الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا إلى مخالفته للقرآن كما أسلفنا، وَلِلْسُنَّةِ المَشْهُورَةِ، ففي " الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِه وَحَلَّقَ بِأُصْبُعَيْهِ الإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا» . وإذا كان الحديث غير ثابت فقد انهار الأساس الذي بنى عليه مزاعمه.
طَعْنُهُ فِي حَدِيثٍ فِي " الصَّحِيحَيْنِ
":
قال في [ص 174] وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ» .
وهذا الكلام قد جاء في " الإصحاح الأول " من التوراة - العهد القديم - ونصه هناك: وخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه.
وذكر في الحاشية أن من روايات هذا الحديث: وطوله - أي آدم - ستون ذراعًا، وفي رواية على صورة الرحمن، وقد انتقد هذا الحديث من ابن حجر في " الفتح " فقال: «ويشكل على هذا - من الآن (1) الآثار للأمم السابقة كديار عاد وثمود، فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة في الطول على حسب ما يقتضيه هذا الترتيب الذي ذكره أبو هريرة.
والجواب:
أن الحديث مروي في " الصحيحين " وغيرهما من كُتُبِ السُنَّةِ المعتمدة، ولا يضير أبا هريرة أن يكون ما رواه من الحديث موافقًا لما في التوراة، فالكل من عند الله ووحيه، وَالقُرْآنُ وَالسُنَّةُ الصَّحِيحَةُ هما المهيمنان والشاهدان على الكتب السابقة، فما جاء في القرآن مُصَدِّقًا لما في التوراة والإنجيل فهو حق ولم يدخله تحريف ولا تبديل قال الله تعالى في سورة المائدة - بعد ما ذكر التوراة والإنجيل وتصديق الإنجيل لما
(1) الذي في " الفتح ": «وَيَشْكُل عَلَى هَذَا مَا يُوجَد الآن مِنْ آثَار
…
» ولكن المؤلف يخطف في نقله من غير تَثَبُّتٍ كما يخطف في تفكيره من غير وعي.
فالحديث صحيح من جهة سنده ومن جهة متنه ومعناه، سواء أكان الضمير في صورته راجعًا لآدم أو راجعًا لله عز وجل كما في الرواية الأخرى:«خَلَقَ اللهُ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ» فإن كان الضمير لآدم - وهو الراجح الذي ينبغي أن يصار إليه على مقتضى القواعد العربية - فالأمر ظاهر، ويكون المعنى إن الله أوجده على هذه الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالاً ولا تردد في الأرحام أطوارًا كذريته بل خلقه رجلاً كاملاً سَوِيًّا من أول ما نفخ فيه الروح، وفي هذا أبلغ الرَدِّ على الطبيعين والماديين، وإن قلنا إن الضمير يعود على البارئ - جَلَّ وَعَلَا - فالكلام في هذا معروف مشهور، فمذهب السلف الإيمان به كما ورد، وإمراره من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف مع تفويض علم معرفة الحقيقة إلى الله، ومذهب الخلف تأويله بما يتفق هو واللغة والشرع والعقل، والتأويل في مثل هذا سهل وقريب: أي على صفته من الحياة والعلم والسمع والبصر ونحوها.
وما استشكله الحافظ ونقله أَبُو رَيَّةَ ليشكك القارئ في الحديث فلا إشكال فيه والحمد لله، فعمر الدنيا لا يقدر ببضع آلاف السنين ولا بعشرات الآلاف وإنما يقدر بملايين السنين، وإلى هذا ذهب الباحثون في علوم طبقات الأرض والأجناس والحيوان والطيور، فليس ببعيد أن يتناقص خلق ذرِيَّةَ آدم في هذه الآباد الطويلة حتى وصل إلى ما نحن عليه الآن، وإذا كان الحافظ قد استشكل ذلك في عصره فلا محل اليوم للاستشكال بعد تقدم العلوم والمعارف، ويظهر لي أن الحافظ كان متأثرًا في مقالته هذه بما يزعمه أهل الكتاب عن عمر الدنيا وأنه سبعة آلاف سَنَةٍ وهو باطل ولا شك، وقد تبين له فيما بعد أن لا استشكال وأن عُمْرُ الدنيا أكثر
(1)[سورة المائدة، الآية: 48].