الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى المدينة، وَتَحَمَّلَ في سبيل الإسلام، ومجاورته للرسول بالمدينة من شظف العيش، وغربة الأهل والدار، قال الحافظ ابن حجر في " الإصابة ":«وَكَانَ إِسْلَامَهُ بَيْنَ الحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ، قَدِمَ المَدِينَةَ مُهَاجِرًا، وَسَكَنَ الصُّفَّةِ، مَعَ أَنَّ الهِجْرَةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً قَبْلِ الفَتْحِ إِلَاّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ، أَمَّا مَا عَدَا مَكَّةَ فَلَا» .
وكذا قوله: ولا من المجاهدين بأموالهم أو بأنفسهم، أما بالأموال فقد كان مُعْدَمًا، وأما بالنفس فقد حضر مع النَّبِيِّ خيبر، كما ذكره الإمام ابن عبد البر، وحضر معه المغازي بعد ذلك، كما حَدَّثَ هو عن نفسه ورواه ابن سعد.
وكذا قوله: ولا من المفتين، ولا من القُرَّاءِ الذين حفظوا القرآن، وبحسبنا في الرَدِّ على ذلك ما ذكرته آنِفًا من أنه كان من أهل الفتوى، وَمِمَّنْ عُرِفَ بإقراء القرآن.
زَعْمُهُ تَشَيُّعَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِبَنِي أُمَيَّةَ:
ذكر في [ص 185]«تشيع أبي هريرة لبني أمية» وقد ذكر تحت هذا العنوان أنه كان مُعْدَمًا، ورماه بكلمات نابية يتعفف القلم عن أن يخطها، وأنه لما شبت الحرب بين عَلِيٍّ ومعاوية انحاز إلى الناحية التي يميل إليها طبعه وهي ناحية معاوية ليشبع نهمه من ألوان موائده الشهية، وذكر أنه لم يثر إِلَاّ بعد أن صانع بني أمية وتزلف إليهم وأغدقوا عليه العطاء، وأن ولاة بني أمية على المدينة كانوا ينيبونه عنهم إذا ما غابوا عنها، ولقد أسف في هذا الفصل إسفافًا لا يليق برجل ذي دين وخلق فضلاً عن مسلم.
وَقَدْ قَدَّمْتُُ الرَدِّ على بعض هذه الفرى، وأزيد هنا فأقول:
1 -
أبو هريرة لم يكن مُتَشَيِّعًا لبني أمية يَوْمًا مَا، وإنَّ ثراءه كان قبل بني أمية بزمن طويل، وقصة محاسبة عمر له على أمواله أكبر شاهد
على ذلك وقد عرض لها المؤلف [ص 192] وإن كان حَرَّفَهَا وَبَدَّلَهَا، والروايات الصحيحة تدل على أن أبا هريرة كان معارضًا لبني أمية، وَمُنَدِّدًا بِوُلَاّتِهِمْ السُّفَهَاءِ روى الإمام البخاري في " صحيحه " عن عمرو بن يحيى بن سعيد، قال: أخبرني جَدِّي قال: «كنت جالسا مع أبي هريرة في مسجد النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان فقال أبو هريرة: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ» وفي رواية: «غِلْمَةٍ سُفَهَاء» . فقال أبو هريرة: «لَوْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ بَنِي فُلَانٍ، وَ [بَنِي] فُلَانٍ لَفَعَلْتُ» .
وكان ذلك كما قال الحافظ في " الفتح " في زمن معاوية، فهل يصح في المعقول أن من يقول: هذا يكون مُتَشَيِّعًا لبني أمية؟؟
2 -
وأصرح من ذلك في الدلالة على شجاعته وجرأته في الحق وتنديده ببني أمية ما رواه ابْنُ أَبِي شَيْبَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَفَعَهُ:
«أَعُوذ بِاَللَّهِ مِنْ إِمَارَة الصِّبْيَان، قَالُوا وَمَا إِمَارَة الصِّبْيَان؟ قَالَ: إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ هَلَكْتُمْ - أَيْ فِي دِينكُمْ - وَإِنْ عَصَيْتُمُوهُمْ أَهْلَكُوكُمْ .. أَيْ فِي دُنْيَاكُمْ بِإِزْهَاقِ النَّفْس أَوْ بِإِذْهَابِ الْمَال أَوْ بِهِمَا» بل روى ابْنُ أَبِي شَيْبَة أيضًا: «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يَمْشِي فِي السُّوق وَيَقُول: اللَّهُمَّ لَا تُدْرِكنِي سَنَةَ سِتِّينَ وَلَا إِمَارَةَ الصِّبْيَان» يريد يزيد بن معاوية فقد تولى سَنَةَ ستين ونحن نعلم ما فعله معاوية كي يجعل ولاية العهد لابنه، فهل يعقل أن يكون من يقول هذا القول متشيعًا لبني أمية ولا سيما معاوية؟؟ وإذا كان مروان أو غيره كانوا ينيبونه في غيبتهم، فليس ذلك لتملقه أو تشيعه لهم وإنما ذلك كان لفضله ومنزلته، وليس أدل على هذا من القصة التي رواها ابن سعد (1) بسنده عن الوليد بن رباح قال: سمعت أبا هريرة يقول لمروان: «وَاللَّهِ مَا أَنْتَ بوالٍ، وَإِنَّ الوَالِيَ لَغَيْرُكَ فَدَعْهُ - يعني حين أرادوا أن يدفنوا الحسن مع جده رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنَّكَ تَدَخَّلُ فِيمَا لَا يَعْنِيكَ، إِنَّمَا تُرِيدُ بِهَذَا إِرْضَاءَ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْكَ» - يَعْنِي مُعَاوِيَةَ -
فأقبل عليه مروان مغضبًا فقال: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ قَالُوا: إِنَّك أَكْثَرْتَ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صَلََّى
(1)" البداية والنهاية ": 8/ 108، و" الإصابة ": 4، ترجمة أبي هريرة.