المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي - دولة الإسلام في الأندلس - جـ ٤

[محمد عبد الله عنان]

فهرس الكتاب

- ‌القسْم الثانىعصْر الموحِّدينوانهيار الأندلسْ الكبرى

- ‌تصدير

- ‌الفصل الأولعصر الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن

- ‌الفصل الثاني حوادث الأندلس وسقوط مملكة الشرق

- ‌الفصل الثالث حركة الجهاد بالأندلس والإخفاق في غزوة وبذة

- ‌الفصل الرابع أحداث الأندلس والمغرب

- ‌الفصل الخامس غزوة شنترين

- ‌الكِتابُ السابع عصْر الخليفة يعقوبْ المنصُور حَتى مَوقعَة العِقابْ

- ‌الفصل الأوّل عصر الخليفة يعقوب المنصور وبداية ثورة بني غانية

- ‌الفصل الثاني حوادث الأندلس وإفريقية

- ‌الفصل الثالث موقعة الأرك

- ‌الفصل الرابع ما بعد الأرك

- ‌الفصل الخامِسُ عصر الخليفة محمد الناصر

- ‌الفصل السادس موقعة العقاب

- ‌الكِتاب الثامِنْ الدولة الموحديّة في طريق الانحلال والتفكك

- ‌الفصل الأول عصر الخليفة يوسف المستنصر بالله

- ‌الفصل الثاني أبو محمد عبد الواحد والعادل وثورة البياسى بالأندلس

- ‌الفصل الثالث عصر الخليفة أبي العلي المأمونإلغاء رسوم المهدي ابن تومرت وقيام الدولة الحفصية بإفريقية

- ‌الكِتاب التاسِع انهيار الأندلس وسقوط قواعدها الكبرى

- ‌الفصل الأول الثورة في مرسية وبلنسية ونذر الانهيار الأولى

- ‌الفصل الثاني ابن هود وابن الأحمر وسقوط قرطبة

- ‌الفصل الثالث سقوط بلنسية وقواعد الشرق

- ‌الفصل الرابع سقوط إشبيلية وقواعد الغرب

- ‌الكتاب العاشر نهاية الدولة الموحديّة

- ‌الفصل الأول عصر الخليفة أبي محمد عبد الواحد الرشيد

- ‌الفصل الثاني عصر الخليفة أبي الحسن على السعيد

- ‌الفصل الثالث عصر الخليفة المرتضى لأمر الله

- ‌الفصل الرابع نهاية الدولة الموحدية وعوامل تفككها وسقوطها

- ‌الكتاب الحادي عشر الممالك الإسبانية النصرانية خلال العصْر الموحّدى

- ‌الفصل الأول قشتالة وليون

- ‌الفصل الثاني أراجون ونافارا والبرتغال

- ‌الكتاب الثاني عشر نظم الدولة الموحديّة وخواص العصْر الموحدي

- ‌الفصل الأول الحكومة الموحدية بالمغرب والأندلس

- ‌الفصل الثاني الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

- ‌الفصل الثالث الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

- ‌الفصل الرابع الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

الفصل: ‌الفصل الرابع الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

‌الفصل الرابع الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي

القسم الثالث

إزدهار العلوم في ظل الدولة الموحدية. أعلام الطب في العصر الموحدي. أبو جعفر الغافقي القرطبي. ابن غلندة الأموي. أبو مروان بن جريول. محمد بن عبد الملك بن زهير. أبو جعفر ابن حسان القضاعى. عبيد الله بن الوليد المذحجى. محمد بن علي القرشى الزهرى. علماء النبات. أبو علي ابن مفرج البكرى الأشبونى. جودى بن عدنان القيسى. ابن مفرج الأموي المعروف بابن الرومية. ابن البيطار المالقي. علماء الرياضيات. ابن سهل الضرير. أبو اسحق البطروجى المراكشي. عبد الله ابن محمد بن حجاج. محمد بن بكر الفهرى. الحسن بن علي المراكشي. أبو بكر الرقوطى المرسى. العالم الزراعى ابن العوام الإشبيلي. عباقرة الطب والفلسفة. أبو بكر بن طفيل القيسى. رسالة " حى ابن يقظان ". أبو الوليد ابن رشد. تصانيفه الفلسفية والطبية. اتهامه ونكبته أيام المنصور. الرئيس موسى بن ميمون القرطبي. الفنون في ظل العهد الموحدي. تحول الخلافة الموحدية إلى ملك دنيوى باذخ. الإتجاه إلى استكمال مظاهر الأبهة الملوكية. إنشاء مدينة جبل طارق. رعاية الدولة الموحدية للفنون المعمارية. المنشآت الموحدية بإشبيلية. القصور الموحدية والجامع الأعظم وصومعته. قصر السيد أبي يحيى بقرطبة. قصر السيد أبي اسحق بغرناطة. بعض أقطاب الهندسة والفن في هذا العصر. صدى هذه الحركة العمرانية والفنية في العاصمة الموحدية. ضاحية الصالحة. صومعة الكتبية. الموسيقى وإغفال شأنها. فن كتابة المصاحف. تفوق الفنون الموحدية في المنشآت الدفاعية.

بقى علينا أن نستعرض من الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدي، ناحية من أهم نواحيها، وهي ناحية العلوم والفنون. ففي هذا الميدان ميدان العلوم والفنون، تصل الحركة الفكرية الأندلسية إلى ذروة قوتها وازدهارها، وتسطع خلالها أسماء من أعظم شخصيات التفكير الأندلسي، بل من أعظم شخصيات التفكير الإسلامي، على الإطلاق، ويكفى أن يكون من بينها، عبقريات مثل ابن طفيل، وابن زهر، وابن رشد، وابن الرومية، وابن البيطار.

لم تكن الدولة الموحدية، بالرغم من صفتها الدينية الراسخة، من الناحية الفكرية، كالدولة المرابطية، دولة رجعية تطارد العلوم والفلسفة، بل كانت بالعكس حسبما بينا من قبل، دولة تفسح للتفكير مجالاته، لما كان يتصف به

ص: 711

مؤسسها الروحى وخلفاؤه من الصفات العلمية البارزة، وإذا استثنينا بعض حوادث المطاردة الفكرية، مثل حادث اتهام ابن رشد وزملائه أيام المنصور، فإنا نستطيع أن نصف الدولة الموحدية، بأنها كانت دولة حامية للعلوم، كما كانت حامية للآداب، حامية للفنون في نفس الوقت، حماية تشهد بها منشآتها العمرانية العظيمة في المغرب والأندلس.

ولدينا في الواقع ثبت حافل، من أكابر العلماء الذين نبغوا في ذلك العصر في مختلف العلوم، في الطب والنبات والرياضة والفلك والهندسة وغيرها، وإذا كان هذا الثبت ليس مرتفعا من الناحية العددية، كما هو الشأن في ميدان العلوم الدينية والنظرية، فإنه يضم أقطابا من الطراز الأول، من أساتذة الطب والفلسفة والنبات في العصور الوسطى.

- 1 -

ولنبدأ بذكر أعلام الطب في هذا العصر، وقد كانت منهم ثمة جمهرة كبيرة، وأقطاب عظام.

كان من هؤلاء أبو جعفر أحمد بن محمد الغافقي القرطبي، برع في الطب والنبات، وتجول في أنحاء الأندلس وإفريقية، وجمع منها أصنافا عديدة من النباتات الطبية، وقام بتصنيفها من الناحية العلمية، وسجلها بأسمائها العربية واللاتينية والبربرية، وكان كتابه " الأدوية المفردة " من أهم المراجع الطبية في عصره. وتوفي سنة 561 هـ.

وعبيد الله بن غَلِندة الأموي، أصله من سرقسطة، وسكن إشبيلية. غادر أهله سرقسطة حين تغلب عليها النصارى في سنة 512 هـ، ونزلوا أولا بقرطبة، وبها درس عبيد الله، ثم رحل منها إلى إشبيلية واستقر بها، وبرع في الأدب والشعر. ولكنه برع في الطب في نفس الوقت، وذاع صيته كطبيب ماهر في العلاج. وفي أواخر حياته عبر البحر إلى المغرب، واستقر بمدينة مراكش، وبها توفي في سنة 581 هـ، وقد بلغ السابعة والتسعين من عمره (1).

ومنهم أبو مروان عبد الملك بن محمد بن جُرُّيول من أهل بلنسية، وسكن قرطبة ويعرف بابن كنبراط، كان من المبرزين في معرفة الطب، المتقدمين في صناعته، وعنه أخذ كثير من أقطاب العصر، وفي مقدمتهم العلامة

(1) ترجمته في التكملة رقم 2180

ص: 712

أبو الوليد بن رشد، وغيره. ولم يذكر تاريخ لوفاته (1).

وعبد الله بن سيد أمير اللخمي من أهل شِلب، من ناحية الغرب، برع في الحديث والنحو وكانت له مشاركة في علم الطب عرف بها، وانتفع به (2).

ومنهم، ومن أشهرهم وألمعهم، أبو بكر محمد بن عبد الملك بن زهر ابن عبد الملك بن زهر الأيادى، سليل الأسرة الإشبيلية الشهيرة، ولد العلامة والطبيب العظيم أبي مروان عبد الملك، وحفيد أبيه وقرينه في النبوغ أبي العلاء ابن زهر. وقد سبق أن قمنا بالتعريف بالأب والجد في القسم الأول من هذا الكتاب (3). ودرس أبو بكر علم الطب على أبيه وجده، وبرع في نفس الوقت في الحديث والأدب واللغة، ولكنه تفوق في صناعة الطب، وبلغ الغاية منها، وحظى لدى حكومة الموحدين، منذ أيام أبي يعقوب يوسف، وتولى في بلده إشبيلية بعض المناصب الإدارية الهامة، ثم عين فيما بعد طبيباً خاصاً للخليفة أبي يعقوب المنصور، وبلغ في ظل الخلافة الموحدية ذروة الجاه والنفوذ، وتوفي بمراكش في أواخر شهر ذي الحجة سنة 595 هـ، وصلى عليه الخليفة (محمد الناصر) ودفن بروضة الأمراء، ومولده في سنة 507 هـ (4).

ومنهم أحمد بن داود بن يوسف الجذامى من أهل باغة من عمل غرناطة، كان أديباً نحوياً عالماً باللغة ومن العارفين بصناعة الطب. ومن مؤلفاته الأدبية شرحه لكتاب آداب الكتاب لابن قتيبة، وبدأ في وضع شرح لمقامات الحريرى ولم يتمه. وتوفي في سنة 598 هـ (5).

وأبو جعفر بن الحسن بن أحمد بن الحسين بن حسان القضاعى، أصله من أندة من عمل بلنسية، وولد بمرسية، ودرس الحديث، ورحل إلى المشرق مرافقاً لابن جبير في رحلته، وسمع معه في دمشق وبغداد وغيرهما، وعاد معه إلى المغرب وكانت أبرز خلة لدى أبي جعفر هي براعته في صناعة الطب، وتحققه من دقائقها، وقد وضع فيها تأليفاً مفيداً لم يذكر لنا عنوانه. وتوفي بمراكش سنة 599 هـ (6).

وعبيد الله بن محمد بن عبيد الله .. بن ابراهيم بن الوليد المذحجى، من أهل باغة، وسكن قرطبة ودرس بها الحديث والأدب والطب، وأخذ الطب بنوع

(1) ترجمته في التكملة (الأندلسية) رقم 1714.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 2075.

(3)

راجع ص 473 من القسم الأول من هذا الكتاب.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1499.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 240.

(6)

ترجمته في التكملة رقم 241

ص: 713

خاص عن أبي مروان عبد الملك بن جُرُّيول البلنسى، وأبي نصر بن الحجام، ومحمد بن ظهير وغيرهم، وعنى بلقاء الشيوخ من المحدثين والأطباء، وكان فوق مهارته في الطب أديبا يجيد النظم والنثر. وذكر ابن الطيلسان أنه سليل أسرة من الأطباء تعاقب أبناؤها في المهنة منذ عهد عبد الرحمن الداخل. وتوفي ابن الوليد في ربيع الآخر سنة 612 هـ (1).

ومحمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن القرشي الزهري من أهل إشبيلية، درس الحديث والرواية، ولكنه شغف بالطب، ومهر فيه، وكان يقصده الحكام والكبراء للعلاج، ولما مرض والي إشبيلية الموحدي، كان ممن شاركوا في علاجه، توفي سنة 623 هـ، وقد جاوز التسعين من عمره (2).

وأحمد بن عتيق بن علي بن خلف .. بن سعيد، من سلالة عبد الرحمن الداخل، أصله من سرقسطة. كان عالماً نابهاً متقناً للطب وعلوم الأوائل. ولى القضاء بشريش حيناً. ثم اتصل بأبي العلى المأمون أيام ولايته لإشبيلية فحظى لديه، ولما دعا المأمون لنفسه بالخلافة، وجهه إلى قبائل العدوة ليستميل شيوخها إلى بيعته، فنجح في مهمته. ثم صحب المأمون إلى العدوة، ولكنه لما شعر باضطراب الأحوال استأذن المأمون في العودة إلى الأندلس، ونزل بمالقة، فألفاها قد خلعت طاعة الموحدين وانضمت إلى ابن هود. واتجهت إليه الريبة عندئذ بأنه حضر إلى مالقة ليروج بها دعوة المأمون واعتقله الوالي، ولكن العامة ألحوا عليه في إخراجه وهددوه فأخرجه إليهم فقتلوه، وذلك في ربيع الآخر سنة 627 هـ (3).

ومحمد بن علي بن سليمان بن رفاعة من أهل شريش، عنى بالحديث والرواية والأدب، وكانت له مشاركة في الطب، وكان من أساتذته أبو بكر بن زهر، وتوفي سنة 636 هـ (4).

وعبد الله بن أحمد عبد الله .. بن حفص الأنصاري من أهل دانية، وسكن شاطبة، درس الحديث والعربية والأدب، ورحل إلى المشرق فسمع بالإسكندرية ودمشق والموصل، ومال إلى علم الطب وعنى به، ومهر فيه. وعاد من رحلته الأولى إلى المغرب ونزل بتونس حيناً، ثم رحل ثانية إلى المشرق، وتوفي بالقاهرة في سنة 646 هـ (5).

(1) ترجمته في التكملة رقم 2184.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 1618.

(3)

ترجمته في الذيل والتكملة لإبن عبد الملك - المجلد الأول من مخطوط باريس لوحة 67 و 68.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1666.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 2122

ص: 714

هؤلاء هم طائفة من الأطباء الذين ظهروا في العصر الموحدي، ولم نذكر من بينهم أقطاب الطب العظام مثل ابن طفيل، وابن رشد، وابن ميمون، لأننا آثرنا أن نذكر هؤلاء بين الفلاسفة، وهي الصفة الغالبة عليهم بالرغم من مثولهم بين أعظم الأطباء في العصور الوسطى.

- 2 -

ونبغ في هذا العصر عدة من علماء النبات، منهم اثنان من أعظم النباتيين في العصور الوسطى، وهما ابن الرومية الإشبيلي، وابن البيطار المالقي، ونحن نذكرهم فيما يلي: كان منهم أبو علي حسن بن أحمد بن عمر بن مفرج البكرى الأشبونى، لأن أصله من أشبونة عاصمة البرتغال الإسلامية، وسكن الجزيرة الخضراء، يعرف بالزرقالة، درس الحديث والأدب، ولكنه مهر في الطب والعلاج، وفي تمييز النبات والعشب، وفاق في ذلك أهل عصره، وكان يقرض الشعر في نفس الوقت وتوفي سنة 613 هـ (1).

وجودى بن عبد الرحمن بن جودى .. بن عدنان القيسى من أهل وادي آش، درس القرآن والعربية على جماعة من أقطاب عصره مثل أبي جعفر بن حكم، وأبي بكر بن أبي زمنين، وأبي القاسم بن سمجون وغيرهم، وكانت له معرفة بالنبات وتمييزه، مع اشتهاره بالأدب في نفس الوقت. وتوفي ببلده سنة 631 هـ (2).

على أن أعظم النباتيين والعشابين في العصر الموحدي، بل أعظم النباتيين المسلمين في سائر العصور، هو أبو العباس أحمد بن محمد بن مفرج الأموي، المعروف بابن الرومية، وبالعشاب، والنباتى. ولد بإشبيلية في المحرم سنة 561 هـ، وأصلهم من قرطبة، ودرس الحديث على جماعة من أقطاب العصر مثل أبي بكر ابن الجد وأبي عبد الله بن زرقون، وأبي الوليد بن عفير، وعبد المنعم بن الفرس، وأبي ذر الخشنى وغيرهم، وتجول في طلب العلم، وسماع الحديث، حتى صار فيه إماماً حافظاً، ناقداً، ذاكراً تاريخ المحدثين وأنسابهم وموالدهم، ووفياتهم، وتعديلهم وتجريحهم. ومال إلى علم النبات ودراسته، وتمييزه، وتصنيفه، وتجول من أجل ذلك في ربوع الأندلس، والمغرب وإفريقية، ثم رحل إلى المشرق، بعد سنة 580 هـ، وتجول في مصر والشام والعراق والحجاز، فدرس الكثير من أصناف النباتات غير المعروفة، ووقف على كثير من غوامضها، قال

(1) ترجمته في التكملة رقم 699.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 661

ص: 715

ابن عبد الملك " حتى وقف من ذلك على ما يقف عليه غيره، ممن تقدم في الملة الإسلامية، فصار واحد عصره فرداً، لا يجاريه فيه أحد بإجماع ذلك الشأن " ووصفه ابن الخطيب بأنه " عجيبة نوع الإنسان في عصره، وما قبله، وما بعده في معرفة علم النبات، وتمييز العشب، وتحليلها، وإثبات أعيانها، على اختلاف أطوار منابتها بمشرق أو بمغرب، حساً، ومشاهدة وتحقيقاً، لا مدافع له في ذلك ولا منازع، حجة لا ترد ولا تدفع. قام على الصنعتين لوجود القدر المشترك بينهما وهما الحديث والنبات، إذ موادهما الرحلة والتقييد، وتصحيح الأصول وتحقيق المشكلات اللفظية، وحفظ الأديان والأبدان وغير ذلك ".

وكان ابن الرومية فقيهاً ظاهرى المذهب، من أنصار ابن حزم، وانتشرت على يديه تصانيف ابن حزم، بما أبداه من غيرة وعناية في إظهارها واستنساخها والإنفاق عليها، وكان إلى ذلك ورعا، زاهدا، وكان بعد أن عاد من رحلاته الدراسية بالمشرق قد استقر ببلده إشبيلية، وافتتح متجراً لبيع الأعشاب الطبية. قال ابن الأبار:" وهناك رأيته ولقيته غير مرة ".

ولإبن الرومية تصانيف عديدة في الحديث والنبات، منها في الحديث، رجالة المعلم بزوائد البخاري على مسلم، واختصار حديث مالك للدارقطنى، ونظم الدرارى فيما تفرد به مسلم عن البخاري، والحافل في تدليل الكامل وغيرها. ومن مصنفاته في النبات " شرح حشائش دياسقوريدس وأدوية جالينوس، والتنبيه على أوهام ترجمتها " و" التنبيه على أغلاط الغافقي "، و " الرحلة النباتية " و " المستدركة " وغيرها، وله كتاب في " الأدوية المفردة " على نمط كتب بني زهر في ذلك. ويعتبر ابن الرومية أعظم العشابين والنباتيين في العصور الوسطى، ولا يتقدمه أحد في هذا الشأن من القدماء سوى دياسقوريديس اليونانى، الذي عاش في القرن الأول للميلاد، والذى وضع ابن الرومية شرحه لحشائشه.

وتوفي ابن الرومية بإشبيلية في شهر ربيع الآخر سنة 637 هـ، قبل سقوطها في أيدي القشتاليين بنحو تسعة أعوام (1).

وجاء بعد ابن الرومية تلميذه ابن البيطار المالقي، فكان أعظم علماء النبات بعد أستاذه، وهو ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد، ولد بمالقة في أواخر القرن السادس الهجرى، ودرس على أستاذه ابن الرومية وبرع مثله في النبات

(1) ترجمته في التكملة رقم 304، وفي الإحاطة لابن الخطيب (1956) ج 1 ص 215 - 221

ص: 716

والوسائل العلاجية، ثم غادر الأندلس، وطاف بأنحاء المغرب باحثا عن الفصائل النباتية دارسا لخصائصها، ثم قصد إلى مصر أيام الملك الكامل فدخل طبيبا في خدمته، ثم خدم ابنه الملك الصالح من بعده، وعنى بدراسة النبات والأعشاب في مصر والشام وآسيا الصغرى، وبلاد اليونان. ووضع في ذلك كتابين، هما:" كتاب الجامع في الأدوية المفردة " تناول فيه الأدوية النباتية المعروفة في عصره، ورتبها على حروف المعجم، " وكتاب المغنى في الأدوية المفردة " وهو مرتب على أبواب معالجة الأعضاء. وله أيضاً كتاب " الأفعال الغريبة والخواص العجيبة ". وكان ممن تتلمذ على ابن البيطار ودرس عليه، العلامة الطبيب ابن أبي أصيبعة صاحب معجم طبقات الأطباء، وقد أشاد ببراعته وغزارة علمه، ودقة فهمه لكتب الأقدمين. وتوفي ابن البيطار بدمشق سنة 646 هـ (1).

ونبغ في تلك الفترة كذلك عدة من علماء الرياضيات والفلك، نذكر منهم: عبد الله بن محمد بن سهل الضرير، من أهل غرناطة. درس القراءات والحديث، وبرع في العربية والآداب. ولكنه مال كذلك إلى العلوم الرياضية، وأخذها من بعض أصحاب أبي بكر بن الصائغ (ابن باجة). واستدعاه الأمير محمد بن سعد أمير الشرق لتأديب ولده فسكن مرسية وقتا. ولما تفاقمت الحوادث شغل عنه، فبقى مضاعا إلى أن توفي بها في أواخر سنة 571 هـ (2).

وأبو اسحق نور الدين البطروجي المراكشي، تلميذ الفيلسوف ابن طفيل، وقد برع في العلوم الطبيعية والفلك، وحاول أن يصحح أخطاء الطريقة البطلمية في الأفلاك بوضع شرح جديد للدورة الفلكية، ويعرف البطروجى عند علماء الغرب باسمه اللاتينى Alpetragius، وقد توفي بإشبيلية في سنة 601 هـ.

وعبد الله بن محمد بن حجاج من أهل فاس، ويعرف بابن الياسمين، وهو من قبيلة أساسة البربرية النازلة في أحواز فاس، أخذ عن أبيه عبد الله بن قاسم علم الحساب والعدد وبرع فيه، وعبر إلى الأندلس فأتم بها دراسته. وله أرجوزة في علم الجبر، وخدم البلاط الموحدي بمراكش، وكانت له فيه حظوة. وتوفي قتيلا بمراكش سنة 601 هـ (3).

ومحمد بن بكر بن محمد عبد الرحمن بن بكر الفهري من أهل بلنسية، كان

(1) ترجمته في فوات الوفيات ج 1 ص 204، ونفح الطيب ج 2 ص 44 و 45.

(2)

ترجمته في التكملة رقم 2056.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 2156

ص: 717

إماما في الحديث، ودرس على أقطاب عصره مثل أبي عبد الله بن نوح، وأبي الخطاب ابن واجب، وأبي عمر بن عات، وامتاز ببراعته في علم الحساب، وتحققه من مسائله، وكان فضلا عن ذلك مشاركا في الطب، حافظا للتواريخ، وتوفي سنة 618 هـ (1).

وكان من أبرع علماء الفلك في أواخر العصر الموحدي، أبو علي الحسن بن علي ابن عمر المراكشي من أهل مراكش، اشتهر بكتابه المسمى " جامع المبادىء والغايات " وهو موسوعة جليلة في الفلك، وتشتمل كذلك على أوصاف الآلات الفلكية التي كانت معروفة في عصره، وبه جداول فلكية، وفهرس للنجوم عن سنة 622 هـ، وشروح لخطوط الطول والعرض لكثير من الأماكن. وبالجملة فقد كان أبو علي آية عصره في علمه وفنه، وتوفي في أواخر العصر الموحدي في سنة 661 هـ (1262 م).

ومن أواخر علماء شرق الأندلس أبو بكر محمد بن أحمد الرقوطى المرسى، وكان آية في المعرفة والبراعة، في المنطق والهندسة والرياضيات والطب والموسيقى، وكان فوق ذلك فيلسوفاً وطبيباً ماهراً، يتقن عدة لغات، وكان قد بقى في وطنه مرسية بعد تغلب النصارى عليها (664 هـ - 1266 م) ولم يقبل أن يغادرها فيمن غادرها من بني وطنه، وقدر المتغلب (خايمى الأول) قدره، وابتنى له مدرسة، يعلم فيها المسلمين والنصارى واليهود، وحاول عبثا أن يغريه باعتناق النصرانية، ثم غادر مرسية أخيراً، تلبية لدعوة ابن الأحمر سلطان غرناطة، فنزل بها، وأقبل عليه طلابها، وكان يدرس الطب، والرياضة والفلك وغيرها، ولم يذكر لنا تاريخ وفاة الرقوطى، ولكن المرجح أنه توفي أواخر القرن السابع (2). ونستطيع أن نضيف إلى هذا الثبت من علماء الرياضة والفلك، اسم عالم من علماء الزراعة، هو أبو زكريا يحيى بن أحمد بن العوام الإشبيلي، وقد عاش في إشبيلية في أواخر القرن السادس الهجرى (أواخر القرن الثاني عشر الميلادى) واشتهر بكتابه " الفلاحة " وقد اعتمد فيه بالأخص على كتاب الفلاحة لابن بصال الطليطلى، ويقدم إلينا ابن العوام في مؤلفه الضخم عرضا مستفيضا للفنون الزراعية وكيفية العمل في الزراعة والغراسة، وتسميد الأرض وإصلاحها، واختيار البذور والغراس الصالحة، والمواسم الملائمة لزراعة كل صنف،

(1) ترجمته في التكملة رقم 1600.

(2)

ترجمة الرقوطى في الإحاطة، مخطوط الإسكوريال 1673 الغزيرى - لوحة 107

ص: 718

وغير ذلك مما يؤدي إلى جودة الأرض ووفرة الإنتاج (1).

- 3 -

ونعود الآن إلى ذكر عباقرة الطب خلال العصر الموحدي، وهم الذين غلبت عليهم صفة الفلسفة قبل كل شىء، بالرغم من نبوغهم في الطب، واعتبارهم من أعظم الأطباء في العصور الوسطى.

هؤلاء هم ثلاثة، أبو بكر بن طفيل، وأبو الوليد بن رشد، وموسى بن ميمون القرطبي.

فأما ابن طفيل، فهو أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسى، من أهل وادي آش. ولسنا نعرف تاريخ مولده بالتحقيق، وربما ولد في الأعوام الأولى من القرن السادس الهجرى. ودرس ابن طفيل الحديث والفقه واللغة، على أبي محمد الرُّشاطى، وعبد الحق بن عطية، وغيرهما من أقطاب العصر. ولكنه مال إلى الحكمة وعلوم الأوائل، ودرس الحكمة على أبي بكر ابن الصائغ (ابن باجة) وغيره، وبرع في الفلسفة والطب، وكان عالماً محققاً، شغوفاً بالحكمة المشرقية، متصوفاً، طبيباً ماهراً في أصول العلاج، وفقيهاً بارع الإعراب. وكاتباً بليغاً، ناظماً ناثراً، مشاركاً في عدة فنون. وبدأ ابن طفيل حياته العامة بخدمة المتغلب على بلده وادي آش، أحمد بن ملحان الطائى في سنة 540 هـ. ولما سقطت حكومة ابن ملحان بعد ذلك بأعوام قلائل، انتقل ابن طفيل إلى خدمة الموحدين، وكتب لوالى غرناطة الموحدي. ولما ولى السيد أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن حكم إشبيلية، التف حوله جماعة من العلماء والمفكرين، كان منهم ابن طفيل. وكان الأمير يشغف بمجالس العلم، ويؤثر العلماء بصحبته. ولما تولى هذا الأمير الخلافة عقب وفاة أبيه في سنة 558 هـ، عين ابن طفيل طبيبه الخاص وكان فضلا عن ذلك يندبه لبعض المهام الخلافية الدقيقة، ومن ذلك أن عهد إليه بالسعى لتأليف طوائف العرب، وترغيبهم في الجهاد، وفي سبيل ذلك وضع ابن طفيل، وكان إلى جانب علمه الغزير، شاعراً مجيداً، قصيدته الشهيرة، يهيب فيها بالعرب أن ينهضوا للمشاركة في الجهاد، ومطلعها:

أقيموا صدور الخيل نحو المضارب

لغزو الأعادى واقتناء الرغائب

(1) نشر كتاب الفلاحة لابن العوام لأول مرة بمدريد سنة 1802 في مجلدين كبيرين من مخطوطه الموجود بمكتبة الإسكوريال، بعناية القس يوسف أنطونيو بانكيرى مقرونا بترجمة إسبانية

ص: 719

ولما عبر الخليفة أبو يعقوب يوسف إلى الأندلس في أواخر سنة 566 هـ، واستطالت إقامته في إشبيلية بضعة أعوام، التف حوله رهط من صفوة العلماء، كان في مقدمتهم ثلاثة من أعظم الأطباء والفلاسفة المسلمين، هم طبيبه الخاص ابن طفيل، وتلميذه القاضي الفيلسوف أبو الوليد بن رشد، والعلامة الطبيب أبو بكر ابن زهر. وقد سبق أن أشرنا إلى شغف الخليفة أبي يعقوب يوسف بالدراسات الفلسفية، وشغفه بملازمة ابن طفيل، والأخذ عليه، كما أشرنا إلى الدور الذي قام به ابن طفيل في الإيعاز إلى تلميذه ابن رشد بعمل تلخيص جديد لشروح أرسطو. وكان ابن طفيل يقوم بمهمة السفارة بين الخليفة وبين العلماء، ويدعوهم باسمه من مختلف الأقطار، وينبه على أقدارهم لديه، ويحثه على إكرامهم والتنويه بهم، وهو الذي نوه بفضل تلميذه ابن رشد وبراعته لدى الخليفة حتى علت مكانته لديه. ولما توفي الخليفة أبو يعقوب يوسف في ربيع الآخر سنة 580 هـ، عقب نكبة جيشه في موقعة شنترين، استمر ابن طفيل في منصبه طبيبا خاصا لولده الخليفة الجديد أبي يوسف يعقوب المنصور، ولكنه لم يعش بعد ذلك طويلا إذ توفي بمراكش في أواخر سنة 581 هـ (1185 م)، وحضر الخليفة جنازته (1). وأشهر مؤلفات ابن طفيل رسالة " حى بن يقظان " أو " أسرار الحكمة المشرقية " و " الأرجوزة الطبية المجهولة " و " رسالة في النفس " وغيرها من مؤلفات ورسائل لم تصل إلينا. وقد انتهت إلينا لحسن الحظ رسالة " حى بن يقظان " وهي تلخيص فلسفى رائع لأسرار الطبيعة والخليقة، عرضت خلال حياة وأعمال طفل، خلق من " بطن الأرض " في جزيرة مجهولة من جزائر الهند جنوبي خط الإستواء، وهذا الطفل هو " حى ". وقد استطاع بالملاحظة والتأمل التدريجى لظروف الحياة، ومظاهرها الطبيعية، أن يصل إلى أسرار الطبيعة، وأسرار الحكمة العليا، وأن يتقرب في تأمله وصومه من الله. وبالرغم من صغر حجم هذه الرسالة الفلسفية، وهو لا يزيد عن خمسين صفحة، فقد لفتت بروعتها أنظار النقد الحديث، وترجمت إلى اللاتينية منذ القرن السابع عشر، كما ترجمت بعد ذلك إلى لغات أخرى (2). وأما ابن رشد، فهو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد

(1) راجع في ترجمة ابن طفيل، الإحاطة مخطوط الإسكوريال 1673 الغزيرى لوحة 50 - 57، والمعجب للمراكشي ص 134 - 135. وراجع ص 136 من هذا الكتاب.

(2)

ترجمها إلى اللاتينية Pockocke، ونشرت بأكسفورد سنة 1671 بعنوان Philosophus Autodidacius ونشرت ترجمتها الإنجليزية في سنة 1708 بقلم Ockly والفرنسية سنة 1900 بقلم Gautier ونشرت ترجمتها الإسبانية سنة 1900 بقلم المستشرق Pons Boigues

ص: 720

ابن رشد، وهو سليل بيت من بيوتات العلم والنباهة العريقة بقرطبة، وبها ولد سنة 520 هـ (1126 م)، ودرس بها دراسة حسنة، وأخذ الحديث عن أبيه أبي القاسم، وابن بشكوال، وأبي مروان بن مسرة، وغيرهم. درس الطب أولا على أبي مروان بن جرُّيول البلنسى، ثم بعد ذلك على أستاذه الأثير عبد الملك بن زهر، ودرس الفقه والأصول والكلام على أقطاب عصره. وبرع ابن رشد بالأخص في الحكمة والطب. ولما بلغ الثلاثين من عمره غادر موطنه قرطبة إلى إشبيلية، وكانت دولة المرابطين قد انهارت يومئذ، وخلفتها دولة الموحدين، وكان والي إشبيلية الموحدي يومئذ، هو حسبما قدمنا الأمير العالم، السيد أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، فاتصل به ابن رشد، وحظى برعايته، وكان من آثار هذه الرعاية أن وُلى ابن رشد قضاء مدينة إشبيلية، ثم ولى بعد ذلك قضاء قرطبة بعض الوقت. وكان من أنفس ما حظى ابن رشد خلال إقامته بإشبيلية، دراسته المستفيضة على أستاذه العلامة الطبيب العبقري عبد الملك ابن زهر، وهو الذي وصفه ابن رشد فيما بعد بأنه أعظم طبيب بعد جالينوس.

ولما تولى أبو يعقوب يوسف الخلافة، وقدم إلى إشبيلية وأقام بها، زادت مكانة ابن رشد وتوطدت في البلاط الموحدي، ولاسيما عن طريق أستاذه ابن طفيل طبيب الخليفة الخاص، وصديقه وناصحه الأثير لديه، وكان من آثار هذه الرعاية، أن عين الخليفة ابن رشد، طبيباً خاصاً له إلى جانب ابن طفيل. وكان ابن رشد ينتقل معظم الوقت مع بلاط الخليفة سواء بالمغرب أو الأندلس، ولما توفي الخليفة أبو يعقوب يوسف في سنة 580 هـ، وخلفه ولده الخليفة أبو يوسف يعقوب المنصور، بقى ابن رشد في منصب الطبيب الخاص. ولما توفي ابن طفيل، انفرد ابن رشد بمنصب الطبيب الخاص. وكان الخليفة المنصور صنو أبيه في الشغف بالعلوم والفنون، ومن ثم لقى ابن رشد لديه نفس التقدير والرعاية، ولبث على مكانته المرموقة في هذا الجو العلمي الرفيع.

وكان ابن رشد خلال ذلك قد بلغ ذروة مجده العلمي، وكتب كثيراً من مصنفاته الفلسفية والطبية. وأهم مؤلفات ابن رشد الفلسفية، هي شروح فلسفة أرسطو، ويقال إن الذي أوعز إليه بكتابتها أستاذه ابن طفيل (1)، وهي تشغل عدة مؤلفات ورسائل، هي جوامع كتب أرسطوطاليس في الطبيعيات والإلهيات،

(1) المراكشي في المعجب ص 136

ص: 721

وتلخيص كتاب ما بعد الطبيعة، وتلخيص كتاب الأخلاق، وتلخيص كتاب البرهان، وتلخيص كتاب السماع الطبيعي، وشرح كتاب النفس وغيرها. وتشمل مؤلفات ابن رشد الطبية كذلك عدة مصنفات، منها شرح أرجوزة الطب للشيخ الرئيس ابن سينا، وتلخيص عدة كتب لجالينوس، منها كتاب المزاج، وكتاب القوي الطبيعية، وكتاب العلل والأعراض، وكتاب الحميات، وكتاب الأدوية المفردة، وغيرها. بيد أن أشهر مصنفات ابن رشد الطبية هي كتابه " الكليات " وفيه يتناول أبواب الطب الكلية أو الرئيسية، وذلك مقابل التفاصيل الجزئية التي يتناولها أستاذه عبد الملك بن زهر في كتابه " التيسير "(1). وله كتاب في الحيوان. ولإبن رشد كذلك، في الفقه والأصول عدة مصنفات، منها كتاب " تهافت التهافت " وفيه يرد على كتاب " التهافت " للغزالى، وكتاب " منهاج الأدلة في علم الأصول "، ورسالة في " فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال "، وكتاب " المقدمات "، وكتاب " بداية المجتهد في الفقه "، وغيرها. وله فضلا عن ذلك عدة رسائل أخرى في الفلسفة والطب والأصول والمنطق لا يتسع المقام لذكرها. وقد عرف التفكير الغربي ابن رشد في عصر مبكر، وعرفه بالأخص فيلسوفا وطبيبا من أعظم الفلاسفة والأطباء المسلمين، بل من أعظم الفلاسفة والأطباء في كل قطر، وكل عصر، واشتهر ابن رشد في الغرب بالأخص بشروحه لفلسفة أرسطو، وهي شروح ترجمت إلى اللاتينية، وذاعت في دوائر التفكير الغربي منذ القرن الثالث عشر الميلادى.

ولبث ابن رشد على حظوته في البلاط الموحدي أعواما طويلة، ولكن الفقهاء والطلبة الموحدين، الذين ضاقوا ذرعا بتفكيره الدينى والفقهى المستنير، وبحوثه الفلسفية الرفيعة، عملوا على مناوئته، والوشاية به لدى الخليفة المنصور، واتهامه بالانحراف والمروق، وانتهى المنصور، بالرغم مما كان يكنه لابن رشد من التوقير والتقدير، أن ينزل عند تحريضهم، وأن يصدر قراره الشهير بمحاكمة الفيلسوف وبعض زملائه وتلاميذه، وأن يقضى بنفيه إلى بلدة اليسّانة على مقربة من غرناطة (سنة 591 هـ)، وصدر إلى جانب ذلك بيان للمنصور بقلم كاتبه أبي عبد الله بن عياش، بالحملة على ابن رشد وزملائه، واتهامهم بالمروق والزيغ.

(1) رأينا خلال إحدى زياراتنا لغرناطة نسخة خطية نادرة من كتاب " الكليات " لابن رشد بمكتبة دير ساكرومنتى القريب من غرناطة. وقد طبع هذا المخطوط بأصله كما هو ألواحا مصورة

ص: 722

وقضى ابن رشد في منفاه في اليسّانة نحو ثلاثة أعوام، ثم عفا عنه المنصور، ورده إلى سابق منصبه وحظوته (594 هـ). وعاد ابن رشد إلى مراكش، ولكنه لم يمكث بها سوى فترة يسيرة، وتوفي في التاسع من شهر صفر سنة 595 هـ (10 ديسمبر سنة 1198 م) وهو في الخامسة والسبعين من عمره. وقد سبق أن أفضنا القول في اتهام ابن رشد ونكبته، وأوردنا نص المرسوم الموحدي الصادر بشأن اتهامه (1).

وكان من أعلام المفكرين والفلاسفة الأندلسيين في أوائل العهد الموحدي، العلامة اليهودي، موسى بن ميمون، واسمه العربي، أبو عمران موسى بن ميمون ابن عبد الله القرطبي الأندلسي الإسرائيلى، واسمه اليهودى موسى بن ميمون، وقد ولد بقرطبة سنة 530 هـ (1135 م) ودرس بها علوم الأوائل والرياضيات والفلسفة على أقطاب عصره، وبرع في الطب والفلسفة والدراسات التلمودية. ولما غلب الموحدون على الأندلس، وأصدر الخليفة عبد المؤمن في أواخر عهده قراره الشهير بنفى النصارى واليهود من المغرب والأندلس، إلا من اعتنق الإسلام منهم، ومن بقى ولم يعتنق الإسلام، حل ماله ودمه، تظاهر كثير من النصارى واليهود الذين آثروا البقاء باعتناق الإسلام، وكان من هؤلاء موسى بن ميمون وأسرته. وعبر ابن ميمون البحر إلى المغرب في سنة 557 هـ، وأنفق بضعة أعوام في فاس حاضرته العلمية، وهو يزاول مهنة الطب التي اشتهر بها، ويستتر في نفس الوقت بمزاولة شعائر الإسلام، ولكنه كان يرقب الفرصة لمغادرة المغرب إلى بلاد أوسع آفاقا ورزقا. فلما سنحت هذه الفرصة، سار مع أهله إلى مصر، ونزل بالقاهرة (سنة 561 هـ)، وأقام بالفسطاط بين أبناء دينه اليهود، مظهراً دينه الحقيقي، وأخذ يرتزق بتجارة الجوهر، وتزوج أختا لرجل يهودى من كتاب السلطان يدعى أبا المعالى، واتصل بواسطته بالبلاط، وأسبغ عليه القاضي الفاضل رعايته لما كان يتصف به من علم غزير وبراعة في الطب. وعين ابن ميمون طبيباً خاصاً للسلطان صلاح الدين، وغدا عميد الجالية اليهودية بالقاهرة. وكان يلقب بالرئيس لمكانته العلمية البارزة. ولما توفي صلاح الدين،

(1) راجع ترجمة ابن رشد في التكملة لإبن الأبار رقم 1497، والمراكشي في المعجب ص 134 و 136 و 174 و 175، والبيان المغرب ص 202. وقد وردت في الذيل والتكملة لابن عبد الملك ترجمة ضافية لابن رشد، ذكر خلالها نص المرسوم الموحدي، وذلك في مخطوط المتحف البريطاني الجزء الخامس. وراجع ص 223 - 228 من هذا الكتاب

ص: 723

خدم طبيبا لولده الملك الأفضل، وأخذ عليه بالقاهرة كثير من علمائها وأطبائها، ومنهم العلامة الطبيب عبد اللطيف البغدادى، وكان يقيم وقتئذ بالقاهرة، وتوفي ابن ميمون في سنة 602 هـ (1204 م). ويعتبر ابن ميمون من أعظم المفكرين اليهود في العصور الوسطى، ومن أعظم شراح الشريعة اليهودية، وقد ترك تراثاً حافلاً من المؤلفات الدينية والفلسفية والطبية، من ذلك شرح للتلمود، وعدة شروح لكتب جالينوس، " ودلالات الحائرين " في شرح فلسفة أرسطو، وهو أعظم كتبه الفلسفية، وتهذيب كتاب الإستكمال لابن هود في الرياضيات، ومقالة في صناعة المنطق، وكثير غيرها في أبواب الشريعة اليهودية. وكان لكتابات ابن ميمون الدينية والفلسفية تأثير عظيم في التفكير الأوربى في العصور الوسطى.

- 4 -

هذا، ونختتم هذا الحديث الطويل عن الحركة الفكرية الأندلسية وأعلامها، بكلمة موجزة عن سير الفنون خلال العصر الموحدي.

لقد امتاز العصر الموحدي بالأندلس والمغرب، بظهور حركة فنية مستقلة، تتمثل بالأخص في الصروح والمنشآت العظيمة، التي أقيمت خلال هذا العصر، سواء بالمغرب أو الأندلس، وتميزت بخصائصها المعمارية والفنية الخاصة، والتي بقيت منها حتى اليوم آثار عديدة، تشهد بتقدم العلوم الهندسية والفنون المعمارية في هذا العصر. وقد نشأت الدولة الموحدية في البداية على أسس دينية محضة، تباعد بينها وبين المظاهر الدنيوية البراقة. بيد أنه لما تحولت الخلافة الموحدية، على يد عبد المؤمن إلى ملك دنيوى باذخ، كان من الطبيعي أن تتجه الدولة الموحدية إلى استكمال مظاهر الفخامة والأبهة الملوكية. وبدأ ذلك الاتجاه منذ أواخر عهد عبد المؤمن بإقامة مدينة جبل طارق الملوكية، لتكون منزلا للخليفة أو السادة، عند عبورهم في جيوشهم إلى الأندلس، وكان هذا العمل الإنشائى العظيم مسرحا لظهور عبقرية بعض أعلام المهندسين الأندلسيين، الذين اقترن اسمهم فيما بعد بأعمال إنشائية جليلة أخرى، مثل الحاج يعيش المالقي. وظهرت رعاية الدولة الموحدية للفنون المعمارية بالأخص بمدينة إشبيلية، عاصمة الأندلس خلال العصر الموحدي، وهي التي كانت مسرحا لأعظم وأجمل المنشآت العمرانية الموحدية بالأندلس. وقد سبق أن تحدثنا عن إنشاء القصور الموحدية الفخمة خارج إشبيلية أمام باب جهور أيام الخليفة أبي يعقوب يوسف، وعن بساتينها اليانعة، كما

ص: 724

تحدثنا عن إنشاء جامع إشبيلية الأعظم على يد الخليفة أبي يعقوب يوسف ثم ولده الخليفة أبي يوسف يعقوب المنصور، وعناية المنصور بإقامة صومعته العظيمة، (وهي التي يسميها الإسبان اليوم لاخيرالدا). وأقام الموحدون كذلك عدداً من المنشآت العمرانية بقرطبة عاصمة الخلافة القديمة، من قصور وغيرها. وكان قصر السيد أبي يحيى بن أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن خارج قرطبة على النهر الأعظم تحمله أقواس. وأنشأ ولده السيد أبو إبراهيم اسحق أيام أن كان واليا لغرناطة، قصره الفخم على مقربة من ضفة شَنيل، ومازالت تقوم حتى اليوم بعض أطلاله وعقوده (1). وقد كانت الخلافة الموحدية تبتعد في البداية عن مظاهر الترف والزخرف في منشآتها العمرانية، وتكتفى بمراعاة المتانة والجلال، ولكنها لما بلغت ذروة عظمتها الدنيوية أيام المنصور، أخذت تغدق على منشآتها أعظم مظاهر الفخامة والزخرف، فنرى المنصور يزود جامع إشبيلية بمنبره الفخم المرصع بالصندل المجزع والعاج وبصفائح الذهب والفضة، وبمقصورته المزينة بالفضة، ونراه يزود صومعة هذا الجامع بتفافيحها الذهبية الشهيرة (2). وفي خلال هذه الحركة العمرانية والفنية العظيمة، نرى عدداً من أقطاب الهندسة والفن مثل الحاج يعيش المالقي المتقدم الذكر، والعريف أحمد بن باسُه، والمعلم أبو الليث الصقلي، وغيرهم ممن اقترنت أسماؤهم بهذه المنشآت العظيمة، يتزعمون بالأندلس خلال العصر الموحدي حركة فنية زاهرة، ونرى أصداء هذه الحركة العمرانية والفنية الزاهرة، تتردد في نفس الوقت في المغرب، وفي عاصمة الخلافة الموحدية مدينة مراكش العظيمة، في إنشاء الخليفة المنصور في بداية عهده لضاحية الصالحة الملوكية، وقصورها الفخمة، جنوبي مراكش، وفي إنشاء أو إتمام صومعة جامع الكتبية، على نمط صومعة جامع إشبيلية العظيمة، وإنشاء صومعة حسان بمدينة رباط الفتح، وهي صومعة لم تكمل، وماتزال هذه الصوامع العظيمة، وهي من أبرز آثار العصر الموحدي الفنية، قائمة إلى يومنا، ومنها صومعة جامع إشبيلية التي تحول فقط جزؤها الأعلى، إلى برج للأجراس لكنيسة إشبيلية العظمى، التي أنشئت فوق موقع الجامع، بيد أنها لم تفقد بالرغم من ذلك سمتها الإسلامية، ومازالت زخارفها العربية، في مشارفها ونوافذها السفلى، تشهد بروعة الفنون الزخرفية خلال العصر الموحدي.

(1) راجع ص 331 من هذا الكتاب.

(2)

راجع ص 232 و 233 من هذا الكتاب

ص: 725

ولم نجد في أخبار العصر الموحدي ما يدلنا على تطور الموسيقى الأندلسية، ومن المعروف أن الموحدين مهما بلغ تسامحهم وتشجيعهم، نحو فنون العمارة والزخارف المعمارية، فإنهم لم يكونوا بطبيعة نظامهم، وتزمتهم الدينى، حماة للفنون الجميلة المحضة من الموسيقى غيرها، ومن ثم فإننا لم نعثر على أحد من نبغ في الموسيقى في تلك الحقبة، اللهم إلا محمد بن أحمد الرَّقوطى المرسى، الذي جمع إلى براعته في الهندسة والمنطق، والفلسفة والطب، براعته في الموسيقى، وكان ظهوره في الشرق عقب انهيار سلطان الموحدين، وانهيار شرقي الأندلس، وسقوط قواعده في أيدي النصارى (1).

بيد أنه كان ثمة فن من الفنون الجميلة ازدهر خلال العصر الموحدي، هو فن كتابة المصاحف وتنميقها وزخرفتها، ونستطيع أن نذكر عدة ممن نبغوا في هذا الفن، فمنهم محمد بن عبد الله بن سهيل الأنصاري البلنسى المعروف بابن غطوس، والمتوفى في سنة 610 هـ، فقد وهب ابن غطوس حياته لكتابة كتاب الله، وبرع في تنميق المصاحف وزخرفتها براعة عظيمة، جعلت الملوك والأمراء يتنافسون في اقتنائها (2). ومنهم محمد بن محمد بن يحيى بن حسين من أهل جزيرة شقر، المتوفى نحو سنة 630 هـ، وكان أبرع أهل وقته في كتابة المصاحف (3)، ومنهم محمد بن عبد الرحمن بن عبد العزيز المعروف بابن حمنال، من أهل مرسية والمتوفى سنة 633 هـ (4)، ومنهم موسى بن عيسى اللخمى القرطبي المعروف بابن الفخار، وقد توفي في سنة 621 هـ (5)، وغير هؤلاء.

هذا وقد سبق أن أشرنا إلى تفوق الهندسة والفنون الموحدية، في إقامة المنشآت الدفاعية، من حصون وأسوار وأبراج، مازالت تشهد بروعتها حتى اليوم أطلال قصبة بطليوس، وقلعة جابر، وأسوار إشبيلية ولبلة الموحدية (6).

(1) سبق أن أتينا على ترجمة الرقوطى في ص 218 من هذا الكتاب.

(2)

ترجمة ابن غطوس في التكملة رقم 1571.

(3)

ترجمته في التكملة رقم 1644.

(4)

ترجمته في التكملة رقم 1652.

(5)

ترجمته في التكملة رقم 1733.

(6)

راجع ص 640 من هذا الكتاب

ص: 726

وثائق موحّديّة

ص: 727

1

رسالة الخليفة أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن

إلى أخيه السيد أبي سعيد عثمان وأصحابه الطلبة بقرطبة، يوصى فيها بأن تجرى الأحكام وفقاً للعدل وتحرى الدقة، وألا يقضى في أمر الدماء إلا بعد رفعه إلى الخليفة، من إنشاء الوزير الكاتب أبي الحسن بن عياش، ومؤرخة في شهر رمضان سنة 561 هـ:

(منقولة عن كتاب " المن بالإمامة " لابن صاحب الصلاة مخطوط أكسفورد لوحات 79 ب - 82 ب. ونشرها العلامة جولدسيهر في بحثه:

Materialien zur Kenntniss der Almohaden Bewegung p. 134-138)

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم والحمد لله وحده

من الأمير يوسف بن أمير المؤمنين أيدهم الله بنصره، وأمدهم بمعونته، إلى الشيخ الأجل أخينا الأعز علينا، الأكرم لدينا، أبي سعيد وأصحابه، الطلبة الذين بقرطبة أعزهم الله، ودام كرامتهم بتقواه، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد فإنا نحمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونشكره على آلاته ونعمه، ونصلى على محمد نبيه المصطفى ورسوله، ونرضى عن الإمام المعصوم المهدي المعلوم نجله وسليله، ونوالى الدعاء لسيدنا أمير المؤمنين القائم بأمره والداعى إلى سبيله. وإنا كتبناه إليكم أكرمكم الله بتقواه، وكلأ جانبكم وحماه، من حضرة مراكش حرسها الله. والذى نوصيكم به تقوى الله تعالى، والعمل بطاعته والاستعانة به والتوكل عليه، وموالاة شكره على ما هدى أولياء أمره، وأنصار دعوته، وحماة كلمته، من صرف أعنة المحبة والاهتمام، وإحكام منابر الأحكام، فيما وكله إليهم من أمور الإسلام، إلى أن تجرى على السداد، وتنسق على سبيل الإرشاد، وتستقيم على المهيع، وتمضى على المنهج، وتسير في الواضح، وتهتدى على اللاحب، ويسلك بها في الجدد، الذي من سلكه أحمدت منه الآثار وأمن عليه العثار، وارتضى له الإيراد والإصدار، فيكون العمل فيها على اليقين، الهادى إلى الصراط المستبين، المأمون في سلوكه من المزلة والضلال، المرجو في الاهتداء به حسن العاقبة وصلاح الحال، فنسئله تعالى جده عونا من قبله على هذا الغرض العام الجدوى يصاحب، وتوفيقاً من لدنه في هذا النظر الشامل المنفعة يجاور ويصاقب، وأنه أدام الله

ص: 728

كرامتكم، لما كان مبانى هذا الأمر العزيز أدامه الله على التقوى مؤسسة، وأوامره ونواهيه على أمر الله ورسوله جرية مترقبة، وإليها في الأخذ والتركة مستندة، وبمقتضياتها في جميع الأحكام آخذة عاملة، إذ هي نور الحق وسراجه، وعمود الصدق ومعراجه، وسبيل الفوز ومنهاجه، ورائد الثواب وبشيره، وقائد العقاب ونكيره، فمن ائتم بكتاب الله، الذي هو الإمام المنادى والحق الواضح البدى، وبسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، التي جعل العمل بها كالعمل بكتابه، والوقوف عند حدها كالوقوف عند حده، أمن من الغوائل، في العاجل والآجل، وبلغ من السلامة في الحالين إلى أقصى أمد الآمل، ولم يوجد للباطل إليه سبيلا، ولم يتمكن للشيطان أن يجد في تضليله واستهواءه صرفاً ولا حويلا، فتوفرت الدواعى على الدعاء إليها، وحمل الكافة عليها، وأخذ الجميع مما يفقههم لديها، وقد أمر الله تعالى، من أمر الناس بطاعته، أن يحكموا بالعدل، ويضعوا للعبد موازين القسط، فلم يكن لهم بد من امتثال أمره، والاستناد إلى حكمه، وكانت الوجوه التي تفضى إلى الحق، في فصل قضايا العباد متنقبة، والطرق المؤدية إلى مغنى الصدق ومعناه ملتبسة ومتشعبة، فخرج فيها بُنَيات تخطىء الصراط المستقيم، وتضل الضلال البعيد، فصار امضاءها من غير استناد إلى هذا الهدى المتبوع، والعلم المرفوع، خطراً على ممضيها، وإنفاذها على غير هذا السنن غررا على منفذيها، ولما كان الأمر كذلك، تعين ووجب وثبت وترقب، أن نخاطب جميع عمال بلاد الموحدين أعزهم الله، شرقاً وغربا وبعداً وقربا، خطابا يتساوى فيه جميعهم، ويتوازى في العمل فيه كافتهم، بألاّ يحكموا في الدماء حكماً من تلقائهم، ولا يريقوها بباد أو رأى من آرائهم، ولا يقدموا على سفكها بما يظهر إليهم، ويتقرر فيما يروقه لديهم، إلا بعد أن تُرفع إلينا النازلة على وجهها، وتؤدى على كنهها، وتشرح حسب ما وقعت عليه، وتنتهى بالتوثق والبيان إلى ما انتهت إليه، وتقيد بالشهود العدول، المعروفين في مواضعهم بالعدل والرضا، الموجبين للقبول، وتكتب أقوال المظلومين وحججهم، وإقرارهم واعترافهم، وحجج الظالمين في مقالاتهم واستظهارهم في بيناتهم، مُعطًى كل جانب حقه، موفى كل قائد قوله، فتكون مخاطبتكم أعزكم الله، ومخاطبة من يتناول هذا الكتاب وتوجه إليه هذا القصد، خطاب من تَحَمَّل الشهادة ويؤدى فيها الأمانة، على ما يجب من البيان الذي لا يعتوره التباس ولا يطمس وجهه إشكال، ويتوثقون في المطلوبين بالدماء بسجنهم

ص: 729

وتثقيفهم، ويتوكفون ما تصلكم به المخاطبة، فتقفون عند مقتضاه، ولا يعدلون عن شىء من معناه، مراقبا كل منكم إلاهه ومولاه، علما بأنه يعلم سره ونجواه، وأنه يسمعه ويراه، واعلموا وفقكم الله وأسعدكم، أن هذا الحكم عام في جميع النوازل، التي أطلقت السُّنَة فيها القتل وسنته، وحكمت به وشرعته، كمن قتل نفساً وأقر بالقتل، أو شهد العدول عليه به، ومن بدَّل دينا وارتد عنه، ومن أتى الفاحشة بعد الإحصان، باعتراف أو دليل أو شهادة مقبولة، وما خيّر الأئمة فيه من قتل المحاربين والساعين في الأرض بالفساد، والمتأملين أمر الله بالاستهزاء والعناد، سواء سُنّ ذلك كله أو وقع فيه ضرب يشاكله مجراه، واحد في التوقف عن امضاءه، والتأخر عن تنفيذه، إلا بعد المطالعة، وتعرف وجه العمل من المجاوبة. وكذلك وفقكم الله يكون التوقف فيما عدا المذكور من النوازل، التي يكون [فيها] أحكام دون النفوس من قتل الخطأ وديات الشّجاج، وعقول الأعضاء، وأورش الجراحات، ووجه القصاص، والقطع في السرقات، إلى غير ذلك من القضايا المشكلة في الأموال وإطلاقها واستحقاقها، وفي الرقاب وإعتاقها واسترقاقها، وملتبسات المناكحات والمعاملات، وما أشبهها من الأمور التي الإقدام على الحكم فيها تهجم، والعمل فيها بغير استناد إلى ما يجب تسور، فتوقفوا أعزكم الله عن جميع ما فُسّر لكم، ولو أخفه توقف الساعى في نجاته، العامل لدنياه وآخرته، وقد ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله من الحظر الوكيد، والوعيد الشديد، في إراقة الدماء، واستباحة الأموال، واستحلال الحرمات إلا بوجه صحيح، لا يسلم إلا من طريق العصمة، ولا تهتدى إليه إلا أنوار الحكمة، ما يزع العقلاء، ويكف الألباء، ويحذرهم من سطو الله وعقابه، ويخوفهم من ألم عذابه، فعولوا على ما رسم في هذا الكتاب، من التعريف بما يبطن، وانهاء كل ما ينزل، ليتصلكم من التوقيف، والبيان والتعريف، لما يظهر لكم به بركة الاقتداء، وتستبرق منه عليكم أنوار الائتمام والاهتداء، ويتراءى لكم به الحق في صوره الصادقة، ومثله المطابقة، ومناظره الموافقة، ومطالعه المشرقة، بفضل الله ورحمته، وملاك ما يسدد مقاصدكم في جميع أحوالكم، ويوجب لكم الرضا في كافة أقوالكم وأفعالكم، تقوى الله في السر والجهر، وخيفته في الباطن والظاهر، وقدع النفس عن هواها، وكبحها بلجام النهى عن الركض، في ميدان رداها، وطاعة أمره العظيم والجرى على سننه المستقيم، فذلك عصمة من الزلل،

ص: 730

وتوفيق في القول والعمل بفضل الله، وقد وجب أكرمكم الله لهذا الكتاب، بما انطوى عليه من الأغراض الشاملة المنفعة، العامة المصلحة، أن يعطى حقه من الإشاعة والتشهير، وينهض مقتضاه إلى الصغير والكبير، ويجمع الناس لقراءته وتلقى مضمنه، ويساوى فيه بين الغائب والشاهد، والبادى والحاضر، بإسماع من حضر ومخاطبة من غاب، ممن يتعلق بنظركم ويدخل تحت عملكم، فتوجهون بنسخ منه إلى كل جهة من جهاتكم، وعمل من أعمالكم، ليأخذ الجميع بقسطه من المسرة، وتعرف بركته واستشعار عائدته، وأنسه بما أمر به هذا الأمر العزيز، من إفاضة العدل، وبسط الدعة والأمن، وإقامة أمر الله تعالى على وجهه المتعين، وسننه الواضح المبين، إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، كتب في الثالث من شهر رمضان المعظم سنة إحدى وستين وخمسمائة.

2

بيعة أهل إشبيلية للخليفة أبي يعقوب يوسف

استكتبها ولده والي إشبيلية السيد أبو إبراهيم إسماعيل، ووجهها إلى الحضرة مع بعض أشياخ إشبيلية، وهي من إنشاء الفقيه أحمد بن محمد، ومؤرخه في جمادى الآخرة سنة 563 هـ

(منقولة عن كتاب " المن بالإمامة "، مخطوط اكسفورد لوحة 101 أوب. ونشرها العلامة جولدسيهر في بحثه الذي سبق ذكره ص 139 - 140).

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم

الحمد لله الذي جعل الإمامة قواما للحق، ونظاما للخلق، وتماما على الذي أحسن رعاية العدل والرفق، وأوجب الاعتصام بطاعتها، والانتظام بجماعها، والصلاة على محمد نبيه المبتعث بنور الحق، الساطع الأضواء، المبلغ عن الله سبحانه بأكمل وجوه التبليغ والإنهاء، وعلى آله وأصحابه الذين والوه بالنصر والإيواء، والرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، المخصوص بأثرة الاصطفاء والاجتباء، والدعاء لسيدنا ومولانا أمير المؤمنين الخليفة المرتضى، متمم أنوار الهدى، ومجلى غياهب الظلماء، والإمام الأعدل الأهدى، سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبي يعقوب بن أمير المؤمنين بدوام النصر والاستيلاء، واستصحاب الظهور والاعتلاء. أما بعد فإنه لما اجتمعت طائفة التوحيد، وهم الذين يحضرهم من الله حاضرة التوفيق، وينظر إليهم نظر الاقتداء والاهتداء من وراءهم من أهل الحق والتحقيق، على تجديد البيعة المباركة لسيدنا ومولانا

ص: 731

أمير المؤمنين أبي يعقوب بن أمير المؤمنين خلد الله أمرهم، وأعز نصرهم بالإسم المبارك الكريم، الذي أول من دعى به الفاروق رضوان الله تعالى عليه، فعرف الله من يمنه ما فتح لملة الإسلام شرقاً وغربا، وأحال الدلو بيد ساقيهم فاستحالت غربا، حتى ضرب الدين بجرانه، وألقى الناس بعطن من يمنه وأمانه، جددنا من بيعته على الإسمية المباركة، فرضا أوجبه الشرع وجوب الإلزام، واقتضى الوفاء بشروطه المؤكدة على الكمال والتمام، فبايعنا على السمع والطاعة بيعة أمان وإيمان وعدل وعبادة، والتزمنا بها، في اليسر والعسر، والمنبسط والمكروه، واعتقدناها عصمة ديننا، وذخر معادنا، وتمسكنا بها بالعروة الوثقى، والعصمة التي من يعلق بحبلها، وأوى إلى ظلها، فقد اعتصم بالجانب الأمنع الأوفى، علما أنها البيعة الرضوانية، والدعوة التي تتكفل بنصرها وإعلاء أمرها، العناية الربانية، علينا بذلك عهد الله الأوكد الألزم، وميثاقه الأغلظ الأعظم، وذمته التي لا يقطع حبلها على مرور الزمان ولا يصرم، مستبصرين في هذه البيعة الكريمة بنور الاهتداء، سالكين في التزام الطاعة على الحجة البيضاء، عارفين بما أمر الله سبحانه من طاعة الخلفاء، والله سبحانه يحفظ بها أكناف الإسلام، ويجعلها كلمة باقية على مرور الأيام، بفضل الله ويمنه، وعلى مضمن ما نص فوق هذا، التزم أهل إشبيلية كافة، وكتبوا على ذلك شهادتهم في النصف من جمادى الآخرة سنة ثلث وستين وخمس ماية.

3

رسالة من الخليفة أبي يعقوب يوسف

إلى الطلبة الذين بغرناطة، يشير فيها إلى وصول بيعتهم مع أشياخ غرناطة، وينوه بولائهم ووفائهم، ويوصى بإكرامهم وبرهم.

(منقولة عن كتاب " المن بالإمامة " مخطوط أكسفورد لوحة 105 ب).

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم

والحمد لله وحده. من أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين أيده الله بنصره، وأعزه بمعونته. إلى الطلبة الذين بأغرناطة أكرمهم الله بتقواه. سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد فإنا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ونشكره

ص: 732

على آلايه ونعمه، ونصلى على محمد نبيه المصطفى ورسوله، ونسأله الرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، القايم بأمر الله، والداعى إلى سبيله، ونوالى الدعاء لصاحبه وخليفته الإمام أمير المؤمنين مسنى أمره العزيز إلى غاية تتميمه وتكميله، فإنا كتبناه إليكم أكرمكم الله بتقواه من حضرة مراكش حرسها الله. والذى نوصيكم به تقوى الله والعمل بطاعته، والاستعانة به والتوكل عليه. وقد وصلنا كتابكم من عند الشيوخ من إغْرناطة، حرسها الله والموحدين، وفق الله جميعهم، ووفقنا عليه، ورأينا ما تحملوه عن الموحدين بأغرناطة وجيرانهم من انعقاد إجماعهم على ما أجمع عليه شيوخ أهل [الهدى] وأعيانهم من الأمر الذي أوجبوا على أنفسهم المبايعة عليه، وأعطاه صفقة اليد فيه، وقد وفقهم الله لما وفق إليه أهل أمره، وذوى العصمة من طايفته، والله تعالى يتقبل منهم عملهم ويعرفهم بركة ما التزموه، ويعينهم على القيام بواجبهم والوفاء بحقه. وقد انصرف هؤلاء الأشياخ المذكورين بعد إقامتهم بهذه الحضرة ونيلهم بركاتنا، ما يجدون أثره في أحوالهم [وسريان] الانتفاع به في أقوالهم وأعمالهم، فاعرفوا لهم حق وفادتهم ومكان رفادتهم وأحملوهم .. خيراً بهم على الرعاية المتصلة، والمبرة الحافلة المشتملة، إن شاء الله تعالى، والله ولى عونكم وصوبكم، لا رب غيره، والسلام الكريم العميم عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في الثاني عشر من شوال عام ثلثة وستين وخمس مائة.

4

رسالة موجهة من السيد أبي اسحق إبراهيم بن الخليفة أبي يعقوب يوسف إلى الحافظ أبي عبد الله بن أبي ابراهيم والي غرناطة يبلغه فيها بدخول ابن همشك في الدعوة الموحدية وهي من إنشاء ابن مصادق.

(منقولة عن كتاب " المن بالإمامة " مخطوط أكسفورد لوحة 127 أوب و 128 أ).

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله وسلم

الشيخ الأجل الحافظ الأعلى ولينا في الله تعالى، أبو عبد الله محمد بن ابراهيم أدام الله عزه وكرامته بتقواه.

وليكم في الله تعالى ابراهيم بن أمير المؤمنين، سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد حمد الله على ما أولى ومنح، والصلاة على محمد نبيه الذي تبين

ص: 733

به دين الحق ووضح، والرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، معيد دين الله، بعد ما عفى رسمه ومضى، والدعاء لسيدنا أمير المؤمنين خليفته الذي طهر بعدله البلاد وفتح، ولسيدنا أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين الذي أثمر سعيه وأنجح، وكمل فيمن جلا فيه الأمور الدينية وأصلح، فكتبناه إليكم أدام الله كرامتكم بتقواه، من قرطبة حرسها الله، ولا جديد إلا ما عود الله بركة هذا الأمر العزيز من فتح، لا تزال تفتح أبوابه وتتصل أعتابه، وترفع قبابه، وتتعرف مع كل حين انهلال ما فيه وإسكانه. والحمد لله على ذلك حمداً كثيراً، يصفو به سربال إحسانه وجلبابه. وإن من النعم التي ببركة هذا الأمر العزيز حديدها، واقتضى بسعادته مزيدها، واتبع بطريقها تأييدها، وانجر فيها لأولياء الأمر العزيز الموعود، ووافقهم فيها الجد المصحب المسعد. وإن الشيخ أبا اسحق ابراهيم بن همشك وفقه الله، كشف له عن وجه هداه، وجلى عن موارد رواه، وتبين له أن هذا الأمر العزيز هو المركب المنجى، السابق له السعادة الباقية المزجى، الذي لا يؤخر عثار من صدف عنه ولا يرجى، فبادر إلى الدخول فيه بدار من خلصت سرائره، وطويت على موعبة ضمايره، ورأى أن ذلك يمحى به خطاياه ويغفر جرايره. وأذاع الدعوة المهدية في جميع بلاده، وأعلن بها، وأبدى الاعتلاق بعصمتها، والتمسك بسننها، ولقى الموحدين أيدهم الله بتقواه، ملاقاة اللايذ بظلهم، المتمسك بحبلهم، المستنيم، المستسلم، المنطوى على الولاء الأخلص، والود الأسلم، والحمد لله على ذلك حمداً تتوالى به فتوحه، ويتصل به مبذول إحسانه وممنوحه، وخاطبناكم بذلك أدام الله كرامتكم لتجروا شكر الله تعالى على ما أسبغ من نعمه وأولى، وتسلكوا معه سبيلا يكون أحرى بازديادها، ما من عفا وولي، والله تعالى يوالى لديكم آلاه، ويسبغ عليكم ظاهره وباطنه نعماه، والسلام الأتم عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

كتب في شهر رمضان المعظم عام أربعة وستين وخمس ماية.

5

رسالة الخليفة أبي يعقوب يوسف

إلى الطلبة والموحدين بجزيرة الأندلس، ينبههم فيها باهتمامه بأمر الأندلس، والعمل على نصرتها، ومجاهدة أعدائها، ويطمئنهم على تنفيذ هذا العزم، بما بعثه

ص: 734

من عسكر موحدى تحت إمرة الشيخ أبي حفص، تمهيدا لجواز الموحدين إليها، من إنشاء أبي الحسن بن عياش، ومؤرخة في ربيع الآخر سنة 564 هـ.

(منقولة عن كتاب " المن بالإمامة " مخطوط أكسفورد لوحات 120 - 122).

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم

والحمد لله وحده. من أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين أيده الله بنصره، وأمده بمعونته. إلى الطلبة والموحدين الذين بجزيرة الأندلس أدام الله توفيقهم وكرامتهم. سلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. أما بعد فانا نحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، ونشكره على آلايه ونعمه، ونصلى على محمد نبيه المصطفى ورسوله، ونسأله الرضا عن الإمام المعصوم، المهدي المعلوم، القايم بأمر الله تعالى، والداعى إلى سبيله، ونوالى الدعاء لصاحبه وخليفته الإمام أمير المؤمنين، ممشى أمره العزيز إلى غاية تتميمه وتكميله. وأنا كتبناه إليكم وصل الله توفيقكم وكرامتكم بتقواه، من حضرة مراكش حرسها الله. والذى نوصيكم به تقوى الله تعالى والعمل بطاعته، والاستعانة به، والتوكل عليه. وهذا الأمر العزيز بما وعده الله من النصر، وضمن له من التأييد، وتكفل له من التمكين، وزاد من تبسطه وامتداد علوايه، واتصال مضماره وخلوصه، إلى كافة الأرجاء، وتغلغله في كل الأنحاء، لإكمال دينه وإتمام نوره، وبث دعوته وتصديق وعده، لا تزال [موارده] الحافظة لصوره، المبقية لأثره، المثبتة لأركانه، الممكنة لقواعده، تشيع من الأسباب القوية واللطائف المنهضة، والمعانى المعينة على سريانه، المزعجة لتشربه وجريانه، مما يؤذن له بإنجازه موعوداته، وتتبع مضموناته، حتى يستوى على مداه الذي لا غاية بعده، ويقف على منتهاه الذي لا مطلع وراءه، يقينا اطمأنت بمقدمات العابه القلوب، وقرت على ظهور براهينه النفوس، وعضدته الآيات البينة، ونطقت به الآثار المفصحة، وناقدت شد أحواله لمن ألقى السمع وهو شهيد ..

وما زلنا وفقكم الله، على أتم العناية بتلكم الجزيرة مهدها الله، والحرص على غوثها، والانتواء لنصرتها، والعمل على قصد ذلك بالمباشرة والمشاهدة إشفاقا على ما استضام منها جيرتها الأعداء، وأبناؤها الأغفاء، مجمعين وردها، وما كادوها به من التلف والتحفيف والتنقيض، وفغر الأفواه، وكسر الثبوب والأرصاد، لغيض ما فض فيها من نور التوحيد، وخفض ما نصب من أعلام هذا الأمر، والمناصبة للمنحاشين إليه، المتعلقين بأسبابه، المستذمين بذمته، ممن صح

ص: 735

ولاؤه، وصدقت طاعته، وخلص على السبك، ونصح على السبر، ونجعل لها من الفكر حظا، يستحق الصدق على ما سواه، من الأفكار، ويأخذ السبق على غيره من معنيات الأمور، ونراه من الأهم الأغنى، والأول الأولى، قياما بحق الله في جهاد أعدايها ومكابرى مناويها، ومن لم تنفعه العبر على مرورها على بصره، وتواردها على مشاهدته، وإدايتها به، ولم يرع سمعا دعوة الحق التي ملأت الخافقين، وقرع صوتها مسامع الثقلين، وتمكن أسباب التفرغ لذلك، والتوسع فيه، والنظر في أحكامه، فيعترض من أهل هذه المغارب، شواغب يثيرها الجهال، ويبغيها النعقة الضلال، فلا يسمع أسمالها، ولا يسوغ الإضراب عنها، قياما بحق الدين، وتوقياً من استشراء الشر، وتوقد أسباب الفتنة، فينصرف إليها من الالتفات والقصد، لحسم عللها، وإبراء أدوائها، ما يقشع غياباتها، ويطهر أقذاءها، ويفضى إلى المقصود الأول من التفرغ للجزيرة مهدها الله، والتوطيد لأمرها دوما .. الاشتغال بهذا الغرب يلط بأرجائه، ويشتمل على جوانبه، ويتخلل زواياه، وينتظم أوعاره وسهوله، حتى صفى الله مشاربه، وخلص من الشوب مشارعه. ووقف بأهل الانتزاء من أصناف مشغبية على تايب أنات بقلبه، وندم على ما فرط من ذنبه، وعلى شقى تمادى في غلوايه، ولج في تمرده فولى كل ما استحق، وسهم خطة ما رضى، ووجد التايب برد الأمان، وتبوأ كنف الإحسان، وحقت على العاصى كلمة العذاب، وأخذه التياب، والصيرورة إلى سوء المآل، وشر المآب، وما ربك بظلام للعبيد. ولما تولى الله هذه الجهات منة التمهيد، وبسط لها نعمة التمكين والتوطيد، انعطف النظر إلى محل مثاره، وسال سيل الاعتقاد إلى قراره، وتوجه حفل الاشتغال إلى الجزيرة مهدها الله، وتوفرت دواعى الاستعداد لنصرتها وجهاد عدوها، ورأينا في أثناء ما نحاوله من مروم هذه الغزوة المتممة المباشرة، أن نقدم بين أيدينا عسكراً مباركاً من الموحدين أعانهم الله، صحبة الشيخ الأجل أبي حفص أعزه الله، يكون تقدمه لجواز جمهور الموحدين، ومؤديا بما عزمنا عليه، والله المستعان، من التحرك لجملة أهل التوحيد، والقصد لهذا الغزو الميمون، الذي جعلناه نصب العين، وتجاه الخاطر، فتتعاونون مع إخوانكم الواصلين على بركة الله إليكم، على جهاد أعدايكم، إلى أن يوافيكم إن شاء الله هذا العزم، ويلم بكم هذا القصد، ويعتمدكم هذه الحركة المحكمة أسبابها، المبرمة أغراضها، التي انعقدت بها النية،

ص: 736

واحتدمت لها في ذات الله الحمية، واستعانت بتوفيق الله في تأصيل أصولها الفكرة الموجهة والروية، وإنا لنرجو من المبلغ لآمال القلوب، المتفضل بإدراك كل مطلوب، أن يهب فيها من العون ما يتمم مبدأها، ويكمل منشأها، وتشفى به صدور أوليائه، بالنعمة في أعدايه، وإن فضله تعالى ليسمح ببلوغ هذه الأمنية، والإطلال منها على كل شرف وثنية، فما ذلك على الله بعزيز، وإذا طالعتم وفقكم الله هذه الأنباء، واستعلمتم ما في ضمنها من البشائر، وعنوانات الفتوح، وآثار هذه القصود، وحملتم ذلك على الثقة مما وعد الله هذا الأمر، والتلفت إلى ما عودة رأيتموها نعمى تحولتكم، ورحمى انتحتكم وأتتكم، وشرحتم لها صدوركم، وعمرتهم بها أحناكم، وشغلتم بها مشاهدكم، وسررتم بها غايتكم وشاهدكم، وأذعتموها إذاعة تثلج بها صدور الأولياء، وتحرج منها صدور الأعداء، ويكون للمؤمنين منها مطلع أمل، وللكافر مطلع هول ووجل، عرفكم الله شكر النعمة بها، وأعانكم على أداء واجبها، وبلغكم الغاية الجميلة منها بمنه ويمنه. وإذا وصلكم هذا الكتاب، فأشيعوه قراءة على من حضركم من أصناف الناس، وإرسالا بنسخه إلى من نأى عنكم، حتى يجد أثر الاستبشار به، ويترقب بمودعه الغايب والشاهد والحاضر والناءى إن شاء الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في الحادي والعشرين من ربيع الآخر سنة أربع وستين وخمس ماية.

6

ظهير الخليفة الرشيد بإسكان المهاجرين من أهل بلنسية

وجزيرة شقر وشاطبة وغيرهم من بلاد الشرق في مدينة رباط الفتح من إنشاء كاتبه أبي المطرِّف بن عميرة المخزومي.

(منقولة من كتاب " زواهر الفكر " مخطوط الإسكوريال رقم 520 الغزيرى لوحة 115 و 116)

هذا ظهير كريم أمر به أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين بن أمير المؤمنين، أيدهم الله تعالى بنصره، وأمدهم بمعونته ويسره، للمنتقلين من أهل بلنسية وجزيرة شقر وشاطبة، ومن جرى من ساير بلاد الشرق مجراهم، وعراه من عبر الأيام ما عراهم، حين أنهى ذو الوزارتين الشيخ الأجل الأكرم، الأعز، الأفضل، أبو علي ابن الشيخ الأجل الأكرم، أبي جعفر بن خلاص، أدام الله تعالى أثرته وكرامته، ما أصابهم من البلاء، ْودهاهم من أمر الأعداء، وسعى لهم سعى من يقضى فيهم .. ، ويلتمس لهم

ص: 737

مكانا للقرار، ومنزلا لإلقاء عصى التسيار. وعند ذلك أذن لهم، أعلى الله تعالى إذنه، وجدد مجده ويمنه، في النقلة إلى رباط الفتح عمره الله تعالى، بقضيضهم وقضهم، وأن يتخذوا مساكنه وأرضه بدلا من مساكنهم وأرضهم، ويعمروا منه بلداً بقبل منهم أولى من قبل، ويحملهم إن شاء الله تعالى، وخير البلاد ما حمل، فإنه مناخ التاجر والفلاح، وملتقى الحادي الملاح، والمرافق من بر أو بحر، موجودة في فصول السنة، مؤذنة لقاطنه بالمعيشة الهنية، والحال الحسنية، ولهم أفضل ما عهده رعايا هذا الأمر العزيز، أدامه الله تعالى، من التوسعة على قويهم، كى يزداد قوة، والرفق بضعيفهم حتى ينال يسارا وثروة، وأن يتوسعوا في الحرث، ففي أرضه هنالك متسع، ويتبسطوا في كل ما لهم منه مكافىء وبه منتفع، ويغرسوا الكروم وأنواع .. على عادتهم ببلادهم، ويتأثلوا الأملاك لأنفسهم وأولادهم، وأولاد أولادهم، وكل ما يعمرون من الضياع، ويقتنون من الأصول والركاع، فله حكم .. على الإطلاق والدوام، لا يلزمون فيه شيئاً من وجوه الإلزام، ولا يطلبون بغير حقوق الشرع، التي جعلها الله تعالى في أموال أهل الإسلام، وأقوالهم في مقاديرها مصدقة، وأمانيهم كلها لهم، واللاحقين بهم محققة، والولاة والعمال حفظهم الله تعالى، مأمورون بأن يحفظوهم من كل أذى يلم بجانب من جوانبهم، ويعوق عن مأرب صغير أو كبير من مآربهم، وأن يكرموا غاية الإكرام، نبهائهم وأعيانهم، ويولونهم من حسن الجوار، ما ينسيهم أوطانهم، حتى تدفع عنهم كل شبهة من شبه الحيف، ويجمع لهم بين الرعاية حرمة البلوى، والعناية بحق الضيف. احتسب منه على الله تعالى أمره، وأوزع شكره، ينسحب على جماعتهم وأفرادهم، ويحملهم على موجب اعتلامهم بهذا الأمر العلى، أدامه الله تعالى وملاه بهم، فمن وقف عليه من المكانة والعمال، أكرمهم الله تعالى، فليعمل بحسبه، ولا يعدل عن كريم مذهبه، إن شاء الله تعالى، وهو تعالى المستعان، لا رب سواه. كتب في الحادي والعشرين لشعبان المكرم من سنة سبع وثلاثين وستماية.

7

رسالة الخليفة المرتضى لأمر الله إلى البابا إنوصان الرابع

ينوه في بدايتها بدحض نظرية التثليث، ويشير فيها إلى ما ورد من كتب البابا إلى الخلافة الموحدية، ويرجوه أن يكون اختيار الحبر المكلف بالنظر في شئون

ص: 738

النصارى بالمغرب من ذوى العقل الراجح، والأخلاق الحميدة، والنزاهة

الوافرة. مؤرخة في الثامن عشر من ربيع الأول سنة 648 هـ.

(وتحفظ الرسالة المذكورة بمحفوظات مكتبة الفاتيكان الرسولية برومة برقم A. A. I. XVIII (1802)

وهي الوثيقة الوحيدة من نوعها وعصرها، التي تحتفظ بها مكتبة الفاتيكان).

بسم الله الرحمن الرحيم

صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما والحمد لله وحده من عبد الله عمر أمير المؤمنين بن سيدنا الأمير أبي ابراهيم بن أمير المؤمنين ابن أمير المؤمنين أيدهم الله تعالى بنصره، وأمدهم بمعونته. إلى مطاع ملوك النصرانية ومعظم عظماء الأمة الرومية، وقيم الملة المسيحية ووارث رياستها الدينية، البابه إينه سانس أش، أنار الله تعالى بصيرته بتوفيقه وإرشاده، وجعل التقوى التي أمر عز وجل بها عدته لمحياه ومعاده، وأناله من سابق الهداية ما يفضى لمدى الغاية، بأتم انفساحه وامتداده، تحية كريمة نراجع بها ما تقدم من تحياتكم الواردة علينا، ويترجم لكم أرجها عما تعتمدكم به البار لدينا.

أما بعد فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو، حمد من علم أنه الرب الواحد، الذي دلت على وحدانيته البراهين القاطعة والشواهد، ونزهته العقول الراجحة عن أن يكون له ولد أو يدعى أنه الوالد، تعالى الملك الرحمن عما يقول المثلث والمشبه والجاحد، ونصلى على سيدنا محمد رسوله المصطفى الكريم، الذي وضحت به للنجاة المذاهب والمقاصد، وخرقت له بظهور المعجزات الباهرة على يديه العوايد، ونصر بالرعب فألقى له يد الاستسلام كل من كان ينادى ويعاند، وعلى آله وصحبه الكرام، الذين ازدانت بهم المحاضر والمشاهد، ووصلت صوارمهم في مواقف الحروب السواعد، وأنجزت لهم في استيلاء الإسلام على مشارق الأرض ومغاربها المواعد. ونسئل الله عز وجل رضاه عن الإمام المعصوم المهدي المعلوم، الذي جذبه لدين الله تعالى الشباب المعاود، وأهلت بهدايته بعد إقفارها المعاهد، وباء بالخسران المخاتل لأمره والمكايد، وعن الخلفاء الراشدين المهتدين، الذين تولى منهم إتمام بدايته الإمام الراشد فالراشد، وعلت بهم لأمر الله تعالى المراقى والمصاعد، وعن سيدنا الأمير الطاهر أبي إبراهيم بن سيدنا الخليفة أمير المؤمنين بن سيدنا الخليفة أمير المؤمنين الذي طابت منه العناصر والمحاتد، واشتق من نبعة للخلافة مذ أورق نضارة وغضارة قنتها المآئد، وزهد

ص: 739

في الدنيا الفانية، ورغب في الأخرى الباقية، فنعم الراغب الزاهد.

وبعد كتابنا كتب الله تعالى لنا حظوظا من رضاه، تزكو وتتوفر، واستعملنا وإياكم بكل ما نتهيأ به لإحراز الفوز لديه ونتيسر، من حضرة مراكش حرسها الله تعالى، ودين الله عز وجل عال مسماه ومصعده، والتوحيد حال بالظهور جيده ومقلده، والسعى معمل في ابتغاء [منِّ] الله تعالى موفقه ومسدده، والحمد لله رب العالمين حمداً يتوالى على الألسنة تكرره وتردده، ونستدعى به من مزيد النعماء أفضل ما وعد به تعالى من يشكره ويحمده، وإلى هذا يسر الله تعالى بتوفيقه إسعادكم، وجعل في طاعته التي تعبّد بها خلقه إصدار [كم] وإيرادكم، فإنه سبقت منا إليكم مراجعات عن كتبكم الموثرة الواصلة إلينا [وأرسلنا] نحوكم من الجواب عنها، ما تممنا به بركم ووفينا، وعرفناكم أنا نوجب لمنصبكم الذي أبز في ملتكم على المناصب، وأقر لرتبتكم فيه أهل دينكم، بالشفوف على سائر ما لهم من المراتب، فأنتم عندنا لذلكم بالتكرمة الحفيلة ملحوظون، وبالعناية الجميلة محظوظون، نؤكد من أسباب المواصلة لكم ما حقه أن يؤكد، ونجدد من عهود الحفاية بكم ما شأنه أن يجدد، ونشكر لكم ما توالى علينا من حسن إيثاركم لجانبنا وتردد. وفي سالف هذه الأيام انصرف عن حضرة الموحدين أعزهم الله، البِشُب الذي كان قد وصل بكتابكم إلينا، انصرافا لم يعده منا فيه بر وإكرام، ولم يغبه فيه اعتناء به واهتمام، كما أنه في المدة التي قضى له فيها لدينا بالمقام، لم نزل نتعهده أثناءها بالإحسان والإنعام، وتحمّل كتابنا إليكم تعريفاً بما اختار من انصرافه، وتوخياً في ما آثره من ذلك لإسعافه، وما قصر له في حالى مقامه ورحيله، ولا عدل به عن حفى البر وحفيله، وسنى المن وجزيله، ذهابا لتكريم إشارتكم السابقة في حقه، وسلوكاً به من البر على أوضح طرقه، والله تعالى يرشد في كل الأحوال لأزكى الأعمال لديه، وينجد من الأقوال والأفعال على ما يقرب إليه بمنه. ومتى سنح لكم أسعدكم الله تعالى بتقواه، أن توجهوا لهاولاء النصارى المستخدمين ببلاد الموحدين أعزهم الله، من ترونه برسم ما يصلحهم في دينهم ويجريهم على معتاد قوانينهم، فتخيروه من أهل العقل الراجح، والسمت الحسن وممن يستلذ في النزاهة على واضح السنن، وممن يتميز في الخدمة بالمذهب المستجاد والقصد المستحسن، وذلكم هو الذي إذا تعين من قبلكم مستجمعاً للصفات المذكورة، ومتحلياً بالخلال المشكورة، حسن في كل ما يستخدم، وتسنى له

ص: 740

بذلك أجزل الخير وأوفره، وأنتم تفون بهذا المقصود في ما تعملون من اختياركم، متى ظهر لكم التوجيه بهذا الرسم لأحد، وتعتمدون فيه أجمل معتمد، وشكرنا لكم على كل ما تذهبون إليه في جانبنا من تمشية الأغراض والمذاهب، وتحتفلون فيه من المساعدة الصادرة فيكم عن كرم الضرايب، وتبادرون إلى بذله من المكارمة المناسبة لما لكم في نحلتكم من إناقة المناصب، مما نكافىء به صدق مصادقتكم، ونتوخى فيه ما لا يعدل عن موافقتكم، جزاء لبركم بأمثاله، واعتناء بما يقضى لولائكم بدوامه واتصاله، بحول الله تعالى وقوته، وهو سبحانه ييسرنا لنيل الحسنى، والزيادة من فضله، ويأخذ ما في ديننا ودنيانا على أقوم سبله، ويجعلنا وإياكم بما يمنحنا من التوفيق، في أول رعيل من حزب الحق وأهله، بمنه وكرمه، لا رب سواه. وكتب في الثامن عشر من شهر ربيع الأول عام ثمانية وأربعين وستمائة.

8

كتاب بتقليد خطة الشورى

صادر من أبي جعفر بن أبي جعفر بن أبي جعفر أمير مرسية إلى الفقيه أبي بكر بن أبي جمرة

هذا كتاب تنويه وترفيع، وإنهاض إلى مرقى رفيع، أمر بكتبه الأمير الناصر للدين، أبو جعفر بن أبي جعفر أدام الله تأييده ونصره، للوزير الفقيه الأجل المشاور الحسيب الأكمل، أبي بكر بن أبي جمرة أدام الله عزه، أنهضه به إلى الشورى، ليكون عند ما يقطع لأمر، أو يحكم في نازلة، يجرى الحكم بها على ما يصدر عن مشورته ومذهبه، لما علمه من فضله وذكائه، وجده في اكتساب العلم واقتنائه، ولكون هذه المرتبة ليست طريقة له، بل تليدة متوارثة عن أسلافه الكريمة وآبائه، فليتحملها تحمل المستقبل بأعبائها المحسن بأنبائها، العالم بمقاصدها المتوخاة المعتهدة وانحائها، والله يزيده تنويهاً وترفيعاً، ويبوئه من حظوته وتمجيده مكانا رفيعاً. وكتب في التاسع لذى حجة سنة 539، الثقة بالله عز وجل (1).

(1) نقلنا هذا الكتاب من التكملة لابن الأبار (القاهرة) ج 2 ص 562؛، وقد فاتنا أن نلحقه بالوثائق المرابطية المنشورة بالقسم الأول فألحقناه هنا بالوثائق الموحدية

ص: 741

استدراك

- 1 -

جاء في القسم الأول من هذا المؤلف (عصر المرابطين وبداية الدولة الموحدية) ص 352 عند الكلام عن مصرع الكاتب الشاعر أبي جعفر بن عطية، أنه كان عند مصرعه فتى في السادسة والعشرين. وهذا ما نقلناه عن " الإحاطة " لابن الخطيب، وعلقنا عليه في حاشية أبدينا فيها أن ما يذكره ابن الخطيب عن سن ابن عطية لا يتفق مع مراحل حياته. وقد وقفنا بعد ذلك على رواية أخرى هي رواية ابن الأبار، وهي أن ابن عطية كان وقت مصرعه في السادسة والثلاثين من عمره، وأن مولده في سنة 517 هـ (1) لا في سنة 527 هـ حسبما يقول لنا ابن الخطيب. وهذه الرواية أكثر تناسقاً واتفاقاً مع حياة ابن عطية، إذ يقال لنا إنه تولى الكتابة عن أمير المسلمين، علي بن يوسف، ثم عن ولده تاشفين، ثم عن حفيده ابراهيم.

- 2 -

قرأنا في مقدمة ابن خلدون عن ابن قسى زعيم ثوار الغرب ودعوته، فقرة فاتنا أن نشير إليها عند كلامنا عنه (ص 377 و 466 من القسم الأول من كتابنا). ويقول لنا ابن خلدون في حديثه في الفصل الذي عنوانه " فصل في أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم " ما يأتي:

" وهذا لما قدمناه من أن كل أمر تحمل عليه الكافة، فلا بد له من العصبية. وفي الحديث الصحيح كما مر: " ما بعث الله نبياً إلا في منعة من قومه ". وإذا كان هذا في الأنبياء وهم أولى الناس بخرق العوائد، فما ظنك بغيرهم أن لا تخرق له العادة في الغلب بغير عصبية. وقد وقع هذا لابن قسى شيخ الصوفية، وصاحب كتاب " خلع النعلين " في التصوف، ثار بالأندلس داعياً إلى الحق، وسمى أصحابه بالمرابطين قبيل دعوة المهدي. فاستتب له الأمر قليلا لشغل لمتونة بما دهمهم من أمر الموحدين. ولم تكن هناك عصائب ولا قبائل يدفعونه في شأنه، فلم يلبث حين استولى الموحدون على الغرب أن أذعن لهم، ودخل في دعوتهم، وكان أول داعية لهم بالأندلس، وكانت ثورته تسمى ثورة المرابطين (المقدمة ص 133).

(1) تراجع رواية ابن الأبار في الحلة السيراء الطبعة الجديدة بتحقيق الدكتور حسين مؤنس ج 2 ص 238. وهي واردة في ترجمة عبد الله بن خيار الجيانى. وقد نقل الأستاذ بروفنسال هذه الترجمة كذلك في كتاب " أخبار المهدي ابن تومرت " ص 146 - 148 ووردت بها نفس الرواية

ص: 742

ثبت المراجع

- 1 -

تاريخ ابن خلدون المسمى بكتاب العبر (بولاق 1284 هـ).

مقدمة ابن خلدون (بولاق).

تاريخ ابن الأثير (الكامل) المطبعة الأهلية (1303 هـ).

نهاية الأرب للنويرى (القسم التاريخي) طبعة جسبار ريميرو Rev. del Cent.)

(de Est. Hist. Granada 1919

صبح الأعشى للقلقشندى (طبعة دار الكتب المصرية 1332 هـ).

وفيات الأعيان لابن خلكان (بولاق 1299 هـ).

فوات الوفيات لابن شاكر الكتبى (بولاق 1299 هـ).

نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب للمقرى (القاهرة 1302 هـ).

أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض للمقرى (القاهرة 1939).

الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، لابن أبي زرع الفاسى المنشور بعناية كارل تورنبرج (أبسالة 1843). الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية (طبع تونس).

الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية (طبع الجزائر 1920).

المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي (القاهرة 1332 هـ).

الإحاطة في أخبار غرناطة لإبن الخطيب (القاهرة سنة 1904 و 1956).

أعمال الأعلام لابن الخطيب (طبع بيروت 1956).

اللمحة البدرية في تاريخ الدولة النصرية لابن الخطيب (1347 هـ). المغرب في حلى المغرب لابن سعيد الأندلسي المنشور بعناية الدكتور شوقى ضيف (القاهرة 1953).

قلائد العقيان للفتح بن خاقان (القاهرة 1283).

الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة لابن بسام الشنترينى (طبعة جامعة القاهرة).

البيان المغرب في اختصار أخبار ملوك الأندلس والمغرب (القسم الثالث) لابن عذارى المراكشي (المنشور بعناية معهد مولاى الحسن بتطوان 1960 - 1964)

ص: 743

كتاب محمد بن تومرت أو كتاب " أعز ما يطلب " المطبوع بالجزائر سنة 1903،

مع مقدمة فرنسية للعلامة المستشرق إجناس جولد سيهر.

كتاب موطأ الإمام المهدي (ابن تومرت) المطبوع بالجزائر سنة 1905.

أخبار المهدي ابن تومرت وابتداء دولة الموحدين لأبي بكر الصنهاجي المكنى

بالبيذق، ومنشور بعناية الأستاذ ليفى بروفنسال (باريس 1928).

تاريخ الدولتين الموحدية والحفصية للزركشى (تونس 1289 هـ).

مجموع رسائل موحدية المنشور بعناية الأستاذ ليفى بروفنسال (الرباط 1941).

الإستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى للسلاوى (القاهرة 1306 هـ).

المؤنس في أخبار إفريقية وتونس لابن دينار (طبع تونس).

المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب، المشتق من كتاب المسالك والممالك لأبي عبيد البكرى (طبعة دي سلان).

وصف المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس المشتق من كتاب نزهة المشتاق للإدريسي (طبعة دوزي).

الروض المعطار (صفة جزيرة الأندلس) لإبن عبد المنعم الحميري المنشور بعناية الأستاذ ليفى بروفنسال (القاهرة 1937).

الاستبصار في عجائب الأمصار المنشور بعناية الدكتور سعد زغلول (جامعة الإسكندرية 1958).

رحلة التجّانى (أبو محمد عبد الله بن محمد) المطبوعة بعناية المطبعة الرسمية بتونس 1958.

رحلة ابن جبير المنشورة بعناية الدكتور حسين نصار (القاهرة 1955).

الروضتين في تاريخ الدولتين (القاهرة 1287 هـ).

مفرج الكروب في أخبار بني أيوب المنشور بعناية الدكتور جمال الدين الشيال (القاهرة 1953).

الرسالة المصرية لإبن أبي الصلت المنشورة بعناية الأستاذ عبد السلام هارون (القاهرة 1951).

المطرب من أشعار أهل المغرب لإبن دحية البلنسى (القاهرة 1954).

رسالة ابن عبدون في الحسبة المنشورة بعناية الأستاذ بروفنسال (طبع المعهد الفرنسى بالقاهرة)

ص: 744

الفِصَل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم القرطبي (القاهرة 1321 هـ).

الملل والنحل للشهرستانى، المنشور على هامش كتاب " الفصل ".

المنقذ من الضلال لأبي حامد الغزالى (القاهرة 1309 هـ).

كتاب الحلة السيراء لابن الأبار (طبعة دوزى 1851).

كتاب الصلة لابن بشكوال (طبع القاهرة 1955).

كتاب التكملة لابن الأبار (طبع القاهرة 1956)، وضمن المكتبة الأندلسية

(مدريد 1886).

المعجم في أصحاب القاضي أبي على الصدفى لابن الأبار (ضمن المكتبة الأندلسية).

بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس للضبى (ضمن المكتبة الأندلسية).

كتاب صلة الصلة لابن الزبير المنشور بعناية الأستاذ بروفنسال (الجزائر 1937).

عنوان الدراية لأبي العباس الغبرينى (الجزائر 1328 هـ).

جذوة الاقتباس فيمن حل من الأعلام بمدينة فاس لابن أبي العافية (فاس 1309 هـ).

إخبار العلماء بأخبار الحكماء لجمال الدين القفطى (القاهرة 1326 هـ).

تاريخ الأندلس في عهد المرابطين والموحدين لأشباخ (الترجمة العربية 1958).

دول الطوائف منذ قيامها حتى الفتح المرابطي لمحمد عبد الله عنان (القاهرة 1960)

نهاية الأندلس وتاريخ العرب المتنصرين لمحمد عبد الله عنان (القاهرة 1958).

الآثار الأندلسية الباقية لمحمد عبد الله عنان (القاهرة 1961).

صحيفة معهد الدراسات الإسلامية بمدريد (المجلدان السابع والثامن).

المصادر المخطوطة

سبق أن تناولنا في بداية القسم الأول من هذا الكتاب في الفصل الذي عقدناه بعنوان "بيان عن المصادر " أهم المصادر المخطوطة التي اعتمدنا عليها وانتفعنا بها، وذكرنا أوصافها، وأماكن وجودها. ولذا لا نرى حاجة لتكرار ذكرها في هذا الثبت.

- 2 -

F. Codera: Decadencia y Disparicion de los Almoravides en

Espana (Zaragoza 1899) .

Primera Cronica General، Ed. M. Pidal (Madrid 1956) .

Mariana: Historia General de Espana.

Sandoval: Historia de los Reyes de Castilla y de Leon.

Florez: Historia de las Reinas Catolicas.

Chronicon Lusitanum (Espana Sagrada Vol. XXIV) .

Chronique Latine des Rois de Castille

ص: 745

M. Lafuente: Historia General de Espana.

A. de los Rios: Trofeos Militares de la Reconquista (Madrid 1893) .

F. J. Simonet: Historia de los Mozarabes de Espana (Madrid 1896) .

Pons Boigues: Historiadores y Geograficos Arabigo-Espanoles

(Madrid 1898) .

R. Altamira: Historia de Espana y de Civilizacion Espanola

(Barcelona 1900) .

A. Campaner y Fuertes: Bosquejo Historico de la Dominacion

Islamita en las Islas Baleares (Palma 1888) .

P.y Vives: Los Reyes de Taifas (Madrid 1926) .

G. Palencia y M. Alarcon: Miscelenea de Estudios y Textos Arabes

(Madrid 1916) .

A. P. Ibars: Valencia Arabe (Valencia 1901) .

M. Gaspar Remiro: Historia de Murcia Musulmana (Zaragoza 1903) .

A. Huici Miranda: Historia Politica del Imperio Almohade (Tetuan

1957) .

A. H. Miranda: Las Grandes Batallas de la Reconquista (Madrid 1956) .

J. Gonzalez: Las Conquistas de Fernando III en Andalucia

(Madrid 1946) .

Is. de las Cagigas: Sevilla Almohade y Ultimos Anos de su Vida

Musulmana (Madrid 1951) .

La Orden de Calatrava (Ciudad Real 1959) .

Al-Andalus: Revista de las Escuelas de Estudios Arabes de Madrid

y Granada.

M. Amari: Storia Dei Musulmani di Sicilia (Fierenze 1867) .

R. Dozy: Histoire des Musulmans d'Espagne (Leiden 1932) .

R. Dozy: Recherches sur l'Histoire et Littérature de l'Espagne

pendant le moyen age (Leiden 1881) .

Alfred Bel: Les Benou Ghania (Paris 1903) .

A. Muller: Der Islam im Morgen und Abendland (Berlin 1885) .

I. Goldziher: Materialien zur Kenntniss der Almohaden Bewegung

(Z. der Morg. Gesell. 1887) .

I. Goldziher: Le Livre de Mohamed ibn Toumert (Alger 1903) ، Intro-

duction.

M. Muller: Beitrage zur Geschichte des Wesentlichen Araber

ص: 746

فهرس الموضوعات

تصدير ................................................................ 3

الكتاب السادس

عصر الخليفة أبى يعقوب يوسف

الفصل الأول: عصر الخليفة أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن ........... 10

الفصل الثانى: حوادث الأندلس وسقوط مملكة الشرق .................. 33

الفصل الثالث: حركة الجهاد بالأندلس والإخفاق فى غزوة وبذة ......... 58

الفصل الرابع: أحداث الأندلس والمغرب ................................ 94

الفصل الخامس: غزوة شنترين ومصرع الخليفة أبى يعقوب يوسف ...... 113

الكتاب السابع

عصر الخليفة يعقوب المنصور

حتى موقعة العقاب

الفصل الأول: عصر الخليفة يعقوب المنصور وبداية ثورة بنى غانية ........ 140

الفصل الثانى: حوادث الأندلس وإفريقية ................................. 169

الفصل الثالث: موقعة الأرك ............................................. 196

الفصل الرابع: ما بعد الأرك حتى وفاة المنصور ............................ 222

الفصل الخامس: عصر الخليفة محمد الناصر ............................... 249

الفصل السادس: موقعة العقاب .......................................... 282

الكتاب الثامن

الدولة الموحدية

فى طريق الانحلال والتفكك

الفصل الأول: عصر الخليفة يوسف المستنصر بالله وأوائل ظهور بنى مرين

328

الفصل الثانى: أبو محمد عبد الواحد والعادل وثورة البياسى بالأندلس ........ 348

الفصل الثالث: عصر الخليفة أبى العلى المأمون - إلغاء رسوم المهدى

ابن تومرت وقيام الدولة الحفصية بإفريقية .................................... 367

ص: 747

الكتاب التاسع

إنهيار الأندلس

وسقوط قواعدها الكبرى

الفصل الأول: الثورة فى مرسية وبلنسية ونذر الإنهيار الأولى .......... 388

الفصل الثانى: ابن هود وابن الأحمر وسقوط قرطبة .................... 410

الفصل الثالث: سقوط بلنسية وقواعد الشرق ........................ 437

الفصل الرابع: سقوط إشبيلية وقواعد الغرب ......................... 465

الكتاب العاشر

نهاية الدولة الموحدية

الفصل الأول: عصر الخليفة أبى محمد عبد الواحد الرشيد ............... 496

الفصل الثانى: عصر الخليفة أبى الحسن على السعيد ..................... 516

الفصل الثالث: عصر الخليفة المرتضى لأمر الله .......................... 528

الفصل الرابع: نهاية الدولة الموحدية .................................... 561

الكتاب الحادى عشر

الممالك الإسبانية النصرانية

خلال العصر الموحدى

الفصل الأول: قشتالة وليون منذ عهد ألفونسو الثامن حتى عهد

فرناندو الثالث .......................................................... 582

1 -

مملكة قشتالة ....................................................... 583

2 -

مملكة ليون ......................................................... 593

3 -

قشتالة وعهد فرناندو الثالث ........................................ 597

الفصل الثانى: أراجون ونافارا والبرتغال، منذ أواخر القرن

الثانى عشر إلى أواخر القرن الثالث عشر ................................... 600

1 -

مملكة أراجون ....................................................... 601

2 -

مملكة نافارا (نبرّة) ................................................... 607

3 -

مملكة البرتغال ....................................................... 609

ص: 748

الكتاب الثانى عشر

نظم الدولة الموحدية

وخواص العهد الموحدى

الفصل الأول: الحكومة الموحدية بالمغرب والأندلس وأوضاعها

السياسية والعسكرية والإدارية ........................................ 614

1 -

نظم الحكم الموحدى ............................................ 619

2 -

تطور الأساس الروحى للخلافة الموحدية ......................... 630

3 -

النظم العسكرية ................................................. 632

4 -

الحكومة الموحدية بالأندلس ...................................... 640

الفصل الثانى: الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدى-القسم الأول. 644

الفصل الثالث: الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدى-القسم الثانى. 681

الفصل الرابع: الحركة الفكرية الأندلسية خلال العصر الموحدى-القسم الثالث. 711

وثائق موحدية

1 -

رسالة الخليفة أبى يعقوب يوسف بن عبد المؤمن بالتوصية بأن تجرى

الأحكام وفقاً للعدل، وبأن يرفع إليه أمر الدماء قبل البت فيه ........... 728

2 -

بيعة أهل إشبيلية للخليفة أبى يعقوب يوسف ....................... 731

3 -

رسالة الخليفة أبى يعقوب يوسف إلى الطلبة الذين بغرناطة ........... 732

4 -

رسالة للسيد أبى إسحق ابراهيم يبلغ فيها عن دخول ابن همشك

فى الدعوة الموحدية ...................................................... 733

5 -

رسالة الخليفة أبى يعقوب يوسف إلى الطلبة والموحدين بالأندلس

ينبئهم فيها باهتمامه بأمر الأندلس والعمل على نصرتها ..................... 734

6 -

ظهير الخليفة الرشيد بإسكان المهاجرين من شرق الأندلس بمدينة

رباط الفتح ............................................................... 737

7 -

رسالة الخليفة المرتضى لأمر الله إلى البابا إنوصان الرابع ................ 738

8 -

كتاب بتقليد خطة الشورى .......................................... 741

استدراك .................................................................. 742

ثبت المراجع ............................................................... 743

ص: 749

فهرست الخرائط والصور

1 -

مواقع غزوات الموحدين لمملكة الشرق وغزوة وبذة ............... 49

2 -

خط سير الجيش الموحدى والأسطول الموحدى إلى غزوة شنترين .. 120

3 -

مواقع معركة شنترين ............................................ 120

4 -

إفريقية والمغرب الأوسط، ومواقع الصراع بين بنى غانية والموحدين 163

5 -

مواقع موقعة الأرك .............................................. 201

6 -

رسم تخطيطى لميدان معركة الأرك حسبما يبدو اليوم .............. 205

7 -

كنيسة الأرك - مجموعة أطلال قلعة رباح ........................ 207

8 -

صومعة جامع المنصور بإشبيلية (لاخيرالدا) ........................ 231

9 -

مواقع موقعة العقاب ............................................. 299

10 -

أطلال حصن العقاب ........................................... 303

11 -

نهر مجانيا كما يبدو فى أسفل الجبال .............................. 304

12 -

منحدر دسبنيابروس ............................................ 304

13 -

ممر بورتو دل مورادال .......................................... 307

14 -

بسيط مائدة الملك (ميسا دل رى) ............................... 307

15 -

رسم تخطيطى لموقعة العقاب خلال جبال سيرّا مورينا ............. 309

16 -

صورة سهام أرضية عثر بها المؤلف فى ميدان الموقعة ............... 316

17 -

صورة العلم الموحدى الذى غنمه الإسبان ........................ 319

18 -

خطط قرطبة الإسلامية .......................................... 419

19 -

قطاع بلنسية ومرسية ومواقع الفتوحات الأرجونية ............... 441

20 -

مواقع حصار بلنسية ............................................. 445

21 -

قطاع إشبيلية وأحوازها ومواقع الغزو القشتالى ................... 475

22 -

حصار إشبيلية .................................................. 479

23 -

خريطة تبين انهيار الأندلس وما كسبته الممالك النصرانية ........... 491

24 -

صورة فتوغرافية لخطاب الخليفة المرتضى إلى البابا إنوصان الرابع

539

25 -

خريطة تبين تفكك الدولة الموحدية والدول التى قامت مكانها ...... 569

ص: 750

فهرست الشعر

أبو عمر بن حربون ..... بسعدك أضحى الدين جذلان باسما ............ 39

أبو بكر بن طفيل ..... أقيموا صدور الخيل نحو المضارب ............... 60

أبو الحسن بن عياش ..... أقيموا إلى العلياء عوج الرواحل .............. 61

أبو بكر بن المنخل ..... شرف الخلافة أن ملكت زمامها ................ 67

أبو بكر بن طفيل ..... ولما انقضى الفتح الذى كان يرتجى ............. 109

ابن صاحب الصلاة ..... خير البشائر صوغت حمل المنى ............... 109

شاعر من الجزائر ..... سلام على قبر الإمام الممجد .................... 110

أبو بكر بن مجبر ..... أسائلكم لمن جيش لهام ........................... 165

أبو العباس الجراوى ..... نار من الفتنة العمياء أطفأها .................. 180

أبو عبد الله الجزيرى ..... فى أم رأسى سر ............................. 180

عبد الرحمن بن منقذ ..... سأشكر بحراً ذا عباب قطعته ................. 185

أبو العباس الجراوى ..... إياب الإمام حياة الأمم ....................... 189

...... " ....... " .... بشائر نصر الله جاءتك سافرة ...................... 212

...... " ....... " .... هو الفتح أعيى وصفه النظم والنثرا ................. 216

على بن حزمون ..... حيتك معطرة النفس ............................. 216

أبو بكر بن مجبر ..... أتراه يترك الغزلا .................................. 244

عبد الرحمن بن الفرس ..... قولوا لأبناء عبد المؤمن بن على .............. 256

ابن يخلفتن الفازازى ..... هذى فتوح تفتحت أزهارها ................... 275

شاعر مرسى ..... موقعة عفص وطلياطة ................................ 355

ابن الأبار القضاعى ..... الحمد لله لا أهل ولا ولد ....................... 396

سعيد بن حكم الأموى ..... لا تمنع المعروف يوما معرضاً ومعرضا ....... 409

ابن الأبار القضاعى ..... ألما بأشلاء العلا والمكارم ........................ 442

....... " ....... "

أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ......................... 446

أبو المطرف بن عميرة ..... ما بال دمعك لا ينى مدراره ................... 454

ص: 751

شاعر من جيان ..... أودعكم أودعكم جيانى ........................... 469

إبراهيم بن سهل الإشبيلى ..... ورداً فمضمون نجاح المصدر ............. 482

أبو موسى بن هرون ..... يا حمص أقصدك المقدور حين رمى ............. 482

الخليفة المرتضى لأمر الله ..... وافى ربيع قد تعطر نفحه .................. 560

...... " ...... " .......... ولما مضى العمر إلا الأقل ....................... 560

عبد الله بن فتوح الحضرمى ..... وعجل شيبى أن ذا الفضل مبتلى ........ 662

مفوز بن حيدرة المعافرى ..... وقفت على الوادى المنعم دوحه ........... 663

موسى بن حسين الميرتلى ..... سليخة وحصير ........................... 666

الشيخ محيى الدين بن عربى ..... سلام على سلمى ومن هل بالحمى ........ 680

...... " ....... " ........... درست عهودهم وأن هواهم .................. 680

ابن أبى العافية الأزدى ..... يا سرحة الحى يا مطول ....................... 688

عبد الرحمن بن مغاور ..... أيها الواقف اعتباراً بقربى ....................... 689

ابن غالب البلنسى ..... لو جئت نار الهدى من جانب الطور ............... 689

....... " ..... " .... ومهول الشطين تحسب أنه .............................. 689

....... " ..... " .... وفتيان صدق كالنجوم تألقوا ........................... 689

....... " ..... " .... خليلى ما لليد قد عبقت نسرا ........................... 690

ابن عياض القرطبى ..... كم من أخ فى فؤاده دغل .......................... 690

ابن الصابونى الصدفى ..... أهلا بطيف خيال منك منساب ................... 691

ابن حريق ..... يا صاحبى وما البخيل بصاحبى ............................... 692

مرج الكحل ..... مثل الرزق الذى تطلبه ................................... 692

.... "

" .... عرج بمنعرج الكثيب الأخضر .................................. 692

عبد الرحمن بن حزمون ..... يا من له بالأنام أنسى ............................ 693

...... " ...... " ........ إليك إمام الحق جبت المفاوز ........................... 693

إبراهيم بن سهل الإشبيلى ..... مضى الوصل إلا منية تبعث الأسى ............ 694

...... " ...... " ............ ليل الهوى يقظان .................................. 694

ابن حجاج اللخمى ..... هنأ الله بلاد العرب .................................. 694

أبو العباس الجراوى ..... أتراه يترك الغزلا .................................... 695

ص: 752