الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا».
وأما ما نقله عن " تاريخ ابن عساكر " من مقالة بعض العلماء فلا أدري ولا غيري يدري ما الحامل له على ذكره؟ ورواية أبي هريرة ليس فيها ما يُشْتَمُّ منه أن النَّبِيَّ كتم شيئًا عن جميع الصحابة، ولا اِدَّعَى أبو هريرة ذلك، وإنما هو من تجنيات أَبِي رَيَّةَ.
زَعْمُهُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يُذْكَرْ فِي طَبَقَاتِ الصَّحَابَةِ وَلَيْسَتْ لَهُ فَضِيلَةٌ وَلَا مَنْقَبَةٌ:
في [ص 184] قال: «ومن هو أبو هريرة حتى يؤثره النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بشيء يخصه به، ويكتمه ويخفيه من أصفيائه وأحبابه وأقرب الناس إليه، إنه لم يكن له أي فضل يدنو به إلى النَّبِيِّ، ولا عُدَّ بعد انتقال الرسول إلى الرفيق الأعلى من أية طبقة من طبقات الصحابة، فلا هو من السابقين الأولين، ولا من المهاجرين ولا من الأنصار، ولا من المجاهدين بأموالهم وأنفسهم، ولا من النقباء، ولا من العرفاء، ولا من الكملة في الجاهلية وأول الإسلام، ولا من شعراء النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذين نافحوا عنه، ولا من المفتين، ولا من القُرَّاءِ الذين حفظوا القرآن، ولا جاء في فضله حديث عن الرسول، وكل ما عرف عنه أنه كان عريف أهل الصفة لا أكثر ولا أقل.
ثم زاد الجهل جهلاً فجاء في الحاشية [ص 184] فذكر: أنهم قسموا الصحابة من حيث فضلهم إلى اثتني عشرة درجة ثم ذكرها
…
وقد مَثَّلَ الحاكم لكل طبقة ببعض الصحابة ولم يذكر أبا هريرة فيمن مَثَّلَ بهم. وقال في حاشية [ص 185]: روى البخاري وغيره أحاديث كثيرة في فضائل طائفة كبيرة من أجلاء الصحابة لم نر بينهم أبا هريرة.
وفي الحق أنَّ المؤلف لم يغرق في الجهل مثل ما أغرق في هذه الفقرات
وإليك مفصل الحق فيما ذكره: أما ما زعمه من أنه لم يعد في أي طبقة من طبقات الصحابة فمردود، ولو كان على شيء من العلم والفهم لعلم أنه مِمَّنْ هاجر بين الحديبية والفتح، إذ الثابت أنه قدم على النَّبِيِّ مهاجرًا من بلده سَنَةَ سَبْعٍ، والحاكم حينما قسم الصحابة إلى اثتني عشرة طبقة إنما قصد التقسيم الكلي، ولم يقصد سرد أسماء كل طبقة ولا استيعابهم، لأن هذا أمر يطول، وكان على المؤلف - وهو الذي يزعم أنه طوف في مئات الكتب - أن يعرف أنه في الطبقات التي دللناه عليها.
وأما ما زعمه من أنه لم يكن له أي فضل يدنو به إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فغير صحيح، فبحسبه فضلاً أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنه لازمه ما يزيد عن ثلاث سنين، وأن النَّبِيَّ دَعَا لَهُ وَلأُمِّهِ أَنْ يُحَبِّبْهُمَا إِلَى عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ، وَيُحَبِّبَ إِلَيْهِمَا المُؤْمِنِينَ، وأنه عريف أهل الصُفَّةِ وهم أضياف الإسلام وأحباب الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه دعا فَأَمَّنَ النَّبِيُّ على دعائه، وكذلك ما زعمه من أنه لَمْ يَرِدْ في فضله حديث فمردود أيضًا، فقد ذكره الإمام مسلم في الصحابة الذين لهم فضائل، وعقد له الإمام النووي بَابًا (1)، وذكر له الإمام الحاكم في " مستدركه " جملة صالحة من مناقبه استغرقت بضع صحائف (2)، والإمام البخاري وإن لم يعقد له ترجمة خاصة لكن ذكر فضائله ضمن أبواب كتابه (3).
ولعلك على ذكر مِمَّا نقلناه من كلام الحافظ ابن حجر في " الفتح " من عد ما ثبت من مناقبه
وأما قوله: ولا من المهاجرين، فغير صحيح، فقد هاجر من بلده
(1)" مسلم بشرح النووي ": 16/ 52، 53.
(2)
" مستدرك الحاكم ": 3/ 506 - 514.
(3)
" صحيح مسلم "، «كتاب العلم» ، باب الحرص على الحديث، وباب حفظ العلم.