الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للطعن إن كانت عن عناد ومكابرة أما إن كانت عن اجتهاد وَحُجَّةٍ فلا، وليس بلازم كما ذكرت أن تبلغ كل الأحاديث أي إمام من الأئمة وليس بلازم إذا بلغته أن يعمل بها لجواز أن تكون منسوخة أو مخصصة أو مقيدة أو مرجوحة إلى غير ذلك من الوجوه.
اِفْتِرَاؤُهُ عَلَى الإِمَامَيْنِ: البُخَارِيِّ وَابْنِ حَجَرَ:
في [ص 274] تحت عنوان «كان البخاري يروي بالمعنى» ثم ذكر ما رواه الخطيب في " تاريخ بغداد " عن البخاري أنه قال: رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر قيل له: يا أبا عبد الله بكماله فسكت.
وقال ابن جحر: «وَهَذَا مِنْ نَوَادِر مَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ أَنْ يَخْرُج الْحَدِيث تَامًّا بِإِسْنَادٍ وَاحِد بِلَفْظَيْنِ» كما في حديث سحر النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
والبخاري مِمَّنْ يرى جواز الرواية بالمعنى ولكن ليس فيه دلالة قط على الرواية بالمعنى وكل ما فيه أنه كان يسمع الشيء ولا يكتبه حتى إذا وجد له مناسبة أو ترجمة لائقة كتبه، وسكوته لا يدل على أنه رواه بالمعنى وغاية ما يدل عليه جواز الاختصار في الحديث بذكر بعضه كما هو شأنه في كتابه يقطع الحديث الواحد في عدة أبواب مقتصرًا في كل باب بما لا يليق به وأما ما نقله عن الحافظ فهو أبعد ما يكون عن الرواية بالمعنى، ولم يسقه الحافظ لهذا وإنما ساقه في معرض الكلام عن حديث سحر النَّبِيِّ وأن البخاري رواه مرة عن شيخه إبراهيم بن موسى بلفظ:«حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ» بالشك، وفي موضع آخر عن هذا الشيخ نفسه بلفظ «حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ» من غير شك، وقد ظن الحافظ أَوَّلاً أن الشك من البخاري ثم ظهر له أنَّ الشك من شيخ شيخه عيسى بن يونس، وإليك كلام الحافظ ابن حجر قال بعد أن ذكر الروايتين وتحقيق أن الشك ليس من البخاري: «فَيُحْمَلُ الجَزْمُ الْمَاضِي عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيم بْن مُوسَى شَيْخَ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَهُ بِهِ تَارَةً بِالجَزْمِ وَتَارَة بِالشَّكِّ، وَيُؤَيِّدهُ مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الاِخْتِلَاف عَنْهُ،
وَهَذَا مِنْ نَوَادِرِ مَا وَقَعَ فِي " البُخَارِيِّ " أَنْ يُخْرِجَ الحَدِيثَ تَامًّا بِإِسْنَادٍ وَاحِد بِلَفْظَيْنِ» (1).
وهكذا يَتَبَيَّن لنا أن المؤلف افترى على البخارى وعلى الحافظ وأنه يخطف الكلام خَطْفًا من غير تثبت وَتَحَرٍّ.
في [ص 274] ذكر عنوان «موت البخاري قبل أن يبيض كتابه» ثم ذكر في ذلك كلامًا نقله الحافظ ابن حجر في مقدمة " الفتح " وليس في الكلام ما يشهد لِمَا عَنْوَنَ له وغرضه من هذا العنوان إيهام من لا يعرف أن الإمام البخاري ترك كتابه مسودة ومن شأن المسودات أنها لم تنقح، ومن شأن عدم التنقيح أن يأتي الكتاب على غير ما يرام وكل ذلك ليخلص إلى ما يريد من التشكيك في منزلة كتب الحديث المعتمدة.
والحق أن البخاري لم يمت إِلَاّ بعد أن نقح كتابه وهذبه غاية التهذيب والنقل الذي ذكره الحافظ إنما هو في شأن التراجم التي بيضها البخاري أي ذكرها ولم يذكر فيها حَدِيثًا أو الأحاديث التي ذكرها ولم يذكر لها بَابًا، والنقل الذي ذكره يدل على أن " صحيح البخاري " كان مُدَوَّنًا في أصل محرر قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ المُسْتَمْلِي:«انْتَسَخْتُ كِتَابَ البُخَارِيَّ مِنْ أَصْلِهِ الذِي كَانَ عِنْدَ صَاحِبِهِ مُحَمَّدُ بْنَ يُوسُفَ الفَرْبَرِيِّ فَرَأَيْتُ فِيهِ أَشْيَاءَ لَمْ تَتِمَّ وَأَشْيَاءَ مُبَيَّضَةً مِنْهَا تَرَاجِمُ لَمْ يُثْبِتْ بَعْدَهَا شَيْئًا وَمِنْهَا أَحَادِيثَ لَمْ يُتَرْجِمْ لَهَا فَأَضَفْنَا بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ» .
وليس أدل على أن البخاري لم يمت إِلَاّ بعد أن حرر كتابه وعرضه على أئمة الحديث مِمَّا قاله أبو جعفر محمود بن عمر العقيلي قال: «لَمَّا أَلَّفَ البُخَارِيُّ كِتَابَ الصَّحِيحِ عَرَضَهُ عَلَى أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَعَلِيٍّ بْنَ المَدِينِيِّ وَغَيْرِهِمْ فَاسْتَحْسَنُوهُ وَشَهِدُوا لَهُ بِالصِحَّةِ إِلَاّ فِي أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ» . قال العقيلي: «وَالقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ البُخَارِيُّ وَهِيَ صَحِيحَةٌ» . وروي عن الفَرْبَرِيِّ أنه قال: قال البخاري: «مَا كَتَبْتُ فِي كِتَابِ الصَّحِيحِ حَدِيثًا
(1) 1/ 186، طبعة عبد الرحمن محمد.