الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغمزهم ولمزهم ورميهم بالجمود لن يُقَلِّلَ من أقدارهم ولن ترفع من شأنه، بل هي عند الباحثين والعَالِمِينَ مِمَّا يزري بالنقد ويلحقه بالشتيمة والسباب، وإنَّ ما وضعه المُحَدِّثُونَ من قواعد لنقد الراوي والمروي هي أدق وأرقى ما وصل إليه علم النقد في القديم والحديث، والمُتَأَخِّرُونَ لم يأتوا في ذلك بأمر جديد ذي خطر، اللَّهُمَّ إِلَاّ في الاستفادة بما جَدَّ من المعارف النفسية والتوسُّع في التطبيق، ولو أنصف المؤلف لعقد مقارنة بين قواعد المُحَدِّثِينَ وقواعد غيرهم مِمَّنْ يرتضيهم، ثم خلص من ذلك إلى نتيجة صادقة، أمَّا وقد رمى بها قولة مُجْمَلَة من غير بُرهان فبحسبنا في الرَدِّ عليه هذا الإجمال، وعندما أتعرَّض لمَبْحَثَيْ العدالة والضبط سأفصل فيهما القول، كي يتَّضح أنَّ قواعد المُحَدِّثِينَ ليست جامدة ولا قاصرة.
عِنَايَةُ المُحَدِّثِينَ بِنَقْدِ السَّنَدِ وَالمَتْنِ:
لا أدري كيف سَوَّلَتْ للمؤلف نفسه أنْ يزعم أنَّ المُحَدِّثِينَ حصروا عنايتهم في السند دون المتن الخ؟! وكيف يتَّفق هذا وما ذهبوا إليه من الحُكْمِ على متن الحديث بالشذوذ والنكارة والاضطراب والتعليل والوضع والاختلاق، وما وضعوه من أمارات يُسْتَدَلُّ بها على الحديث بالوضع؟ لقد جعلوا من إمارات الموضوع ركاكة اللفظ بحيث يشهد الخبير بالعربية أنَّ هذا لن يصدر من فصيح فضلاً عن أفصح الفصحاء، وركاكة المعنى كَأَنْ يكون مشتملاً على مُحَالٍ، واشتمال الحديث على مجازفات ومبالغات لا تصدر من عاقل حكيم، والمخالفة لِلْحِسِّ والمشاهدة، والمخالفة لصريح القرآن أو السُنَّة المتواترة أو المُسَلَّمَةِ أو الإجماع مع تَعَذُّرِ التأويل المقبول في كل ذلك، أو يتضمن الحديث أمراً مُسْتَحْدَثاً لم يوجد في العهد النبوي أو إلى غير ذلك مِمَّا أفاضت فيه كتب تاريخ الوضع في الحديث (1) قال الربيع بن
(1) لقد ذكرت في كتابي " الوضع في الحديث " من أمارات الوضع أربع عشرة أمارة وجُلُّها مِمَّا يرجع إلى المتن، وسيطبع إن شاء الله.
خثيم: «إنَّ للحديث ضوءاً كضوء النهار يعرفه، وظلمة كظلمة الليل تنكره» وقال الإمام ابن الجوزي: «ما أحسن قول القائل كل حديث رأيتَهُ تخالفه العقول وتناقضه الأصول وتباينه النقول فاعلم أنه موضوع» وللمُحَقِّقِ ابن القيم في ذلك كلام قَيِّمٌ نقله علي القاري في " موضوعاته "، ومن عجيب أمر المؤلف أنه ذكر نحواً من ذلك ص 104، 105 من كتابه، ولا ندري كيف يَتَّفِقُ قوله أو لا هو وما ذكره عن المحققين آخراً؟!
ولكي تزداد يقيناً في هذا أسوق لك بعض نُقُودِ المُحَدِّثِينَ للمتون، وستتأكد أنَّ دعوى حصر العناية بالنقد في السند دون المتن دعوى مردودة.
قال ابن الجوزي في الحديث الموضوع: «شكوت إلى جبريل رمد عيني فقال لي: انظر في المصحف» . قال ابن الجوزي: وأين كان في العهد النبوي مصحف حتى ينظر فيه؟.
وقال الحافظ بن حجر في تزييف الحديث الموضوع: «أتاني جبريل بسفرجلة فأكلتها ليلة أُسْرِيَ بي فعلقت خديجة بفاطمة» . قال الحافظ: الوضع عليه ظاهر، فإنَّ فاطمة ولدت قبل الإسراء بالإجماع.
وقال ابن القيم في نقد الحديث الموضوع: «إذا عطس الرجل عند الحديث فهو صدق» قال: هذا، وإنْ صَحَّحَ بعض الناس سنده فالحِسُّ يشهد بوضعه، لأنَّا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله، ولو عطس ألف رجل عند ذكر حديث يُرْوَى عن النَّبِي لم يحكم بِصَحَّتِهِ بالعطاس.
فانظر إلى أَيِّ مبلغ اعتماد أئمة الحديث على نقد المتن حتى وإنْ كان السند غير وَاهٍ ساقط أو ضعيف.
ومثل حديث وضع الجزية على أهل خيبر الذي قرنه واضعه بشهادة سعد بن معاذ، فقد قالوا في نقده: إنَّ سعد بن معاذ توفي قبل ذلك في غزوة الخندق، وأيضاً الجزية لم تكن نزلت ولا يعرفها الصحابة ولا العرب، وإنما نزلت بعد عام تبوك وفيه أنه وضع عنهم الكلفة (السخرة) مع