الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس غزوة شنترين
ومصرع الخليفة أبي يعقوب يوسف
استعداد الخليفة للجهاد بالأندلس. ولاة الأندلس وقضاتها الجدد. قسمة السلاح والعتاد. مسير الخليفة إلى رباط الفتح. الاتفاق على توجيه الحملة إلى الأندلس. مسير الخليفة إلى مكناسة، ثم إلى فاس. تعيين السيد أبي حفص لقيادة العرب، وبعض السادات لقيادة الموحدين. مسير الخليفة إلى سبتة. جواز قبائل العرب فقبائل البربر ثم الموحدين إلى شبه الجزيرة. عبور الخليفة ومسيره إلى إشبيلية. أقوال ابن صاحب الصلاة. اختيار مدينة شنترين هدفاً للغزوة المنشودة. حكمة هذا الاختيار وبواعثه. منشآت الخليفة بإشبيلية. خروج الخليفة في قواته إلى بطليوس. تحالف ملكي قشتالة وليون ضد الموحدين. ملك ليون يحاصر قاصرش. الرواية النصرانية عن خطة الموحدين. رفع الحصار عن قاصرش. مسير الموحدين إلى شنترين. عدد الجيش الموحدي. شنترين وموقعها. أشبونة هدف الغزوة الموحدية. محاصرة الموحدين لشنترين. اقتحامهم للربض الخارجي. اعتصام النصارى بالقصبة. المعارك بين الموحدين والبرتغاليين. أمر الخليفة بالكف عن القتال. تحول الجيش الموحدي عن موقعه. صدور الأمر بالرحيل. غموض بواعث هذا الأمر. رواية في تعليله. رواية أخرى في شرح ما حدث في المعسكر الموحدي. شرح الرواية النصرانية لأسباب الانسحاب. ما حدث خلال الانسحاب من الفوضى والاضطراب. مهاجمة النصارى لساقة الجيش المنسحب. وصولهم إلى محلة الخليفة. جرح الخليفة ثم وفاته خلال السير. بعض روايات عن هذا الحادث. رواية أخرى عن مرض الخليفة ووفاته. أسباب نكبة الجيش الموحدي. مسير الجيش وكتمان وفاة الخليفة. التوقف في طرش. اجتماع القادة ومبايعة الأمير أبي يوسف يعقوب. الوصول إلى إشبيلية. إعلان الوفاة وأخذ البيعة للخليفة. انقضاء الغزو والأمر بالرحيل. مسير الركب الخليفي إلى طريف. عبوره إلى العدوة. المسير إلى رباط الفتح. الخليفة أبو يعقوب. حزمه وتقواه وعلمه. حرصه على تنفيذ حكم الشرع. مطاردته للعمال الظلمة. خبرته بشئون المملكة. شغفه بالجهاد. علمه وأدبه. تمكنه من الحديث والفقه واللغة. دراسته للفلسفة والطب. صلاته بابن طفيل وابن زهر وابن رشد. كيف وضع ابن رشد شروحه لأرسطو. ابن طفيل سفير الخليفة لدى العلماء. شغف أبي يعقوب بجمع كتب الفلسفة. أثر من آثاره العلمية. كلفه بالمنشآت العمرانية. وزراؤه وقضاته وكتابه. أبناؤه وصفته.
كان من الواضح للخليفة أبي يعقوب وأعوانه من أقطاب الموحدين، أن حوادث الأندلس، قد أخذت في الأعوام الثلاثة أو الأربعة الأخيرة، تسير نحو اتجاه مكدر، وأن عدوان الممالك الإسبانية النصرانية، قد أخذ يشتد ويتفاقم، وأن غزوات البرتغاليين لولاية الغرب، وما أحرزوه من انتصارات في البر
والبحر على القوات الموحدية، وغزوات ملك قشتالة لموسّطة الأندلس وتهديده لقرطبة وإشبيلية، وتوغل قواته جنوباً حتى غرناطة ومالقة ورندة، كل ذلك قد كشف عن ضعف الجبهة الدفاعية الموحدية بالأندلس، وعن قصور القوات الموحدية عن حماية الأندلس، وصد عدوان النصارى عنها.
ومن ثم فقد رأى الخليفة أنه لابد من تنظيم حركة جديدة للجهاد بالأندلس ليقودها بنفسه، وظهرت بوادر هذه النية منذ أوائل شهر جمادى الآخرة من سنة 579 هـ، حينما أمر الخليفة بتمييز طوائف الموحدين والعرب والقبائل استعداداً للغزو، وبصنع عشرة مجانيق جربت بعد صنعها بالرمي أمامه، في منطقة البحيرة خارج مراكش، واستمر تمييز الجند طوال شهر جمادى الثانية (سبتمبر 1183 م).
وفي شهر شعبان أصدر الخليفة المراسيم بتولية أربعة من أبنائه قواعد الأندلس الأربعة الرئيسية، وهم السيد أبو إسحق لولاية إشبيلية كما كان، والسيد أبو زكريا يحيى لولاية قرطبة، وذلك تنفيذاً لرغبة القاضي أبي الوليد بن رشد، والسيد أبو زيد لولاية غرناطة، والسيد أبو عبد الله لولاية مرسية، وأمر بسفرهم إلى مقر أعمالهم، تمهيداً لحركة الغزو. وأصدر أمره في نفس الوقت بتولية أبي المكارم ابن الحسين المصري لقضاء إشبيلية، وأبي الوليد بن رشد لقضاء قرطبة، وأبي عبد الله بن الصقر لقضاء غرناطة، وتحرك الجميع للسفر إلى شبه الجزيرة في السابع والعشرين من شعبان.
وفي منتصف شهر رمضان، أجريت قسمة السلاح والعتاد، وخصص خباء لكل عشرة من الفرسان، ثم أخرجت البركة لسائر الجند من الفرسان والرجّالة.
وفي يوم السبت الخامس والعشرين من شوال (فبراير 1184 م) صدرت الأوامر بالحركة، وركب الخليفة كعادته بعد صلاة الصبح، وخرج من باب دُكّالة، وهو الذي يسلكه إلى الغزو بإفريقية. ويصف لنا صاحب البيان المغرب -والمرجح أنه ينقل عن ابن صاحب الصلاة (1) - موكب الخليفة ومراحل سيره، فيقول إنه سار يتقدمه العلم الأبيض مع الرجّالة، كالعادة، ومعه مصحف عثمان على جمل أبيض مرتفع، وقد وضع تابوته المرصع بنفيس الجواهر، وعليه قبة حمراء لصيانته، ويليه مصحف المهدي يحمله بغل، وقد سار بنو الخليفة مع
(1) يدفعنا إلى هذا الاستنتاج ما نلاحظه من مطابقة في السرد والوصف لأسلوب ابن صاحب الصلاة، وورود عبارات كثيرة مسجعة وغيرها مطابقة لما يستعمله ابن صاحب الصلاة في مواطن كثيرة.
إخوته خلفه، ووصل الخليفة في ركبه الضخم إلى سلا في الثالث عشر من ذي القعدة، ونزل بمدينة المهدية (رباط الفتح)، وهنالك وفد عليه أبو محمد ابن أبي إسحاق بن جامع قادماً من إفريقية، فأخبره أن السلام يسودها، وأن العرب الذين يخشى من شغبهم، قد فروا من البلاد بأهلهم، حينما سمعوا بحركة الغزو، وبذلك أمن شرهم واستتبت السكينة والأمن.
وفي أثناء ذلك وصل شيوخ العرب المنضمون للحملة بجميع قبائلهم، فصدر أمر الخليفة بالإنعام عليهم بالكسى والبركات والصلات الجزيلة. وتعهد الأشياخ بأن يساهموا في هذه الغزوة بمائة وثلاثين ألفاً ما بين فارس وراجل.
ثم أمر الخليفة باجتماع شيوخ الموحدين والعرب والقادة في مؤتمر عام، وخرج إليهم ولده أبو يوسف المنصور، وأبلغهم أن أمير المؤمنين يطلب رأيهم ويستشيرهم في أمر توجيه هذه الحملة، هل توجه إلى إفريقية أم توجه إلى الأندلس، فكان رأيهم بالإجماع أن توجه إلى الأندلس لغزو النصارى والجهاد في سبيل الله، فأبدى الخليفة ارتياحه لهذا الرأي (1). ومعنى ذلك أن الخليفة، حين خروجه من مراكش لم يكن لديه رأى حاسم في شأن الغزوة التي ينوي القيام بها، وهذا في ذاته يكشف لنا جانباً من ضعف الخطط العسكرية الموحدية.
وفي اليوم الثامن والعشرين من ذي القعدة، بدأت العساكر في الجواز على قنطرة سلا، وفي اليوم الثلاثين غادر الخليفة في موكبه، رباط الفتح إلى مكناسة، فوصلها في السادس من ذي الحجة، وقضى بها عيد الأضحى، ثم غادرها إلى فاس، وكانت قد ترامت إليه الأنباء عن خيانة مشرفها وعمالها المختلفين، واختلاساتهم، فأمر بالقبض عليهم جميعاً، ومصادرة دورهم وأموالهم لحساب " المخزن "، وألزموا بأن يردوا " للمخزن " أربعمائة ألف وستين ألف دينار، تعهدوا بأدائها أقساطاً، ورتب عليهم الرقباء حتى قاموا بأدائها.
وفي الثاني عشر من ذي الحجة، أمر الخليفة بأن يتقدم العسكر قبيلتا هنتانة وتينملّل برسم الجواز إلى الأندلس، وبأن يتقدم ولده السيد أبو حفص على طوائف العرب، وأن يشرف على جوازهم إلى الأندلس، ثم قدّم على قبائل الموحدين وحشودهم، بعض السادات من الأبناء والإخوة، وكتب إلى الولاة
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 130، وكذلك في روض القرطاس ص 139.
بالأندلس أن يستعدوا لاستقبال هذه الحشود المختلفة، وأن يكونوا هم في جموعهم في هيئة استعداد للجهاد.
وفي يوم الثلاثاء الرابع من شهر المحرم سنة 580 هـ (8 أبريل 1184 م) غادر الخليفة أبو يعقوب مدينة فاس في موكبه، على الترتيب السابق وصفه، حتى وصل إلى ثغر سبتة فأقام به بقية شهر المحرم. وأمر في أثناء ذلك ببدء الجواز، فجازت قبائل العرب أولا، ثم قبائل زناتة، فالمصامدة، فمغراوة وصَنهاجة وأورية وغيرهم من بطون البربر، ثم جازت جيوش الموحدين. فلما كمل جواز الجيش عبر الخليفة فيمن بقى من طوائف العبيد والحرس، وكان عبوره في الخامس من صفر (17 مايو) ونزل بجبل الفتح (جبل طارق) ثم سار منه إلى الجزيرة الخضراء، ثم إلى إشبيلية عن طريق أركش وشريش، فوصل إليها في عساكره في اليوم الثالث عشر من صفر (25 مايو)، وخرج أهل الحاضرة الأندلسية إلى لقائه والسلام عليه، وفي مقدمتهم قاضيهم ابن الجد. ويقول لنا ابن صاحب الصلاة، إنه كان حاضراً في هذا اليوم، وإنه قام بالسلام على الخليفة مع من تقدم إليه من الطلبة، وأنه لم يستطع الكلام لشدة الزحام، وأن الخليفة نزل بقصره داخل حدائقه الواقعة خارج باب قرمونة. وفي اليوم التالي لوصوله أمر بتمييز العساكر وتوزيع السلاح والعتاد عليهم. ووزعت ألف فرس من عتاق الخيل على أشياخ الموحدين والعرب وكبار الجند. وأمر قائد الأسطول أبو العباس الصقلي بإعداد سفن الغزو وما يلزمها من الآلات والمعدات. وكانت أجناد الأندلس، تتلاحق خلال ذلك من أوطانها وقواعدها إلى إشبيلية، لتنضم إلى جيش الغزو (1).
وأقام الخليفة بإشبيلية أسبوعين وهو دائب العناية باستكمال الاستعدادت وتنظيم الحشود، والنظر في كل ما يلزم للقيام بالغزوة المنشودة، وضمان نجاحها.
أما هدف هذه الغزوة، فقد استقر الرأي على أن يكون مدينة شنترين البرتغالية. وقد سبق أن أوضحنا أن الخليفة لم يحدد هدف هذه الغزوة منذ البداية بصورة قاطعة، بل لم تتحدد وجهة الحملة الموحدية إلى شبه الجزيرة الأندلسية إلا حينما وصل الخليفة إلى سلا. ولكن اختيار مدينة شنترين بالذات هدفاً للغزوة الموحدية يرجع إلى أسباب عديدة، مادية ومعنوية. فقد كانت البرتغال في عهد
(1) نقله البيان المغرب عن ابن صاحب الصلاة ص 132. وكذلك روض القرطاس ص 130.
أبي يعقوب أول مملكة نصرانية في شبه الجزيرة ناصبت الموحدين العدوان، وكانت مدينة شنترين بالذات أهم قواعد هذا العدوان، فمنها خرجت الحملات العدوانية المتوالية التي شنها الفارس المغامر جيرالدو سمبافور على بلاد ولاية الغرب وحصونها في قطاع بطليوس، وهي ترجالُه وقاصرش، ومنتانجش وشربة، وجلمّانية. ثم كانت بعد ذلك قاعدة لمهاجمة ملك البرتغال وجيرالدو سمبافور لمدينة بطليوس ذاتها، واستيلائهما عليها، ولو لم يتعاون فرناندو ملك ليون مع الموحدين على إنقاذ المدينة، لبقيت في أيدي البرتغاليين. وكانت شنترين أخيراً مركزاً للحملات المخربة التي شنها البرتغاليون في أحواز إشبيلية، والتي وصلت في سيرها مرة إلى طُريانة، وأخرى إلى الشّرف ومدينة شلوقة، وعلى الجملة فقد كانت شنترين هي المركز الرئيسي لعدوان البرتغاليين على قواعد ولاية الغرب وأراضيها، وقد اضطلع فرسانها وجندها بأعظم دور في هذه الحملات العدوانية، والغزوات المخربة، وكان الخليفة وقادته يرون أن الاستيلاء على شنترين يلحق بالبرتغاليين وملكهم ألفونسو هنريكيز ضربة شديدة، ويقضي على أهم مراكز العدوان في البرتغال، ومن ثم كان اختيارها هدفاً للغزوة الموحدية الكبرى.
ومما هو جدير بالذكر أن الخليفة أبا يعقوب، لم ينس خلال هذه المشاغل الحربية الطامية برنامج منشآته العظيمة بمدينة إشبيلية، وهو الذي بدأه حين إقامته الأولى بإشبيلية قبل ذلك بنحو خمسة عشر عاماً، بإنشاء المسجد الجامع والقصور الموحدية، وقنطرة طريانة. ومشاريع الري والسقاية، ذلك أنه أمر قبل تحركه إلى الغزو عامله أبا داود بلول بن جلداسن، أن يقوم خلال غيبته في الغزو، بإنشاء سور حصين على قصبة إشبيلية، يمر من مبدىء بنيانه أمام رحبة ابن خلدون داخل المدينة، وببناء صومعة للجامع في موقع اتصال السور بالجامع المذكور، وبناء دار صنعة للسفن تتصل من سور القصبة الذي على الوادي بباب القطائع، إلى الرحبة السفلى المتصلة بباب الكحل (1). وسوف نعود فيما بعد إلى التحدث عن مصير هذه المنشآت في موطنه المناسب.
- 1 -
في صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين من شهر صفر سنة 580 هـ الموافق لليوم السابع من شهر يونيه سنة 1184 م، تحركت الجيوش الموحدية وعلى رأسها
(1) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة 170 أ.
الخليفة أبو يعقوب يوسف، من مدينة إشبيلية، نحو الشمال، بنفس الترتيب الذي سبق وصفه. وكان السير هيناً وئيداً، فوصلت بعد تسعة أيام إلى حصن العرجة (1) في طريق بطليوس، وهنالك تم اجتماع الجيوش الموحدية، وقد بدت في أكمل نظام، وأحسن زي، وتقلد الجند كامل أسلحتهم من السيوف والدروع والقسي وغيرها، ثم استأنفت الجيوش سيرها، حتى وصلت إلى مدينة بطليوس، فأمر الخليفة بالنزول في ظاهرها، وأن يجرى تمييز الجند، واستكملت الجيوش ما كان ينقصها من الزاد والميرة. وكان الوزير السابق إدريس بن جامع منفياً في بطليوس ومعه في المنفى أيضاً أبو زكريا بن حيون الكومي شيخ قبيلة كومية، فالتمسا إلى أمير المؤمنين حين مقدمه أن يأذن لهما بالاشتراك في الجهاد فأذن لهما.
وكان الموقف بالنسبة للممالك النصرانية قد تغير قبل ذلك بأعوام، وانقطعت كل مهادنة بينها وبين الموحدين، وجنحت كلها إلى العدوان، وإلى غزو أراضي الأندلس كل من الناحية التي تليها، وذلك حسبما فصلناه من قبل. وكان فرناندو ملك ليون قد نبذ محالفة الموحدين حسبما تقدم، وحذا حذو زملائه في انتهاج هذه السياسة العدوانية، وعقد مع ملك قشتالة ألفونسو الثامن معاهدة تعهد فيها بأن يلتزم معاداة الموحدين، وألا يعود إلى محالفتهم قط، وقطع زميله ملك قشتالة على نفسه مثل هذا العهد (يونيه سنة 1183 م). وكان في الوقت الذي عبرت فيه الجيوش الموحدية إلى شبه الجزيرة، يقوم بغزوة جديدة لأراضي الأندلس، ويحاصر مدينة قاصرش (2) الواقعة شمال شرقي بطليوس على مقربة من نهر التاجُه، واستمر يحاصرها طول الشتاء حتى نهاية الربيع. وكان الخليفة الموحدي يعلم بأمر هذا التحالف الجديد بين قشتالة وليون. وكان الذائع بين الملوك النصارى أن الجيوش الموحدية الغازية، قد تغزو أي الممالك النصرانية، أعني قشتالة أو ليون أو البرتغال، إذ كانت جميعاً سواء في موقفها العدواني من الموحدين، وفي الإغارة على أراضي الأندلس. بل إن الرواية النصرانية، وبخاصة الرواية البرتغالية، تنسب إلى الخليفة الموحدي من غزوته هذه مشاريع أجل خطراً، وأبعد مدى، فتقول لنا إنه كان يبغي، بعد الاستيلاء على شنترين، أن يقوم بافتتاح مملكة البرتغال كلها شمالا حتى نهر دويرة، ثم يسير بعد ذلك إلى غزو مدينة طليطلة
(1) وهو بالإسبانية Alanje.
(2)
وهي بالإسبانية Caceres.
حاضرة قشتالة (1)، وعلى أي حال فإن فرناندو ملك ليون، حينما علم بسير الجيوش الموحدية نحو بطليوس واقترابها بذلك من مواقعه، بادر برفع الحصار عن قاصرش، وعاد إلى حاضرته مدينة ردريجو، وأخذ يرقب سير الحوادث.
وفي يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الأول غادر الخليفة في قواته مدينة بطليوس، وسار نحو الشمال الغربي مخترقاً الناحية اليسرى من وادي التاجُه، ثم أمر الجند الموحدين أن يتقدموا صوب شنترين، فعبروا نهر التاجُه بقيادة السيد أبي إسحاق والي إشبيلية، ثم تلاهم بقية الجند وعلى رأسهم الخليفة، ونزلت الجيوش الموحدية جميعها بالتل المرتفع المشرف على شنترين من ناحيتها الشرقية والجنوبية، وكان ذلك في يوم الأربعاء السادس عشر لربيع الأول سنة 580 هـ (27 يونيه سنة 1184 م) وفقاً لقول الرواية الإسلامية المعاصرة (2)، وتضع الرواية النصرانية مقدم الجيوش الموحدية إلى شنترين قبل ذلك بثلاثة أيام في اليوم الرابع والعشرين من يونيه وهو يوم القديس خوان (3).
وتنوه معظم الروايات الإسلامية بضخامة هذا الجيش الموحدي، ووفرة حشوده (4)، ويقدم إلينا بعضها عن عدده أرقاماً مدهشة، فيقول لنا صاحب الروض المعطار إنه كان يضم أربعين ألفاً من أنجاد العرب الفرسان، ومن الموحدين والجنود والمطوعة وفرسان الأندلس ما ينيف على مائة ألف فارس (5)، وإذن فقد كان هذا الجيش الذي أعد لغزو البرتغال، وافتتاح شنترين أضخم من الجيش الذي سار من قبل عند جواز الخليفة الأول إلى الأندلس، إلى حصار وبذة، وتنوه الرواية النصرانية أيضاً بضخامة الجيش الموحدي، وذلك بما تذكره من أرقام خسائره، حسبما نشير إليه فيما بعد.
وتقع مدينة شنترين، وقد أتيحت لنا زيارتها، في شمال شرقي أشبونة على
(1) H. Miranda: Ibid، cit. Chronicon Lusitanum p. 292
(2)
هذه هي رواية البيان المغرب، منقولة فيما يرجح عن ابن صاحب الصلاة، وكان مرافقاً للحملة (البيان المغرب القسم الثالث ص 133) ويضع صاحب روض القرطاس مقدم الموحدين إلى شنترين في السابع من ربيع الأول (ص 140).
(3)
راجع في ذلك H. Miranda: Ibid، p. 297 & 300
(4)
راجع ما ينقله البيان المغرب في القسم الثالث عن القاضي أبي الحجاج يوسف بن عمر (ص 135) وكذلك ابن خلكان في الوفيات ج 2 ص 394.
(5)
الروض المعطار - صفة جزيرة الأندلس في مقاله عن " شنترين " ص 114.
قيد خمسين كيلومتراً منها، فوق ربوة مرتفعة تقع على الضفة اليمنى لنهر التاجُه، أمام حنية نصف دائرية. وقد كانت في العصر الذي نتحدث فيه من أمنع القواعد البرتغالية، وكانت في عهدها الإسلامي، نظراً لحصانة موقعها في منعطف النهر من المراكز الأمامية للمعارك المستمرة بين المسلمين والنصارى. وقد سقطت في أيدي النصارى لأول مرة في سنة 486 هـ (1093 م)، حينما استولى عليها ألفونسو السادس ملك قشتالة، ولكن المسلمين استردوها، واستمرت في حوزتهم عصراً آخر، ولما اشتد ساعد مملكة البرتغال الناشئة في عهد ملكها ألفونسو هنريكيز، وأخذ هذا الملك يغير على القواعد الإسلامية المجاورة، كانت شنترين وأشبونة من القواعد التي استولى عليها، وذلك في سنة 542 هـ (1147 م) حينما اضطربت شئون ولاية الغرب على أثر قيام الثورة ضد المرابطين وبقيتا بيد النصارى إلى ذلك الحين. وكان الموحدون يتوقون إلى استرداد هاتين القاعدتين الهامتين من قواعد ولاية الغرب.
وهنالك في الواقع ما يدل على أن استرداد ثغر أشبونة كان من أهداف هذه الحملة الموحدية الكبرى بل ربما كان هو هدفها الرئيسي (1). ذلك أن الأسطول الموحدي، كان وقت عبور الخليفة إلى شبه الجزيرة، قد حشد عند مصب الوادي الكبير ومصب وادي يانه، وكان في نفس الوقت الذي اتجهت فيه الجيوش الموحدية صوب شنترين، يسير إلى مياه أشبونة، ثم يحاصرها (2). بيد أنه كان من الطبيعي أن يقوم الجيش الموحدي قبل السير إلى أشبونة، بالاستيلاء على شنترين، وهي حصن أشبونة من الشمال، وبذلك تؤمن مؤخرة الجيش الموحدي ضد أي هجوم يقوم به النصارى من تلك الناحية.
ومن ثم فإنه ما كادت القوات الموحدية تصل إلى ظاهر شنترين، حتى أمر الخليفة بأن يتقدم الجند حتى أبواب المدينة، وأن يضربوا حولها الحصار، ونزل الموحدون في الربض الواقع في جنوبها الشرقي والممتد على طول النهر وضربت به قبة الخليفة، وكان البرتغاليون وعلى رأسهم ملكهم ألفونسو هنريكيز، قد احتشدوا داخل شنترين وقصبتها وجدوا في تحصينها، واتخذوا أعظم أهبة للدفاع عنها (3)،
(1) راجع روض القرطاس ص 140.
(2)
الروض المعطار، صفة جزيرة الأندلس، ص 114.
(3)
المراكشي في المعجب ص 145.
خريطة: خط سير الجيش الموحدي والأسطول الموحّدي إلى غزوة شنترين.
رسم: مواقع معركة شنترين سنة 580 هـ - 1184 م.
وكان المدافعون عن الربض الخارجي قد أقاموا حواجز يستطيعون الاعتصام بها، والدفاع منها. فاقتحم الموحدون الربض وهدموا أحياءه المتصلة بالسور، وهدموا الكنيستين اللتين به، وقتل كثير من المدافعين عنه، وارتد الباقون إلى القصبة، واعتقد القادة الموحدون أن السبيل ممهد لاقتحام المدينة وأخذها، وأعدت بالفعل السلالم اللازمة لاقتحام الأسوار. وفي يوم الجمعة 19 ربيع الأول 29 يونيه)، هاجم الموحدون الأسوار، واشتبكوا مع قوة من النصارى خرجت لقتالهم فهزموها وردوها صوب القصبة. وفي صبيحة اليوم التالي - السبت - تجدد القتال بين الموحدين وبين النصارى، واستمر القتال بين الفريقين حتى يوم الاثنين الحادي والعشرين من ربيع الأول (2 يوليه). ونشبت بينهما خلال ذلك عدة معارك عنيفة. وتقدم إلينا الروايات النصرانية عن هذه المعارك صوراً مختلفة، ويقول بعضها إن المعارك لبثت تضطرم بين النصارى والموحدين في الربض الخارجي للمدينة خمسة أيام، وأن الموحدين بالرغم من خسائرهم لبثوا يجددون هجماتهم، حتى حطمت سائر الحواجز والتحصينات بالربض، وأضحى الموقف مستحيلا، واضطر النصارى إلى اللجوء إلى ناحية القصبة. وهذه الرواية تقترب في جملتها من أقوال الرواية الإسلامية. بيد أن بعض الروايات النصرانية تقدم إلينا مزاعم لا يستطيع أن يسيغها العقل، ولاسيما الرواية المنسوبة إلى الحبر الإنجليزي راؤول دي ديستو، وخلاصتها أن الموحدين وصلوا إلى شنترين في يوم القديس خوان، أعني في يوم 24 يونيه، وحاصروها، وأنهم بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال من القتال المستمر، نجحوا في اقتحام المدينة من ثلمة أحدثوها. ولكن وصل في اليوم التالي أسقف بورتو وابن الملك وقتلوا من الموحدين خمسة عشر ألفاً، وسدوا تلك الثلمة بجثثهم. وفي اليوم الذي يليه وصل أسقف شنت ياقب ومعه عشرون ألف مقاتل، وفي الفجر قتلوا ثلاثين ألفاً من الموحدين (1).
بيد أنه وقفت في اليوم الختامي لهذه المعارك، وهو يوم الاثنين 21 ربيع الأول (2 يوليه) بالعسكر الموحدي مفاجأة مذهلة، وهي صدور أمر الخليفة بالكف عن القتال، وكان الأمر قد صدر في نفس الوقت بتحرك الجيش من موضع نزوله إلى موضع آخر، أو من شرقي شنترين إلى غربها وشمالها حسبما يقول صاحب
(1) H. Miranda: Ibid ; C. R. de Diceto y Cronica de Alfonso Enriquez
p. 297 & 300.
روض القرطاس. فعجب الناس لذلك، ولم يفقهوا له سبباً، بل إن في هذا التعليق ذاته ما ينم عن إنكار الشيوخ والقادة الموحدين لهذا الأمر الفجائي الذي لم يدرس، ولم تتضح مبرراته. فما الذي حدث في المعسكر الموحدي، وكيف ولِم وقع هذا التحول الفجائى في حركة الجيش الموحدي، ولمّا يمض على مقدمه إلى شنترين سوى ستة أيام؟ إن الرواية الإسلامية لا تقدم إلينا في هذا الموطن أي شرح واضح أو أي تعليل مقنع لهذا الارتداد الفجائي لجيش ضخم غازٍ يربى عدده على المائة ألف، عن مدينة مرهقة بالحصار وقد سقطت أرباضها في أيدي الغزاة، ولا تدافع عنها سوى حامية محلية، قد أنهكتها المعارك المتوالية مع الغزاة، ولجأت في النهاية إلى القصبة ترقب المصير المحتوم، ولم يقل لنا ابن صاحب الصلاة، وهو مرافق الحملة ومؤرخها، شيئاً سوى التعليق على أمر الارتحال بقوله:" فتعجب الناس من هذا الرأي في الانتقال والارتحال، وتعطلت في النفوس جميع الآمال، وظهر الخلل في جميع الأحوال ". ثم يقول إنه قد حدث في هذا اليوم -أي يوم صدور الأمر بالارتحال- على عسكر أهل مرسية حادث مروع، وذلك أنهم خرجوا للإغارة في بسائط النصارى، فخرجوا عليهم وهزموهم هزيمة شنيعة فارتدوا إلى المحلة منهزمين، " وبات الناس في المحلة على حذر، ومن الوجل في ألم وضرر "(1).
ويقول لنا مؤرخ موحدي آخر كان مرافقاً للحملة أيضاً هو القاضي أبو الحجاج يوسف بن عمر، إن الخليفة أبا يعقوب حينما قصد مدينة شنترين أمنع بلاد ابن الرنك، وأكثرها أجناداً، وأقواها استعداداً، فزع النصارى وروعت نفوسهم لما رأوه من ضخامة الجيش الموحدي وتفوقه العظيم. وكان القصد محاصرة المدينة وإرهاقها، ثم يقول دون أي إيضاح آخر:" فلما استراءت من جهاتها الأنباء، وطال لغير طائل الثواء، عزم أمير المؤمنين على الارتحال، وترويح الجيوش والنفوس من السآمة والكلال، فأمر بالرحيل ليلا "(2).
على أن مؤرخاً معاصراً آخر، ويعتبر كذلك من مؤرخي الموحدين، هو عبد الواحد المراكشي، يقدم إلينا عن هذا الارتداد للجيش الموحدي رواية، قد تبدد بعض هذا الغموض الذي يثيره صمت شاهد العيان، وهي أن أبا يعقوب حينما
(1) نقله البيان المغرب - القسم الثالث ص 134 و 135.
(2)
نقله البيان المغرب - القسم الثالث ص 136.
حاصر شنترين وبالغ في التضييق عليها، وانتساف أقواتها، وقطع المؤونة والمدد عنها، لم يزد ذلك أهلها إلا حزماً في الدفاع، وجلداً في تحمل مشاق الحصار، فخشى الموحدون هجوم البرد، إذ كان الوقت آخر فصل الخريف، وخافوا أن يفيض النهر فلا يستطيعون عبوره، وتنقطع عنهم الأمداد، فأشاروا على أمير المؤمنين بالارتداد عن شنترين والرجوع إلى إشبيلية، فإذا تغيرت الظروف، عاد الموحدون إلى حصارها، وصوروا له أن الأمر هين، وأن المدينة تعتبر غنماً في يده لا يمنعه عنها مانع، فاستمع الخليفة إلى نصحهم، وقال نحن راحلون غداً إن شاء الله، ولم يقف أحد على هذا القول سوى الخاصة، وكان أول من قوض خباءه وأظهر الأخذ بأهبة الرحل، أبو الحسن علي بن عبد الله المعروف بالمالقي، وكان من أكابر البلاط الموحدي، ويوصف بخطيب الخلافة، فلما رأى الناس صنعه، حذوا حذوه لما يعلمونه من وقوفه على أسرار الدولة، وعبر النهر في تلك العشية أكثر العسكر، يريدون التقدم خشية الزحام، ولم يبق إلا من كان بقرب خباء أمير المؤمنين، وبات الناس يعبرون الليل كله، وأمير المؤمنين لا علم له بما حدث (1). وينقل ابن خلكان هذه الرواية بنصها وتفاصيلها في ترجمة الخليفة أبي يعقوب (2).
ونلاحظ فيما يتعلق بهذه الرواية أن حصار شنترين لم يقع في أواخر الخريف، ولكنه وقع أواخر شهر يونيه سنة 1184 م، أعني في أوائل الصيف، وقد رأينا أن الحصار، وفقاً لرواية شاهد العيان، وكذلك وفقاً للرواية النصرانية، لم يدم سوى عدة أيام (3). وعلى ذلك فإن تعليل الارتداد باقتراب الشتاء، والخوف من فيضان النهر ليس بالتعليل المقنع، وإن كان على أي حال محاولة لتفسير تصرف الخليفة الموحدي.
هذا، وهنالك محاولة أخرى من جانب الرواية الإسلامية لتفسير ما حدث في المعسكر الموحدي، هي رواية صاحب روض القرطاس، وهي أنه لما أمر أمير المؤمنين بانتقال الجيش من موضع نزوله إلى موضع آخر، أنكر الناس ذلك
(1) المراكشي في المعجب ص 145.
(2)
وفيات الأعيان ج 2 ص 494.
(3)
ذكر ابن الأثير في حوادث سنة 580 هـ، أن الخليفة أبا يعقوب حاصر شنترين مدة شهر (ج 11 ص 190). وينقل ابن خلكان هذه الرواية (ج 2 ص 492).
ولم يعلموا له سبباً، وأنه لما جن الليل، وفرغ الخليفة من صلاة العشاء، استدعى ولده السيد أبا إسحق والي إشبيلية، وأمره بالرحيل من تلك الليلة إلى غزو مدينة أشبونة وشن الغارة على أنحائها، وأن يسير لها بجيوش الأندلس خاصة، وأن يكون رحيله نهاراً، فأساء السيد أبو إسحق فهم أوامر الخليفة، وظن أنه أمره بالرحيل في جوف الليل إلى إشبيلية. يقول صاحب الروض:" وصرخ الشيطان في محلة المسلمين أن أمير المؤمنين قد عزم على الرحيل. وفي هذه الليلة تحدثت الناس بذلك، وتأهبوا له، فرحل من الناس طائفة بالليل. فلما كان قرب الفجر أقلع السيد أبو إسحق، وأقلع كل من كان يليه، وتابعه الناس بالرحيل، فارتحلوا وأمير المؤمنين مقيم في مكانه لا علم له بذلك "(1).
على أن ما تقدمه إلينا الرواية النصرانية عن أسباب انسحاب الجيش الموحدي قد يفسر لنا ما وقع بطريقة أوضح، وأكثر اتفاقاً مع منطق الحوادث. ذلك أن الموحدين، بعد أن اشتبكوا مع البرتغاليين في ربض شنترين وسلسلة من المعارك الطاحنة استمرت بضعة أيام، واستولوا خلالها على أرض الربض وحطموا تحصيناته الخارجية، أدركوا أن المدينة من المناعة، وأن المدافعين عنها من الاستعداد والكثرة، بحيث يتعذر اقتحامها، ولابد لأخذها من الاعتماد على حصار طويل صارم. وفي أثناء ذلك وقع حادث كان له فيما يبدو تأثير حاسم في تطور الموقف. ذلك هو مقدم فرناندو الثاني ملك ليون وقواته. ونحن نذكر أنه لما تحرك الجيش الموحدي من إشبيلية، صوب بطليوس، كان فرناندو الثاني يحاصر مدينة قاصرش الواقعة شمال شرقي بطليوس محاولا الاستيلاء عليها، فلما وقف على حركة الجيش الموحدي، رفع الحصار عن قاصرش، وارتد إلى قاعدته القريبة مدينة ردريجو. ولما تعينت وجهة الجيش الموحدي بالسير إلى شنترين وحصارها، سار فرناندو في قواته صوب ميدان المعركة لإنجاد المدينة المحصورة، وذلك تنفيذاً للعهد الذي قطعه على نفسه بقتال الموحدين، وتقول الرواية النصرانية أيضاً إن ألفونسو ملك البرتغال كان متوجساً في البداية من مقدم فرناندو وجيشه، فلما علم أنه قادم لإنجاده وإنجاد إخوانه النصارى، اطمأنت نفسه وأيقن بالخلاص (2). ومن ثم فإنه يبدو أن تطور الحوادث على هذا النحو
(1) روض القرطاس ص 140.
(2)
Primera Cronica General de Espana (Ed. Pidal) p. 676
هو الذي حمل الخليفة على اتخاذ قراره الفجائي، بالارتداد، خشية أن يعمل الليونيون على إعاقة عبوره النهر إلى الضفة اليسرى، ولاسيما بعد أن اقتنع بصعوبة الاستيلاء على شنترين.
بيد أنه إذا كان هذا التعليل يلقى شيئاً على بواعث قرار الارتداد، فإنا لا نستطيع أن نفهم سر ذلك الاضطراب المروع الذي اقترن بتنفيذه. ومن المحقق أن الخليفة ومعاونيه كانوا يقصدون أن يكون الارتداد وفق خطة منظمة، تقي الجيش المنسحب كل اضطراب وكل عثار. وهذا ما يؤكده لنا القاضي أبو الحجاج يوسف بن عمر في روايته حين يقول " إن ثقات الخليفة تطوفوا أول الليل على الرؤوس والجموع، وأوعزوا إليهم، ترتيب التحرك وكيفية القلوع، وأن يكون كل قبيل من جهتهم ثابتين مرصدين حتى ترحل الحمولة والأثقال، وتتخلص إلى السعة من المضايق والأوحال "(1). بيد أن الذي حدث هو العكس تماماً. وهو الفوضى المروعة، والاختلال المطبق. يقول أبو الحجاج يوسف، وهو شاهد العيان:" فاضطرب إقلاع الناس اضطراباً شنيعاً، وكثر الضجيج، واختلاط الأصوات، وتهولت المحلات، وأخذ العموم على شتى المسالك، فلا ترى سميعاً ولا مطيعاً ".
وكان أشنع ما في ذلك، هو ما حدث من غموض في فهم أوامر الخليفة، وتسرع في تنفيذها. ذلك أن كثيراً من الأشياخ ورؤساء القبائل فهموا أنه يجب الارتداد فوراً وفي جوف الليل، فهرعت طوائف غفيرة من الجند إلى الارتداد.
وعبور النهر، ووقع الارتداد في مناظر مروعة من الاختلال والضجيج والفوضى.
يقول الراوية شاهد العيان: " حضرت يوم هذا الإقلاع وليله، فما رأيته في تاريخ قبله، ولا يحصر واصف هوله "، وأقلع السيد أبو إسحاق ولد الخليفة نفسه في جنده عند الفجر قاصداً إشبيلية، واعتقد كثير أن الخليفة نفسه قد أقلع في السحر، واستمر عبور الجند على هذا النحو تباعاً، حتى عبر معظم الجيش، كل ذلك والخليفة غافل عما حدث. فلما أسفر الصبح، ظهرت الحقيقة المروعة، ولم يبق حول الخليفة الموحدي سوى الساقة، فعندئذ أمر الخليفة بضرب الطبول، فاجتمعت الفلول الباقية، وانحدر الخليفة صوب النهر، وبقى ابنه يعقوب المنصور مع بقية الساقة، في موضع المحلة مستعداً للقاء النصارى وردهم وحماية أبيه ومن معه.
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 136.
ولكن نصارى شنترين أدركوا عندئذ ما وقع في المعسكر الموحدي، من إقلاع وارتداد، فبادروا بالخروج من المدينة، وهجموا على القوات المنسحبة بشدة، وأدركوا ساقة الخليفة، ودافعت الفلول الموحدية بمنتهى البسالة، وسقط خلال ذلك عدد من أكابر الموحدين والأندلسيين، ووصل النصارى إلى مقر الخليفة نفسه بعدوة الوادي، وأصابه بعضهم بجراح خطيرة. وعلى أثر انتهاء المعركة أمر الخليفة بتفرق الجموع، ورجوع كل جندي إلى قبيلته، وأمر بتخريب الوادي، وانتساف زروعه، وقطع أشجاره وهدم ضياعه، وتغوير مائه، وحرق كل ما يمكن حرقه، كما أمر بتقسيم السرايا في نواحي الوادي لتحصيل الأقوات، وانتزاع السبي والغنائم. كل ذلك الخليفة الجريح ملتزم فراشه، ومن حوله أطباؤه ابن زهر وابن طفيل (1) وابن قاسم، وهو يزداد ضعفاً على ضعف، ثم أمر الخليفة بالرحيل، وهو محمول في محفة، حتى تم اجتياز وادي التاجُه، وما كاد الموكب يقطع بضعة أميال أخرى، حتى أسلم الخليفة الروح، وذلك في الثامن عشر لربيع الآخر سنة 580 هـ (29 يوليه سنة 1184 م)(2).
تلك هي رواية القاضي أبي الحجاج يوسف بن عمر، المرافق للجيش المنسحب عن ظروف الارتداد وعن إصابة الخليفة أبي يعقوب يوسف ووفاته متأثراً بجراحه. بيد أن هناك رواية أخرى هي رواية المراكشي، وهو أيضاً معاصر، ومن مؤرخي الموحدين، وهي أنه لما رأى نصارى شنترين ما حدث من عبور الموحدين، وانصراف معظم الجيش المحاصر، ووقفوا على ما قرره الخليفة من الارتحال في بقية جيشه، خرجوا من المدينة في خيل كثيفة، وحملوا على المحلة الموحدية بشدة، حتى بلغوا قبة أمير المؤمنين، ودافعهم من حولها، وجلهم من أعيان الأندلس، حتى قتل كثير منهم، ونفذ النصارى إلى خباء الخليفة، فطعنه أحدهم تحت سرته طعنة توفي منها بعد أيام يسيرة، وتكاثر الموحدون على الروم حتى ردوهم، فانهزموا راجعين إلى المدينة، وعبر أمير المؤمنين النهر
(1) وردت في النص "ابن مقبل " ولكنا نعتقد أن ذلك تحريف لاسم ابن طفيل طبيب الخليفة الخاص.
(2)
البيان المغرب - القسم الثالث ص 137 و 138. وتضع معظم الروايات تاريخ وفاة الخليفة في شهر ربيع الآخر على خلاف في اليوم الذي توفي فيه. ولكن المراكشي ينفرد بالقول بأن الخليفة أبا يعقوب توفي في اليوم السابع من رجب سنة 580 هـ (أكتوبر سنة 1184 م) المعجب ص 147.
ويجاريه في ذلك ابن خلكان. فيذكر نفس التاريخ (الوفيات ج 2 ص 494).
جريحاً في محفة، فلم يمض على ذلك يومان أو ثلاثة حتى توفي متأثراً بجراحه (1).
وهنالك رواية أخرى مماثلة تقترب في جوهرها من رواية المراكشي، وهي رواية صاحب روض القرطاس، وهي أنه لما وقع ارتداد معظم الجيش الموحدي ليلا، وجاء الصبح، فلم يجد الخليفة حوله سوى اليسير من خاصته وحشمه الذين يرحلون لرحيله، وينزلون لنزوله، وقواد الأندلس لأنهم هم الذين كانوا يمشون أمام ساقته وخلف محلته، فلما أشرقت الشمس وشهد النصارى ما وقع من ارتحال المحلة الموحدية، وأنه لم يبق منها حول المدينة سوى قبة أمير المؤمنين وعبيده وحشمه وأهل دائرته، وتحققوا ذلك من جواسيسهم، فتحوا أبواب المدينة، وخرج جميع من فيها خرجة عنيفة وهم ينادون " الري. الري "(2) أعني الملك، فاقتحموا محلة العبيد، حتى وصلوا إلى خباء الخليفة، فمزقوه واقتحموه، فدافعهم الخليفة بسيفه حتى قتل منهم ستة رجال، فطعنه أحدهم طعنة نافذة، وقتل ثلاث من جواريه كن قد انصبن عليه حتى طعن، وسقط على الأرض، فتصايح الفرسان والعبيد والأجناد والموحدون وقواد الأندلس، واجتمع المسلمون فقاتلوا النصارى قتالا عنيفاً حتى ردوهم عن الخباء، ثم تابعوا قتالهم بشدة حتى هزموهم وردوهم إلى أبواب المدينة، وقتلوا منهم جموعاً غفيرة تقدر بما يزيد على عشرة آلاف، واستشهد من المسلمين جماعة. ثم ركب أمير المؤمنين، وقد أشرف على الموت، وارتحل الناس، ومات الخليفة خلال الطريق، وكانت وفاته في يوم السبت الثاني من ربيع الآخر سنة 580 هـ (13 يوليه سنة 1184 م) وذلك على مقربة من الجزيرة الخضراء في طريق جوازه إلى العدوة (3).
ويؤيد هذه الرواية عن مصرع الخليفة أبي يعقوب متأثراً بجراحه، من المؤرخين المتأخرين، الوزير ابن الخطيب، حيث يقول لنا إن الخليفة توفي بظاهر شنترين من سهم أصابه في خبائه وهو محاصر لها، قضى عليه، وكتم موته.
بيد أنه يضع تاريخ مصرعه في الثامن والعشرين من ربيع الآخر سنة 580 هـ
(1) المراكشي في المعجب ص 145 و 146، ونقل ابن خلكان هذه الرواية في وفيات الأعيان ج 2 ص 494.
(2)
" El Rey El Rey ".
(3)
روض القرطاس ص 140، 141.
وهو يوافق الثامن من أغسطس سنة 1184 م (1).
ويوجد أخيراً رواية مفادها أن الخليفة أبا يعقوب لم يمت متأثراً بجراحه، ولكنه توفي من مرض لم تذكر لنا الرواية كنهه، وهذه هي رواية ابن الأثير، حيث يقول إن الخليفة حاصر شنترين شهراً، فأصابه مرض مات منه في ربيع الأول (580 هـ) وحمل تابوته إلى مدينة إشبيلية (2)، ويأخذ صاحب الروض المعطار بهذه الرواية فيقول لنا إن الخليفة، وهو مقيم على شنترين عرض له المرض الذي توفي منه، وأقام الرحل به مضطجعاً على فراشه، وضعفه يتزايد، إلى أن تُفقد في بعض أميال فوجد ميتاً وذلك في سنة 580 هـ (3).
ويتردد ابن خلدون بين الروايتين، فيقول لنا إن الخليفة توفي من سهم أصابه في حومة القتال عندما اقتحم النصارى محلته أو أنه توفي من مرض أصابه (4).
وكان الخليفة أبو يعقوب عند وفاته في السابعة والأربعين من عمره، إذ كان مولده، حسبما تقدم في سنة 533 هـ بتينملّل.
وإنه ليبدو لنا إزاء اتفاق الروايات الموحدية المعاصرة، ومعها صاحب روض القرطاس وابن الخطيب، أن القول الراجح هو أن الخليفة أبا يعقوب قد أصيب في الموقعة التي نشبت بين النصارى وبين محلته، وأنه توفي متأثراً بجراحه. ومن الواضح أن وقوع مثل هذا الحادث ممكن ومعقول في مثل الظروف التي أحاطت بالجيش المنسحب، وفي غمرة الخلل الذي أصابه، والفوضى التي سادته. ولقد كان انسحاب الجيش الموحدي من أمام أسوار شنترين نكبة مؤلمة، تفوق في نتائجها الخطيرة المروعة، نكبة انسحابه من وبذة قبل ذلك باثنى عشر عاماً. ونستطيع هنا أن نستشف نفس الأسباب، ونفس وجوه الضعف التي انتابت الجيش الموحدي، وعصفت بتماسكه ونظامه، وجعلته بالرغم من ضخامته، ووفرة استعداده وعدته، أشبه بكتلة بشرية مفككة، لا تجمعها أية قيادة حازمة، ولا هدف مشترك، وفتت في قواه المعنوية، فانهارت لديه فكرة الجهاد التي حشد من أجلها، وأضحت كل طائفة من طوائفه تبحث فقط عن سلامتها،
(1) ابن الخطيب في الإحاطة في مخطوط الإسكوريال الذي سبقت الإشارة إليه لوحة 395
(2)
ابن الأثير ج 11 ص 190.
(3)
الروض المعطار " صفة جزيرة الأندلس " ص 114.
(4)
ابن خلدون ج 6 ص 241، وكذلك نفح الطيب ج 2 ص 546.
وترقب أول فرصة للانسحاب. ومن الواضح أيضاً أن استئثار الخليفة بتوجيه حركات جيشه دون الاعتماد على رأي قواده، كان له أكبر الأثر فيما حدث من سوء فهم للأوامر الصادرة، بل ربما نستطيع أن نستشف من ذلك أثر الانشقاق وعصيان الأوامر الصادرة من الخليفة دون دراسة ودون تدبر، وقد كان منها الأمر بنقل مواقع الجيش الموحدي من شرقي وجنوب شنترين إلى الشمال والغرب، وهو أمر عارضه القواد الموحدون، لأنه يضع الجيش الموحدي في مواقع تعرضه لخطر التطويق، ثم أمر الانسحاب المفاجىء الذي استأثر الخليفة بإصداره، فكان نذيراً بكارثة الانسحاب المروع، وما اقترن به من شنيع الاضطراب والفوضى، وما انتهى الأمر إليه من فقد الاتصال بين الفرق المنسحبة، وبين حرس الخليفة وخاصته، وكانت النكبة المروعة، باقتحام محلة الخليفة وإصابته القاضية، أضف إلى ذلك كله ما كان يعانيه الجيش الموحدي من نقص في تمويناته، حتى اضطر حين الانسحاب أن يبحث عن أقواته بشن الغارات على الأراضي التي يخترقها خلال مسيره. وقد أثبت الخليفة أبو يعقوب وقواده بذلك كله، أنهم لم يتعلموا شيئاً من دروس حملة وبذة، ولم يحاولوا إصلاح جيوشهم، على ضوء ما تبين من وجوه النقص فيها، واستمر اعتمادهم في حشدها على التفوق العددي دون سواه.
- 2 -
لما توفي الخليفة أبو يعقوب متأثراً بجراحه بعد عبوره نهر التاجُه بقليل، محمولا على محفته حسبما تقدم، كتمت وفاته، وحمل كالعادة مسجياً في محفته، حتى نزل الركب خلال الطريق إلى إشبيلية، بعد موضع يسميه صاحب البيان المغرب " بحصن طرش " وهنالك ضربت أخبية الخليفة كالعادة، وأحدق الفتيان والخدمة بالقبة الخليفية وفقاً للرسوم المعتادة، وكان السيد يعقوب أبو يوسف ولد الخليفة هو الذي يدخل على أبيه منذ إصابته، ويخرج من لدنه، ويتصرف في الأمور باسمه (1)، فلما نزل الركب بالموضع المذكور، وتكامل وصول الناس، بعث السيد أبو زيد ابن الخليفة إلى إخوته الأكابر الموجودين مع الجيش، وإلى أكابر الموحدين، وأطلعهم على وفاة الخليفة، وكشف لهم عن جثمانه وهو مسجى في فراشه، وطلب إليهم مبايعة الأمير يعقوب أبي يوسف، فاستجابوا إليه، وتمت البيعة في مساء نفس اليوم. وفي اليوم التالي استؤنف السير، وكل شىء على
(1) روض القرطاس ص 141.
حاله، واستمر كتمان وفاة الخليفة الراحل، بيد أنه كفن وأدرج في تابوت، حتى وصل الركب إلى إشبيلية، وذلك بعد نحو شهر من بداية انسحاب الجيش وعبوره لنهر التاجُه.
واستراح أبو يوسف يعقوب بإشبيلية ثلاثة أيام، تلاحقت خلالها الحشود، ووصلت جموع العرب والموحدين وسائر الطوائف الأخرى، ونزلت في أكناف إشبيلية، ودعى الناس خاصتهم وعامتهم، لتقديم البيعة، وأعلنت وفاة الخليفة الراحل، وغصت القصبة بوجوه القوم من موحدين وغيرهم، وأخذت البيعة للخليفة الجديد مدى يومين هما وفقاً لقول صاحب البيان غرة وثاني جمادى الأولى (1) وأغدق الخليفة بهذه المناسبة صلاته على قرابته وأهل بيته، وخص أخاه السيد أبا زيد بهبة جليلة قدرها عشرة آلاف لما بذل في خدمته، وتنظيم بيعته.
وقد تمت بيعة الخليفة أبي يوسف في هدوء وسلام، ودون أية معارضة، أولاً لأن أباه الخليفة الراحل أبا يعقوب كان قد خصه بولاية عهده أثناء حياته، وإن لم تقدم لنا الرواية تاريخ هذا التعيين (2)، وثانياً لأنه كان أكبر أولاده (3)، فكان هذا الاعتبار في ذاته مبرراً لتقديمه، وذلك خلافاً لما كان عليه أبوه الخليفة أبو يعقوب بن عبد المؤمن حيث قدم للخلافة مع وجود شقيقه الأكبر السيد أبي حفص، وذلك تتفيذاً لوصية أبيه.
ولما كمل أمر البيعة، وشملت سائر أنحاء الأندلس، وسائر الطبقات، وتم تنظيم شئون الأندلس، دعا الخليفة في اليوم الرابع والعشرين من جمادى الأولى (2 سبتمبر سنة 1184 م) أشياخ الموحدين والعرب، وشيوخ الوفود من سائر القواعد، وأذن بالحركة وانقضاء الغزو، والتأهب للرحيل، وكتب بذلك لسائر البلاد والقبائل من المجاهدين والمسافرين، وقدم القائد أبو العباس الصقلي إلى ثغر طريف، في ثلاث عشرة سفينة لنقل الخليفة وخاصته وجيشه، وتقدمت سفينتان
(1) وهذا التاريخ لا يتفق مع سير الأحداث والتواريخ السابقة. فقد كانت وفاة الخليفة وفقاً لنفس المؤرخ في 18 ربيع الثاني سنة 580 هـ، وقد استغرق وصول الجيش المنسحب مدى شهر.
وإذاً فقد كان من المنطق أن تكون البيعة في نحو منتصف شهر جمادى الأولى لا في غرته (البيان المغرب القسم الثالث ص 138 و 142).
(2)
المعجب للمراكشي ص 147.
(3)
الحلل الموشية ص 120.
بالانتقال إلى رباط الفتح بمياه سلا. وفي فجر اليوم التالي، خرج أهل الأندلس إلى بحيرة الوادي في جموع حاشدة، وضربت قبة الخليفة على شاطىء النهر (الوادي الكبير)، ونظم الموكب الخليفي، يتقدمه المصحف الكريم، وسار الخليفة في ضحى اليوم، فنزل بقرية طريانة قبالة إشبيلية، ثم غادرها إلى شريش، تتبعه الجيوش، ثم إلى مدينة شذونة، أو مدينة ابن السليم (1)، حيث التقى بالسيد أبي زكريا ابن أخيه السيد أبي حفص قادماً من تلمسان مع أعيان عرب زغبة، ومعه سبعمائة جواد معونة لأهل الأندلس. وسار الخليفة بعد ذلك جنوباً صوب الشاطىء حتى وصل إلى الموضع المسمى بحجر الإيل (2)، وهي ربوة تقع على مقربة من طريف، وقد اجتمع الأسطول على طول الشاطىء، على قدم الأهبة لنقل الخليفة وجيشه، وفي اليوم السابع من جمادى الآخرة سنة 580 هـ (12 سبتمبر) ضربت قبة الخليفة، وقام أهل الأندلس بتحية الوداع، وكذلك ودع الخليفة إخوته الذين قدّمهم للولاية بالأندلس، وهم أبو إسحاق وأبو زيد وأبو يحيى.
وفي ضحى نفس اليوم ركب الخليفة البحر، وأمام سفينته مصحف عثمان، ونزل بقصر مصمودة، أو القصر الصغير، قبالة ثغر طريف من البوغاز، واستراح هنالك ريثما تم جواز سائر الجيش. ثم غادر القصر إلى رباط الفتح، وهنالك تسمى لأول مرة بأمير المؤمنين، وكان منذ بيعته يكتفي بلقب " الأمير يعقوب "، وكتب في الحال بذلك إلى بلاد الأندلس. وتلقاه في الرباط، أبو عبد الله بن واجاج في وفود العرب وأهل فاس ومكناسة وعمالهم، وأقال إبراهيم بن إسماعيل من عمل فاس، وأمر سائر العمال بالمثول إلى الحضرة، وقام بدفن أبيه أمير المؤمنين أبي يعقوب مؤقتاً بدار الخليفة بالرباط، ثم نقل منها بعد ذلك ودفن بتينملل إلى جانب أبيه عبد المؤمن والمهدي ابن تومرت (3). وغادر الخليفة بعد ذلك رباط الفتح إلى حضرته مراكش (4).
- 3 -
كان الخليفة أبو يعقوب يوسف من أعظم خلفاء الدولة الموحدية، وبالرغم
(1) وهي بالإسبانية Medina Sidonia
(2)
وهي بالإسبانية La Pena del Cierro
(3)
روض القرطاس ص 141، والحلل الموشية ص 143.
(4)
البيان المغرب القسم الثالث ص 143.
من أنه لم يحقق في ميادين الحرب والسياسة نتائج عظيمة كالتي حققها أبوه الخليفة عبد المؤمن، وولده الخليفة يعقوب المنصور، فإنه يعتبر مع ذلك، ولاسيما من النواحي الإدارية والعمرانية، ثالث هؤلاء الخلفاء الثلاثة، الذين بلغت الدولة الموحدية في ظلهم أوج قوتها وعظمتها.
وقد امتاز حكم الخليفة أبي يعقوب بالحزم، وتحري الحق والعدالة ومطاردة الظلم والبغي (1)، وترجع هذه النزعة إلى ما كان يتسم به هذا الخليفة من التقى والورع، ومن العلم والتبحر في العلوم الشرعية. وقد ظهرت هذه النزعة بصورة عملية، في غير مناسبة من أوامره وتصرفاته. وربما كانت رسالته التي وجهها إلى أخيه السيد أبي سعيد والي قرطبة، وإلى سائر الطلبة الموحدين بالأندلس في سنة 561 هـ، بشأن وجوب تحري الدقة في تنفيذ الأحكام وتوقيع العقوبات، أبرز محاولة بذلها في هذا الشأن. وقد رأينا كيف عنى الخليفة في هذه الرسالة التي لخصنا محتوياتها فيما تقدم، بإصدار أمره إلى الموحدين بألاّ يُقضى بحكم الإعدام إلا بعد أن ترفع النازلة إلى الخليفة مشفوعة بالشرح وأقوال الشهود والعدول، وأن تكتب أقوال المظلومين وحججهم، وإقرارهم واعترافهم، وأن يدقق في الجرائم التي دون القتل، وكذا في سائر المعاملات والأموال، واستحقاقها، وفي الرقاب وعتقها وغير ذلك. وكان الخليفة إلى جانب هذه المحاولات الشرعية، يقوم بمطاردة الظلم والعمال الظلمة، فإذا وقف على ما يرتكبه بعضهم من ظلم أو عسف أو اغتيال أموال الناس بالباطل، عزله ونكبه. وكان من أبرز ما فعله في ذلك بطشه بعمال مدينة فاس وملحقاتها، والتنكيل بهم، ومصادرة دورهم وأموالهم (2)، وما قام به في جوازه الأول إلى الأندلس من نكبة بعض عمال إشبيلية والمخزن من المختلسين وغيرهم، وما قام به بعد ذلك من نكبة عماله ووزرائه بني جامع الذين استأثروا بالوزارة دهراً، وغير ذلك مما أشرنا إليه.
وإلى جانب هذه النزعة إلى تحقيق العدالة، كان حكم أبي يعقوب متسماً بالمقدرة والحزم، فقد كان خبيراً بشئون مملكته، عارفاً بسياسة رعيته، دؤوباً
(1) ابن صاحب الصلاة في المن بالإمامة لوحة 46 ب.
(2)
البيان المغرب - القسم الثالث ص 131.
على النظر في الأمور، وكان عارفاً بالشئون المالية، ضابطاً لخراج مملكته (1)، وربما كانت هذه المقدرة في فهم الشئون وتدبيرها راجعة بالأخص إلى ممارسته إياها ردحاً من الزمن قبل توليه الخلافة أيام أن كان والياً لإشبيلية، وقائماً بشئون الأندلس.
وقد تجلى هذا الحزم في حكم أبي يعقوب في شدة عنايته بقمع أية نزعة إلى الخروج والعصيان، والسير بنفسه إلى مقاتلة الخوارج، وذلك كما حدث عند فتنة غمارة، ثم فتنة صنهاجة، وحين ثورة قفصة، وغيرها مما سبق أن فصلناه في مواضعه.
والخلة الثانية التي امتاز بها الخليفة أبو يعقوب يوسف، هي شغفه بالجهاد في سبيل الله، وقد ظهر أثر هذا الشغف بالجهاد من الناحية النظرية فيما ألفه أبو يعقوب في فضل الجهاد، مما نذكره بعد؛ وظهر من الناحية العملية في عنايته بحشد الجيوش العظيمة وتمويلها، ثم قيادتها في حملتيه العظيمتين إلى شبه الجزيرة الأندلسية. وبالرغم من أن الخليفة أبا يعقوب لم يكن موفقاً في حملتيه المذكورتين، وقد سجل فشله الأول تحت أسوار وبذة، ثم سجل فشله الثاني أمام أسوار شنترين، وبالرغم من أن الحملتين لم تكونا بعيدتين عن تحقيق الأغراض العسكرية والإقليمية، فإن مقصد الجهاد كان هو النزعة المسيرة لهما، وقد ذهب الخليفة ضحية هذه النزعة واستشهد في ميدان الجهاد.
وكان أبو يعقوب إلى جانب ذلك ملكاً عظيماً " شديد الملوكية " على حد قول المؤرخ، بعيد الهمة، وافر البذل والجود، عمت صلاته وأعطيته سائر الطوائف. ويصفه ابن الخطيب بأنه كان " آية الموحدين في الإعطاء والمواساة، وفي أيامه ساد الرخاء واستغنى الناس، وكثرت في أيديهم الأموال "(2).
على أن ألمع وأعظم خلة كان يتسم بها أبو يعقوب، هو علمه وأدبه، وقد أفاضت الروايات المعاصرة واللاحقة في التنويه بمواهبه العلمية والأدبية، ويجمل ابن صاحب الصلاة وهو المؤرخ المعاصر، العارف بشخص أبي يعقوب وخلاله، مواهبه العلمية، في تلك الفقرة: " كان الأمير أبو يعقوب يوسف رضي الله عنه كاملا فاضلا عدلا ورعاً جَزْلا مستظهراً للقرآن، حافظاً له، عالماً بالحديث،
(1) ابن خلكان ج 2 ص 490.
(2)
المعجب ص 133، وابن الخطيب في الإحاطة مخطوط الإسكوريال لوحة 395.
متقناً للعلوم الشرعية والأصولية، متقدماً في علم الإمام المهدي رضي الله عنه " (1). على أن ما يجمله ابن صاحب الصلاة في تلك الكلمات القليلة، يفصله لنا المراكشي بإفاضة في حديثه عن أبي يعقوب. وقد عاش المراكشي قريباً من عصر أبي يعقوب، وكانت تربطه بعدة من أبنائه مثل أبي زكريا يحيى، وأبي عبد الله محمد، وأبي إبراهيم إسحق، روابط وثيقة.
يقول المراكشي إن أبا يعقوب كان " أعرف الناس كيف تكلمت العرب، وأحفظهم بأيامها ومآثرها وجميع أخبارها، في الجاهلية والإسلام ". ثم يقول: " إنه كان أحسن الناس ألفاظاً بالقرآن، وأسرعهم نفوذ خاطر في غامض مسائل النحو، وأحفظهم للغة العربية "(2).
ويجب لكي نقدر روعة هذه الصفات في أبي يعقوب، أن نذكر أولا أنه كان بأرومته من صميم أصول البربر، وذلك سواء من ناحية أبيه أو ناحية أمه، وقد ولد ونشأ بتينملل عاصمة المهدي، في بيئة بربرية محضة، ولكن يجب أن نذكر إلى جانب ذلك أن أبا يعقوب كانت تحمله نفس الروح العلمية التي امتاز بها أبوه الخليفة العالم عبد المؤمن بن علي، ثم يجب أن نذكر أيضاً أن أبا يعقوب قضى زهرة فتوته في إشبيلية مذ عينه أبوه والياً لها في سنة 551 هـ، وهو في نحو الثامنة عشرة من عمره، حتى وفاة أبيه في سنة 558 هـ، حينما استدعى لتولي الخلافة من بعده. ففي هذه الأعوام الثمانية التي قضاها أبو يعقوب في المدينة الأندلسية العظيمة، التي كانت قد غدت منذ اضمحلال قرطبة عاصمة الأندلس الفكرية، تفتحت مواهب أبي يعقوب العلمية والأدبية، وقد كانت إشبيلية يومئذ مجمع أقطاب اللغة والعلوم الدينية، وكان أبو يعقوب منذ حداثته حافظاً للقرآن متمكناً من الحديث، حتى قيل إنه كان يحفظ صحيح البخاري. وكان في نفس الوقت بارعاً في الفقه، وفي إشبيلية تلقى علوم اللغة عن بعض أقطابها، وفي مقدمتهم العلامة اللغوى أبو إسحق إبراهيم بن عبد الملك المعروف بابن ملكون، وبرع في النحو والأدب. ولما ولي الخلافة، وعاد إلى إشبيلية في جوازه الأول إلى الأندلس، واستطالت إقامته بها زهاء خمسة أعوام أخرى، تجلت في هذه الفترة روعة مواهبه العلمية، وجنح إلى دراسة الفلسفة والطب، واجتمع حوله يومئذ ثلاثة من أعظم
(1) ابن صاحب الصلاة في " المن بالإمامة " لوحة 46 ب.
(2)
راجع المعجب ص 132 و 133.
أئمة التفكير الإسلامي، هم طبيبه الخاص، الفيلسوف العلامة أبو بكر بن طفيل الوادي آشي، وتلميذه القاضي الفيلسوف أبو الوليد بن رشد (1)، والطبيب العبقري أبو بكر بن عبد الملك بن زهر. وكان الخليفة يشغف بالأخص بملازمة صديقه وطبيبه ابن طفيل، ولا يصبر على فراقه. وهكذا أتيح لأبي يعقوب أن يطلق العنان لشغفه بالدراسات الفلسفية في ظل هذا الأفق العلمي الباهر، ويبدو مما يذكره لنا المراكشي، عن بعض مجالس الخليفة الفلسفية نقلا عما رواه له أبو بكر ابن يحيى القرطبي عن أستاذه ابن رشد، أن الخليفة كان يأخذ من الفلسفة بقسط ملحوظ، ويبدي في شرح مسائلها " غزارة حفظ " تدعو إلى الإعجاب. ويضيف القرطبي إلى ذلك رواية أخرى مفادها أن أبا يعقوب هو الذي أوعز إلى ابن طفيل بوجوب عمل تلخيص جديد لشروح أرسطو وتقريب أغراضها وتحرير تراجمها مما يشوبها من الغموض، وأن ابن طفيل هو الذي اختار تلميذه ابن رشد للقيام بهذه المهمة لما يعلمه من مقدرته وقوة نزوعه وصفاء قريحته، وأن هذا هو الذي حمل ابن رشد حسبما يقول لنا، على القيام بتلخيص شروح أرسطو، وهي الشروح التي اشتهر بها ابن رشد، وترجمت فيما بعد إلى اللاتينية، وأذاعت شهرة الفيلسوف المسلم في دوائر التفكير الغربي. وكان ابن طفيل يقوم بمهمة السفارة بين الخليفة وبين العلماء، ويدعوهم إليه من مختلف القواعد والأقطار، وينبه على أقدارهم لديه، ويحضه على إكرامهم والتنويه بهم، وهو الذي نوه بفضل ابن رشد وبراعته (2).
وحمل الخليفة أبو يعقوب شغفه بالدراسات الفلسفية على الاهتمام بجميع كتبها، والتنقيب عنها، وعن غيرها من الكتب الجليلة، في سائر أنحاء المغرب والأندلس، وبذل في ذلك جهوداً وأموالا جمة، واجتمع له منها مقادير ضخمة قيل إنها بلغت قرب ما كانت تبلغه المكتبة الأموية العظيمة أيام الحكم المستنصر. ويروي لنا المراكشي طرفاً من هذه الجهود، وكيف وقع عمال الخليفة على مجموعات عظيمة من كتب الطب والفلك كانت لدى رجل بإشبيلية يعرف بأبي الحجاج المراني، وأن هذه الكتب كانت قد وقعت إلى أبيه أيام الفتنة بالأندلس (3).
(1) كان ابن رشد قاضياً لإشبيلية منذ سنة 565 هـ.
(2)
راجع المراكشي في المعجب ص 136.
(3)
المعجب ص 133 و 134.
وقد انتهى إلينا من آثار الخليفة أبي يعقوب العلمية، بحث ديني يكشف لنا عن براعته في علم الحديث والعلوم الشرعية، وهو كتاب " الجهاد " الذي ألحق بكتاب المهدي ابن تومرت أو كتاب " أعز ما يطلب " وفيه يورد مؤلفه طائفة كبيرة من الأحاديث التي وردت في فضل الجهاد في سبيل الله، والحث عليه، وتبيان محاسنه. ويلحق بذلك الكلام عن الجهاد ببذل المال وما ورد فيه أيضاً من الأحاديث وما يتسم به من الفضائل. ويحمل هذا الكتاب في خاتمته اسم مؤلفه، وهو الخليفة أمير المؤمنين، وتاريخ الانتهاء من وضعه، وهو العشر الأواخر من شعبان سنة تسع وسبعين وخمسمائة أعني قبيل وفاة واضعه بنحو تسعة أشهر (1).
وكان الخليفة أبو يعقوب كلفاً بالمشاريع الإنشائية العظيمة، وقد قام بإنشاء طائفة من المنشآت العمرانية الهامة، والصروح الجليلة، التي خلدت اسمه، وجعلته في مقدمة خلفاء الموحدين، بل وفي مقدمة ملوك المغرب قاطبة في هذا الميدان. ويكفى أن نذكر هنا ما قام به في إشبيلية حاضرة الأندلس، من المشاريع والمنشآت العظيمة مثل قنطرة طريانة، ومسجد إشبيلية الجامع، وصومعته العظيمة التي أتمها ولده يعقوب المنصور، ومشروع إمداد إشبيلية بالماء، وتجديد أسوارها التي خربها السيل، وإنشاء القصور والبساتين الموحدية العظيمة خارج إشبيلية، وإنشاء قصبة بطليوس العظيمة وإمدادها بالماء، وهي التي ما زالت أطلالها القائمة تنبىء عما كانت عليه من الضخامة والمنعة. وما قام به أخيراً من توسيع حضرة مراكش وتجميلها، وذلك كله حسبما سبق أن فصلناه في مواضعه.
…
وتولى الحجابة لأبي يعقوب أول ولايته، شقيقه وكبيره السيد أبو حفص، ولما تنحى عنها وزر له أبو العلاء إدريس بن إبراهيم بن جامع، واستمر في منصبه نحو خمسة عشر عاماً. ولما اشتد طغيانه، وبدت مثالبه، نكبه أبو يعقوب واستصفى أمواله، ونفاه مع ولده إلى الأندلس سنة 573 هـ. فخلفه في الوزارة أبو بكر ابن يوسف الكومي، ليعمل تحت رياسة ولده وولى عهده أبي يوسف يعقوب، واستمر الأمر كذلك حتى وفاة أبي يعقوب وقيام ولده يعقوب بالأمر من بعده (2).
(1) راجع فصل الجهاد في كتاب المهدي ابن تومرت ص 377 - 400.
(2)
البيان المغرب - القسم الثالث ص 140، وابن الخطيب في الإحاطة في ترجمة الخليفة أبي يعقوب، مخطوط الإسكوريال لوحة 395.
وتولى القضاء في عهده أبو محمد المالقي، ثم عزل وولى بعده عيسى بن عمران التازي التسولي، وكان عالماً متمكناً، وأديباً نابهاً، وشاعراً مجيداً، وخطيباً بليغاً، وكان يخطب عن الوفود وفي المناسبات الهامة، وكانت له مكانة رفيعة في البلاط الموحدي. ثم ولى القضاء من بعده حجاج بن يوسف. ثم أبو جعفر أحمد بن مضاء من أهل قرطبة. واستمر في منصبه حتى وفاة أبي يعقوب، ومن بعده فترة أخرى في أوائل عهد ولده يعقوب المنصور.
وتولى الكتابة لأبي يعقوب أبو الحسن بن عياش القرطبي كاتب أبيه من قبل.
وكان هذا الكاتب الأندلسي، قد فر من بلده قرطبة عند قيام الثورة بها في أواخر العهد المرابطي، ولجأ إلى إشبيلية، واتصل بالسيد أبي حفص بن عبد المؤمن فاختاره لكتابته، ثم صحبه معه إلى تلمسان، ولم يزل متولياً كتابته حتى نكبة الخليفة عبد المؤمن لوزيره ابن عطية، فاستدعاه الخليفة وعينه لكتابته.
ولبث ابن عياش كاتباً للخليفة أبي يعقوب حتى توفي في سنة 568 هـ، وكتب لأبي يعقوب أيضاً أبو القاسم القالمي، وتلميذه أبو الفضل طاهر بن محشرة وهو من أهل بجاية، وأبو الحسين الهوزني الإشبيلي، وأبو عبد الرحمن الطوسي.
وفي مجموعة الرسائل الموحدية، رسائل عديدة بقلم ابن عياش وزميله ابن محشرة
تدلى بما كان لهذين الكاتبين من مقدرة راسخة في أساليب البيان (1).
وترك أبو يعقوب من البنين ثمانية عشر، وهم ولي عهده يعقوب المنصور وشقيقه إسحق، ويحيى، وإبراهيم، وعبد العزيز، وإدريس، وأبو بكر، وعبد الله، وأحمد، ويحيى الصغير، ومحمد، وعمر، وعبد الواحد، وعبد الحق، وطلحة وعبد الرحمن، وموسى، وعثمان. كما ترك عدة من البنات.
وأما عن شخصه، فقد كان أبو يعقوب أبيض اللون مشرباً بالحمرة، فاحم الشعر، مستدير الوجه، أعين، إلى الطول أقرب، وكان جهير الصوت، طيب المجالسة، فصيح العبارة، حلو الألفاظ، رقيق الخلال (2).
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 140، والمراكشي في المعجب ص 137، وابن الخطيب في الإحاطة مخطوط الإسكوريال السابق ذكره لوحة 395.
(2)
المراكشي في المعجب ص 132. وقد عاش المراكشي قريباً من عصر الخليفة أبي يعقوب وكانت له صلة وثيقة ببعض أبنائه.