الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم ساق كلام الإمام «الشاطبي» في " الاعتصام " وليس في كلام الشاطبي ما يشهد للتفرقة بين السُنَّة القولية والعمليَّة بل دَلَّ كلام الشاطبي على أنَّ المراد بالسُنَّة القول والفعل والتقرير.
ثم نقل عن السيد «رشيد رضا» قوله: «والعُمدة في الدين كتاب الله تعالى في المرتبة الأولى والسُنَّة العمليَّة المتفق عليها في المرتبة الثانية وما ثبت عن النَّبِي وأحاديث الآحاد فيها رواية ودلالة في الدرجة الثالثة، ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلماً ناجياً في الآخرة مُقَرَّباً عند الله تعالى، وقد قرر ذلك الغزالي» .
فها أنت ترى أنَّ ما نقله ليس فيه ما يشهد لما اضطرب فيه من كلامه، والذي عليه المُحَقِّقُونَ أنَّ السُنَّة قولاً وعملاً وتقريراً هي الأصل الثاني والأصل الأول هو الكتاب.
على أنَّ ما ذكره السيد رشيد وجعله في المرتبة الثانية هو السُنَّة العمليَّة المتفق عليها لا مطلق سُنَّةٍ عَمَلِيَّةٍ، ومثل هذا كان في حاجة إلى تحرير، لا أنْ يدع القارئ في مهمة من الشك والاضطراب.
تَجَنِّي المُؤَلِّفِ عَلَى سَيِّدِنَا عُمَرَ وَأَنَّهُ حَبَسَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ رِوَايَةِ الحَدِيثِ:
في [ص 29] تحت عنوان «الصحابة ورواية الحديث» قال: «وفي رواية ابن حزم في " الأحكام " أنه حبس ابن مسعود وأبا موسى وأبا الدَرْدَاءَ في المدينة على الأكثار من الحديث» .
وقد تَجَنَّى المؤلف على الحقيقة وابن حزم ما تَجَنَّى! فقد أوهم القارئَ أنَّ ابن حزم رَوَاهُ، وليس من روايته قطعاً، وإنما ذكره في كتابه وَفَرْقٌ بين الذكر والرواية كما يعلم ذلك المبتدئون في علم الحديث، وَأَوْهَمَ القَارِئَ أيضاً أنه ارتضاه، وابن حزم بريء منه، وإنما زيفه وبَيَّنَ بُطلانه.
وإليك ما ذكره ابن حزم في " الأحكام ": «وَرُوِيَ عن عمر أنه حبس ابن مسعود من أجل الحديث عن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وأبا الدَرْدَاءَ وأبا ذَرٍّ» فقد ذكره بصيغة «رُوِيَ» الدالة على التضعيف، ولو كان من روايته لقال: وروينا، وقد طعن ابن حزم في الرواية بالانقطاع لأنَّ إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف راويه عن عمر لم يسمع منه، والمنقطع من قَبِيلِ الضعيف لا يُحْتَجُّ به لجواز أنْ يكون البلاء في الرواية من المحذوف وأنه هو الذي اختلقها، ثم قال ابن حزم (1):«إنه - أي الخبر - في نفسه ظاهر الكذب والتوليد، لأنه لا يخلو عمر من أنْ يكون اتَّهَمَ الصحابة وفي هذا ما فيه، أو يكون نهى عن نفس الحديث وعن تبليغ السُنن وألزمهم كتمانها وجحدها، وهذا خروج عن الإسلام، وقد أعاذ الله أمير المؤمنين من كل ذلك، وهذا قول لا يقوله مسلم أصلاً، ولئن كان حَبَسَهُمْ وهم غير مُتَّهَمِينَ لقد ظلمهم، فليختر المحتج لمذهبه الفاسد بمثل هذه الروايات المطعونة أي الطريقتين الخبيثتين» .
هذا ما قاله ابن حزم، فهل بعد هذا يزعم المؤلف لنفسه الأمانة في النقل؟! ولو أنَّ القارئ المتثبت تشكك فيما ينقله هذا الرجل عن العلماء ألَا يكون معذورا؟؟.
ومن دواعي تزييف الرواية: أنَّ ابن مسعود كان يَتَّبِعُ مذهبَ عمر وطريقته، وكان يقول: لو سلك الناس وادياً وشعباً وسلك عمر وادياً وشعباً لسلكتُ وادي عمر وشعبه، وقد أرسله عمر إلى الكوفة لِيُعَلِّمَ أهلها، وقال لهم:«لَقَدْ آثَرْتُكُمْ بِعَبْدِ الله عَلَى نَفْسِي» ، فكيف يعقل أنْ يخالف عُمَرَ في التقليل من الرواية؟ وكيف يعقل من عمر أنْ يحبسه؟؟.
ثم كيف غفل المؤلف عن هذا النقد للمتن، وهو الذي أنحى على المُحَدِّثِينَ باللائمة لأنهم أغفلوا جميعاً نقد المتن، وأنه هو الذي جاء
(1)" الأحكام ": 2/ 139.