الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رابعا البدء بالأهم فالمهم وتقديم الكليات على الجزئيات]
في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البدء بالأهم فالمهم من القواعد والمبادئ التي تحكم القيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " جهاد فيه بذل جهد ومشقة، فينبغي على المسلم أن يوجه هذا الجهد إلى إصلاح القضايا الأكثر أهمية، والجرح الأعظم اتساعا، وأصول الفساد والمنكر، ولا يجب أن يصرف همه وجهده ووقته كله في علاج الجزئيات والفروع البسيطة، إذا كان فسادها ناشئا عن فساد أصل من الأصول.
على أن هذا لا يعني إهمال الجزئيات والفروع، فالدين لله وليس منه شيء يجوز أن يهون من شأنه أو أن يتجاهل أو يهمل، وإنما هناك أولويات شرعية، وسلم هذه الأولويات الشرعية يبدأ بتعليم أصول العقيدة ثم فعل الفرائض وترك المحرمات ثم أداء السنن وترك المكروهات، وهي كالضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات " (1) وسلم الأولويات هذه يتطلب البدء بأمور العقيدة وتقديم الكليات على الجزئيات، فأنت حين
(1) سلمان بن فهد العودة، من أخلاق الداعية الرياض، دار الوطن للنشر، 1411 هـ، ص 48.
ترى على إنسان مجموعة أخطاء فمن الحكمة أن تبدأ بالخطأ الأكبر قبل الأصغر، فليس معقولا أن تلومه على ترك بعض الأذكار المسنونة وهو يخل بواجبات الصلاة أو أركانها، وابدأ في معالجة المنكر بأهمه وأخطره بتدرج، والتدرج في الدعوة ثابت في وصية النبي صلى الله عليه وسلم، لمعاذ حين بعثه إلى اليمن فقال:«إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» (1) .
فتقديم الأهم فالمهم شريعة نبوية، كانت جزءا من منهجه في الدعوة العملية وهي جزء من وصيته.
إن المطلوب من الغيورين على دينهم الداعين إلى الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن يوجهوا جهودهم لما يكون أكثر جدوى في سد منافذ المنكر وأن يشتغلوا بالأهم، ويمنحوه النصيب الأكبر من اهتمامهم (2) .
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2)
الجهاد مصدر، سابق ص 183.
يقول العز بن عبد السلام - رحمه الله تعالى - في بيان درجات الوسائل الموصلة للمصالح: " يختلف أجر وسائل الطاعات باختلاف فضائل المقاصد ومصالحها، فالوسيلة إلى المقاصد أفضل من سائر الوسائل، فالتوسل إلى معرفة الله تعالى ومعرفة ذاته وصفاته أفضل من التوسل إلى معرفة أحكامه، والتوسل إلى معرفة أحكامه أفضل من التوسل إلى معرفة آياته، والتوسل بالسعي إلى الجهاد أفضل من التوسل بالسعي إلى الجماعات، والتوسل بالسعي إلى الجماعات في الصلوات المكتوبات. . . . وكلما قويت الوسيلة في الأداء إلى المصلحة كان أجرها أعظم من أجر ما نقص عنها، فتبليغ رسالات الله من أفضل الوسائل، لأدائه إلى جلب كل صلاح دعت إليه الرسل، وإلى درء كل فاسد زجرت عنه الرسل، والإنذار وسيلة إلى درء مفاسد الكفر والعصيان، والتبشير وسيلة إلى جلب مصالح الطاعة والإيمان، وكذلك الأمر بالمعروف وسيلة إلى تحصيل ذلك المعروف المأمور به رتبته في الفضل والثواب مبنية على رتبة مصلحة الفعل المأمور به في باب المصالح، فالأمر بالإيمان أفضل أنواع الأمر بالمعروف، وكذلك الأمر بالفرائض أفضل من الأمر بالنوافل، والأمر بإماطة الأذى عن الطريق من أدنى مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "(1) .
(1) قواعد الأحكام، ج 1، ص 123 - 124.
ويبين أيضا درجات الوسائل المؤدية إلى المفاسد ". . . وهكذا تختلف رتب الوسائل باختلاف قوة أدائها إلى المفاسد. . . وكذا النهي عن المنكر وسيلة إلى دفع مفسدة ذلك المنكر المنهي عنه ورتبته في الفضل والثواب مبنية على رتبة درء مفسدة الفعل المنهي عنه في باب المفاسد، ثم تترتب رتبه على رتب المفاسد إلى أن تنتهي إلى أصغر الصغائر، فالنهي عن الكفر بالله أفضل من كل نهي في باب النهي عن المنكر "(1) .
وقد ضرب الإمام الغزالي رحمه الله مثلا لمن يشتغل في الأمور الأقل أهمية ويترك الأمور الخطيرة فيقول: " فمن غصب فرسه ولجام فرسه، فاشتغل بطلب اللجام وترك الفرس، نفرت عنه الطباع، ويرى مسيئا "(2) .
ومرة أخرى نريد التأكيد على أن الاهتمام بالكليات لا يعني إهمال الجزئيات بحال من الأحوال، وكل ما نريد تقريره أن الأمور الأكثر أهمية، يجب أن تنال الأولوية في مجال أداء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(1) المصدر السابق، ص 128.
(2)
إحياء علوم الدين، ج 2 ص 314.