الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أََوْ لَمْ يَحْضُرْ مَعَهُ مَشْهَدًا، وَعَلَى مَنْ كلَّمَهُ يَسيرًا، أََوْ مَاشَاهُ قَليلاً، أَو رآهُ على بُعْدٍ، أََوْ فِي حَالِِ الطُّفولةِ، وَإِِنْ كَانَ شرفُ الصُّحْبةِ حَاصِلاً للجَميعِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مِنْهُمْ سَمَاعٌ منهُ؛ فَحَدِيثُهُ مُرْسَلٌ مِنْ حَيْثُُ الرِّوايةُ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَعْدُودُونَ فِي الصَّحَابَةِ، لِمَا نَالُوهُ مِن شرفِ [الرُّؤيةِ]» (1).
ويشير إلى هذا المعنى قول الله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (2).
عَدَالَةُ الصَّحَابَةِ:
والصحابة كلهم عدول عند جمهور العلماء من المُحَدِّثِينَ والفقهاء والأصوليين، ومعنى عدالتهم: أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لما اتصفوا به من قوة الإيمان والتزام التقوى والمروءة وَسُمُوِّ الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي أو من السهو أو الغلط فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم، ولم يخالف في عدالتهم إِلَاّ شذاذ من المبتدعة وأهل الأهواء، لا يعتد بأقوالهم وآرائهم لعدم استنادها إلى برهان ولا يتسع المقام الآن لذكر آرائهم ومناقشتها، وبحسبنا هذا الإجمال والإيجاز في هذا المقام.
وعدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله سبحانه لهم وإخباره عن طهارتهم وأنهم خير الأمم وأوسطها وأزكاها وأتقاها، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (3) الآية، والوسط هم الخيار العدول، إذ الوسط من كل شيء خياره وأعدله، وقال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (4) وليس من شك في أَنَّ الخطاب في الآيتين يدخل فيه الصحابة دخولاً أوليًا، وقال تعالى:{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (5) وقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
(1)" شرح النخبة ": ص 37.
(2)
[سورة الحديد، الآية: 10].
(3)
[سورة البقرة، الآية: 143].
(4)
[سورة آل عمران، الآية: 110].
(5)
[سورة التوبة، الآية: 100].
إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (1) الآية، وقال:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (2)، إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تزكيهم وتشيد بفضلهم ومآثرهم وصدق إيمانهم وإخلاصهم وسمو أخلاقهم، وأي تزكية بعد تزكية الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء؟ ومن أصدق من الله قِيلاً؟ وأيضا فقد نَوَّهَ بعدالتهم نبينا محمد - صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - ودعا إلى معرفة حقوقهم وإكرامهم، وعدم إيذائهم والتهجم عليهم لما لهم من الأفضال، ففي " الصحيحين " مرفوعًا:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» . وقد تواتر عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم في " الصحيحين " وغيرهما من كتب السُنَّة المعتمدة أنه قال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ، الحديث. وروى الترمذي وابن حبان في " صحيحه " أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال:«اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ» .
وروى البزار في " مسنده " بسند رجاله موثقون أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ أَصْحَابِي عَلَى الثَّقَلَيْنِ سِوَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ» . والواقع التاريخي يؤيد هذا الحديث كل التأييد، وإنما يعلم ذلك حق العلم من اطلع على تاريخ الصحابة وسيرهم، وما كانوا عليه من العلم والعمل والتقوى وطهارة الأخلاق والترفع عن الأهواء والشهوات، وقد كان كبار الصحابة ولا سيما الخلفاء الراشدون يعرفون هذا الفضل لكل صحابي، وَإِنْ لم يكن له من الصحبة إِلَاّ الرؤية
…
وقد روي أنه جيء للفاروق عمر رضي الله عنه برجل بدوي هجا الأنصار فقال لهم: «لولا أن له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أدري
(1)[سورة الفتح، الآية: 18].
(2)
[سورة الفتح، الآية: 29].
ما نال فيها لكفيتكموه ولكن له صحبة منه» فها هو ذا عمر على صرامته في الحق قد توقف عن معاتبته، فضلاً عن معاقبته لكونه علم أنه حظى بشرف الصُحْبَةِ.
على أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مِمَّا ذكرنا لأوجبت الحال التي كانوا عليها - من الهجرة وترك الأهل والمال والولد والجهاد ونصرة الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأبناء في سبيل الله - القطع بتعديلهم واعتقاد نزاهتهم وأمانتهم، وأنهم كانوا أفضل من كل من جاء بعدهم. وقد عرف أئمة الإسلام كل هذا للصحابة، روى الحافظ أحمد البيهقي أَنَّ الإمام الشافعي - وهو من هو دينًا وعقلاً وعلمًا وألمعية - ذكر الصحابة في رسالته القديمة وأثنى عليهم بما هم أهله ثم قال:«وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من آرائنا عندنا لأنفسنا» (1) وقال الإمام أبو زرعة الرازي: «إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَنْتَقِصُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاعْلَمْ أَنَّهُ زِنْدِيقٌ ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ ، وَالْقُرْآنَ حَقٌّ ، وَمَا جَاءَ بِهِ حَقٌّ، وَإِنَّمَا أَدَّى ذَلِكَ كُلَّهُ إِلَيْنَا الصَحَابَةُ، وَهَؤُلَاءِ - يُرِيدُ الزَّنَادِقَةَ وَأَشْبَاهَهُمْ - يُرِيدُونَ أَنْ يُجَرِّحُوا شُهُودَنَا لِيُبْطِلُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ ، وَالْجَرْحُ بِهِمْ أَوْلَى، وَهُمْ زَنَادِقَةٌ» وما أحكمها من كلمة ألقى بها الله سبحانه على لسان أبي زرعة رحمه الله، ولا يدخلن الشك إلى نفسك ما رُوِيَ من مراجعة الخليفتين أبي بكر وعمر لبعض الصحابة في بعض مروياتهم وطلبهم شاهدًا ثانيًا، ومراجعة بعض الصحابة لبعض في القليل النادر، فذلك ليس لتهمة ولا تجريح، وإنما هو أمر لزيادة اليقين والتثبت، وقد وضع الخليفتان الراشدان بهذا التحوط البالغ والتثبت المحمود المنهج السليم في التثبت في الرواية، وليس أَدَلَّ على هذا من قول عمر رضي الله عنه لأبي موسى الأشعري وقد طلب منه أَنْ يأتي بمن يشهد معه أنه سمع ما رواه
(1)" مقدمة ابن الصلاح ": ص 263.