات انظر - فتحي يكن، مشكلات الدعوة والداعية، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405 هـ، ص120 وما بعدها.
الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون» (1) .
ويقول سيد قطب رحمه الله في حاجة الناس إلى الرفق والسماحة والحلم: " الناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، إلى ود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم. . في حاجة إلى قلب يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا، وهكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كانت حياته مع الناس ما غضب لنفسه قط، ولا ضاق صدره لضعفهم البشري "(2) .
فصاحب الوجه البشوش المتواضع وصاحب القلب الطيب الرفيق الرحيم ومالك الخلق الحسن يستطيع أن يؤثر بهذه الخلال في قلوب الناس ويؤثر في عواطفهم ويسير بهم نحو الإيمان والكمال، ولن يستطيع ذلك أصحاب الأموال والكنوز مهما كثرت (3) فعواطف الناس وقلوبهم لا تشترى بالمال، وإنما يملكها من اتصف بالأخلاق الإسلامية الحميدة وهم الدعاة الصادقون والرعاة العادلون وغيرهم من عباد الله الذين زينهم الإيمان وجملتهم التقوى.
(1) رواه البزار.
(2)
في ظلال القرآن، جـ 4، ص 116.
(3)
محمد محمود الصواف، الدعوة والدعاة، القاهرة، دار الاعتصام، ص 36 - 37.