الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كافة، وكثيراً ما كان النَّبِي - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - يحضهم على الأداء لغيرهم بمثل قوله:«نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ»
وفي رواية بلفظ: «فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»
رواه الشافعي والبيهقي في " المدخل ".
وفي خطبته المشهورة في حُجَّة الوداع قال: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ، فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى مِنْهُ» رواه البخاري في " صحيحه ".
وكان إذا قدم عليه وفد وعلَّمهم من القرآن والسُنَّة أوصاهم أنْ يحفظوه ويبلِّغوه، ففي " صحيح البخاري " أنه قال لوفد عبد القيس:«احْفَظُوهُ وَأَخْبِرُوهُ مَنْ وَرَاءَكُمْ» وفي قصة أخرى قال: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ» (1).
وكثيراً ما كان يقرع أسماعهم بقوله: «مَنْ كَتَمَ عِلْمًا أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» فمن ثم كانوا جد حريصين على حفظ السُنن والحفاظ عليها وتبليغها بلفظها أو بمعناها.
النَّهْيُ عَنْ كِتَابَةِ الأَحَادِيثِ فِي العَصْرِ النَّبَوِيِّ:
ولم تكن الأحاديث مُدَوَّنَةً في عصر النَّبِي صلى الله عليه وسلم -لأمرين:
1 -
أحدهما: الاعتماد على قوة حفظهم وسيلان أذهانهم وعدم توفُّر أدوات الكتابة فيهم.
2 -
ثانيهما: لما ورد من النهي عن كتابة الأحاديث والإذن في كتابة القرآن الكريم.
روى مسلم في " صحيحه " عن أبي سعيد الخُدْرِي أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا إِلَاّ الْقُرْآنَ، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي شَيْئًا فَلْيَمْحُهُ» ولهذا كره بعض السلف كتابة الحديث والعلم.
(1)" فتح الباري ": ج 1 ص 128، 149.
والظاهر أنَّ نهي النَّبِي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الأحاديث كان خشية أنْ يلتبس على البعض بالقرآن الكريم، أو أنْ يكون شاغلاً لهم عنه ولا سيما أنَّ القوم كانوا أُمِيِّينَ، أو أنَّ النهي كان بالنسبة لمن يوثق بحفظه، أما مَنْ أمن عليه اللبس بأنْ كان قارئاً كاتباً، أو خيف عليه النسيان وعدم الضبط لما سمع فلا حرج عليه في الكتابة، وعلى هذا يحمل ما ورد من الروايات الثابتة الدالة على الإذن في الكتابة لبعض الصحابة.
روى أبو داود والحاكم وغيرهما عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ قَالَ: «قلت يا رسول الله: إني أسمع منك الشيء فأكتبه» ، قال:«نعم» ، قلت:«في الغضب والرضا؟» قال: «نَعَمْ، فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَاّ حَقًّا» وروى البخاري عن أبي هريرة قال: «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ مِنِّي حَدِيثًا إِلَاّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ ، وَكُنْتُ لَا أَكْتُبُ» . ومثل عبد الله مِمَّنْ يُؤْمَنُ عليه الالتباس، وروى الترمذي عن أبي هريرة قال:«كان رجل من الأنصار يجلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه ولا يحفظه فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ. وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى اِلْخَطِّ» وروى البخاري ومسلم في " صحيحيهما ": «أنَّ أبا شاه اليَمَنِي التمس من النَّبِي صلى الله عليه وسلم أنْ يكتب له شيئاً سمعه من خطبته عام الفتح فقال: «اكْتُبُوا لأبِي شَاهٍ» . وروى البخاري في " صحيحه ": «أنَّ علياً - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ - سئل: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ سِوَى الْقُرْآنِ؟ فَقَالَ: «لَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِلَاّ أَنْ يُعْطِيَ اللَّهُ عَبْدًا فَهْمًا فِي كِتَابِهِ، وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ» ، قُلْتُ:«وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ؟» قَالَ: «العَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ» . وثبت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتاب الصدقات والديات والفرائض والسنن لعمرو بن حزم وغيره.
ومن العلماء من يرى أن أحاديث الإذن ناسخة لأحاديث النهي،