الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خارج المسجد، وكلها حالات ثابتة في السُنَّة الصحيحة (1)، وعمر رضي الله عنه مَرَّةً استسقى بالعباس، وَمَرَّةً أخرى اقتصر على الدعاء بطلب السُقْيَا، وَمَرَّةً ثالثة اكتفى بالاستغفار، لأنه مجلبة للغيث وعلى هذا فلا تعارض قَطُّ بين الروايات ولا سيما والرواية التي رَجَّحَهَا لا حصر فيها، وكتاب " المُغني " و " الشرح الكبير " الذي نقل عنه الرواية الثانية، قال مؤلفه بعد ذلك بصفحات ما نصه (2):«وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَسْقَى بِمَنْ ظَهَرَ صَلَاحُهُ؛ لأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى إجَابَةِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ عَمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الرَّمَادَةِ» ثم ذكر استسقاء معاوية بيزيد بن الأسود، والضحاك بن قيس به أيضاً وهكذا يَتَبَيَّن بنا أنَّ المؤلف «يدع ما يشاء ويأخذ ما يشاء» بحسب هواه وما يتراءى له كي يصل إلى ما يريد، من أَنَّ الاستسقاء بالعباس دَسِيسَةٌ من كعب (3) كي يفسد عقائد المسلمين.
2 -
ثم أي فساد في العقيدة بالاستسقاء بالعباس رضي الله عنه؟ إنَّ المسلمين قاطبة مجمعون على التَوَسُّلِ بالأحياء، ولم يقل أحد إنَّ التوسل بالأحياء يفسد العقيدة، وكيف خَفِيَ على المهاجرين والأنصار وفيهم عمر مخالفة الاستسقاء بالعباس للعقيدة حتى وقعوا فيما وقعوا فيه؟ وكيف خَفِيَ على فقهاء الأمَّة وَمُحَدِّثِيهَا أَنَّ حديث أنس مدسوس فحكموا عليه بالصحة واستدلوا به؟ إنَّ هذا مِمَّا لا يقضي منه العجب!!!.
طعنه في حديث الإسراء والمعراج:
في [ص 123] جعل مراجعة موسى لِنَبِيِّنَا محمد - عَلَيْهِمَا الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ -
(1) انظر " شرح النووي على مسلم ": 6/ 188، و " زاد المعاد ": 1/ 126، 127.
(2)
" المُغني " و " الشرح الكبير ": 2/ 295.
(3)
لو أنَّ كعباً كان أحد رُواة حديث أنس، أو كان أنس معروفاً بالأخذ عن أهل الكتاب لجاز عقلاً ما ذهب إليه المؤلف، اما الحديث لا يمت إلى كعب من قريب أو من بعيد فقد انسدَّتْ مسالك الاحتمال.
في حديث الإسراء والمعراج من الإسرائيليات، وجهل الذين يعتقدون صحة ذلك، واعتبرهم من حشوية آخر الزمان إلى آخر ما نضح به قلمه من نبز وسباب.
وللرد على هذا أقول لهذا المؤلف:
إنَّ الرمي بالقول على عواهنه من غير حُجَّة وبرهان لا يليق بالباحث المُنْصِف المُتَثَبِّت، وهل يقتضي ذكر موسى عليه السلام ومراجعته لِلْنَّبِيِّ عليه السلام ليلة المعراج كي يخفف الله سبحانه على أُمَّتِهِ الصلوات أَنْ يكون من الإسرائيليات؟ وعلى منطق المؤلف تكون كل الأحاديث التي ذكرت فضيلة لموسى أو لِنََبِِيٍّ من أنبياء بني إسرائيل من الإسرائيليات وأعتقد أنَّ هذا لا يقوله عاقل فضلاً عن باحث، وبحسب القارئ ما ذكرته في المقال السابق من موقف علماء الإسلام من أخبار بني إٍسرائيل، ولو أنَّ حديث الإسراء والمعراج كان مرويًا عن كعب الأحبار أو غيره من علماء بني إسرائيل لجاز في العقل أنْ يكون ذكر موسى عليه السلام من دَسِّهِمْ، أما والحديث مروي عن بضع وعشرين صحابياً ليس فيهم ولا فيمن أخذ عنهم أحد من مُسْلِمَةِ أهل الكتاب فقد أصبح الاحتمال بعيداً كل البعد إنْ لم يكن غير ممكن في منطق البحث الصحيح، وقد ذكر الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه " التنوير في مولد السراج المنير " الصحابة الذين رُوِيَ عنهم حديث الإسراء والمعراج فوصل بهم إلى خمسة وعشرين صحابياً، واعتبر الروايات الواردة فيه متواترة ونقل كلامه الحافظ الناقد ابن كثير في " تفسيره " ووصفه بالإفادة والجودة (1) فهل يجوز عند العقلاء أَنْ يكون لِلْدَسِّ مجال في هذا؟ وقد خرج حديث المعراج البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب الكتب المعتمدة من طرق متعددة، وقد استعرض هذه الروايات الإمام ابن كثير في " تفسيره " فليرجع إليه من يريد زيادة اليقين، وَلَمْ أَرَ - فيما أعلم - عن أحد من أهل العلم الموثوق بهم أنه ذكر
(1) انظر " تفسير ابن كثير " و " البغوي ": 5/ 143.