المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي - دولة الإسلام في الأندلس - جـ ٤

[محمد عبد الله عنان]

فهرس الكتاب

- ‌القسْم الثانىعصْر الموحِّدينوانهيار الأندلسْ الكبرى

- ‌تصدير

- ‌الفصل الأولعصر الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن

- ‌الفصل الثاني حوادث الأندلس وسقوط مملكة الشرق

- ‌الفصل الثالث حركة الجهاد بالأندلس والإخفاق في غزوة وبذة

- ‌الفصل الرابع أحداث الأندلس والمغرب

- ‌الفصل الخامس غزوة شنترين

- ‌الكِتابُ السابع عصْر الخليفة يعقوبْ المنصُور حَتى مَوقعَة العِقابْ

- ‌الفصل الأوّل عصر الخليفة يعقوب المنصور وبداية ثورة بني غانية

- ‌الفصل الثاني حوادث الأندلس وإفريقية

- ‌الفصل الثالث موقعة الأرك

- ‌الفصل الرابع ما بعد الأرك

- ‌الفصل الخامِسُ عصر الخليفة محمد الناصر

- ‌الفصل السادس موقعة العقاب

- ‌الكِتاب الثامِنْ الدولة الموحديّة في طريق الانحلال والتفكك

- ‌الفصل الأول عصر الخليفة يوسف المستنصر بالله

- ‌الفصل الثاني أبو محمد عبد الواحد والعادل وثورة البياسى بالأندلس

- ‌الفصل الثالث عصر الخليفة أبي العلي المأمونإلغاء رسوم المهدي ابن تومرت وقيام الدولة الحفصية بإفريقية

- ‌الكِتاب التاسِع انهيار الأندلس وسقوط قواعدها الكبرى

- ‌الفصل الأول الثورة في مرسية وبلنسية ونذر الانهيار الأولى

- ‌الفصل الثاني ابن هود وابن الأحمر وسقوط قرطبة

- ‌الفصل الثالث سقوط بلنسية وقواعد الشرق

- ‌الفصل الرابع سقوط إشبيلية وقواعد الغرب

- ‌الكتاب العاشر نهاية الدولة الموحديّة

- ‌الفصل الأول عصر الخليفة أبي محمد عبد الواحد الرشيد

- ‌الفصل الثاني عصر الخليفة أبي الحسن على السعيد

- ‌الفصل الثالث عصر الخليفة المرتضى لأمر الله

- ‌الفصل الرابع نهاية الدولة الموحدية وعوامل تفككها وسقوطها

- ‌الكتاب الحادي عشر الممالك الإسبانية النصرانية خلال العصْر الموحّدى

- ‌الفصل الأول قشتالة وليون

- ‌الفصل الثاني أراجون ونافارا والبرتغال

- ‌الكتاب الثاني عشر نظم الدولة الموحديّة وخواص العصْر الموحدي

- ‌الفصل الأول الحكومة الموحدية بالمغرب والأندلس

- ‌الفصل الثاني الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

- ‌الفصل الثالث الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

- ‌الفصل الرابع الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

الفصل: ‌الفصل الثاني الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

‌الفصل الثاني الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

القسم الأول

الدولة المرابطية دولة دينية عسكرية. الحركة الفكرية في ظلها امتداد لها في عصر الطوائف. إزدهار الحركة الفكرية خلال العصر الموحدي. المهدي ابن تومرت وسمته العلمية. الخلفاء الموحدون العلماء. رعايتهم للعلماء والحركة العلمية. الخلافة الموحدية وإطلاقها لحرية البحث. دور الأندلس في إذكاء الحركة الفكرية في الغرب الإسلامي. تقاطر علماء الأندلس على العدوة. أثر ذلك في تقدم الحركة الفكرية بالمغرب. إزدهار الحركة الفكرية خلال العصر الموحدي. تماوج الحركة الفكرية الأندلسية من جراء سقوط القواعد الاندلسية. نزوح علماء الشرق إلى إفريقية. إتجاه الحركة الفكرية خلال عصر الانهيار إلى العلوم الدينية. إزدهار العلوم الدينية والآداب حتى خلال عصر الانهيار. ضعف الحركة العلمية. كثرة علماء الدين والفقه والأدب بالأندلس خلال العصر الموحدي. الفقهاء والمحدثون وعلماء الدين الذين ظهروا في أوائل هذا العصر. نماذج من أعلامهم. أبو عبد الله بن الفرس. ابن الجد الفهرى. أبو عبد الله بن الفجار. ابن ذي النون الحجرى. ابن أبي جمرة. ابن أبي زمنين. ابن عون الله المعروف بالحصار. عبد الله بن سليمان بن حوط الله الأنصارى. أخوه داود بن سليمان بن حوط الله. الحافظ أبو الربيع بن سالم الكلاعى. محمد بن ابراهيم المهرى. ابن زرقون الإبن. علماء الدين الذين جمعوا بين الحديث والفقه والأدب والشعر واللغة. نماذج من هؤلاء. عبد الله بن عمر الحضرمى. ابن الأشيرى. محمد بن إدريس العبدرى. محمد بن أحمد المنتانجشى. محمد بن خير الإشبيلي. عبد الله بن يحيى بن صاحب الصلاة. ابن صاف اللخمى. محمد بن جعفر بن حمدين الأموى. ابن زرقون الأب. ابن نجبة الرعينى. أحمد بن عبد الرحمن بن مضاء. ابن عيسى التادلى. أحمد بن عتيق الذهبى. ابن خلف الأموى الخطيب. ابن عمران القيسى الميرتلى. ابن نوح الغافقي. أبو عمر أحمد بن عات النفرى. أحمد بن خلف الشنتيالى. ابن خلصة الحميرى. ابن عبد العزيز الأنصارى النحوى. ابن حزم الأموى النحوى. ابن عبد المؤمن القيسى الشريشى. من نبغ في أواخر العصر الموحدي من العلماء الذين جمعوا بين علوم الدين واللغة والأدب والشعر. محمد بن يخلفتن الفازازى التلمسانى. أحمد بن يزيد بن بقى بن مخلد الأموى. ابن أصبغ الأزدي. ثابت بن خيار الكلاعي. محمد بن جابر السقفي. ابن السقاء. من ظهر من هؤلاء وقت الانهيار. ابن مطروح التجيبي. ابن عسكر المالقي. ابن الصفار الضرير. ابن أبي حجة. أحمد بن علي بن أحمد الأنصاري. عبد الله بن خلف اللخمى الحرار. ابن محرز. أكابر المتصوفة. أحمد بن عمر المعافرى المعروف بابن إفرندو. ابن مراد السلمى. محمد بن عبد الله بن العربى المعافرى. ابن سيدبونه الخزاعى. محمد بن عبد الله بن قاسم الأنصارى. ابن مهيب اللخمى. الشيخ محيى الدين الطائى ابن عربي

ص: 644

لم تكن الدولة المرابطية، حسبما وضح من تاريخها، سوى دولة دينية عسكرية، استمدت حياتها ومنعتها خلال عهدها القصير، مما كانت تتسم به من صفات البداوة والخشونة، وكانت روح التزمت التي تغلب عليها، وتدفعها إلى تجاهل القيم الفكرية والأدبية، تحول دون تفتح الحركات العقلية وتقدمها، ولم تكن تلك الحركة الفكرية التي ازدهرت في ظلها، والتي استعرضنا بعض ملامحها فيما تقدم، سوى امتداد طبيعى، واندفاع حتمى، لتلك الحركة الفكرية العظيمة التي ازدهرت في ظل دول الطوائف، والتي أسبغ عليها ملوك الطوائف كل تشجيع ورعاية، ثم جاءت الدولة المرابطية، فاحتضنت بعض جوانبها الرسمية، بمن كانت تحشدهم حولها من الوزراء العلماء، والكتاب البلغاء، ليكونوا لسانا لها، لدى الشعوب المحكومة، سواء بالمغرب، أو الأندلس، ولكى يستكمل البلاط المرابطي، بعد أن ضخمت الدولة وتوطد سلطانها، ما ينقصه من أسباب الهيبة والبهاء. أما الدولة الموحدية فكان لها شأن آخر. ذلك أن عصر الدولة الموحدية، الذي استطال زهاء قرن ونصف قرن من الزمان، كان من أحفل عصور التاريخ الأندلسي والمغربى بالحركات الفكرية. وإنه ليبدو من الغريب المدهش، أن نجد الحركة الفكرية الأندلسية، حتى في مرحلة الانحلال والانهيار، التي توالى فيها سقوط القواعد الأندلسية الكبرى، مستمرة في الاحتفاظ بنشاطها وعنفوانها، ونراها تنحدر عبر البحر من القواعد الأندلسية الذاهبة، إلى قواعد إفريقية والمغرب، تحمل معها تراثها الزاخر، وتزدهر هنالك حقبة أخرى.

ويجب قبل أن نتحدث عن هذه الحركة الفكرية الباذخة، التي ازدهرت بالمغرب والأندلس، خلال العصر الموحدي، أن نحاول أن نستكشف في ملامح الدولة الموحدية، بعض العوامل المشجعة، أو الدافعة لمثل هذه الحركة، إذ أنه لا ريب في أن الدولة الموحدية، بالرغم مما كان يقع في ظلها بين آونة وأخرى، من ضروب المطاردة الفكرية، كانت دولة حامية للعلوم والآداب والفنون.

لقد كان مؤسس الدولة الموحدية الروحى، المهدي محمد بن تومرت، من أقطاب علماء عصره، وقد أفسح في دعوته للعلم أيما مكانة، وحض على تحصيله بقوة وحماسة، في عبارته المشهورة، التي يفتتح بها كتابه وهي:

" أعز ما يطلب، وأفضل ما يكتسب، وأنفس ما يدخر، وأحسن ما يعمل، العلم الذي جعله الله سبب الهداية إلى كل خير، هو أعز المطالب، وأفضل

ص: 645

المكاسب، وأنفس الذخائر، وأحسن الأعمال ".

وقد كان أول خلفاء المهدي، وهو عبد المؤمن بن علي، مؤسس الدولة الموحدية الحقيقي، وموطد دعائمها، كذلك كان عالما من ألمع علماء عصره، يلتف حوله العلماء والكتاب والشعراء من المغرب والأندلس، يبسط عليهم رعايته، ويغمرهم بصلاته، وهو الذي نظم جماعة الحفاظ الموحدين، وعنى بأمرها أشد عناية، حتى بلغت في أيامه نحو ثلاثة آلاف حافظ، يدرسون كتب المهدي وتعاليمه، وقد تولى الكثير منهم فيما بعد كثيراً من مناصب الثقة والمسئولية، في الدولة الموحدية بالمغرب والأندلس.

وكان الخليفة أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، كذلك من أكابر علماء عصره، وكان أديباً متمكناً، وفقيهاً، ومحدثاً بارعاً، يشغف في نفس الوقت بالدراسات الفلسفية، ويجمع حوله طائفة من أعظم علماء العصر ومفكريه، وفي مقدمتهم أبو بكر ابن طفيل، وأبو الوليد بن رشد، وأبو بكر بن عبد الملك بن زهر، وهم أساتذة الفلسفة والطب في هذا العصر. وقد انتهى إلينا من آثاره كتابه في " الجهاد " وهو الملحق بكتاب المهدي ابن تومرت. وذلك حسبما أشرنا إلى ذلك في موضعه.

وكان ولده الخليفة يعقوب المنصور عالماً مستنيراً، متمكناً من الحديث والفقه واللغة، وكان مثل أبيه وجده، يجمع حوله العلماء والأدباء والشعراء، من المغرب والأندلس، ويجزل صلتهم، ويجرى المرتبات على الفقهاء والطلبة، وفقا لمراتبهم وطبقاتهم (1). وكان كذلك يجرى الرواتب المنتظمة، لكثير من الأطباء، والمهندسين والكتاب والشعراء وغيرهم (2)، وكان له بتمكنه من الفقه، دور فعال في تطور العقيدة الموحدية، وجنوحها إلى المذهب الظاهري.

ونجد حتى في أواخر الدولة الموحدية، حينما شاخت وأدركها الوهن، في الخلفاء الموحدين، من يتسم بالصفات العلمية البارزة، فقد كان الخليفة المأمون ابن المنصور، عالماً متمكناً من اللغة والأدب والشعر، وكان كاتباً مقتدراً، وكان الخليفة المرتضى لأمر الله، فقيهاً وأديباً وشاعراً. وكانت هذه الصفات العلمية للأواخر من الخلفاء الموحدين، تبرز على ما عداها، بالرغم مما كانت تتردى فيه الدولة، من الفتن والحروب الأهلية المتواصلة.

وقد كان لهذه النزعة العلمية التي غلبت على معظم الخلفاء الموحدين، أثر

(1) روض القرطاس ص 143.

(2)

المراكشي في المعجب ص 134

ص: 646

كبير فيما جرت عليه الدولة الموحدية طوال أيامها، من رعاية للعلماء والمفكرين من كل ضرب، وحشدها لأعلام الكتاب والمفكرين حول البلاط الموحدي، سواء في مراكش أو إشبيلية.

ونستطيع أن نضيف إلى ذلك أن الخلافة الموحدية، تحملها هذه النزعة العلمية الأصيلة، قد جرت على سياسة إطلاق حرية البحث والتفكير، خلافا لما كانت عليه الدولة المرابطية، من تزمت وتقييد لحرية الفكر، ومطاردة منظمة لكتب الغزالى وأضرابها من كتب الأصول المشرقية. ولم تشذ الخلافة الموحدية عن هذا المبدأ الحر، إلا في أحيان قليلة، كان أهمها حادثان، هما اضطهاد العلامة الفيلسوف والطبيب اليهودى الرئيس موسى بن ميمون، ومحنة العلامة الفيلسوف والطبيب أبي الوليد بن رشد، وذلك حسبما نشير إليه فيها بعد عند الكلام على هذين المفكرين.

بيد أنه بالرغم من هذا التنويه، بما كان عليه الخلفاء الموحدون من الصفات العلمية، ورعاية العلوم والآداب، وما جرت عليه الخلافة الموحدية من إطلاق حرية الفكر، يجب ألا ننسى حقيقة هامة، وهي ذلك الدور الفعّال الذي لعبته الأندلس، وهي يومئذ إحدى ولايات الإمبراطورية الموحدية الكبرى، في إذكاء الحركة الفكرية العامة، بالغرب الإسلامي، خلال العصر الموحدي. وإذا تركنا جانبا ما كان يحشده البلاط الموحدي حوله، من أعلام الكتاب الأندلسيين، فإن تقاطر العلماء على اختلاف طوائفهم باستمرار من شبه الجزيرة الأندلسية، إلى العدوة، واستقرار الكثير منهم بالحاضرة الموحدية، أو بغيرها من قواعد المغرب، وعبور الطلاب والعلماء المغاربة من جهة أخرى إلى الأندلس، للدراسة بمعاهدها التالدة في إشبيلية، وقرطبة وغرناطة وبلنسية ومرسية، كان له أكبر الأثر في ازدهار الحركة الفكرية، بالقطرين العظيمين المغرب والأندلس. ولما انهار سلطان الموحدين بالأندلس، وأخذت قواعد الأندلس الكبرى، تسقط تباعا في أيدي النصارى، عبر كثير من علماء الأندلس، من أبناء القواعد الذاهبة، إلى ثغور إفريقية وقواعدها، ولاسيما تونس وبجاية وتلمسان، وقامت في شمال إفريقية في أواسط القرن السابع الهجرى، حركة فكرية وأدبية زاهرة. ومن ثم فإنه من الواضح، إزاء ذلك كله، أن الحركة الفكرية في الغرب الإسلامي، كانت خلال العصر الموحدي، تجوز، سواء بالمغرب أو الأندلس،

ص: 647

فترة من القوة والازدهار. وإذا كان من الصعب علينا، خلال هذا البحث الذي خصص لتاريخ الدولة الموحدية السياسي، أن نستوعب سائر جوانب هذه الحركة الفكرية العظيمة، التي لا يمكن أن يتسع لتفاصيلها، سوى تاريخ خاص للآداب في هذا العصر، فإننا سوف نحاول مع ذلك، أن نلم بعناصرها بصفة عامة، وأن نستعرض الكثير من أعلامها، في مختلف العلوم والفنون، ولاسيما في شبه الجزيرة الأندلسية. هذا مع ذكر طائفة من أعلام التفكير المغاربة، الذين يقتضى المقام أن نذكرهم.

ومما يلاحظ في سير الحركة الفكرية الأندلسية في العصر الموحدي، تماوجها وعدم استقرارها، ولاسيما منذ أواخر القرن السادس الهجرى، وذلك حينما بدأت قواعد الغرب الإسلامية تسقط في أيدي النصارى، واتجهت هجرة العلماء وغيرهم، من أوطانهم القديمة، صوب منطقة إشبيلية. وحدث مثل هذا التقلقل في الأندلس الوسطى، وذلك حينما سقطت قرطبة عاصمة الخلافة القديمة، وأعظم مراكز التفكير الأندلسي، في أيدي القشتاليين (633 هـ). وتلتها بقية قواعد المنطقة مثل جيان وغيرها، فعندئذ تحول مركز التفكير الأندلسي من هذه المنطقة إلى الجنوب، صوب غرناطة وغيرها من قواعد الأندلس الجنوبية، وكانت قد بدأت تجتمع في ظل زعامة إسلامية جديدة، هي زعامة ابن الأحمر، ثم لما وقع الانهيار العام في شرقي الأندلس، وسقطت بلنسية وشاطبة ودانية وغيرها من قواعد الشرق في أيدي النصارى (الأرجونيين)(636 - 641 هـ)، غادرها العلماء والخاصة، بعضهم إلى مرسية وأحوازها، ومعظمهم إلى ثغور إفريقية، ولاسيما تونس وبجاية، وكان في مقدمة هؤلاء علماء وكتاب أعلام، مثل ابن الأبار القضاعى، وأبي المطرف بن عميرة المخزومي، وأبي عبد الله بن الجنان وغيرهم. ولبثت مرسية وأحوازها، بعد سقوط بلنسية، زهاء ثلاثين عاما أخرى، مركزاً للعلوم الأندلسية، وإن كان ذلك في ظروف مقلقة، وتحت ضغط العدو المستمر، حتى سقطت بدورها في أيدي النصارى، وخبا بذلك آخر مشعل للعلوم الإسلامية في شرقي الأندلس، وتفرق بقية علماء الشرق، في مختلف القواعد الجنوبية، وقصد الكثير منهم إلى ثغور إفريقية وقواعد المغرب. وثمة ملاحظة أخرى تتعلق بعناصر الحركة الفكرية الأندلسية، في هذا العصر الذي اضطربت فيه أوضاع الحياة الإجتماعية بالأندلس، وهي أن هذه

ص: 648

العناصر كانت تتجه قبل كل شىء إلى العلوم الدينية والآداب، بينما لا تحظى العلوم الدنيوية المحضة منها إلا بالقليل النادر، فلا نجد من علماء الطب والفلك والنبات مثلا سوى أفراد قلائل، ولا نجد، إذا استثنينا العالم النباتى الكبير أبا العباس ابن الرومية، شخصيات علمية بارزة، من طراز ابن زهر وابن طفيل وابن رشد. أما العلوم الدينية والآداب، فقد لبثت حتى خلال المحنة، محتفظة بمستواها الرفيع السابق، بل لقد بلغت الآداب، وقت الانهيار العام، مستوى عظيما من التفوق، لم تبلغه في عصور سابقة، وبلغ النثر والشعر منتهى الروعة. ذلك أن المحنة بسقوط الأوطان القديمة، وتبدد الشمل، وفقد المال والأهل والولد، وانهيار أركان الدين، وانطفاء نور الإسلام، في تلك الربوع العزيزة، كل ذلك قد أذكى لوعة الشعر والنثر، وصدرت عندئذ في بكاء الأندلس، من المراثى البليغة، من النظم والنثر، ما يهز أوتار القلوب، وما لا يزال يحتفظ حتى اليوم بكل روعته وتأثيره. والآن بعد أن استعرضنا بعض ملامح الحركة الفكرية الأندلسية، خلال العصر الموحدي، نحاول أن نستعرض ذلك الثبت الحافل من أعلام التفكير الأندلسي، الذين ظهروا في هذا العصر، وسوف نبدأ في ذلك بعلماء الدين، من فقهاء ومحدثين، ومن إليهم من علماء الكلام والأصول وغيرهم.

- 1 -

قلنا إن الحركة الفكرية الأندلسية، خلال العصر الموحدي، تمتاز بوفرة في دراسة علوم الدين والفقه والأدب، ومن ثم فإنا نجد أمامنا جمهرة كبيرة من علماء الدين والفقه يعدون بالمئات، ومن المتعذر علينا في هذا المقام المحدود، أن نذكرهم جميعاً، ولهذا فسوف نقتصر على ذكر الأعلام البارزين منهم.

ومن جهة أخرى فإن كثيراً من هؤلاء العلماء والفقهاء، الذين امتازوا بالتفوق في العلوم الدينية، كالحديث والأصول والتفسير والفقه، كانوا في نفس الوقت يمتازون بتمكنهم من الأدب وعلوم اللغة، وبعضهم ينظم الشعر، ومن ثم فإنا سوف نحاول أن نقدم منهم من غلب عليهم التفوق في العلوم الدينية، ثم نتبعهم بمن مزجوا بين علوم الدين والأدب، بيد أن مثل هذا التصنيف لا يمكن إلا أن يكون أمراً نسبياً.

ونود أن نشير كذلك، إلى مسألة الفارق الزمنى بين عصر المرابطين وعصر الموحدين. ذلك أننا أدرجنا ضمن أعلام التفكير الأندلسي في عصر المرابطين،

ص: 649

بعض من امتدت حياتهم إلى صميم العصر الموحدي، إلى سنة 560 هـ، وأحيانا إلى سنة 570 هـ، وسوف ندرج هنا ضمن أعلام العصر الموحدي بعض من توفوا قبل ذلك، ممن أدركوا العصر المرابطي وظهروا فيه. والتفرقة هنا نسبية أيضاً، ولا ضير منهما، ما دمنا نعنى في كتابنا بعصر المرابطين والموحدين معا.

ونبدأ بذكر طائفة من الفقهاء والمحدثين وعلماء الدين، الذين ظهروا بالأندلس في أوائل العصر الموحدي، منذ منتصف القرن السادس الهجرى. ومن الواضح أن معظمهم ظهر كذلك في العصر المرابطي، قبل عبور الموحدين إلى شبه الجزيرة واستيلائهم عليها.

كان من هؤلاء ابراهيم بن الحاج أحمد بن عبد الرحمن بن سعيد بن خالد ابن عماره الأنصارى، من أهل غرناطة، وبها نشأ ودرس على أعلام عصره بها، وبقرطبة ومالقة، وألمرية، وكان ممن أخذ عنهم أبو بكر بن عطية، وأبو الحسن ابن الباذش، وابن عتاب، وابن رشد، وغيرهم من الأقطاب، وبرع في الفقه والحديث، والقراءات، ومارس عقد الشروط، وولي القضاء بعدة جهات من ولاية غرناطة، ولما انهار سلطان المرابطين بالأندلس غادر موطنه غرناطة، يتجول في البلاد، حتى استقر أخيراً بمدينة ميورقة في كنف أميرها إسحاق بن محمد بن غانية، فولاه قضاءها، وتصدر للدرس والإقراء وكان من أعلام دولة بني غانية. وتوفي بميورقة في جمادى الأولى سنة 579 هـ، ومولده بغرناطة سنة 495 هـ (1).

ومحمد بن عبد الرحيم بن محمد بن الفرج بن هاشم الأنصارى الخزرجى، ويعرف بابن الفرس، من أهل غرناطة، درس على أبيه أبي القاسم، وأبي بكر بن عطية، وأبي الحسن بن الباذش، وأبي القاسم بن ورد، ودرس في قرطبة على ابن عتاب وابن رشد، وابن الوراق وغيرهم من أعلام العصر. وعنى بالحديث والفقه والقراءات، والرواية، مع تمكن من الفتوى. غادر بلده غرناطة عند وقوع الفتنة بها على أثر انهيار سلطان المرابطين واستوطن مرسية، وولي بها خطة الشورى ثم تولى قضاء بلنسية، ولكنه غادرها منذ قيام ثورة ابن شلبان، وأدى اضطراب الأحوال إلى أن صرفه الأمير محمد بن سعد عما كان بيده من الخطط، ثم عاد فاسترضاه لما رأى من علمه وفضله وزهده، وكان في وقته من أعلام حفاظ الأندلس، مع مشاركة في الأدب. أخذ عنه الكثير

(1) ترجمته في التكملة (القاهرة) رقم 400

ص: 650

وانتفعوا به، وكانت وفاته بمدينة إشبيلية، عند وفوده عليها مع وجوه أهل مرسية لتحية الخليفة، وذلك في شوال سنة 567 هـ (1).

وبيبش بن محمد بن أحمد بن خلف بن بيبش العبدرى من أهل أندة، وسكن مع أبيه بلنسية، ودرس بها وبرع في الفقه، وولي الشورى ببلنسية، وكذلك خطة الأحكام، وكان بصيراً بعقد الشروط، مدركا لصحة الأحكام، وتطوع في جيش الخليفة أبي يعقوب يوسف حينما سار لغزو مدينة وبذة في سنة 567 هـ، ثم توفي عقب عوده من الغزو المذكور في سنة 568 هـ (2).

وعبد الله بن أحمد بن سعيد بن عبد الرحمن العبدرى من أهل بلنسية ويعرف بابن موجوال، درس الفقه والحديث والقراءات، ونزح إلى إشبيلية، فسكنها وأخذ عن أبي مروان الباجى، وأبي بكر بن العربى وغيرهما، وبرع بالأخص في دراسة الفقه، وكان بصيراً بالأحكام، وعرف فوق ذلك بالورع والزهد، وحدث عنه جماعة من الأعلام. ألف شرحاً في صحيح مسلم، ولكنه توفي قبل إتمامه، وله كذلك شرح لرسالة أبي زيد القيروانى. وتوفي في إشبيلية سنة 566 هـ (3). ومحمد بن عبد العزيز بن علي بن عيسى بن مختار الغافقي، من أهل قرطبة، ويعرف بالشقورى لأن أصله من شقورة. كان معنيا بصناعة الحديث، بصيراً بطرائقه، وكان فوق ذلك حافظا لأخبار الأندلس متمكنا من الفقه والأحكام. ولى قضاء شقورة بلده الأصلى، فحمدت سيرته، واشتهر بالعدل والنزاهة، وحدث وأخذ عنه الناس، وتوفي في المحرم سنة 579 هـ (4).

وأحمد بن يوسف بن عبد العزيز بن محمد القيسي الوراق من أهل قرطبة أخذ عن ابن عتاب وابن رشد والقاضي عياض وغيرهم من أقطاب عصره، وكان عالما بالحديث، حدث وأخذ عنه جماعة كبيرة، وكان أصم، وتوفي بمراكش سنة 582 هـ (5).

وأحمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة الخزرجي من أهل قرطبة، وسكن غرناطة وقتا، ثم نزح إلى بجاية، وكان محدثاً متمكناً من الرواية. وكتب في أحكام النبى كتابا سماه " آفاق الشموس وأعلاق النفوس " وكتابا آخر عنوانه " مقامع الصلبان ومراتع رياض أهل الإيمان "، وتوفي بمدينة فاس في شهر ذي الحجة سنة 582 هـ (6).

(1) ترجمته في التكملة رقم 1394.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 609.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 2050.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1436.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 222.

(6)

ترجمته في التكملة رقم 223

ص: 651

وبيبش بن محمد بن علي بن بيبش العبدرى من أهل شاطبة، درس الفقه والحديث والتفسير مع مشاركة في النحو ومارس الشورى والفتيا زمنا، وعرف بمقدرته وكفايته. ثم تولى قضاء شاطبة بلده. وألف في التعليق على صحيح البخاري كتابين، وأخذ عنه جماعة من أعلام عصره، توفي في جمادى الأولى سنة 582 هـ (1). وكان من أعظم فقهاء هذا العصر وحفاظه، ابن الجد الفهرى، وهو محمد ابن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد، وأصله من لبلة وبها ولد سنة 496 هـ، وتلقى بها دراسته الأولى ثم درس بقرطبة، وأخذ فيها عن ابن عتاب، وابن رشد، وأخذ في إشبيلية عن أبي بكر بن العربى وغيره، وعنى لأول أمره بدراسة العربية فبرع فيها، وعزم على التخصص فيها، والتصدر لإقرائها، ولكنه مال بعدئذ بتوجيه أستاذه ابن رشد إلى دراسة الفقه والحديث، فبرع في هذا الميدان وبلغ فيه الذروة، وانتهت إليه رياسة عصره في الحفظ والفيتا، وقدم للشورى بإشبيلية مع أبي بكر بن العربى ونظرائه من الفقهاء البارزين يومئذ، وكان في عصره فقيه الأندلس والمغرب وحافظهما دون منافس ولا منازع، كما كان أبرع أهل عصره في التمكن من مذهب مالك. وكان فوق ذلك فصيحاً، وخطيباً مفوهاً، وذاع صيته في المغرب والأندلس، وتبوأ ذروة النفوذ والجاه في ظل الدولة الموحدية، ولكنه لم يترك من قلمه آثارا ذات شأن، وتوفي بإشبيلية في الرابع عشر من شوال سنة 586 هـ عن تسعين عاما، ولبثت أسرته عصراً تحتفظ بمكانتها ونفوذها، وتولى حفيده الفقيه أبو عمرو بن الجد زعامة إشبيلية وقتا، أيام الانهيار والفتنة، وتوفي قتيلا قبل سقوط إشبيلية بوقت قصير (2).

ومن الفقهاء والمتكلمين، صالح بن أبي صالح خلف بن عامر الأنصارى الأوسى من أهل مالقة، درس بها على أعلام عصره ثم رحل إلى تلمسان، ثم إلى تونس، والمهدية، وأخذ عن أقطابها سماعا وإجازة. وكان فقيهاً متمكناً من علم الكلام. وروى عنه الأخوان أبو محمد وأبو سليمان إبنا حوط الله، وتوفي في رمضان سنة 586 هـ (3).

ومنهم أحمد بن محمد بن أخلف بن عبد العزيز الكلاعي، من أهل إشبيلية

(1) ترجمته في التكملة رقم 610.

(2)

راجع ترجمة الحافظ ابن الجد في التكملة رقم 1469، وراجع ص 470 - 472 من هذا الكتاب.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1887

ص: 652

ويعرف بالحوفي. درس الفقه والحديث، وسمع من أبي بكر بن العربي وغيره، وتولى قضاء إشبيلية، وعنى بنوع خاص بعلم الفرائض، وألف فيه كتابا حسنا وتوفي في شعبان سنة 588 هـ (1).

وأبو بكر بن خلف الأنصاري، من أهل قرطبة، ويعرف بالموافق، درس الحديث والفقه، ونزح إلى مدينة فاس، واشتهر بغزارة الحفظ، وتولى تدريس الفقه عصراً، واشتهر بمقدرته وتبحره، وعنى في الحديث بالتعليل والبحث عن الأسانيد والرجال، ولم يعن بالرواية، والتحق وقتا بخدمة الخليفة في مراكش، ونال جاهاً وثراءً، ثم ولى قضاء فاس، فلبث فيه حتى توفي في شوال سنة 590 هـ (2).

ومحمد بن ابراهيم بن خلف بن أحمد الأنصاري من أهل مالقة، وأصله من بلنسية، ويعرف بابن الفخار. كان إماما في الحديث، مقدما فيه، وفي المعرفة بسرد المتون والأسانيد، وتمييز الرجال. سمع من أبي بكر بن العربى، وأكثر عنه واختص به، وعن أبي مروان بن بونه، وأبي جعفر البطروجى، وشريح ابن محمد، وأبي طاهر السلفى. وكانت له فوق ذلك مشاركة في اللغة ومعرفة الشروط، وكان يتولى عقدها بباب قنتنالة، وكان يحفظ " صحيح مسلم "، وكان شديد الورع، جليل القدر، شديد التمسك بالعدل، مكرما لطلاب العلم. واستدعى في أواخر حياته من الخليفة يعقوب المنصور إلى مراكش ليسمع عليه بها، فقصد إليها، ولكنه توفي بها بعد قليل في شعبان سنة 590 هـ، ومولده بمالقة سنة 511 هـ (3).

وعبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن ذي النون الحجري، من أهل ألمرية، وأصلهم القديم من طليطلة، ولهم فيما يبدو صلة رحم ببنى ذي النون سادة طليطلة أيام الطوائف. درس الحديث والفقه ثم رحل إلى قرطبة، ثم إلى إشبيلية، ودرس فيهما على أعلام عصره، ولاسيما أبي القاسم بن بقى، وابن مغيث، وأبي بكر بن العربى، وشريح بن محمد، واشتهر بتبحره وغزارة حفظه. وكان آية في الصلاح والورع والفضل والعدالة، وولي الخطبة والصلاة بجامع بلده ألمرية، ودعى إلى القضاء، فاعتذر. ولما غلب النصارى على ألمرية في سنة

(1) ترجمته في التكملة رقم 227.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 596.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1480

ص: 653

542 هـ (1147 م) غادرها إلى مرسية، وعاش بها وقتا في خمول وضعة، ثم غادرها إلى مالقة، ولكنه لم يجد بها طيب المستقر، فعبر البحر إلى العدوة، ونزل بمدينة فاس وأقام بها مدة، ثم انتقل منها إلى سبتة، فاستوطنها، وهو عاكف على إقراء القرآن وتدريس الحديث، وسار ذكره، وبعد صيته، حتى قصد إليه الناس من كل صوب للأخذ عنه، واستدعاه الخليفة، أبو يعقوب يوسف، إلى مراكش، ليسمع بها، فقصد إليها وأقام بها مدة، ثم استأذن في العود إلى سبتة وقضى بها بقية حياته. حدث عنه عدد كبير من جلة العلماء من الأندلس والمغرب. وكان مولده بحصن قنجاير على مقربة من ألمرية في سنة 505 هـ، وتوفي بسبتة في شهر المحرم، وقيل في صفر سنة 591 هـ (1).

ومحمد بن عبد الكريم الفندلاوى من أهل مدينة فاس، ويعرف بابن الكتانى، كان إماما في علم الكلام وأصول الفقه، وعكف على تدريسهما طول حياته، وكان له معرفة بالآداب، وله رجز في أصول الفقه، وروى عنه جماعة من أهل المغرب، وتوفي سنة 596 هـ (2).

وأحمد بن سلمة بن أحمد بن يوسف بن سلمة الأنصارى من أهل لورقة، وسكن تلمسان، ويعرف بابن الصيقل. درس الحديث وبرع في صناعته، وروى عن ابن الدباغ، وابن بشكوال، وابن خير، وابن الجد، وغيرهم من الأقطاب، وكان من أهل الضبط والإتقان. حدث، وسمع منه الكثير، وذكر لنا ابن الأبار أن شيخه أبا الربيع بن سالم كبير علماء بلنسية في عصره، كان يطنب في الثناء عليه. وتوفي في المحرم سنة 598 هـ (3).

ومحمد بن أحمد بن عبد الملك بن موسى بن محمد بن مروان بن خطاب ابن عبد الجبار، ويعرف بابن أبي جمرة، من أهل مرسية. درس الفقه والحديث على أقطاب عصره، وعنى بالرأى وحفظه، وولي خطة الشورى، وهو شاب في الحادية والعشرين أيام إمامة القاضي ابن أبي جعفر، ثم في ظل إمارة محمد بن سعد، واستمر فيها وقتا، وكان أول من شاوره من القضاة أبو الحسن بن برطلة. ثم ولى قضاء مرسية وبلنسية وشاطبة وأوريولة في أوقات مختلفة. وكان حافظاً متقناً، وفقيهاً بارعاً، بصيراً بمذهب مالك، متخصصاً في تدريسه، عدلاً دقيقاً في

(1) ترجمته في التكملة رقم 2080.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1718.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 238

ص: 654

أحكامه، فصيحاً، حسن البيان. ومن مؤلفاته، كتاب " نتائج الأبكار، ومناهج النظار، في معانى الآثار "، ألفه بعد سنة 580 هـ، حينما قام الخليفة المنصور بمطاردة أهل الرأي، وأمر بإحراق المدونة وغيرها، من كتبه، وكتاب " إقليد التقليد المؤدى إلى النظر السديد ". وله برنامج عدد فيه الأعلام من علماء أسرته. وقد حمل عليه وعلى أسلافه بعض علماء عصره، ودافع عنه ابن الأبار، في ترجمته بالتكملة، ونوه بفضل بعض الأعلام من سلفه، تأييداً لدفاعه، واستشهد كذلك بأقوال بعض شيوخه مثل أبي عمر بن عات، وأبي سليمان بن حوط الله، وأبي بكر ابن وضاح وغيرهم. وكانت وفاته بمرسية مصروفا عن القضاء، في اليوم الثلاثين من المحرم سنة 599 هـ (1).

ومحمد بن علي بن مروان بن جبل الهمداني، من أهل وهران، وأصله أندلسي، ونشأ بتلمسان، ودرس بها، وولي قضاءها، ثم ولى قضاء الجماعة بمراكش في سنة 585 هـ، بعد أبي جعفر بن مضاء، ثم نقل إلى قضاء إشبيلية عام 592 هـ، ثم أعيد ثانية إلى قضاء مراكش بعد إقالة أبي القاسم بن بقى، وكان فقيهاً متمكناً، حميد السيرة، شديد الهيبة، عارفا بالأحكام، ميالا إلى العدل، وتوفي سنة 601 هـ. ويقول لنا صاحب التكملة إن أحداً لم يجلد طوال ولايته للقضاء، مما يدل على أن عقوبة الجلد، كانت مستعملة في هذا العصر، للمعاقبة على الذنوب التي يقضى فيها بالتعزير (2).

ومحمد بن أبي خالد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن .. بن محمد بن أبي زمنين عدنان بن بشير بن كثير المرّى الإلبيرى، من أهل غرناطة، كان من ألمع فقهاء عصره، وأخذ عن أبي مروان بن قزمان، وأبي الحسن الزهرى، وأبي القاسم بن بشكوال، وغيرهم من أقطاب عصره. ولى قضاء غرناطة، ثم قضاء مالقة، وكان فوق براعته في الفقه، محدثاً متقناً، بارعاً في الرواية، عارفاً بتاريخ من نزل بالأندلس قديماً من العرب. وحدث عنه جماعة ممن تبوؤوا الطليعة فيما بعد، ومنهم أبو سليمان بن حوط الله، وأبو القاسم الملاّحى، وأبو الربيع ابن سالم وغيرهم. توفي مصروفا عن القضاء في شهر ربيع الأول سنة 602 هـ. وكان مولده بغرناطة سنة 533 هـ (3).

(1) أورد له ابن الأبار ترجمة مطولة في التكملة رقم 1514.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1719.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1530

ص: 655

وإسحاق بن ابراهيم بن يعمر الجابري، من مدينة فاس، ودرس بها، ودرس كذلك بسبتة، ثم رحل إلى الأندلس، ودرس الفقه بمرسية. وولي قضاء فاس وسبتة، وكان متبحراً في الفقه المالكى، حافظا متقنا، ويقال إنه كان يستظهر المدونة. وولي قضاء بلنسية في أواخر عمره سنة ست وستمائة، ثم ولى قضاء جيان، وفقد في موقعة العقاب في شهر صفر سنة 609 هـ (1).

وأحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري، ويعرف بالحصّار. أصله من دانية وسكن بلنسية، ودرس القراءات وبرع فيها، وتبوأ رياستها في عصره، ولم يكن أحد يدانيه في صناعته في الضبط والتجويد والإتقان. وكان يقصده الطلاب من كل صوب للأخذ عنه، ويصفه تلميذه ابن الأبار، الذي ننقل عنه هذه الترجمة، بأنه كان " آخر المقرئين " بشرق الأندلس. وكانت وفاته ببلنسية في الثالث من شهر صفر سنة 609 هـ، قبيل كارثة العقاب بأيام قلائل، وقد قارب الثمانين من عمره (2).

وعبد الله بن الحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري من أهل مالقة، ويعرف بابن القرطبي، لأن أصلهم من قرطبة. ودرس الحديث، وبرع فيه، وأخذ عنه جمهرة من أقطاب عصره مثل أبي بكر بن الجد، وابن زرقون، وأبي القاسم بن حبيش، وأبي عبد الله بن الفخار، وعنى بالرواية عناية شديدة، وأكثر من الرحلة في لقاء الشيوخ، وطلب العلم، وكان من أشهر أهل عصره في صناعة الحديث، والتصرف في فنونه، ولم يكن أحد يدانيه في حفظ التاريخ، إلا القلائل من أهل عصره، وكان فوق ذلك له مشاركة طيبة في علم العربية والآداب، إلا أن شهرته في الحديث كانت هي الغالبة عليه. وقد حدث ودرس وأخذ عنه الكثير، وألف مجموعة في " تلخيص أسانيد الموطأ " توفي بمالقة في شهر ربيع الآخر سنة 611 هـ (3).

وكان من أبرز أقطاب الحديث والفقه في أواخر العصر الموحدي بالأندلس، الأخوان عبد الله وداود، إبنا حوط الله الأنصاري الحارثي. وأكبرهما عبد الله، وهو عبد الله بن سليمان بن داود بن عبد الرحمن بن سليمان بن عمرو بن خلف ابن حوط الله الأنصاري الحارثي، ولد بأندة من أعمال بلنسية في سنة 549 هـ،

(1) ترجمته في التكملة رقم 517.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 261.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 2097

ص: 656

وهي موطنهم وأصل دارهم، ودرس ببلنسية ومرسية وقرطبة. وتجول في سائر قواعد الأندلس الأخرى. وبرز في الحديث، والقراءات، وأخذ عن جمهرة من أقطاب العصر، منهم بمرسية أبو القاسم بن حبيش، وبقرطبة أبو القاسم ابن بشكوال، وأبو العباس المجريطي، وأبو الوليد بن رشد، وبإشبيلية أبو بكر ابن الجد، وأبو اسحق بن ملكون، وبمالقة أبو عبد الله بن الفخار وأبو القاسم السهيلى، وغير هؤلاء. وكان إماما في صناعة الحديث، متفوقاً في الرواية والضبط، حافظاً لأسماء الرجال، متمكناً من التعديل والتجريح، ولم يكن في وقته أبعد صيتا منه، ومن أخيه أبي سليمان في هذا الميدان، وكان فوق ذلك متفوقاً في علم العربية، كاتباً بليغاً، وخطيباً مقتدراً، وشاعراً محسناً. استدعاه الخليفة المنصور لتأديب بنيه فحظى لديه، ونال جاها ودنيا عريضة. وتولى في أوقات مختلفة قضاء قرطبة وإشبيلية ومرسية وسبتة وسلا وغيرها، وألف كتاباً في " تسمية شيوخ البخاري ومسلم وأبي داود والنسائى والترمذى " ولكنه لم يكمل، ووضع فهرسا حافلا لشيوخه. حدث وسمع منه الكثيرون من أعلام عصره. وتوفي بغرناطة، وهو في طريقه إلى مرسية، وذلك في الثاني من شهر ربيع الأول سنة 612 هـ، ثم نقل إلى مالقة ودفن فيها (1).

وأما أخوه داود بن سليمان بن داود، فقد ولد بأندة سنة 560 هـ، ودرس الحديث على أبيه وأخيه كبيره عبد الله، وبرع مثله في الحديث، وطاف بقواعد الأندلس طلباً للعلم، وأخذ من الجلة أينما حل، ورحل كذلك إلى سبتة وغيرها من بلاد العدوة، وكان خبيراً بعقد الشروط. وكان ممن أخذ عنهم أبو العباس المجريطى، وابن بشكوال، وأبو بكر بن الجد، وأبو عبد الله بن زرقون، وأبو عبد الله بن الفخار، وأبو العباس بن مضاء، وابن الفرس، وأبو بكر بن أبي زمنين وغيرهم وغيرهم. وتولى قضاء سبتة وألمرية والجزيرة الخضراء، ثم تولى قضاء بلنسية، ومالقة، وعرف أينما حل بالعلم والحلم والنزاهة، وكان ورعا متواضعا، لين الجانب، يشاطر أخاه الشهرة وعلو المكانة. وتوفي بمالقة في سادس ربيع الآخر سنة 621 هـ، ودفن بسفح جبل فاره إلى جانب أخيه (2).

ونختتم هذا الثبت من علماء الحديث والحفاظ بذكر إمامهم وشيخهم في وقته، العلامة الحافظ أبو الربيع بن سالم. وهو سليمان بن موسى بن سالم بن حسان

(1) ترجمته في التكملة رقم 2099.

(2)

ترجمته في الإحاطة (1956) ج 1 ص 511 - 514

ص: 657

ابن سليمان الحميرى الكلاعى من أهل بلنسية، وأصله من بعض ثغورها الشرقية. درس القراءات والحديث، وأخذ وروى عن جماعة كبيرة من شيوخ عصره، مثل أبي العطاء بن نذير وأبي القاسم بن حبيش وأبي بكر بن الجد، وأبي الوليد بن رشد وأبي محمد بن الفرس وغيرهم. وبرع في الحديث والفقه والأدب. وكان حسبما يصفه تلميذه ابن الأبار " إماما في صناعة الحديث، بصيراً، حافظا حافلا، عارفا بالجرح والتعديل، ذاكراً للمواليد والوفيات، يتقدم أهل زمانه في ذلك وفي حفظ أسماء الرجال، مع الاستبحار في الأدب والاشتهار في البلاغة، فرداً في إنشاء الرسائل، مجيداً في النظم، خطيباً فصيحاً مفوهاً ". ويصفه ابن عبد الملك بأنه " بقية الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشرقي، حافظا للحديث مبرزاً في نقده، ضابطا لأحكام أسانيده، كاتباً بليغاً شاعراً مجيداً، خطيباً مصقعاً ". تولى الخطبة بجامع بلنسية غير مرة، وقدم إلى سماعه الطلاب من كل صوب. وكتب عدة مصنفات في الحديث والسير والآداب، منها حلية الأمانى في الموافقات العوالى، وتحفة الرواد في الغوالى البدلية والإسناد، والمسلسلات من الأحاديث، وكتاب الاكتفاء في مغازى رسول الله، ومغازى الثلاثة الخلفاء، وكتاب حافل في معرفة الصحابة والتابعين لم يكمله، وبرنامج مروياته، وجنى الرطب في سنى الخطب، جمع فيه طائفة كبيرة من خطبه، ومؤلفات أخرى في الأدب، ومجموع رسائله، وغير ذلك، وجمع شعره في ديوان. ومما يؤثر عنه أنه كان ينحى باللائمة على الإمام الغزالي في اختيار عنوان كتابه " إحياء علوم الدين " ويقول متى ماتت العلوم حتى نقول بإحيائها، فهى مازالت حية وسوف تبقى كذلك.

وكان فوق علمه الغزير، مجاهداً من أولى الإقدام والبسالة، وثبات الجأش. يحضر الغزوات والوقائع، ويشترك بنفسه في القتال، ويبلى البلاء الحسن، وكانت آخر وقيعة اشترك فيها هي وقيعة أنيشة التي اضطرمت بين المسلمين والنصارى في ظاهر بلنسية في اليوم العشرين من ذي الحجة سنة 634 هـ، ودارت فيها الدائرة على المسلمين، واستشهد منهم عدد جم بينهم كثير من الفقهاء والعلماء. وكان أبو الربيع في مقدمة من استشهد وهو يخوض المعمعة، ويحث إخوانه على القتال، وذلك حسبما سبق أن ذكرناه في موضعه. وقد رثاه تلميذه ابن الأبار، ومن سقط معه من علماء بلنسية،، بقصيدته الشهيرة التي مطلعها:

ألمّا بأشلاء العلى والمكارم

تقد بأطراف القنا والصوارم

ص: 658

وعوجا عليها مأربا وحفاوة

مصارع غصت بالطلى والجماجم

وهي في نحو مائة بيت. وكان مولد أبي الربيع بن سالم في قرية من قرى مرسية في شهر رمضان سنة 565 هـ (1).

ومن الفقهاء الذين نبغوا في الأصول وعلم الكلام، محمد بن ابراهيم المهرى من أهل بجاية، وأصله من إشبيلية. رحل إلى المشرق، وأخذ عن جمهرة من أقطاب المحدثين، وبرز في علم الكلام، وأصول الفقه، حتى اشتهر بالأصولى، وكان علم وقته في هذا الميدان. وولي قضاء بجاية غير مرة، وعنى بإصلاح كتاب "المستصفى" لأبي حامد الغزالى، ورحل إلى الأندلس، واتصل بابن رشد وكان يدرس معه " علوم الأوائل ". ولما امتحن ابن رشد سنة 593 هـ، محنته المشهورة، التي سبق ذكرها في موضعها، امتحن معه المهرى، ونفى مثله من قرطبة، إلى بعض الجهات، ثم عفى عنه، وكف بصره في أواخر حياته، وتوفي سنة 612 هـ (2).

ومنهم عبد الله بن باديس بن عبد الله بن باديس اليحصبى من أهل جزيرة شقر، نشأ في بلنسية، ورحل إلى إشبيلية فأخذ بها عن أقطابها، ثم عبر البحر إلى فاس، وتبحر في الأصول وعلم الكلام على أشياخها، ثم عاد إلى بلنسية، وتصدر للتدريس بالمسجد الجامع، ونوظر في " المستصفى " لأبي حامد الغزالى، وكان من أساتذة ابن الأبار، أخذ عليه وصحبه وقتا، وتزهد في آخر حياته، وتوفي في شعبان سنة 622 هـ (3).

ومنهم محمد بن محمد بن سعيد .. بن مجاهد الأنصارى من أهل إشبيلية ويعرف بابن زرقون، وأصلهم من بطليوس، أخذ عن أقطاب عصره، وفي مقدمتهم أبو بكر بن الجد، وأبو جعفر بن مضاء. وكان فقيهاً مالكياً متبحراً في المذهب، متعصباً له، وأخذ عنه أهل عصره، وكان فوق ذلك يشارك في الأدب مشاركة طيبة، وينظم اليسير من الشعر. ومن مؤلفاته " الكتاب المعلى في الرد على المُحَلّى لابن حزم " وكتاب " قطب الشريعة في الجمع بين الصحيحين " واختصر كتاب " الأموال " لأبي عبيد، وغير ذلك. وكانت وفاته بإشبيلية في شوال سنة 621 هـ، ومولده بها في سنة 539 هـ (4).

(1) ترجمته في التكملة لابن الأبار (الأندلسية) رقم 1991، وفي الذيل والتكملة لابن عبد الملك، مخطوط الإسكوريال 1682 الغزيري - لوحة 23 وما بعدها، وعنوان الدراية ص 167 - 169.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1726.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 2109.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1612

ص: 659

- 2 -

وهنالك طائفة كبيرة من علماء الدين، الذين نبغوا في الفقه أو الحديث والقراءات، ونبغوا في نفس الوقت في الأدب والشعر أو اللغة، وقد رأينا أن نذكرهم مجتمعين في هذا القسم على النحو الآتي:

ْكان من هؤلاء عبيد الله بن عمر بن هشام الحضرمي، أصله من إشبيلية، ونزح أهله إلى قرطبة، وبها ولد ونشأ. ودرس القراءات والحديث، والعربية والآداب، على أقطاب عصره، وتحول في حواضر الأندلس في طلب الاستزادة والتمكن. وكان مقرئاً، نحوياً، أديباً شاعراً. عبر البحر إلى المغرب، وتصدر للإقراء وتعليم الآداب والعربية، وتنقل بين مراكش ومكناسة وتلمسان. ثم قفل إلى الأندلس، ونزل ألمرية حينا، ثم غادرها إلى مرسية وولي الخطبة بجامعها، وله تصانيف عدة، منها " كتاب الإفصاح في اختصار المصباح " وكتاب في " شرح مقصورة ابن دريد ". وكان انفصاله عن مرسية في سنة 550 هـ، ولا يعرف كم عاش بعدها. ومولده في سنة 489 هـ (1).

وعبد الله بن محمد عبد الله الصنهاجي المعروف بابن الأشيري، نسبة إلى أشير من أعمال المغرب الأوسط. درس الحديث والفقه بالأندلس، وأخذ بها عن أبي بكر بن العربى، وابن عساكر، وشريح بن محمد، وأبي الفضل عياض، وأبي الوليد بن الدباغ وغيرهم. وكان أديبا، وكاتبا بليغا، كتب لصاحب المغرب (وهو فيما يرجح علي بن يوسف)، فلما توفي استتر وغادر المغرب إلى المشرق وحج، وجاور حينا بمكة، ثم توجه في أواخر حياته إلى حلب، وحدث بها وهنالك توفي في سنة 561 هـ (2).

ومحمد بن عبد الله بن ميمون بن إدريس العبدري، من أهل قرطبة. درس الفقه والحديث على أقطاب عصره، مثل ابن عتاب، وابن رشد، وابن مغيث، وابن العربى، وابن الباذش وغيرهم، وبرع بنوع خاص في علم اللغة، وكان مشاركا في فنون كثيرة، حافظا متمكنا، وشاعراً محسناً. غادر قرطبة أيام الفتنة وعبر البحر إلى المغرب، ونزل بمراكش، فاقرأ بها العربية والآداب، وله شرح مشهور " لجمل الزجاجي "، ومعشرات في الغزل، ونظم في الزهد،

(1) ترجمته في التكملة رقم 3172.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 2149

ص: 660

وتوفي بمراكش سنة 567 هـ (1).

ومحمد بن أحمد بن محرز بن عبد الله بن أميه، من أهل بطليوس، واستوطن إشبيلية ويعرف بالمنتانجشى نسبة إلى حصن منتانجش. عنى بالقراءات والفقه والحديث، ودرس العربية على أبي عبد الله بن أبي العافية وأبي بكر بن القبطورنة وغيرهما، وكان فقيهاً مشاوراً، حافظاً، له حظ من الأدب والكتابة. وقد أخذ عنه عدة من الجلة مثل ابن خير، وأبي بكر بن أبي زمنين، وأبي الخطاب بن واجب وغيرهم، وتوفي في آخر سنة 569 هـ، ومولده في سنة 479 هـ سنة الزلاقة (2).

ومنهم وهو من أنبغهم، محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي، مولى ابراهيم بن محمد بن يغمور اللمتونى من أهل إشبيلية. ودرس بها وبقرطبة وألمرية وغيرها، وشغف بالقراءات والحديث والفقه، وبرع فيها، وعنى عناية كبيرة بتقييد الرواية والآثار، وأخذ عن جمهرة كبيرة من أقطاب عصره، منهم أبو مروان الباجى، وأبو بكر بن العربى. وأبو اسحاق بن حبيش، وأبو القاسم ابن بقى، وابن مغيث، وابن أبي الخصال، وأبو الفضل عياض وغيرهم. وقد اشتهر بالإتقان والضبط، وكان فوق ذلك أديباً كبيراً، بارعاً في اللغة والنحو. وفي أواخر حياته ولى الصلاة بجامع قرطبة وتوفي بها في ربيع الأول سنة 575 هـ، ومولده في سنة 502 هـ. وقد اشتهر ابن خير بنوع خاص بفهرسه الجامع الذي ألفه عن شيوخه، وعن الكتب التي رواها وقرأها، عنهم، ومن هذا الثبت الحافل، نستطيع أن نكون فكرة جامعة عن الكتب الدراسية وكتب النصوص، التي كانت متداولة بمدارس الأندلس في القرن السادس الهجري (3).

ومنهم محمد بن عبيد الله بن أحمد .. بن نصر بن سالم الخشنى، من أهل رندة وسكن مالقة، ودرس بها، وبقرطبة، وبرع في القراءات واللغة والنحو، وأنفق حياته في إقراء القرآن وتعليم العربية، وكان كذلك محدثا حافظا، حدث، وأخذ عنه الكثيرون. وتوفي بمالقة في سنة 576 هـ (4). وعبد الله بن محمد بن عيسى الأنصاري، ويعرف بابن المالقي، لأن أصله

(1) ترجمته في التكملة رقم 1395.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1400.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1424. وقد نشر فهرست ابن خير ضمن المكتبة الأندلسية، وهو يشغل المجلد العاشر منها، ونشر بعناية الأستاذين كوديرا وخوليان ربيرا (سنة 1893).

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1427.

ص: 661

من مالقة، ودرس بإشبيلية وغيرها، ثم نزح إلى العدوة وسكن مراكش وكان فقيهاً متمكناً، وخطيباً مفوهاً، وأديباً كبيراً محسناً، ندبه الخليفة أبو يعقوب يوسف لرياسة طلبة الحضرة، ونال في ظل رعايته جاها ودنيا عريضة. وتوفي بمراكش في سنة 574 هـ، وعلى قول آخر في سنة 573 هـ (1).

وعبد الله بن يحيى بن عبد الله بن فتوح الحضرمي النحوي من أهل دانية، ويعرف بابن صاحب الصلاة. درس القراءات والعربية والأدب، ونزح إلى شاطبة فدرس بها الأدب والنحو زمانا، وكان أديبا متمكنا، مبرزاً في صناعة العربية، استدعاه ابن سعد أمير الشرق إلى بلنسية، وذلك لتأديب أولاده، وأخذ عنه كثير من أهل عصره، ومنهم أعلام مثل أبي الربيع بن سالم، وكان له كذلك حظ من قرض الشعر. ومن ذلك قوله:

وعجل شيبي أن ذا الفضل مبتلى

بدهر غدا ذو النقص فيه مؤمّلا

ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى

بها الحر يشقى واللئيم ممولا

وتوفي ببلنسية في شهر رجب سنة 578 هـ ثم حمل إلى بلده دانية، ودفن بها. ومولده في سنة 517 هـ (2).

وأحمد بن محمد بن مفرج الأموي أصله من سرقسطة، ونزل مرسية، ويعرف بالملاّحى، عنى بالقرآن والحديث والعربية وبرع فيها، وأقرأ القرآن بمرسية، وحدث وأخذ عنه، وعلم العربية زمنا، وتوفي في سنة 582 هـ (3).

والحسن بن أحمد بن يحيى بن عبد الله الأنصاري، من أهل قرطبة، ونزل مالقة، درس القراءات والحديث وبرع في الرواية، وأخذ عن عدة من أقطاب عصره، ومنهم أبو القاسم بن بشكوال، أخذ عنه كتاب الصلة، وكان متمكنا من العربية ومن علم العروض. وحدث عنه أهل عصره. وتوفي بمالقة في رمضان سنة 585 هـ، ومولده في سنة 518 هـ (4).

ومحمد بن خلف بن محمد بن عبد الله بن صاف اللخمي من أهل إشبيلية. عنى بالقراءات والعربية، ودرس ببلده إشبيلية، ثم رحل إلى جيان، فدرس على أبي بكر بن مسعود الخشني. واشتهر ببراعته في القراءات والعربية، وله شرح في أشعار الستة وفي تغلب. وكتاب في ألفات الوصل والقطع، وشروح

(1) ترجمته في التكملة رقم 2058.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 2066.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 220.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 694

ص: 662

لآيات من القرآن، وأجوبة لأهل طنجة في مسائل القراءات والنحو. حدث، وأخذ عنه جماعة. وتوفي في سنة 585 هـ وقيل في 586 هـ، ومولده سنة 512 هـ (1).

ومحمد بن جعفر بن أحمد بن خلف بن حميد بن مأمون الأموي، من أهل بلنسية. درس القراءات بإشبيلية وغرناطة على أقطاب عصره، ورحل إلى جيان فدرس بها العربية والآداب على أبي بكر بن مسعود. ثم رحل إلى ألمرية فدرس على من كان بها من أقطاب العصر. ثم قفل إلى بلده، وقد ذاع صيته، واشتهر بغزير علمه، فأقرأ وحدث وعلم العربية. ثم ندب لقضاء بلنسية فقضى في منصبه عدة أعوام، واشتهر بنزاهته وعدالته وحسن تصريفه، وهو في نفس الوقت يقرىء القرآن والعربية، مع حظ وافر من البلاغة والبيان والبديع. وانتقل إلى مرسية في أواخر حياته، وتولى بها الصلاة والخطبة، وتوفي في جمادى الأولى سنة 586 هـ ومولده في سنة 513 هـ (2).

ومحمد بن سعيد بن أحمد بن سعيد بن عبد البر بن مجاهد الأنصاري، من أهل إشبيلية ويعرف بابن زرقون. درس على أبيه، وعلى عدد من الجلة، مثل أبي محمد ابن عبدون، وأبي بكر بن القبطورنة، وأبي الفضل عياض، واختص به ولازمه كثيراً، وكتب له أيام ولايته لقضاء غرناطة. وكان متمكنا من الحديث والفقه، مع براعته في الأدب وقرض الشعر. ولى قضاء شلب، ثم قضاء سبتة، فحمدت سيرته، واشتهر بكفايته ونزاهته. وله عدة مؤلفات منها كتاب الأنوار، جمع فيه بين المنتقى والاستذكار، وجمع أيضاً بين مصنف الترمذى وسنن أبي داود، وكان الطلاب يرحلون إليه لعلو روايته. وتوفي بإشبيلية في رجب سنة 586 هـ. ومولده بشريش سنة 512 هـ (3).

ومفوز بن طاهر بن حيدرة المعافري، من أهل شاطبة، درس القراءات والفقه، وبرع فيهما، وكان فقيهاً مشاوراً، ولى قضاء شاطبة، زمنا فحمدت سيرته، وكان فوق ذلك متمكنا من الأدب، بليغاً حسن البيان، وله حظ من قرض الشعر، ومن نظمه:

وقفت على الوادي المنعم دوحه

فأرسلت من دمعى هنالك واديا

وغنمت به ورق الحمام عشية

فأذكرنا أياما مضت ولياليا

(1) ترجمته في التكملة رقم 1465.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1467.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1468

ص: 663

وتوفي بشاطبة في شعبان سنة 590 هـ، ومولده في سنة 517 هـ (1).

ونجبة بن يحيى بن خلف .. بن نجبة الرعيني من أهل إشبيلية، درس على أقطاب عصره مثل أبي مروان الباجي، وأبي بكر بن العربي، وأبي بكر بن طاهر، وأبي القاسم بن الرماك، وغيرهم. وكان إماما في القراءات والعربية، وقد تصدر لإقراء القرآن، وتعليم العربية زمانا، ثم عبر إلى المغرب، ونزل بمراكش استجابة لدعوة الخليفة، وهنالك أقرأ القرآن بالحاضرة الموحدية، وكان يرافق حملات الغزو الموحدية. وقد حدث عنه جماعة من الشيوخ، وتوفي على مقربة من شريش سنة 591 هـ، وهو مرافق لجيش المنصور المتجه إلى الغزو، وحمل إلى إشبيلية ودفن بها، ومولده في سنة 520 هـ (2).

وأحمد بن عبد الرحمن بن محمد .. ابن مضاء بن مهند بن عمير اللخمى، من أهل قرطبة، وأصله من شذونة، درس القراءات والحديث والعربية، وأخذ عن عدة من الجلة، مثل ابن أبي الخصال، وابن مسرة، وأبي بكر بن مدبر، وأبي بكر بن سمجون، وأخذ العربية بإشبيلية عن أبي القاسم بن الرماك، وسمع من أبي بكر بن العربى، وسمع بألمرية أبا محمد عبد الحق بن عطية، وأبا الفضل عياض، ومال إلى العربية وبرع فيها، ثم عبر إلى المغرب والتحق بخدمة الخلافة، وولي قضاء فاس، ثم نقل إلى قضاء الجماعة بمراكش. وكان له حظ وافر من الأدب، والبيان والشعر، وله في العربية كتاب سماه " بالمشرق " وكتاب " تنزيه القرآن عما لا يليق من البيان ". وتوفي بإشبيلية مصروفا عن القضاء في جمادى الأولى سنة 593 هـ، ومولده بقرطبة سنة 511 هـ (3).

وعبيد الله بن عبد الرحمن .. بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان، من أهل قرطبة، واستوطن أشونة من أعمالها. درس الحديث والفقه، وسمع من عدة من الأقطاب، منهم أبوه القاضي أبو مروان، وأبو جعفر البطروجى، وأبو إسحق ابن فرقد، وغيرهم. وولي القضاء بعدة بلاد من أعمال قرطبة، وكان فقيهاً متمكناً بصيراً بالأحكام، وكان فوق ذلك أديباً محسناً وشاعراً، من بيت علم وأدب ونباهة. توفي بأشونة سنة 593 هـ، أو 594 هـ (4).

(1) ترجمته في التكملة رقم 1844.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1879.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 234.

(4)

ترجمته في الذيل والتكملة لابن عبد الملك المجلد الأول من مخطوط باريس لوحة 1765، وكذلك في التكملة رقم 2181

ص: 664

ومنهم من علماء المغرب عبد الله بن محمد بن عيسى التادلى، من أهل فاس، ودخل الأندلس في أواخر العهد المرابطي، ودرس بإشبيلية، وسمع من القاضي عياض، وأجاز له ابن بشكوال، وتلقى الحديث عن ابن عتاب، وأبي بحر الأسدى، وكان فقيهاً متمكناً، أديباً محسناً، وله رسائل وأشعار عديدة، وولي قضاء بلده فاس في أواخر أيام الخليفة أبي يعقوب يوسف. وحدث عنه جماعة من أقطاب الأندلس، مثل أبي محمد بن حوط الله، وأبي الربيع بن سالم. وتوفي بمكناسة سنة 597 هـ. ومولده في سنة 511 هـ (1).

ومنهم أحمد بن عتيق بن الحسن بن زياد بن فرج، أصله من ألمرية، وسكن بلنسية، ويعرف بالذهبى، درس القراءات والفقه والآداب والعربية، ومهر في عدة فنون، وكان فقيهاً مبرزاً في علم الأصول، متبحراً في علوم الأوائل، ماهراً في العربية، وكان آية في الحفظ والذكاء والفهم، وحسن الاستنباط، والغوص على المعانى الدقيقة. حدث وأقرأ العربية، واستدعاه الخليفة المنصور إلى مراكش فحظى لديه، وكان من أبرز أعضاء مجلسه العلمى، وكان يتلقى عليه بعض العلوم النظرية. وقدمه للشورى والفتوى، فأبدى في هذا الميدان ما يشهد بتمكنه وغزارة علمه. ولما امتحن ابن رشد وزملاؤه محنتهم المشهورة في سنة 591 هـ، اختفى ابن فرج حينا خشية توجيه الاتهام إليه، ثم ظهر وطمأنه المنصور، وحظى بعد المنصور لدى ولده محمد الناصر، ونال جاها وثراء. وله تآليف، منها كتاب الإعلام بفوائد مسلم للمهدى الإمام، وكتاب حسن العبارة في فضل الخلافة والإمارة. وكانت وفاته بتلمسان في شوال سنة 601 هـ، أثناء مرافقته الجيش الموحدي المتجه إلى إفريقية (2).

والحسن بن علي بن خلف الأموي من أهل قرطبة، وسكن إشبيلية، ويعرف بالخطيب، أخذ عن عدة من أقطاب عصره، مثل ابن مغيث، وأبي بكر بن العربى، وابن مسرة، وأبي بكر بن مسعود، وابن أبي الخصال، وبرع في القراءات والحديث والأدب. وتولى الخطابة ببعض جهات إشبيلية، وله عدة مصنفات نفيسة، منها كتاب روضة الأزهار، وكتاب في الأنواء، وكتاب اللؤلؤ المنظوم في معرفة الأوقات بالنجوم، وكتاب روضة الحقيقة في بدء الخليقة، وكتاب تهافت

(1) ترجمته في التكملة رقم 2155.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 247

ص: 665

الشعراء وغيرها. توفي بإشبيلية سنة 602 هـ، ومولده بقرطبة سنة 514 هـ (1).

ومحمد بن يوسف بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن أبي زيد، من أهل لرية من عمل بلنسية، ويعرف بابن عياد. أخذ عن أبيه أبي عمر، وعدة من الأقطاب مثل أبي الحسن بن النعمة، وأبي عبد الله بن الفرس، وأبي القاسم ابن حبيش، وغيرهم، وعنى أشد العناية بالرواية، وتقييد الآثار والأخبار، والتواريخ. وكان له حظ وافر من الآداب والعربية، وله مشاركة في النظم، وحدث وأخذ عنه البعض، وله مجموع في مشيخة أبيه أبي عمر. توفي ببلده سنة 603 هـ، ومولده في سنة 544 هـ (2).

وموسى بن حسين بن موسى بن عمران القيسي، الميرتلي، نزيل إشبيلية، درس القراءات والآدب، وبرع فيهما، وصحب أبا عبد الله بن المجاهد، واختص به وسلك طريقته في الزهد والورع والعزلة والعبادة، وكان في ذلك منقطع القرين. وكان يلازم مسجده داخل إشبيلية، يقرىء ويعلم، وله حظ وافر من قرض الشعر، ومعظمه في الزهد والتخويف من سطوة الله. توفي في أوائل سنة 604 هـ، وقد تجاوز الثمانين. ومن نظمه قوله:

سليخة وحصير

لبيت مثلى كثير

وفيه، شكراً لربى

خبز وماء نمير

وفوق جسمى ثوب

من الهواء ستير

إن قلت أني مقل

إنى إذاً لكفور

قررت عينا بعيشى

فدون حالى الأمير (3).

وأحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الرعيني، من أهل إشبيلية، أخذ عن ابن العربى، وأبي القاسم بن الرماك، وأبي الحسن بن عظيمة، وغيرهم، ومهر في القراءات والأدب، وكان أديبا حافظا، يستظهر شعر المعرى المدون بسقط الزند، ولما توجه ابن العربى على رأس وفد إشبيلية إلى مراكش لمقابلة الخليفة عبد المؤمن، صحبه في رحلته، وحضر وفاته عند عوده بفاس، وتوفي في أواخر سنة 604 هـ، ومولده سنة 516 هـ (4).

وإدريس بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى بن إدريس التجيبي من أهل مرسية

(1) ترجمته في التكملة رقم 698.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1533.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1731.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 252

ص: 666

درس الحديث والفقه والأدب، وكان في مقدمة من أخذ عنهم أبو العباس بن الحلاّل صاحب الأحكام بمرسية، وكان ماهراً في شئون الوثائق والعقود، وولي قضاء شاطبة، ثم ولى الخطابة والصلاة بجامعها، وكانت له مشاركة طيبة في الأدب وله موجز في السيرة لابن إسحاق سماه " بالإشراق " وتوفي في سنة 606 هـ (1).

وأحمد بن عبد الودود بن عبد الرحمن .. بن صالح الهلالى، من أهل غرناطة وسكن المنكب حينا. ويعرف بابن سمجون. أخذ عن أبيه أبي محمد، وعدة من أقطاب عصره. وبرع في الحديث والفقه، وولي قضاء المنكب، ثم تولى الخطبة، بجامع قرطبة وقتا. وكان فوق ذلك أديبا محسنا في النثر والنظم، حدث وأخذ عنه بعض الشيوخ الجلة. وتوفي بغرناطة، في أوائل سنة 608 هـ، ومولده في سنة 528 هـ (2).

ومحمد بن أيوب بن محمد بن وهب .. بن نوح الغافقي من أهل بلنسية، ودار سلفه بسرقسطة. وكان من أشهر وأنبغ الفقهاء الذين جمعوا بين الفقه والأدب في تلك الفترة. درس القراءات والفقه والأدب، وأخذ عن عدة من الأقطاب، واستظهر المدوّنة، وأخذ العربية والآداب عن ابن النعمة. ولى خطة الشورى ببلنسية في حياة شيوخه، وتفوق عليهم في الحفظ والتحصيل، ولم يكن في وقته بشرقى الأندلس، أغزر منه علماً وتبحراً، وانتهت إليه الرياسة يومئذ في عقد الشروط والفتيا. وكان فوق براعته في الفقه والقراءات والتفسير، أديبا متمكنا، ماهراً في الغريب من اللغة، حافظا للأنساب والأخبار، متقنا لما استغلق من معانى الأشعار الجاهلية والإسلامية، مشاركا في فنون كثيرة أخرى. وولي بعد الشورى، قضاء بعض الكور ببلنسية، وخطب بجامعها وقتا. وكان له حظ متوسط من النظم. أسمع الحديث ودرس الفقه وعلوم العربية والآداب وأخذ عنه كثير من الناس، وسمع منه جلة من الشيوخ، ودرس عليه ابن الأبار، وهو يقول لنا إنه كان " أغزر من لقيت علماً، وأبعدهم صيتاً ". توفي في شوال سنة 608 هـ، ومولده سنة 530 هـ (3).

ومنهم، ومن أشهرهم، أبو عمر أحمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النفزي، من أهل شاطبة، أخذ عن أبيه وغيره من شيوخ وقته، ورحل إلى

(1) ترجمته في التكملة رقم 521.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 259.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1556

ص: 667

المشرق، فأدى فريضة الحج، وسمع بمصر أبا طاهر السلفى، وغيره من الأقطاب وكان آية في الحفظ، يسرد المتون والأسانيد ظاهراً، ولا بخل بشىء منها، مع مشاركة طيبة في النظم والنثر، وكان موصوفا بالدراية والرواية، يغلب عليه الزهد والورع، حدث عنه بعض الشيوخ الجلة، وكان من العلماء المرافقين للجيش الموحدي في موقعة العقاب، وفيها لقى حتفه، وذلك يوم الاثنين منتصف صفر سنة 609 هـ، ومولده سنة 542 هـ (1).

وحيان بن عبد الله بن محمد بن هشام .. بن حيان الأنصاري الأوسى من أهل بلنسية، وأصلهم من أروش من عمل قرطبة، درس القراءات والنحو، وأقرأ وقتا بجامع بلنسية، وكان نحويا بارعا، متقنا لكتاب سيبويه، لغوياً، أديباً شاعراً ماهراً في الكتابة، يميل إلى استعمال العويص من اللغة، وكان من أساتذة ابن الأبار وتوفي سنة 609 هـ (2).

ومحمد بن أحمد بن خلف بن عياش الأنصاري الخزرجي، من أهل قرطبة، ويعرف بالشنتيالى، درس على أبي القاسم بن بشكوال، وأبي القاسم بن غالب الشراط، وأبي إسحاق بن طلحة، وأبي الحسن بن بقى، وأبي بكر بن خير، وأبي القاسم السهيلى وغيرهم، وبرع في علم القراءات، والحديث والفقه، والنحو، وكانت له كذلك مشاركة في الفرائض والحساب، تولى الصلاة بجامع قرطبة نحواً من ثلاثين سنة، وأقرأ به القرآن، وحدث زمنا، وأخذ عنه عدد من الشيوخ، وكان من أهل العلم والعمل، والصلاح والتواضع، توفي في شعبان سنة 609 هـ. ومولده في سنة 532 هـ (3).

وأحمد بن محمد بن إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم بن خلصة الحميري، من أهل قرطبة، درس القراءات والعربية والآداب واللغة، وبرع فيها، وعين خطيبا للجامع الأعظم، وتصدر للإقراء به مدة طويلة، وعكف بالأخص على تدريس علوم اللغة، وكان متمكناً منها متفوقاً فيها، وكان له حظ من قرض الشعر. لبث دهراً يدرس علوم اللسان بجامع قرطبة، وتولى به الخطبة نحو ثلاثة أعوام وكانت وفاته وهو قائم يخطب فوق منبر الجامع الأعظم، وذلك في شهر صفر

(1) ترجمته في التكملة رقم 262.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 774.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1560

ص: 668

سنة 610 هـ، ومولده في سنة 524 هـ (1).

ومحمد بن محمد بن سليمان بن محمد بن عبد العزيز الأنصاري النحوى، من أهل بلنسية، وأصله من سرقسطة. عنى بالحديث والرواية، وبرع في علم اللسان والعربية، وكان من شيوخه عدة من الجلة مثل أبي الخطاب بن واجب، وأبي عمر ابن عات، وأبي بكر عتيق بن علي. وكان غزير العلم والمعرفة، حافظاً متمكناً، متفوقاً في صناعة العربية عاكفا على إقرائها وتعليمها، وكان فوق ذلك شاعراً مجيداً، حسن التصرف والذوق. وكانت وفاته في ربيع الأول سنة 610 هـ، ومولده في سنة 563 هـ (2).

وعبد الله بن عمرو بن محمد بن يوسف الخزرجى من أهل قرطبة، ونشأ بتلمسان، درس القراءات والعربية، وكان أديبا كاتبا بليغا، نزح إلى قرطبة، وعاش بها، وخدم بعض ولاتها الموحدين بالكتابة عنهم. ثم ولى القضاء وظهر بكفايته ونزاهته. وتوفي بقرطبة في رمضان سنة 613 هـ، وقد نيف على السبعين (3). ومحمد بن أحمد بن عبد العزيز بن سعادة من أهل شاطبة، درس القراءات والحديث، وأخذ عن أبي الحسن بن هذيل، وأبي بكر بن سيدبونه، وأخذ العربية والآداب عن أبي الحسن بن النعمة، وغيره من أقطاب العصر. وكان مقرئا بارعا، ونحويا متمكنا، ولغوياً محققاً. وقد أخذ عنه ابن الأبار وجماعة من أصحابه. وتوفي سنة 614 هـ (4).

وإبراهيم بن علي بن ابراهيم .. بن أغلب الخولاني، من أهل إسطبة من عمل قرطبة، يعرف بالزواتى، درس بأشونة على أبي مروان بن قزمان، وبإشبيلية على ابن فرقد، وأخذ كذلك عن ابن النعمة، وابن سعادة، وأبي الحسن الزهرى، وغيرهم. وتجول في مختلف البلاد في طلب العلم، وعنى بالأخص بالآداب واشتهر ببراعته فيها. وولي قضاء ألش من أعمال مرسية، وحدث وأخذ عنه. وكانت وفاته بمراكش في آخر سنة 616 هـ، ومولده في سنة 540 هـ (5).

ومحمد بن طلحة بن محمد بن عبد الملك .. بن حزم الأموي النحوى، سكن إشبيلية، وأصلهم من يابرة من أعمال الغرب (البرتغال)، عنى بالقراءات

(1) ترجمته في الذيل والتكملة (مخطوط خزانة الرباط المصور) ج 1 لوحة 134 وفي التكملة لابن الأبار رقم 263.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1562.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 2100.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1579.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 435

ص: 669

والعربية، وأخذ عن أبي بكر بن صاف، وأبي اسحاق بن ملكون، وأبي بكر ابن الجد، وأبي زيد السهلى، وغلب عليه التخصص في العربية، والتمكن منها، والتحقق من غوامضها، فعكف على تعليمها، واعتبر في هذا الميدان أستاذ إشبيلية الذي لا يبارى، وقد انتفع به عدد من الشيوخ اللاحقين، مثل أبي على الشلوبين وغيره، وغلب عليه في أواخر حياته حب العزلة، فاعتكف عن الناس، وتوفي في صفر سنة 618 هـ. ومولده بيابرة في سنة 545 هـ (1).

وسليمان بن حكم بن محمد بن أحمد بن علي الغافقي من أهل قرطبة، درس القرآن والحديث واللغة، وأخذ عن جمهرة من أقطاب عصره، منهم ابن الفخار، وأبو عمر بن عات، وأبو القاسم بن بشكوال، وأبو جعفر بن يحيى وغيرهم. امتهن عقد الشروط بقرطبة مدة، وكان متقناً مبرزاً في العدالة والضبط، عارفاً بالأحكام، أديباً كاتباً وشاعراً مبرزاً في النظم، وضع أرجوزة جيدة في الفقه. وله غير ذلك من النظم. ولد بقرطبة سنة 546 هـ، وتوفي بها في ربيع الآخر سنة 618 هـ (2).

وأحمد بن عبد المؤمن بن موسى بن عبد المؤمن القيسي، من أهل شريش. درس الحديث والعربية على شيوخ عصره. عكف زمنا على تدريس اللغة. وله في هذا الميدان عدة مصنفات نفيسة، منها شرح الإيضاح للفارسى، والمجمل للزجاجى، وله تأليف في العروض، ومجموع في مشاهير قصائد العرب، ومختصر لنوادر أبي على القالى، ولكنه اشتهر بنوع خاص بشرحه لمقامات الحريرى. وله في ذلك ثلاث نسخ، كبرى، ووسطى، وصغرى. وأخذ عنه عدد من أقطاب العصر، ومنهم ابن الأبار حسبما يحدثنا في ترجمته. وقد نشرت شروحه على هامش المقامات مراراً، وما تزال هي عمدتنا في فهم غوامضها. وكانت وفاته ببلدته شريش سنة 619 هـ (3).

وعبد الله بن أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن أبي بكر القضاعى، وهو والد ابن الأبار صاحب التكملة، أصله من أندة وسكن بلنسية، درس القراءات والأدب، وكان حسبما يصفه لنا ولده، " مقدما في حملة القرآن،

(1) ترجمته في التكملة رقم 1595.

(2)

ترجمته في الذيل والتكملة (مخطوط الإسكوريال 1682 الغزيري).

(3)

ترجمته في التكملة رقم 281، وفي نفح الطيب ج 1 ص 376

ص: 670

كثير التلاوة له، والتهجد به، ذاكراً للقراءات، مشاركاً في حفظ المسائل، آخذاً فيما يستحسن من الأدب معدَّلا عند الحكام ". وقد كان أول أساتذة ابنه في القراءات والأدب، وقد اطلع على جميع كتبه، وشاركه في الأخذ عن معظم شيوخه، وتوفي بأندة في ربيع الأول سنة 619 هـ، وولده المؤرخ يومئذ ببطليوس، ومولده بأندة سنة 571 هـ (1).

- 3 -

وظهرت من هذه الطبقة التي تجمع بين علوم الدين، وبين اللغة أو الأدب أو الشعر، إلى جانب من تقدم ذكرهم، جمهرة كبيرة أخرى، ممن نبغوا في أواخر العصر الموحدي، وفي خلال عهد الفتنة والانهيار بالأندلس نذكرهم فيما يلي: كان من هؤلاء عبد الله بن حامد بن يحيى بن سليمان بن أبي حامد المعافرى من أهل مرسية، درس الحديث على أبي القاسم بن حبيش، وأبي محمد بن حوط الله وغيرهما من أعلام عصره، ثم درس العربية وبرع فيها، وصحب الأديب الكبير أبا بحر صفوان بن إدريس، وغيره. وكان له حظ من قرض الشعر، والبراعة في الكتابة، وكان في وقته من رؤساء مرسية وأعيانها. وكانت وفاته في سنة 621 هـ (2).

ومحمد بن يخلفتن بن أحمد بن تنفليت الجنفيسي الفازازي التلمساني، نزح من المغرب إلى الأندلس، ودرس على عدة من الأعلام، وكان فقيهاً متمكناً، وأديباً مبرزاً، وكاتباً بليغاً، وشاعراً محسناً، ولى قضاء مرسية ثم قضاء قرطبة، وقيل إنه كان يحفظ صحيح البخاري أو معظمه. وتوفي بقرطبة سنة 621 هـ (3). وأحمد بن يزيد بن عبد الرحمن .. بن بقى بن مخلد بن يزيد الأموي، من أهل قرطبة، ومن أعرق بيوتاتها في العلم والنباهة، درس على جمهرة من أقطاب عصره ومنهم ابن بشكوال، وابن مضاء، وابن فرقد وغيرهم، وبرع في الفقه والحديث والأدب. وتولى قضاء الجماعة بمراكش حينا، وكذلك خطتى المظالم والكتابة العليا. وكان من أعلم رجالات عصره، وأوفرهم سراوة وجلالا. وعاش بمراكش معظم حياته، ثم غادرها إلى الأندلس وولي قضاء قرطبة قبل وفاته بيسير. وكان فوق تضلعه في الفقه أديباً كبيراً، وشاعراً مجيداً. وتوفي بقرطبة في شهر رمضان

(1) ترجمته في التكملة رقم 2105.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 2107.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1616.

ص: 671

سنة 625 هـ، ومولده في سنة 537 هـ (1).

واسماعيل بن أحمد بن عبد الرحمن الأنصاري من أهل إشبيلية، ويعرف بابن السراج، درس القراءات والحديث، ودرس العربية على أبي اسحاق بن ملكون أستاذ عصره في ذلك الميدان، وولي قضاء بعض الكور، وكان عاكفا على عقد الشروط خبيراً بصناعتها. وتوفي بإشبيلية في حدود سنة 625 هـ (2).

وإبراهيم بن عيسى بن محمد بن أصبغ الأزدي من أهل قرطبة. درس الحديث والفقه، وأخذ العربية عن أبي ذر الخشنى، وبرع فيها وفي النحو، وولي قضاء دانية، ثم صرف عنه لما اضطرمت الفتنة ببلنسية في سنة 621 هـ، وسيق إلى بلنسية، واعتقل بها وقتا، ثم أطلق سراحه، فعبر البحر إلى مراكش. وله مؤلف حسن في " مسائل الخلاف بين النحويين "، وولي في أواخر حياته قضاء سجلماسة، وتوفي بها سنة 627 هـ (3).

وثابت بن محمد بن يوسف بن خيار الكلاعي من أهل لبلة بغرب الأندلس ونزل جيان، ثم سكن غرناطة. درس القراءات والحديث والفقه، وسمع بقرطبة، وإشبيلية، ووادي آش وغيرها، وأخذ عن عدة من الأقطاب مثل أبي القاسم بن بشكوال، وأبي بكر بن بيبش، وأبي بكر بن خطاب، وأبي الحسن بن كوثر، ودرس العربية والنحو وبرع فيهما. وأقرأ القرآن والعربية بجيان وغرناطة، وبها توفي سنة 628 هـ (4).

وأحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد الأزدي، من أهل لقنت من أعمال مرسية، عنى بالقراءات والفقه وولي القضاء بجزيرة شقر، ثم ولى قضاء دانية، وكان فوق ذلك أديباً، متحققاً من العربية. وتوفي في ربيع الأول سنة 629 هـ (5). ومحمد بن جابر بن علي بن سعيد الأنصاري من أهل إشبيلية، ويعرف بالسقطى. درس القرآن والحديث وأخذ في ذلك عن نجبة بن يحيى، وأبي الوليد بن نام، وأبي ذر الخشنى وغيرهم، ودرس العربية والأدب، وكان من أهل العناية بالرواية ولقاء الرجال، رحل إلى شرق الأندلس، وأخذ عن أبي الخطاب بن واجب وغيره ببلنسية. وكان يقرىء القرآن والعربية، وقد حُدث عنه. وتوفي بعد سنة 630 هـ (6).

(1) ترجمته في التكملة رقم 292.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 495.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 440.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 626.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 297.

(6)

ترجمته في التكملة رقم 1646

ص: 672

وأحمد بن مليك بن غالب بن سعيد بن عبد الرحمن التجيبى من أهل أبدّة ويعرف بابن السقاء. درس القراءات والحديث، وأخذ عن جمهرة من أقطاب عصره مثل أبي محمد بن غلبون، وأبي الخطاب بن واجب، وابن عات، وابن بقى وغيرهم، وأخذ العربية واللغات عن أبي عبد الله بن يربوع وبرع فيها، وتصدر ببلده للإقراء والتدريس، ولما استولى القشتاليون على أبدة، غادرها إلى غرناطة واستوطنها، وتوفي بها بعد سنة 630 هـ (1).

وبسام بن أحمد بن حبيب .. بن شاكر الغافقي، من أهل جيان، وسكن مالقة، أخذ الحديث والفقه عن جماعة من الأقطاب مثل أبي عبد الله بن الفخار، وأبي جعفر بن مضاء، وأبي القاسم بن بشكوال وغيرهم، ودرس العربية والأدب، وولي قضاء ثغر المنكب وغيره، وكان له أيضاً حظ من قرض الشعر. توفي بمالقة في شعبان سنة 631 هـ، ومولده في سنة 557 هـ (2).

ومن هؤلاء الذين جمعوا بين علوم الدين واللغة والأدب والشعر أحيانا، جمهرة أخرى، ظهرت وقت انهيار سلطان الموحدين، ثم انهيار الأندلس الكبرى، وسقوط قواعدها، نذكرهم فيما يلي:

كان من هؤلاء المتأخرين، عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أبي يحيى بن مطروح التجيبى من أهل بلنسية، وأصله من سرقسطة. درس القراءات والفقه والعربية والآداب، وكان من أساتذته أقطاب مثل أبي عبد الله بن نوح، وأبي ذر الخشنى، وأبي الخطاب بن واجب، وأبي محمد بن حوط الله وغيرهم. وكان فقيها متمكنا عارفا بالأحكام، من أهل الشورى والفتيا. ولى القضاء بعدة كور من بلنسية، ثم ولى قضاء دانية، وكان فوق ذلك أديباً شاعراً، راوية. وكانت وفاته ببلنسية، أثناء حصار النصارى لها، في شهر ذي القعدة سنة 635 هـ ومولده سنة 574 هـ (3).

ومحمد بن ابراهيم بن محمد بن عبد الجليل .. بن غالب بن حمدون الأنصاري الخزرجى، من أهل ألش من عمل بلنسية. أخذ بمرسية وشاطبة عن أقطاب الشرق، مثل أبي الخطاب بن واجب، وأبي عمر بن عات، وأقطاب الغرب مثل أبي القاسم ابن بقى، وأبي سليمان بن حوط الله، وأبي القاسم الملاّحي، وغيرهم، وعنى

(1) ترجمته في التكملة رقم 301.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 606.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 2117

ص: 673

بالحديث والفقه أتم عناية، وكان له حظ من الأدب واللغة. ولى قضاء ألمرية، وتوفي بغرناطة في شهر صفر سنة 636 هـ (1).

ومحمد بن علي بن خضر بن هارون الغساني، من أهل مالقة، يعرف بابن عسكر، كان في مقدمة أعلام عصره في الفقه واللغة والأدب، فكان فقيهاً متمكناً، ماهراً في عقد الشروط، وكان حافظا للغة، أديبا، وكاتبا بليغا، وله كذلك حظ من قرض الشعر. ولى قضاء بلده مالقة مرتين. وكتب عدة كتب قيمة في اللغة والأدب منها كتاب " المشرع المروى في الزيادة على غريبى الهروى " وكتاب " نزهة الناظر في مناقب عمار بن ياسر " وكتاب " الجزء المختصر في السلو عن ذهاب البصر ". وله رسالة في الزهد عنوانها " ادخار الصبر في افتخار القصر والقبر ". وتوفي وهو يتولى قضاء مالقة في جمادى الآخرة سنة 636 هـ. ومولده في نحو سنة 584 هـ (2).

وابراهيم بن محمد بن ابراهيم، من أهل بطليوس، ونزح إلى إشبيلية، ويعرف بالأعلم. درس القرآن والحديث والعربية، وبرع فيها، وتصدر لإقرائها. وله شروح قيمة في كتب الإيضاح والجمل، والكامل، والأمالى، وغيرها. وألف أيضاً كتاباً في " آداب أهل بطليوس ". وتوفي في سنة 637 هـ (3).

وإسماعيل بن سعد السعود بن أحمد بن هشام .. بن عفير الأموي، من أهل لبلة، وسكن إشبيلية، وينتسب إلى موالى بني أمية، عنى بالحديث والفقه ودرس بقرطبة، وأخذ بها عن أبي بكر بن خير، وابن بشكوال، وابن فرقد، وغيرهم، وكان فقيها متمكنا، ولى قضاء مراكش أيام الفتنة. ثم صرف عنه وعاد إلى إشبيلية. وكان في نفس الوقت أديبا بارعا، وتوفي سنة 637 (4).

ومحمد بن اسماعيل بن محمد بن اسماعيل بن خميس الجمحي، من أهل قسنطانة من عمل دانية، درس الحديث والفقه، وصحب أبي عبد الله بن نوح ولازمه، وكتب للقضاة، ثم ولى قضاء بلنسية أيام الفتنة. وكان فوق براعته في الفقه، أديبا متمكنا له حظ من قرض الشعر، بصيراً في الأحكام وعقد الشروط، ثم غادر بلنسية مصروفا عن القضاء، وقدم إلى قضاء شاطبة، وكان من أساتذة ابن الأبار. وتوفي بشاطبة في صفر سنة 639 هـ (5).

(1) ترجمته في التكملة رقم 1660.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1661.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 447.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 496.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 1638

ص: 674

وسهل بن محمد سهل بن ملك الأزدري من أهل غرناطة. أخذ ببلده عن أبي عبد الله بن عروس، وأبي الحسن بن كوثر، وعبد المنعم بن الفرس، وأخذ بمالقة عن أبي عبد الله بن الفخار، وبإشبيلية عن أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبي العباس بن مضاء وأبي الوليد بن رشد، وأخذ عن غيرهم من أقطاب العصر. وبرع في الفقه والأصول والعربية، وكان كاتباً مقتدراً وشاعراً محسناً. نفى من وطنه غرناطة إلى مرسية بسعى بعض خصومه، وبقى بها حتى توفي المتوكل ابن هود بألمرية في سنة 635 هـ، فعندئذ سرح إلى بلده. وقد صدر عنه كثير من النثر والنظم الجيد، وصنف في العربية كتابا رتب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه. ولد سنة 559 هـ، وتوفي بغرناطة سنة 639 هـ (1).

ومحمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن اسماعيل بن عمر الأنصاري الأوسي الضرير، من أهل قرطبة، ويعرف بابن الصفار. أخذ عن أبي القاسم بن بشكوال، وأبي بكر ابن الجد، وأبي عبد الله بن زرقون، وابن مضاء، وأبي ذر الخشنى، وغيرهم من أعلام العصر، وبرع في القراءات والحديث. ورحل إلى المشرق وأخذ عن بعض أقطابه، ثم عاد إلى المغرب، وسكن مراكش، وكان يقرىء العربية والآداب، ويسمع الحديث، واستقر أخيراً بمدينة تونس، وبها توفي سنة 639 هـ (2).

وعلي بن ابراهيم بن علي بن عبد الرحمن المعروف بابن الفخار من أهل أركش، درس الحديث والفقه على جماعة من أهل عصره مثل ابن الغزال وابن زرقون وغيرهما، وكان حافظاً متقناً، ذاكراً لأسماء الرجال وأحوالهم، بارعاً في الفقه والأدب، وكان على قول ابن عبد الملك " أعجوبة زمانه في حضور الذكر لذلك كله "، وكان مشاركاً في النظم. تولى القضاء برندة والجزيرة الخضراء وغيرهما، وتوفي بشريش في صفر سنة 642 هـ (3).

وأحمد بن محمد بن القيسي من أهل قرطبة، ويعرف بابن أبي حجة. أخذ عن أقطاب عصره، وفي مقدمتهم ابن بشكوال، وابن مضاء، وأبي العباس المجريطى، وبرع في علوم القرآن والعربية، وتصدر لإقرائها. وله عدة تآليف، منها كتاب منهاج العبادة، وكتاب تفهيم القلوب في آيات علام الغيوب، وكتاب

(1) ترجمته في الذيل والتكملة (مخطوط الإسكوريال 1682 الغزيري).

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1668.

(3)

ترجمته في الذيل والتكملة (السفر الرابع من مخطوط المتحف البريطاني)

ص: 675

تسديد اللسان لذكر أنواع البيان، وغيرها. ولما سقطت قرطبة في أيدي النصارى غادرها إلى إشبيلية، وسكن بها حينا، ثم غادرها متجها إلى ميورقة، وأسرته الروم في البحر، وامتحن بالتعذيب، وتوفي على أثر ذلك بميورقة في سنة 643 هـ (1). وأحمد بن محمد بن وهب البكرى من أهل شاطبة، أخذ عن ابن نوح وابن عات وغيرهما، وبرع في الفقه والعربية، ومهر في عقد الشروط. وغادر شاطبة عند إجلاء النصارى لأهلها المسلمين، وذلك في سنة 645 هـ، وقصد إلى أوريولة، وهناك توفي في أواخر هذا العام (2).

وأحمد بن علي بن أحمد .. بن عبد الله الأنصاري من أهل قرطبة، درس الفقه والأدب بقرطبة وإشبيلية وجيان، وولي الأحكام ببعض الكور، وعنى بعقد الشروط، وكتب لوالى قرطبة وقتا. ولما سقطت قرطبة في أيدي النصارى غادرها، وعبر البحر إلى تونس، ونزل بها. وكان يقرىء بها اللغة والأدب، وممن أخذ عنه بها ابن الأبار، وكان قد استقر بها كذلك. ثم قصد إلى المشرق لتأدية فريضة الحج، ولكنه توفي بقوص وذلك في رجب سنة 646 هـ (3).

وعبد الله بن قاسم بن عبد الله بن محمد بن خلف اللخمي من أهل إشبيلية ويعرف بالحرار وبالحريرى. أخذ عن أبي الحسن الشقورى، وأبي محمد بن حوط الله وأبي القاسم الملاّحى، وابن زرقون، وابن عات، وغيرهم من الأقطاب. وبرع في الحديث، والأدب، وقرض الشعر. وله عدة مؤلفات منها، " حديقة الأنوار " وهو في تذييل " اقتباس الأنوار " في الأنساب للرشاطى، وكتاب " المنهج المرضى، في الجمع بين كتابى ابن بشكوال وابن الفرضى ". وكانت وفاته بإشبيلية خلال حصار النصارى لها في أوائل سنة 646 هـ، ومولده بجزيرة شقر، بلد أسلافه في سنة 591 هـ (4).

ومحمد بن محمد بن أحمد .. بن سليمان الزهري، من أهل بلنسية، ويعرف بابن محرز، درس على جماعة من أقطاب الشرق، مثل أبي عبد الله بن نوح، وأبي بكر بن جمرة، وأبي العطاء بن نذير، وغيرهم، وكان متمكنا من الحديث والفقه والأدب واللغة وحفظ الغريب، وله شعر رائق. ولما استولى النصارى على بلنسية، عبر البحر إلى إفريقية، ونزل ببجاية، واستوطنها وأخذ يقرىء بها

(1) ترجمته في التكملة رقم 307.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 310.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 312.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 2121

ص: 676

الحديث والفقه واللغة. وكانت له بين علمائها مكانة رفيعة، وبها توفي في سنة 655 هـ. ومولده سنة 569 هـ (1).

ومحمد بن ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن المفرح الأوسي المعروف بابن الدباغ الإشبيلي، برع في الفقه، وكان أوحد عصره في حفظ مذهب مالك، وفي عقد الوثائق، وكان في الوقت نفسه، عارفا بالنحو واللغة، أديبا بارعا، مشاركا في النظم والتاريخ. انتقل إلى غرناطة ولبث يقرىء بجامعها حينا، وتوفي في سنة 668 هـ (2).

وازدهرت في هذا العصر، الذي توالت فيه المحن على الأندلس، ومالت شمسها إلى الغروب، حركة التصوف، وظهر عدة من أكابر المتصوفة نذكرهم فيما يلي: كان من هؤلاء أحمد بن عمر المعافرى من أهل مرسية، وأصله من طبيرة من ولاية الغرب، ويعرف بابن إفرندو، أخذ عن أبي علي بن سكرة، وأبي بكر بن العربي، وأبي محمد الرُّشاطى وغيرهم، ورحل إلى المشرق، وأخذ عن بعض أقطابه، ومنهم بعض أصحاب الإمام الغزالى وكان محدثاً حافظاً، ومال إلى الزهد والتصوف، وأخذ عنه بعض أعلام العصر، مثل أبي الخطاب بن واجب وغيره. ولم نقف على تاريخ وفاته (3).

ومنهم ابراهيم بن محمد بن خلف بن سوار بن أحمد بن حزب الله، بن أبي العباس بن مرداس السلمى من أهل بلفيق من أعمال ألمرية، وبها ولد ونشأ، ويعرف بابن الحاج. درس القراءات والحديث، وأخذ في ذلك عن أبي محمد البسطى الخطيب، وابن كوثر، وابن عروس، وابن أبي زمنين وغيرهم. وكان فوق براعته في علوم السنة، مشاركا في الأدب، ومال إلى التصوف، وشغف به، وأقبل الناس إليه من كل صوب، وكثر الازدحام عليه، فنفاه الوالي إلى المغرب، وتوفي بمراكش في جمادى الآخرة سنة 616 هـ (4).

ومحمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد بن العربي المعافري، من أهل إشبيلية ومن بيت القاضي أبي بكر بن العربي، درس بإشبيلية وقرطبة، ورحل إلى المشرق، فأخذ عن أبي طاهر السلفي بالإسكندرية، ورحل إليه ثانية، ودخل الشام،

(1) ترجمته في التكملة رقم 1692، وفي عنوان الدراية للغبريني ص 170 - 173.

(2)

ترجمته في الإحاطة - مخطوط الإسكوريال (1673 الغزيري) لوحة 107.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 190.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 434

ص: 677

والعراق وبغداد، وأخذ عن أكابر علمائها، وجاور بمكة، وسمع الحديث من أكابر حفاظها. وعاد من رحلته الثانية إلى إشبيلية سنه 604 هـ، وأخذ عنه الطلاب عندئذ بإشبيلية وقرطبة. ثم رحل إلى المشرق للمرة الثالثة سنة 612 هـ، وجاور بالحرمين عدة أعوام، وحج مراراً، وسلك طريقة التصوف، وغلب عليه الزهد، وتوفي في طريق العود، بثغر الإسكندرية سنة 617 هـ (1).

ومن أشهرهم وأبعدهم صيتا، جعفر بن عبد الله بن محمد بن سيدبونه الخزاعى العابد، من أهل قسنطانة من عمل دانية. درس القراءات والحديث، وأخذ عن ابن هذيل، وابن النعمة، ورحل إلى المشرق، فأدى فريضة الحج، ودخل الإسكندرية فسمع السلفى، ثم عاد إلى بلده، ولزم العزلة والزهد، والإعراض عن الدنيا، وسلك طريقة التصوف، وكان شيخ المتصوفة بالأندلس في وقته، وعلا صيته، وذاع ذكره، في الزهد والورع، وتوفي عن نحو مائة عام في شهر ذي العقدة سنة 624 هـ، ولبث قبره حينا مزارا يتبرك به الناس (2). ومنهم محمد بن عبد الله بن محمد بن خلف بن قاسم الأنصاري من أهل بلنسية، وأصلهم من قلعة أيوب بالثغر الأعلى. درس القراءات والفقه والعربية والآداب، وأخذ عن أبي العطاء بن نذير، وأبي عبد الله بن نوح، وأبي الخطاب ابن واجب وغيرهم. وعنى لأول أمره بعقد الشروط، ثم اعتزل الحياة وتزهد، وانقطع للعلم والعبادة، وتصدر لإقراء التفسير بجامع بلنسية، وغلب عليه التصوف. وألف كتاب " نسيم الصبا " في الوعظ، وكتاب " النفوس الزكية في الخطب الوعظية "، وكان من أساتذة ابن الأبار، أخذ عنه وكتب عنه بعض كتبه. ولما وقع حصار النصارى لبلنسية، وجهه أميرها إلى مرسية لاستنهاض همم أهلها. وتوفي بأوريولة في رجب سنة 640 هـ (3).

ومحمد بن مفضل بن حسن بن عبد الرحمن بن محمد بن مهيب اللخمى، أصله من طبيرة من أعمال الغرب، وسكن ألمرية. كان فقيهاً وأديباً وشاعراً، مائلاً إلى التصوف، ولى الخطبة بقصبة ألمرية حيناً، ثم نزح إلى تونس، ثم إلى سبتة وبها توفي سنة 645 هـ، ومن مؤلفاته كتاب " الجواهر الثمينة "(4).

ونختتم هذا الثبت القصير من متصوفة الأندلس في أواخر العهد الموحدي،

(1) ترجمته في التكملة رقم 1593.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 643.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1671.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1682

ص: 678

بذكر قطبهم الأكبر الشيخ محيى الدين الطائي، الذي يعتبر شيخ المتصوفة على الإطلاق. وهو محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله، الشيخ محيى الدين الطائى الحاتمى، ويكنى أبا محمد وأبا بكر، ويعرف بابن عربي تمييزاً له من العلامة أبي بكر بن العربي. ولد في شهر رمضان سنة 560 هـ بمدينة مرسية، وسكن إشبيلية وقتا، وأخذ بمرسية عن أشياخها، ومنهم ابن بشكوال، وكان يقيم بها يومئذ، وعبر إلى المغرب ونزل بجاية في رمضان سنة 597 هـ، وأخذ عن أشياخها، ثم رحل إلى المشرق حاجا، فأدى الفريضة، ولم يرجع بعدها إلى وطنه، وسمع بمكة وبغداد ودمشق، ودرس الحديث ومال إلى التصوف، وشغف به، حتى ملك عليه كل جوارحه، وكان ظاهرى المذهب، وكان يحدث بالإجازة العامة عن أبي طاهر السلفى. واشتهر ابن عربي، بانقطاعه إلى التصوف وتبحره في مذاهبه وطرائقه، حتى وصفه بعض مترجميه " بالبحر الزاخر في المعارف الإلهية "، وله ثبت حافل من المؤلفات الجليلة التي تدل على غزير علمه وسمو معارفه، نذكر منها " الفتوحات المكية " وهو مؤلف ضخم يعالج فيه طرائق الصوفية علاجا شاملا، " والتدبيرات الإلهية " و " فصوص الحكم "، " وتاج الرسائل ومنهاج الوسائل " و " كتاب العظمة "، و " المتجليات " و " مفاتيح الغيب "، و " كتاب الحق "، و " مراتب علوم الوهب "، و " الإعلام بإشارات أهل الإلهام "، و " العبادة والخلوة "، و " المدخل إلى معرفة الأسماء "، و " أسرار الخلوة "، و " عقيدة أهل السنة "، و " ناصحة النفس واليقين "، و " مشكاة الأنوار "، وكثير غيرها. وقد ذكر منها صاحب فوات الوفيات أكثر من خمسين مؤلفا. وكان ابن عربي يجاهر بكثير من الآراء الحرة التي تؤخذ عليه أحيانا، وتعتبر من ضروب الإلحاد، حتى أنه حينما كان بمصر، وصدرت عنه تلك الآراء أو الشطحات كما كان يصفها ابن عربي، اشتد العلماء المصريون في محاسبته، ورموه بالإلحاد والكفر، وطالبوا بإهدار دمه، لولا أن شفع له بعضهم ونجا من تلك المحنة. وكان ابن عربي آية في الذكاء والحافظة وسرعة الخاطر، فصيحا، بارع البيان، وعلى الجملة فقد كان قطبا من أعظم أقطاب عصره، وكان صيته يطبق أنحاء المشرق والمغرب. وتوفي ابن عربي في دمشق في نحو الثمانين من عمره، وقد اختلف في تاريخ وفاته، فذكر صاحب فوات الوفيات أنه توفي في الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة 638 هـ. وذكر ابن الأبار أنه توفي بعد الأربعين وستمائة

ص: 679

وعنى كثير من أكابر المستشرقين بدراسة حياة ابن عربي وتراثه، ومن هؤلاء آسين بلاثيوس، وجولد سيهر، ومكدونالد.

وكان ابن عربي، فوق براعته في التصوف، شاعراً جزلاً ينظم الشعر الرقيق الجيد، ومن ذلك قوله في التعبير عن الشوق:

سلام على سلمى ومن هل بالحمى

وحق لمثلى رقة أن يسلما

وماذا عليها أن ترد تحية

علينا ولكن لا احتكام على الدمى

سروا وظلام الليل أرخى سدوله

فقلت لها صبّا غريبا متيما

فأبدت ثناياها وأومض بارق

فلم أدر من شق الحنادس منهما

وقالت أما يكفيه أني بقلبه

يشاهدنى من كل وقت أما أما

وقوله:

درست عهودهم وإن هواهم

أبدا جديد في الحشا ما يدرس

هذى طلولهم وهذى الأدمع

ولذكرهم أبدا تذوب الأنفس

ناديت خلف ركابهم من حبهم

يا من غناه الحسن ها أنا مفلس

يا موقدا نارا رويدا هذه

نار الصبابة شأنكم فلتقبسوا (1).

(1) راجع في ترجمة ابن عربي فوات الوفيات ج 2 ص 241 - 243، والتكملة لابن الأبار رقم 1673، وعنوان الدراية للغبرينى (طبع الجزائر 1338 هـ)، ص 97 - 99

ص: 680