الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبَيَّنُوا مكانها من الصحة أو الحسن أو الضعف والاختلاق، وبحسبك أنْ تستعرض الكتب التي أُلِّفَتْ في الأحاديث الموضوعة، وستتبين صدق ما أقول، فهم لم يُقَصِّرُوا في خدمة السُنَّة وتزييف الزائف منها، ولكن المُتَأَخِّرِينَ هم الذين قصرت بهم الهِمَمَ عن العلم بما دونه، فمن ثم وقعوا في كثير من الأخطاء والأغلاط، قال في [ص 101]:«إنَّ وُضَّاعَ الحديث وضعوا أحاديث تسوغ لهم ما يضعون» ثم قال: «وأورد ابن حزم في " الأحكام " عن أبي هريرة مرفوعا قال: «إِذَا حَدَّثْتُمْ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُوَافِقُ الْحَقَّ فَخُذُوا بِهِ حَدَّثْتُ بِهِ أَوْ لَمْ أُحَدِّثْ»
وعنه أيضا: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا بَلَغكُمْ عَنِّي مِنْ َقْوٍل حَسَنٍ لَمْ أَقُلْهُ فَأَنَا قُلْتُهُ» ونحن لا نشك - ولا أي عاقل - في أنَّ هذين الحديثين وما على شاكلتهما - تناقضاً وتهافتاً - موضوعان، وأنَّ نظرة فاحصة إلى المتن لَتَدُلُّنَا على أنَّ هذا لا يصدر عن معصوم فضلا عن عاقل، فكيف يتأتى من أعقل العقلاء أنَّ ما لم يقله ما دام حسناً فقد قاله؟! بل كيف يأمر بالأخذ بحديث حَدَّثَ به أو لم يُحَدِّثُ؟ إنَّ هذا لعجب عُجاب!
طعنه في حديث حسن:
ولو أنَّ المؤلف اقتصر على ذكر الحديثين الموضوعين في الاستدلال لما قال، لما كان لنا عليه أية مؤاخذة ولا استقام كلامه، ولكن الذي أؤاخذه عليه أنْ يأتي في الهامش بعد ذكر الحديثين فيقول ما نصه:«يشبه هذين الحديثين حديث رواه أحمد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا سَمِعْتُمُ الْحَدِيثَ عَنِّي تُنْكِرُهُ قُلُوبُكُمْ وَتَنْفِرُ مِنْهُ أَشْعَارُكُمْ وَأَبْشَارُكُمْ وَتَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْكُمْ بَعِيدٌ فَأَنَا أَبْعَدُكُمْ مِنْهُ» قال السيد رشيد: إنَّ إسناده جَيِّدٌ.
فإذا كان السيد رشيد رحمه الله الذي يُعَوِّلُ عليه في كثير من نقوله ويعتبره من العلماء المُحَدِّثِينَ قال: إنَّ إسناده جَيِّدٌ، فكيف سَوَّغَتْ
له نفسه أنْ يلحقه بهذين الحديثين اللَّذَيْنِ لا شك في وضعهما ونكارتهما كما قال حفاظ الحديث ونُقاده، والعجيب أنَّ المؤلف يعتمد على كلام السيد محمد رشيد رضا في كثير مِمَّا ينقل، ويأخذه قضية مُسَلَّمَةً، أما هنا فقد خالفه ولم يأخذ بكلامه وصدف عن الحق إلى الباطل، والذي يظهر لي أنَّ المؤلف رجل هوى ومزاج، فما وافق هواه أخذ به أو أخذ منه، وما لم يوافق هواه طرحه دبر أذنيه، ولعل السيد رشيد رحمه الله اعتمد في الحُكْم على الحديث بالجودة على ما قاله الحافظ ابن كثير في " تفسيره " (1) عقب ذكره: رواه أحمد بإسناد جَيِّدٍ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب، والحق أنْ لا شَبَهَ بين الحديثين وهذا الحديث، لا في الثبوت ولا في المعنى، فهذان موضوعان وهذا حسن وهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد قريب في المعنى من حديث:«اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ»
فهو يشير إلى الاطمئنان القلبي أو عدم الاطمئنان عند سماع حديث من الأحاديث، وهذا الوجدان القلبي إنما يحصل للمسلم الذي عمر قلبه بالإيمان، واستضاء بهدي الشريعة، ومعرفة قواعدها، والذي يزاول السُنَّة، ويتعاهدها قراءة ودرساً حتى تصير عنده مَلَكَةٌ يُمَيِّزُ بها بين ما يكون من كلام النَّبِي وما ليس كلامه، وإلى هذه الملكة أشار الربيع بن خثيم حيث قال:«إِنَّ لِلْحَدِيثِ ضَوْءًا كَضَوْءِ النَّهَارِ تَعْرِفُهُ، وَظُلْمَةً كَظُلْمَةِ اللَّيْلِ تُنْكِرُهُ» وقال ابن الجوزي: «الحَدِيثُ الْمُنْكَرُ يَقْشَعِرُّ لَهُ جَلْدُ الطَّالِبِ لِلْعِلْمِ، وَيَنْفِرُ مِنْهُ قَلْبُهُ فِي الْغَالِبِ» وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أنَّ الحديث ثابت رواية وصحيح رواية ومعنى.
وقد ذكر المؤلف من [ص 105 - 107] عن كتاب " قواعد التحديث " للعلَاّمة القاسمي نقولاً كثيرة عن بعض الأئمة كابن تيمية وابن القيم وابن دقيق العيد وابن عروة الحنبلي، وكلها تدور حول الحديث عن الوجدان
(1) 3/ 569.