الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع أحداث الأندلس والمغرب
عصف الوباء بالمغرب والأندلس. ثورة عشائر صنهاجة وإخمادها. غزو النصارى لمدينة قونقه وحصارها. غزو الموحدين لأراضي طليطلة وطلبيرة. استمرار النصارى في حصار قونقه. سقوطها في أيديهم. غزو ملك ليون لفحص إشبيلية. إغارة البرتغاليين على باجة وطريانة. خروج جند باجة للغزو وهزيمتهم. فرار أهل باجة وإخلاؤها. رواية أخرى عن غزوة البرتغاليين. نكبة الخليفة لبني جامع وغيرهم. وفاة بعض السادة والأعلام. غزو السفن الموحدية لثغر أشبونة، ورد السفن البرتغالية. غزوة ثانية للسفن الموحدية. نفاذ الموحدين إلى الداخل وهزيمتهم. معركة بحرية بين الموحدين والبرتغاليين. هزيمة البرتغاليين ومقتل قائدهم. غزو الموحدين لأراضي يابرة. غزو البرتغاليين لأراضي إشبيلية. غزوهم للشرف ومدينة شلوقه، وحصن القصر. غزو القشتاليين لأراضي قرطبة. توغلهم في وادي إشبيلية وجنوبي الأندلس. استيلاؤهم على حصن شنتفيلة. غزو الموحدين لحصن شنتفيلة وحصاره. صموده وإقلاعهم عنه. إخلاء النصارى له. غزو الموحدين لأحواز طلبيرة. اشتباكهم مع القشتاليين. هزيمة القشتاليين وفرارهم. القائد ابن وانودين والخليفة. وفاة السيد أبي حفص. ثورة بني الرند بقفصة. مسير الخليفة لقمع الثورة. تواطؤ ابن المنتصر مع بني الرند ونكبته. محاصرة قفصة وضربها. تسليم ابن الرند. حث الخليفة العرب على الجهاد. استجابة العرب لدعوته. سياسة الموحدين في اصطناع العرب. دأبهم في التقلب وعدم الولاء. عقد الصلح بين ملك صقلية والخليفة. رسالة الفتح. عود الخليفة إلى مراكش. مسير الخليفة إلى تينملل. زيارته لقبر المهدي وقبر أبيه. قصيدة في مناقب المهدي وصحة دعوته. توسيع مدينة مراكش. ثورة عرب سليم وهزيمتهم للسيد أبي الحسين وأسره. حوادث أخرى.
لم تمض أسابيع قلائل على استقرار الخليفة أبي يعقوب بمراكش، حتى ظهر الوباء بالمدينة في أول شهر ذي القعدة (سنة 571 هـ) واشتد حتى بلغت ضحاياه كل يوم نحو مائتي شخص، ولما ضاق الجامع بالصلاة على الموتى، أمر الخليفة أن يُصلى عليهم بسائر المساجد. وأصيب معظم السادات بالوباء، ومات منهم أربعة من إخوة الخليفة هم السيد أبو عمران، ثم أخوه السيد أبو سعيد، فأخوهما السيد أبو عبد الله، ثم أخوهم السيد أبو زكريا والي بجاية. ومات من أشياخ الموحدين أبو سعيد بن الحسين، وكان الشيخ أبو حفص عمر الهنتاني قادماً من قرطبة قاصداً إلى مراكش، فأصيب بالوباء وتوفي بالطريق، ودفن برباط الفتح، وفقدت الدولة الموحدية بوفاته ركناً من أهم أركانها، وبناء من أعظم بناتها، وقائداً من
أعظم قوادها. ومرض الخليفة، وأخوه السيد أبو حفص، وأشرفا على الهلاك، ولكن تداركتهما العناية حتى شفيا. ويروى ابن صاحب الصلاة عن السيد أبي علي
الحسين ولد الخليفة، أنه كان يموت كل يوم في القصور الملكية ثلاثون شخصاً حتى فني معظم رجال الحاشية والخدم والعبيد. واستمر هذا الوباء مدى أيام، وساد الروع حاضرة مراكش، حتى أنه لم يكن يدخلها أو يخرج منها أحد، وكان كل من خرج منها فاراً، أدركه الوباء في الطريق. ولم يكن عصف الوباء قاصراً على أهل المغرب، بل تعدى أثره إلى الأندلس، ولكن فيما يبدو بصورة مخففة. وكان من أعيان المتوفين به بالمغرب والأندلس غير من تقدم ذكرهم، القاضي أبو يوسف حجاج بن يوسف قاضي مراكش، وكان من أعلام عصره زهداً وعدلا وأدباً، والكاتب أبو الحكم بن هرودس المالقي، وأخوه أبو الحسن وكان من جلة الطلبة، والكاتب أبو الحسن على بن زيد الإشبيلى، ومشرف غرناطة أبو عمرو بن أفلح، وجملة كبيرة من أعيان الطلبة والموحدين في مختلف القواعد (1).
وما كادت تنقشع غمة الوباء حتى وقعت ثورة محلية بين عشائر صنهاجة القبلية، وذلك في أواخر سنة 572 هـ (أوائل 1177 م)، فخرج الخليفة إلى غزوها في الرابع من شهر ذي القعدة، وترك أخاه السيد أبا حفص بمراكش والياً عليها، فلما وصل إلى رباط هسكورة في منطقة الأطلس، جنوب شرقي مراكش، أمر ببناء محلة للعسكر، وقدم عليهم ابنه السيد أبا يوسف يعقوب، وعاد إلى مراكش في الحادي والعشرين من ذي القعدة، ولم تلبث العشائر الثائرة أن أذعنت وعادت إلى الطاعة، وانصرف جميع الأجناد (2).
وفي تلك الآونة بدأت حوادث الأندلس تتخذ وجهة خطيرة سواء في الشرق أو الغرب. وكان التهادن والصلح قد عقد بين الخليفة وبين الكونت نونيو دي لارا صاحب طليطلة، وألفونسو الثامن ملك قشتالة، وألفونسو هنريكيز ملك البرتغال، في سنة 568 هـ (1173 م) أثناء إقامته بإشبيلية. ولكن الخليفة ما كاد يغادر شبه الجزيرة عائداً إلى المغرب في شعبان سنة 571 هـ، حتى عول النصارى على نقض الهدنة، واستئناف الغزو. ففي العام التالي، أعني سنة 572 هـ (1177 م) وهي السنة التي عصف فيها الوباء بمراكش، خرج ألفونسو الثامن
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 109 و 110، وابن خلدون ج 6 ص 240
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 110.
ملك قشتالة، ووصيه السابق الكونت نونيو دي لارا، لغزو الأراضي الإسلامية، واتجها بقواتهما صوب مدينة قونقة (كونكة) وهي تقع فوق ربوة عالية صعبة المنال عند ملتقى نهري شقر ووقر، في شمال شرقي الأندلس، وهي من حصون ولاية بلنسية الأمامية المنيعة، وضربا حولها الحصار (يناير سنة 1177 م). ويقول ماريانا، إن قونقة كانت من المدن التي أنشأها المسلمون في تلك المنطقة، لأنه لم يرد ذكرها في سير الرومان والقوط، وأن ملك أراجون كان مشتركاً في تلك الحملة، وقد تحالف مع ملك قشتالة على محاربة المسلمين، كما اشترك في الحملة إلى جانب الملكين عدد كبير من القادة ومشاهير الفرسان مثل بيدرو أسقف برغش، وسانشو صاحب آبلة، وريموندو صاحب بلازنسيا، وغيرهم (1). فبعث أهل قونقة إلى الخليفة بمراكش في طلب الغوث والنجدة، فبعث الخليفة إلى ولديه السيد أبي علي الحسين والي إشبيلية، والسيد أبي الحسن علي والي قرطبة، وأن يتحركا لغزو جهات طليطلة وطلبيرة، وذلك حتى يرغم القشتاليون على رفع الحصار عن قونقه. فخرج السيد أبو الحسن في عسكر قرطبة في اليوم السادس من شوال (أبريل 1177)، وأغار على أراضي طليطلة وأثخن فيها، وارتد بغنائمه سالماً إلى قرطبة. وخرج السيد أبو علي الحسين بعسكر إشبيلية في أربعة آلاف فارس، وأربعة آلاف راجل، وسار شمالا صوب طلبيرة، وعاث في أحوازها، واستولى على كثير من السبي والغنائم، وعبر نهر تاجُه في قارب كان قد حمله معه من إشبيلية على أكتاف الرجال، وفاء لنذر نذره. على أن هذه الحركة التي نظمها الموحدون لغزو أراضي قشتالة، لم تؤت ثمرتها في إنجاد قونقة، فقد لبث القشتاليون على حصارها، ولم تصدهم قسوة الشتاء، ولا مناعة المدينة المحصورة، ولا ضخامة حاميتها، عن المضي في إرهاقها والتضييق عليها. والظاهر من أقوال الرواية النصرانية أن الموحدين قد أرسلوا صوب قونقة بعض أمداد مباشرة لإنجادها، لكن هذه الأمداد عاقتها عن الوصول إلى المدينة المحصورة، قوات ملك أراجون حليف ملك قشتالة. وطال حصار قونقة زهاء تسعة أشهر من أواخر يناير سنة 1177 حتى أواخر سبتمبر، وفي النهاية اضطرت المدينة المسلمة، بعد أن استنفدت كل وسائل الدفاع، وبعد أن برّح بها الجوع والحرمان إلى التسليم إلى ملك قشتالة، وذلك في اليوم
(1) Mariana: Historia General de Espana ; Lib. Undecimo، Cap. XIV.
الحادي والعشرين من شهر سبتمبر سنة 1177 م. وفي الحال حول مسجدها الجامع إلى كنيسة، جرياً على القاعدة المأثورة، ثم جعلت قونقة بعد ذلك مركزاً لأسقفية. وكان سقوط قونقة ثغرة خطيرة في خط الدفاع الشمالي الشرقي الأندلسي، وكان تقصير الموحدين أو قصورهم في إنجادها وإنقاذها، ينطوي على خطأ عسكري خطير، يكشف عن ناحية أخرى من ضعف وسائل الدفاع الموحدي عن شبه الجزيرة الأندلسية (1).
وانتهز فرناندو الثاني ملك ليون (الببوج) نفس الفرصة في الإغارة على الأراضي الإسلامية، فخرج في نفس العام بقواته، وغزا فحص إشبيلية، ووصل في سيره حتى أحواز مدينتي أركش وشريش جنوبي إشبيلية. فخرج إليه الموحدون من إشبيلية، فلحقوا بقوة من النصارى من أهالي منطقة طلبيرة، وكانت قد خرجت فيما يبدو للانتقام مما أنزله الموحدون بأراضيهم، فأحدق بها الموحدون وأبادوها، واستنقذوا ما كان معها من الغنائم والماشية، وأسروا منها ثمانين، أخذوا إلى إشبيلية، وهنالك ضربت أعناقهم أمام الخليفة والأشياخ (2).
ووقع في غربي الأندلس عدوان مماثل، وحذا ألفونسو هنريكيز ملك البرتغال حذو زميليه ملكي قشتالة وليون، وقد اعتزم مثلهما أن ينقض الهدنة التي عقدها مع الخليفة الموحدي. وكانت مدينة باجة هدفه مرة أخرى، وخصوصاً بعد أن عمرت واستردت رونقها ورخاءها. فسار إليها في سنة 573 هـ (1177 م)، وانتسف زروعها، ونازلها أياماً حتى كاد أن يتغلب عليها. ثم تركها وسار بقواته، نحو الجنوب الشرقي قاصداً وادي إشبيلية، ووصل في زحفه إلى ضاحيتها الغربية طريانة، فدخلها وأثخن فيها، وعاث في أحواز إشبيلية، ثم عاد إلى باجة مرة أخرى فوجدها خراباً وقد أقفرت من أهلها. وكان أهل باجة في تلك الأثناء قد أصابتهم محنة أخرى، اضطرتهم إلى الفرار من مدينتهم. وذلك أن واليها عمر بن تيمصلت خرج منها بجندها وفرسانها، وانضم إليه علي بن وزير حاكم حصن شربة في قواته، وأغار على فحص أبي دانس، ونشب القتال بينهم وبين النصارى. وفي أثناء ذلك قدمت قوة من نصارى شنترين فجأة، وانضموا
(1) راجع البيان المغرب - القسم الثالث ص 110 و 111. وراجع أيضاً:
M. Lafuente: Historia General de Espana T. III. p. 326 & 327
(2)
البيان المغرب - القسم الثالث ص 111.
إلى إخوانهم في مقاتلة الموحدين، فانهزم ابن تيمصلت وزميله ابن وزير وأسرا مع جملة من الفرسان والرجالة، وقتل الباقون، ووصل الخبر إلى أهل باجة فبادروا بالفرار من مدينتهم في الأهل والولد، وقصدوا إلى مدينة ميرتلة، وذلك في شهر المحرم سنة 574 هـ (يوليه 1178 م) وحُمل ابن تيمصلت وزميله ابن وزير إلى قلمرية، وعذب ابن تيمصلت ثم أعدم، وافتُدي ابن وزير بأربعة آلاف دينار (1).
وتقدم إلينا الرواية البرتغالية قصة هذه الغزوة في صورة أخرى، فتقول إن الذي قام بغزو وادي إشبيلية هو سانشو ولد ألفونسو هنريكيز وولي عهده، وذلك في سنة 1178 م (574 هـ) وأنه بعد أن هزم الموحدين في ظاهر طريانة، سار لغزو مدينة لَبلة، ولكنه علم عندئذ أن جيشاً موحدياً قد سار لمحاصرة باجة، فبعث قوة مختارة من فرسانه ردت المهاجمين، ثم لحق بها بباقي قواته، وهزم الموحدين مرة أخرى، وبقيت باجة في حوزة البرتغاليين (2).
وعلى أثر هذه الأحداث المتوالية، استدعى الخليفة أبو يعقوب أخويه السيدين أبا علي الحسين والي إشبيلية، وأبا الحسن علي والي قرطبة إلى حضرة مراكش، فغادرا إشبيلية في اليوم الثامن من شهر رمضان سنة 573 هـ (27 فبراير 1178 م)، ومعهما أبو علي بن عزون وجملة من أشياخ الموحدين بإشبيلية، فلما وصلا إلى الحضرة بحث معهما الخليفة طويلا في شئون الأندلس، وفيما يجب عمله لمحاربة النصارى، والدفاع عن أراضي المسلمين. ثم أمرا بالانصراف إلى شبه الجزيرة، فوصلا إليها في المحرم سنة 574 هـ (يونيه 1178 م).
وفي نفس هذا العام، أعني سنة 573 هـ، قام الخليفة أبو يعقوب بحركة تطهير شاملة بين وزرائه وعماله، فنكب وزيره أبا العلاء إدريس بن إبراهيم ابن جامع وبنيه، فقبض عليهم، واستصفى أموالهم، ونفاهم إلى مدينة ماردة بالأندلس، فأقاموا بها في فقر وضعة نحو ستة أعوام، حتى توفي الخليفة أبو يعقوب، فعفا عنهم ولده الخليفة أبو يوسف. وكان بنو جامع يتولون وزارة الخليفة الموحدي، منذ بداية حكمه، أي منذ خمسة عشر عاماً، وعميدهم إدريس ابن جامع، هو ولد إبراهيم بن جامع من أصحاب أهل الدار، أعني من قرابة
(1) البيان المغرب ص 107 و 108.
(2)
H. Miranda: Imperio Almohade، T. I. p. 277 & 278
المهدي ابن تومرت، فلما سما شأنهم، وتمكن سلطانهم، طغوا كالعادة وبغوا، فنكبهم أبو يعقوب ليتخلص من نيرهم. ونكب الخليفة عدة آخرين من العمال، وأعدم بعضهم، وكان من هؤلاء أبو عبد الله بن المعلم مشرف إشبيلية، وابن فاخر مشرف سجلماسة، وأبو الحسن علي بن حنون، وغيرهم (1).
وفي سنة 574 هـ، بعث الخليفة ابني السيد أبي الحسن والي قرطبة، إلى الأندلس، فولى أبو زيد نظر غرناطة، وولى أبو محمد عبد الله نظر مالقة. ولم يمض قليل على ذلك حتى توفي أخو الخليفة السيد أبو علي الحسين والي إشبيلية، ثم أخوه السيد أبو العباس بن عبد المؤمن، وكان والياً لمدينة سجلماسة. وتوفي من أعلام الدولة الموحدية اثنان كانا من أركان حكومة الخليفة أبي يعقوب ومجلسه، وهما أبو علي بن عزون عميد زعماء الأندلس، والفقيه أبو محمد المالقي شيخ طلبة الحضر بمراكش، وكان من أقطاب الفقه والحديث والأدب، وحظى لدى الخليفة عبد المؤمن، ثم ولده الخليفة أبو يعقوب، وعلت مكانته في الدولة الموحدية. وكان يتولى رفع المسائل للخليفة، وتوصيل الرسائل الواردة، وقراءة كتب الفتح، ويتقدم للخطابة والصلاة بأمير المؤمنين، ويرفع إليه أشعار الشعراء في المناسبات المختلفة، ويلازم ركب الخليفة في الحركة والغزو، وكان له أدب بارع، وشعر جيد ولاسيما في الزهد (2).
- 1 -
وفي العام التالي أعني سنة 575 هـ (1179 م) اشتد عدوان البرتغاليين في البر والبحر. وكان ألفونسو هنريكيز قد نقض الهدنة التي عقدها مع الخليفة، وقام البرتغاليون بغزو وادي إشبيلية، ثم مدينة باجة، حسبما قدمنا، ثم تفاقم عدوانهم تباعاً، فعندئذ قرر الخليفة أن يقوم الموحدون بمجهود لرد هذا العدوان، فبعث أسطوله المرابط بسبتة تحت إمرة غانم بن مردنيش لغزو شواطىء البرتغال، فسار غانم صوب أشبونة، وهاجم ثغرها، واستولى على سفينتين من سفن البرتغاليين، وعاد بأسطوله إلى سبتة. فعندئذ سارت حملة بحرية برتغالية إلى الجنوب وهاجمت شواطىء ولاية الغرب الجنوبية، واستولت على جزيرة شلطيش، الواقعة قبالة
(1) المراكشي في المعجب ص 137، والبيان المغرب القسم الثالث ص 112 أ.
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 112.
ولبة في مصب نهر أوديل، وأسرت كثيراً من سكانها المسلمين فبقوا في الأسر حتى افتداهم الخليفة أبو يعقوب (1).
ورأى الخليفة أن ينتقم لهذا الاعتداء، وأمر لانشغاله بغزوة قفصة التي نتحدث عنها بعد، بأن يقوم أسطوله بغزو البرتغال مرة أخرى، فخرج غانم بن مردنيش وأخوه أبو العلاء، في حملة بحرية، سارت إلى مياه البرتغال الشمالية، ورست عند سان مارتن دي بورتو شمالي أشبونة، ونفذ المسلمون إلى الداخل، وحاولوا مهاجمة " بورتو دي موس ". التي تقع على مقربة من الشاطىء، ولكن حاكمها البرتغالي الأميرال روبينو استنفر لمعاونته أهالي مدينة شنترين، وألكانينا التي تقع في شمالها، فهرعوا لإنجاده، ودبر البرتغاليون كميناً للمسلمين في جبال منديجا، وانقضوا عليهم، فمزقت صفوفهم، وأسر غانم وأخوه أبو العلاء، وجملة من أكابر الموحدين، واحتوى البرتغاليون على أسلابهم ومتاعهم، واستولوا على السفن الموحدية وأسروا من كان فيها، وساروا بها إلى أشبونة. ووقعت هذه الموقعة في منتصف شهر المحرم سنة 576 هـ (11 يونيه سنة 1180 م). وكتب غانم من موضع اعتقاله إلى الخليفة يلتمس الغوث، فعهد الخليفة إلى أخيه هلال ابن مردنيش بالنظر في فداء أخيه، فجمع المال اللازم لذلك، وبعث به إلى إشبيلية، فحمل إلى النصارى، وأفرج عن غانم وأخيه وبقية أصحابه (2)، ولكن سنرى أن ابن عذارى، وهو صاحب هذه الرواية، يقدم لنا رواية أخرى عن افتداء غانم وأصحابه.
وحاول البرتغاليون أن يُتبعوا نصرهم، بنصر أكبر، فحشدوا أسطولا ضخماً سار بحذاء شاطىء ولاية الغرب بقيادة الأميرال روبينو، وكان مقصد البرتغاليين أن يقوموا بضربة لميناء سبتة مركز الأسطول الموحدي. ولكن قائد أسطول سبتة عبد الله بن جامع، وهو الذي تولى قيادته منذ أسر غانم، خرج منها بأسطوله، وخرج في نفس الوقت أسطول إشبيلية بقيادة أبي العباس الصقلي، واجتمعت الأساطيل الموحدية بثغر قادس، ثم سارت منه مجتمعة صوب شاطىء البرتغال الجنوبي، ثم انعطفت لتسير شمالا بحذاء شاطىء ولاية الغرب، وكان الأسطول البرتغالي قد بدأ عندئذ سيره نحو الجنوب، فالتقى الفريقان قبالة رأس إسبكل
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 113.
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 116.
جنوبي أشبونة، وكان من غرائب القدر أن وقع هذا اللقاء في الخامس عشر من شهر المحرم سنة 577 هـ (أواخر مايو سنة 1181 م) أعني لعام بالضبط من اليوم الذي وقعت فيه موقعة " بورتو دي موس " وعلى مقربة من المكان الذي رسا فيه الأسطول الموحدي بقيادة غانم بن مردنيش، فنشبت بين الأسطولين معركة بحرية عنيفة هزم فيها البرتغاليون شر هزيمة، وقتل قائدهم الأميرال روبينو، واستولى المسلمون على عشرين سفينة من سفنهم، وأسروا نحو ألف وثمانمائة أسير، وغنموا غنائم وفيرة من العتاد والسلاح، وكان نصراً موحدياً باهراً. وبادر القائدان الظافران ابن جامع والصقلي، فسارا إلى الحضرة في الأسرى، والغنائم وقدماها إلى أمير المؤمنين، فأمر بتخصيص بعض الأسرى لافتداء غانم بن مردنيش وأصحابه، وأمر بإعدام الباقين (1).
وقام القشتاليون في نفس الوقت ببعض الغارات في أراضي الأندلس من ناحية طليطلة، وأثخنوا فيها كالعادة تخريباً وسبياً، بيد أن المعركة الرئيسية، كانت تضطرم بين الموحدين والبرتغاليين. ذلك أنه في نفس الوقت الذي وقعت فيه المعارك البحرية السالفة الذكر بين الفريقين، كان الموحدون يغزون أراضي البرتغال الداخلية، ففي فاتحة سنة 577 هـ، خرجت من إشبيلية، حملة موحدية قوية بقيادة أبي عبد الله محمد بن وانودين الهنتاني، وسارت نحو الشمال الغربي صوب مدينة يابرة وعاثوا في أحوازها، وانتسفوا الزروع والكروم والثمار والأشجار، واستاقوا كثيراً من الماشية، وامتنع البرتغاليون داخل المدينة، والمسلمون يثخنون في كل ناحية من نواحيها. وفي ذات يوم خرج البرتغاليون من يابرة فجأة، واشتبكوا مع الموحدين في معركة حامية، فهزموا شر هزيمة، وقتل منهم عدد جم، ولجأ الباقون إلى المدينة. فأقام عليها ابن وانودين يومين ثم انصرف عنها، وهاجم في طريق عودته حصناً آخر للنصارى واستولى عليه، وسبى رجاله ونساءه، ثم عاد إلى إشبيلية، مثقلا بالغنائم والأسرى، وذلك في أواخر شهر محرم سنة 577 هـ (يونيه سنة 1181 م)(2).
ولم يمض قليل على ذلك حتى خرجت حملة برتغالية، من أهل شنترين، وعبرت نهر وادي يانه، وسارت حتى فحص الشرف من أحواز إشبيلية، فخرج
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 117 و 118، وابن خلدون ج 6 ص 341.
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 117.
إليهم عسكر إشبيلية، ونشب بينهما قتال عنيف قتل فيه من النصارى مائة وسبعون، ولكن البرتغاليين كانوا قد رتبوا كميناً، فخرج كمينهم واشترك في المعركة، فانهزم المسلمون وقتل منهم جماعة. وأغار القشتاليون في نفس الوقت على مدينة إستجة وعلى أراضي قرطبة. ثم انصرفوا دون قتال ولا مقاومة، وأحيط الخليفة بمراكش علماً بما حدث (1).
وفي العام التالي، أعني سنة 578 هـ (1182 م) تفاقم عدوان البرتغاليين على أراضي الأندلس. فخرجت حملة برتغالية قوية قوامها فرسان شنترين، وأشبونة، وعبرت نهر وادي يانه، واجتاحت الشرف جنوبي إشبيلية، حتى وصلت إلى مدينة شلوقة (2)، على مصب الوادي الكبير، فنازلتها في ألف فارس وألف راجل، واقتحمتها، وقتلت من كان بها من المسلمين، واحتوت على كثير من الأسرى والغنائم، ثم استولت على حصن القصر (3) وغيره من حصون تلك الناحية، وعادت من طريق لَبلة، دون أن يقف في سبيلها أحد. وتفاقم في نفس الوقت عدوان القشتاليين، فخرج ألفونسو الثامن أو أذفنش الصغير كما تسميه الرواية الإسلامية في قواته، وسار أولا صوب قرطبة، وعسكر في ظاهرها، وذلك في الرابع من شهر صفر، ثم بعث طوائف من قواته سارت نحو مالقة، ورندة، وغرناطة، فساد الاضطراب في تلك القواعد الأندلسية، وارتفعت الأسعار، واشتد الضيق. واجتمع مجهود الموحدين الدفاعي حول إشبيلية، والتحوط لحمايتها، فوجه قائدها أبو عبد الله بن وانودين قواته إلى الأنحاء المجاورة، وتعزيزها، ووجه بعض عسكره إلى دفع القشتاليين عن فحص قرمونة، كل ذلك والقشتاليون يثخنون في الأراضي الواقعة بين قرطبة وإشبيلية، دون أن يردهم أحد، ثم سار ألفونسو الثامن إلى منازلة مدينة إستجّة، وكاد يتغلب عليها، ولكن واليها أبا محمد بن طاع الله الكومي استطاع أن يصمد فيها. فغادرها ألفونسو صوب إشبيلية، وهو يعيث في تلك المنطقة فساداً وتدميراً. وفي خلال ذلك تغلب القشتاليون الزاحفون نحو الجنوب على بعض حصون رندة، وأسروا فيه ألفاً وأربعمائة من المسلمين، وانتسفوا الزروع
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 118، وابن خلدون ج 6 ص 241.
(2)
وهي بالإسبانية سان لوكار Sanlucar la Mayor
(3)
وهو بالإسبانية Aznulcazar
في أراضي رندة والجزيرة، واستولوا على مقادير عظيمة من الغنائم من الماشية وغيرها. وكان استيلاء ألفونسو الثامن على حصن شنتفيلة (1) أخطر ما حققه القشتاليون في تلك الغزوة. وكان من أمنع حصون المنطقة الواقعة بين إشبيلية وقرطبة، يقع فوق ربوة عالية وله أسوار منيعة، فاستولى عليه القشتاليون في السابع عشر من صفر (22 يونيه 1182 م) وأسروا من كان به من المسلمين، وعددهم سبعمائة بين رجال ونساء، فافتداهم أهل إشبيلية بمبلغ ألفين وسبعمائة وخمسة وسبعين ديناراً، جمعت من الناس بالمسجد الجامع. وعنى ألفونسو الثامن بتقوية الحصن، ومضاعفة أهباته الدفاعية، ووضع به حامية من خمسمائة فارس وألف راجل، وأسكنه بالنصارى وشحنه بالأقوات والعدد والسلاح، ويروى أنه قال، حين الاستيلاء على هذا الحصن:" الآن آخذ قرطبة وإشبيلية ". وأقلع ملك قشتالة بعد ذلك في قواته عائداً إلى بلاده، وذلك في الثالث عشر من ربيع الأول سنة 578 هـ (17 يوليه 1182 م) بعد أن قضى في غزوته خمسة وأربعين يوماً (2).
وأدرك الموحدون خطورة فقد حصن شنتفيلة، فقرروا العمل على استرداده. واستدعى السيد أبو إسحق ولد الخليفة ووالي إشبيلية، الحشود من سائر أنحاء الأندلس برسم الجهاد، وخرج في قواته في غرة ربيع الآخر سنة 578 هـ.
وحدث في نفس الوقت أن خرجت حامية شنتفيلة النصرانية لتغير على بعض الأنحاء المجاورة، فخرج إليها المسلمون من قرمونة وغيرها، وقاتلوها وهزموها، وقتلوا منها سبعين فارساً، وأسروا جملة أخرى، واستاقوا الأسرى إلى السيد أبي إسحاق فأمر بإعدامهم في الطريق. وشجع هذا النصر المحلي، الموحدين على منازلة حصن شنتفيلة، فطوقوه من كل ناحية، وأحكموا حصاره، وقطعوا عنه المؤن والعلوفات، واستمر الحصار ستة وأربعين يوماً حتى مات أكثر الجند والدواب، وفي خلال ذلك خرج ألفونسو الثامن في قواته من طليطلة قاصداً إنجاد الحصن المحصور، ووصل نبأ مقدمه إلى الموحدين في السادس من جمادى الأولى، فرفعوا الحصار، وانصرفوا عائدين إلى إشبيلية. وعلى أثر ذلك وصل ألفونسو الثامن إلى الحصن فلم يجد به سوى خمسين فارساً، هم البقية من حاميته الخمسمائة، ومن
(1) وهو بالإسبانية Santafila
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 119.
الرجالة ستمائة من ألف، وقد هلك الباقون من أثر الحصار والمرض والوباء، فأمر بإخلاء الحصن، والرحيل عنه وذلك في الخامس عشر من جمادى الثانية (16 سبتمبر سنة 1182 م)(1).
وما كادت تنتهي غزوة شنتفيلة، حتى قرر الموحدون استئناف الغزو، واهتم أبو عبد الله بن وانودين بحشد الجند، فاجتمع منهم بإشبيلية عدد جم، وفي الثامن من جمادى الآخرة سنة 578 هـ (9 سبتمبر 1182 م)، غادر إشبيلية في عسكره ومعه أشياخ الموحدين وأشياخ الأندلس، وسلك طريقاً منعرجة حتى وصل إلى حصن بتة، وهنالك ميز عسكره، وعقد الأشياخ مجلساً للشورى، تقرر فيه السير إلى غزو مدينة طلبيرة الواقعة غربي طليطلة على نهر التاجُه، وهي أولى مدن الحدود القشتالية. ومن ثم فقد اتجه الجيش الموحدي نحو الشمال، وعبر جبال الشارات (سييرا مورينا) ثم نهر وادي يانه، وكان الجو قاتماً ملبداً بالضباب، فسار حتى أضحى على مقربة من طلبيرة دون أن يفطن النصارى إلى مقدمه، وهنالك التقى الموحدون بسرية من النصارى في نحو عشرين فارساً، فأحدقوا بهم وأسروهم جميعاً إلا دليلهم فإنه نجح في الفرار. ولما أشرف الموحدون على وادي التاجُه، لم يجدوا أمامهم مغنماً، فعلموا أن الدليل الفار قد أخطر بمقدمهم، فأسرعوا السير حتى وصلوا إلى ظاهر طلبيرة، وذلك في منتصف جمادى الآخرة.
وفي اليوم التالي احتل الموحدون ربوة مرتفعة تقع على نحو ميل من المدينة، وضربوا محلتهم بها. ودهش النصارى لإقدام المسلمين على دخول بلادهم على هذا النحو، بعد أن مضت مدة طويلة لم يجرؤ أحد منهم على الظهور في تلك المنطقة، وفي الحال حشدوا قواتهم واستنجدوا بأهل الحصون المجاورة، وخرجوا لقتال الموحدين، وكان الموحدون خلال ذلك قد غادروا الربوة منصرفين، بعدما امتلأت أيديهم من الغنائم، فجد النصارى في اتباعهم مصممين على قتالهم، ولما أصبح الموحدون على قيد نحو ثمانية أميال من المدينة، توقفوا وراء أحد التلال واستعدوا للقاء النصارى، وابن وانودين يحثهم على الجهاد والتفاني، إذ هم في أراضي العدو بعيدين عن بلادهم. ثم نشبت المعركة المرتقبة بين الفريقين فثبت الموحدون، وحملوا على القشتاليين حملة صادقة، هزموا على أثرها،
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 120، وابن خلدون ج 6 ص 241.
ومزقت صفوفهم، وولوا الأدبار، وقتل منهم حسبما تقول الرواية الإسلامية أكثر من عشرة آلاف بين فارس وراجل، واستولى المسلمون على عتادهم، ودوابهم. وعاد الموحدون إلى إشبيلية ظافرين مغتبطين، وبعث ابن وانودين إلى الخليفة بكتاب الفتح، فسر به، ولكنه أبدى غضبه على ولده السيد أبي إسحاق لأنه لم يحضر تلك الغزوة التي نسبت برمتها إلى ابن وانودين، مع أنه من جملة قواده، وعاقب كل من تخلف من الأجناد، وحرمهم من العطاء.
ومن جهة أخرى فإنه يبدو من رد الخليفة على ابن وانودين، وقوله في خطابه إليه " وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ". يبدو من ذلك أن الخليفة قد غص بالانتصارات المتوالية التي أحرزها ابن وانودين، دون بقية الأشياخ والسادة. وكان أبو عبد الله محمد بن وانودين هذا، هو ولد أبي يعقوب يوسف ابن وانودين الهنتاني من كبار أهل خمسين، وقد نشأ في مهاد العلم، ونظمه الخليفة عبد المؤمن في مجلسه، وقربه إليه، ثم قدمه على العسكر وولاه القيادة وصحبه في سائر غزواته في إفريقية. ولما أوفد إلى الأندلس ظهر في محاربة ابن مردنيش ثم في هزيمته لنصارى شنترين، وفي قيادة قافلة الميرة إلى بطليوس، ثم في رد القشتاليين عن قرمونة، وأخيراً في غزوة طلبيرة. ومع ذلك كله فسرعان ما غضب عليه الخليفة لأتفه الأسباب، وذلك عند مقدمه إلى إشبيلية في العام التالي، حيث وشى في حقه الوشاة، فأمر بتغريبه إلى غافق، على مقربة من قلعة رباح، فلبث بها حيناً، ثم نزح إلى تونس واستقر بها (1).
- 2 -
نرجع الآن قليلا إلى الوراء لنستعرض ما حدث في المغرب في تلك الأعوام القلائل التي اشتد فيها عدوان القشتاليين والبرتغاليين على الأندلس، والتي شغل فيها الخليفة بالأحداث الداخلية عن تجديد حركة الجهاد.
وكان من أهم الأحداث الداخلية، في تلك الفترة، وفاة السيد أبي حفص عمر بن عبد المؤمن أخي الخليفة أبي يعقوب، وكان أبو حفص شقيقه وكبيره، وأمهما حسبما تقدم حرة هي زينب بنت القاضي موسى بن سليمان الضرير، من أصحاب خمسين، وكانت وفاته في شهر ربيع الأول من سنة 575 هـ (أغسطس
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 123 و 124 و 132.
1179 م)، وكان أبو حفص، منذ أيام أبيه الخليفة عبد المؤمن يشغل مكانة ملحوظة في الدولة الموحدية، وقد تولى في فتوته ولاية تلمسان، ثم وزر لأبيه بعد مصرع وزيره عبد السلام الكومي. ولما توفي عبد المؤمن سنة 558 هـ، ْبثغر سلا، قام السيد أبو حفص مع الشيخ عمر بن يحيى الهنتاني كبير الأشياخ بتنظيم البيعة لأخيه الأصغر أبي يعقوب يوسف، تنفيذاً لوصية أبيه، ثم تولى له في البداية منصب الحجابة على نحو ما كان لأبيه. واضطلع السيد أبو حفص بأعظم قسط في حملة شرقي الأندلس، وفي الأعمال الحربية التي انتهت بتحطيم مملكة الشرق، وانتهاء ثورة ابن مردنيش، وكان على العموم يحتل في دولة أخيه الخليفة أبي يعقوب أعظم مكانة، وفي تدبير الأمور والبت فيها أعظم نصيب.
وفي نفس هذا العام أعني سنة 575 هـ وقعت الثورة بمدينة قفصة الواقعة جنوبي القيروان على مشارف الصحراء. وكانت قفصة مذ ضعفت دولة بني باديس الصنهاجيين بإفريقية، منزل إمارة محلية في ظل بني الرند، وعميدهم عبد الله ابن محمد بن الرند، فاستقل بقفصة، وقوى أمره تباعاً، وبسط سلطانه على عدة من البلاد المجاورة حتى قسنطينة، ثم خلفه في الإمارة ولده المعتز، ثم حافده يحيى بن تميم بن المعتز. ولما قام عبد المؤمن في سنة 554 هـ بغزوته لإفريقية، استولى على قفصة، ونقل بني الرند إلى بجاية، وعين لقفصة والياً موحدياً. وكان والي قفصة الموحدي حينما وقعت الثورة، عمران بن موسى الصنهاجي، وكان قد أساء السيرة، ووقع الاضطراب بالمدينة، فبعث لفيف من أهلها إلى بجاية في دعوة علي بن عبد العزيز بن الرند المعروف بالطويل، فقدم إليهم، واضطرمت الثورة، وقتل عمران بن موسى، واستبد ابن الرند بالمدينة، وكان يشجعه في ثورته، ويحرض العرب للانضمام إليه قريبه القائد على بن المنتصر من بجاية (1).
فلما نميت هذه الأنباء إلى الخليفة أبي يعقوب، اعتزم السير بنفسه إلى إفريقية، فخرج في قواته من مراكش في الخامس عشر من شوال سنة 575 هـ (مارس سنة 1180 م)، ويروى لنا ابن صاحب الصلاة، أن البركة الدورية التي كانت تعطى للعسكر في تلك الغزوة كانت تبلغ في كل مرة ألف ألف دينار، سوى العلوفات والمرافق، مما يدل على ضخامة الجيش الذي حشد (2)، واستمر الخليفة
(1) ابن خلدون ج 6 ص 166.
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 112.
في سيره وئيداً، واحتفل في الطريق بعيد الأضحى، وقدم ولده السيد أبا يوسف يعقوب على مقدمة الجيش، فسبقه إلى تلمسان. ووصل الخليفة في قواته إلى تلمسان في أوائل سنة 576 هـ، ولما كملت أهبة الجيش وتعبئته، خرج من تلمسان في الثاني عشر من شهر صفر، متجهاً إلى إفريقية، فلما وصل إلى بجاية نزل بها. وتحقق لديه أن القائد علي بن المنتصر متواطىء مع قريبه الثائر بقفصة، وأنه يوالي تحريضه على الاستمرار في الثورة، ويوالي تحريض العرب لتأييده، وضبطت بمنزله رسائل تؤيد ذلك، فقبض عليه، وأحيط بسائر أمواله. ثم سار الخليفة من بجاية، فلما قرب من قفصة، بادر أشياخ العرب من رياح إلى المثول لديه، وتأكيد ولائهم وطاعتهم. وضرب الخليفة الحصار حول قفصة وضربها بالمجانيق، حتى اضطر علي بن الرند إلى الإذعان والتسليم، أو التوحيد وفقاً لقول البيذق، ثم ارتد إلى تونس وفقاً لرواية أخرى، واحتل الموحدون قفصة وذلك في رمضان سنة 576 هـ (فبراير 1181 م) وعقد الخليفة بولاية إفريقية والزاب لأخيه السيد على أبي الحسين، وبولاية بجاية أو ولاية القيروان على قول آخر لأخيه السيد أبي موسى (1).
وانتهز الخليفة هذه الفرصة لتجديد مساعيه في استمالة العرب الذين ينزلون بهذه الأنحاء من إفريقية وترغيبهم في الجهاد بالأندلس. وقد شرح لنا هذه المساعي في رسالة الفتح التي وجهها إلى الموحدين بقرطبة. وذلك أنه لما اجتمع لديه أشياخ قبائل رياح وكبراؤهم من جميع الأنحاء، ذُكّروا بما كان لأسلافهم من فضل سابغ في نصرة الدين، وأنه يجدر بهم أن يحذوا حذو أسلافهم في الاضطلاع بتلك المهمة الجليلة، وأن خير ما يصنعونه في ذلك هو المساهمة في الجهاد بالأندلس، وغزو النصارى بها، سيما وقد تفاقم عدوانهم في الآونة الأخيرة، وأن أولئك الأشياخ أبدوا أنهم على أتم أهبة للاستجابة إلى هذه الدعوة، وأن قبائل رياح كلها، وبطونها وأفخاذها، أبدوا جميعاً أنهم يقبلونها بقلوب خالصة، ونيات صافية، وأنهم أخذوا بالفعل في الحركة والاحتشاد، كل طائفة صوب الطريق التي تفضلها وتراها أيسر لمجازها، وتوالت جموعهم حتى امتلأت بها تلك البطاح والسهول. وكان ممن حضر ذلك الجمع الشيخ أبو سرحان مسعود بن سلطان بن زمام، فلما وقع العزم على الاستجابة، أخذ في الرحيل بأهله وولده وكل من تبعه من
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 114، وابن خلدون ج 6 ص 240 و 241، وكتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص 125، والمعجب للمراكشي ص 141، و 142.
قومه، وبادر الجميع بالامتثال والرحيل، مبايعين ربهم على الجهاد في سبيله. وينوه الخليفة في رسالته، بأنه كان من أثر هذه الحركة أنه لم يبق بإفريقية من طوائف العرب، سوى من نزل من قبائل سليم بجهات طرابلس وما وراءها شرقاً نحو برقة والإسكندرية، وأن هؤلاء قد خوطبوا أيضاً بما خوطب به زملاؤهم، وكوتبوا، وبذلت لهم أطيب الوعود، وأنذروا في نفس الوقت، أملا في استمالتهم واستجلابهم إلى مشاركة إخوانهم.
وقد سبق أن أشرنا إلى خطة السياسة الموحدية في استمالة القبائل العربية النازلة بإفريقية وحشدها في الجيوش الموحدية، وهي الخطة التي وضعها الخليفة عبد المؤمن منذ افتتاحه لثغر المهدية في سنة 555 هـ، وتابعها ولده الخليفة أبو يعقوب وضاعف اهتمامه بتنفيذها حسبما سبق أن فصلناه. وقد كان للسياسة الموحدية من تحقيق هذه الخطة هدف مزدوج أشارت إليه رسالة الفتح المتقدمة الذكر، وهو أولا تخليص إفريقية من طوائف العرب النازلة بها، وكف أيديهم عنها، وذلك لما كان من استطالتهم عليها، وتخريبهم لربوعها ومدنها، وثانياً لاستنفارهم إلى الجهاد والاستعانة بهم في تدعيم الجيوش الموحدية المرسلة إلى الغزو بالأندلس.
وقد استطاع الخليفة أبو يعقوب أن يحشد بالفعل منهم حشوداً عظيمة عبرت معه إلى الأندلس، واشتركت مع الجيوش الموحدية في غزوة وبذة وفي محاربة النصارى في مختلف الميادين في شبه الجزيرة. ولما أراد أبو يعقوب العودة إلى المغرب في سنة 571 هـ، فرق العرب الباقين في مختلف القواعد، فأنزل بعضهم في نواحي قرطبة، وبعضهم في نواحي إشبيلية الجنوبية، مما يلي مدينة شريش وأعمالها.
بيد أن السياسة الموحدية لم تجن خيراً من هذه الخطة في استمالة العرب وحشدهم إلى جانبها، وذلك لما كانوا يتسمون به من حب التقلب، ومجانبة الولاء، والسعي إلى اجتناء المغانم المادية بأي الوسائل. وسوف نرى فيما بعد، كيف انقلبوا إلى محاربة الدولة الموحدية، وغدوا من أخطر خصومها في منطقة إفريقية (1).
وحدث أيضاً أثناء وجود الخليفة بإفريقية، أن وفدت إليه رسل ملك صقلية، النورماني، وهو يومئذ وليم الطيب، يطلب الصلح والمهادنة، وكان ملوك صقلية
(1) راجع رسالة الخليفة أبي يعقوب المتضمنة لشرح مساعيه في حشد العرب في كتاب " مجموع رسائل موحدية ". الرسالة السادسة والعشرون ص 149 - 157، وراجع أيضاً كتاب المعجب للمراكشي ص 124 و 125، وروض القرطاس ص 139.
منذ استرد منهم عبد المؤمن ثغر المهدية، وقضى على سلطانهم في شواطىء إفريقية
قبل ذلك بعشرين عاماً، يخشون بأس الدولة الموحدية، ويؤثرون السلم معها.
ويقول لنا صاحب المعجب إن ملك صقلية عقد الصلح مع الخليفة على أن يحمل إليه إتاوة سنوية اتفق عليها، وأنه أرسل إلى الخليفة تحفاً وذخائر نفيسة منها حجر ياقوت يسمى " الحافر " لاستدارته بمثل حافر الفرس، وقد وضع في تابوت مصحف عثمان، الذي كان يبالغ الموحدون في تكريمه (1).
وعلى أثر افتتاح قفصة ارتحل الخليفة إلى تونس، وكتب من هنالك برسالة الفتح إلى حضرة مراكش، وإلى الأندلس -إلى إشبيلية وقرطبة- وبعث مع الرسالة بقصيدة طويلة من نظم طبيبه العلامة الفيلسوف أبي بكر بن طفيل، يشيد فيها بالفتح، وبالجيش الموحدي، وقد جاء في أولها:
ولما انقضى الفتح الذي كان يرتجى
…
أصبح حزب الله أغلب غالب
وساعدنا التوفيق حتى تبينت
…
مقاصدنا مشروحة بالعواقب
وأنجزنا وعد من الله صادق
…
كفيل بإبطال الظنون الكواذب
وهبوا كما هب النسيم إذا سرى
…
ولم يتركوا بالشرق علقة آيب
وأذعن من عليا هلال بن عامر
…
أبي ولبى الأمر كل مجانب
يغص بهم عرض الفيافي وطولها
…
وقد زحموا الآفاق من كل جانب
ولما وصل كتاب الفتح، وقصيدة ابن طفيل، إلى السيد أبي إسحاق ولد الخليفة ووالي إشبيلية، عم البشر والسرور، ومثل لديه أشياخ إشبيلية للتهنئة، وخطب بين يديه الفقيه ابن الجد، وأنشد أبو مروان عبد الملك بن صاحب الصلاة صاحب تاريخ " المن بالإمامة " قصيدة جاء فيها:
خير البشائر صوغت حمل المنى
…
بقفول خير خليفة وإمام
وافت كما ابتسم الأمان لخائف
…
وانهل أثر المحل سكب غمام (2)
ثم قفل الخليفة عائداً إلى حضرة مراكش، فوصل إليها في شهر صفر سنة 577 هـ، وعلى أثر وصوله، سارت وفود الأندلس إلى العدوة لتهنئته، يتقدمهم ولده السيد أبو إسحاق والي إشبيلية، وابن وانودين وغيره من أشياخ الموحدين،
(1) المراكشي في المعجب ص 142.
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 115.
وقدمت كذلك وفود قرطبة وغرناطة ومرسية لغرض التهنئة، وأقامت هذه الوفود بالحضرة إلى أواخر العام، ثم انصرفت عائدة إلى بلادها.
وفي خلال ذلك علم الخليفة أن طائفة من أهل جبل السوس الواقع على مقربة من بلاد هرغة وهي قبيلة المهدي ابن تومرت، قد استولوا لأنفسهم على ما تحصل من معدن الفضة الذي يستخرج من ذلك الجبل، وذلك بطريق الاغتصاب من عمال المنجم الخاص بذلك، فخرج الخليفة في بعض عسكره من مراكش في أول صفر سنة 578 هـ، ولما وصل إلى الجبل المذكور، أمر ببناء حصن عليه، ووضع به حامية، ثم سار من هنالك إلى تينملل فزار قبر المهدي وقبر والده، الخليفة عبد المؤمن، وكان معه وفد من أهل إشبيلية قدم لزيارته بالحضرة قبل ذلك بقليل، ويقول لنا ابن صاحب الصلاة وقد كان ضمن هذا الوفد، إنه زار القبرين بصحبة أبي بكر بن زهر، وأبي الوليد ابن رشد، وأن الخليفة زار فضلا عن القبرين الغار الذي في جبل إيجليز حيث كان يتعبد المهدي والمسمى برابطة الغار، والرابطة الأخرى المسماة رابطة وانسرى، وكان الناس يأخذون التراب منهما للتبرك ويجعلونه على المرضي. وأمر الخليفة بهذه المناسبة، أن ينظم الشعراء قصائدهم في رثاء المهدي ورثاء أبيه، وأن يذكروا مناقبهما ومآثرهما، وأغدق عليهم صلاته الكثيرة (1).
وكان مما قيل بهذه المناسبة، في ذكر مناقب المهدي، وشرح أسطورته، والإشادة برسالته، قصيدة نظمها شاعر من أهل الجزائر، وفد على أبي يعقوب بتينملل، وأنشد قصيدته على قبر المهدي ابن تومرت بمحضر من الخليفة وشيوخ الموحدين، وإليك بعض ما ورد فيها:
سلام على قبر الإمام الممجد
…
سلالة خير العالمين محمد
ومشبهه في خلقه ثم في اسمه
…
وفي اسم أبيه والقضاء المسدد
ومحيي علوم الدين بعد مماتها
…
ومظهر أسرار الكتاب المسدد
أتتنا به البشرى بأن يملأ الدنا
…
بقسط وعدل في الأنام مخلد
ويفتتح الأمصار شرقاً ومغرباً
…
ويملك عرباً من مغير ومنجد
فمن وصفه أقنى وأجلى وإنه
…
علاماته خمس تبين لمهتدي
زمان واسم والمكان ونسبة
…
وفعل له في عصمة وتأيد
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 120 - 122.
وتتبعه للنصر طائفة الهدى
…
فأكرم بهم إخوانُ ذي الصدق أحمد
هي الثلة المذكور في الذكر أمرها
…
وطائفة المهدي بالحق تهتدي
بهم يقمع الله الجبابرة الأولى
…
يصدون عن حكم من الحق مرشد
ويقطع أيام الجبابرة التي
…
أبادت من الإسلام كل مشيد
فيغزون أعراب الجزيرة عنوة
…
ويعرون منها فارساً وكأن قد
ويفتتحون الروم فتح غنيمة
…
ويعرون منها فارساً وكأن قد
ويفتتحون الروم فتح غنيمة
…
ويقتسمون المال بالترس عن يد
ويغدون للدجال يغزونه ضحاً
…
يذيقونه حد الحسام المهند
وينزل عيسى فيهم وأميرهم
…
إمام فيدعوهم لمحراب مسجد
يصلي بهم ذاك الأمير صلاتهم
…
بتقديم عيسى المصطفى عن تعمد
فيمسح بالكفين منه وجوههم
…
ويخبرهم حقاً بعز مجدد
وما أن يزال الأمر فيه وفيهم
…
إلى آخر الدهر الطويل المسرمد
فأبلغ أمير المؤمنين تحية
…
على النأي مني والوداد المؤكد
عليه سلام الله ما در شارق
…
وما صدر الوارد من ورد مورد
وقيل إن منشىء هذه القصيدة لم يحضر لإلقائها بنفسه، للكبر وبعد الشقة، وأنه أرسل بها فأنشدت باسمه على قبر الإمام، وكان نظمه إياها أيام حياة الخليفة عبد المؤمن (1).
وفي العام التالي، أعني في سنة 579 هـ، كانت توسعة مدينة مراكش.
وكانت العاصمة الموحدية، قد بدأت تضيق بسكانها الذين هرعوا إلى استيطانها من كل صوب، وبالرغم مما أقيم بها منذ أيام الخليفة عبد المؤمن، من الأحياء الكبيرة والدور العديدة الفخمة لسكنى رجال البلاط، وعلية القوم، والوافدين إليها من مختلف أنحاء المغرب والأندلس، فإنها أضحت قاصرة عن أن تستوعب سكانها، وحركة عمرانها الضخمة. وكان الخليفة قد أمر قبائل هسكورة وصنهاجة أن يتركوا بلادهم، وأن يأتوا إلى العاصمة بأهلهم لسكناها، فلما وصلوا إليها لم يجدوا بها متسعاً لنزولهم، فشكوا إلى الخليفة أمرهم. فعندئذ رأى الخليفة أنه لابد من العمل على توسعة المدينة، وعهد إلى ولده وولي عهده السيد أبي يوسف
(1) راجع المعجب ص 104 - 106 حيث يورد هذه القصيدة وقصتها، وينفرد المراكشي بذلك بين المصادر الموحدية.
يعقوب بتلك المهمة، فركب في يوم أول ربيع الآخر ومعه شيوخ الموحدين وعرفاء البنائين لينظروا خير موقع يصلح لتحقيق هذه الرغبة، فاتفق رأيهم على زيادة المدينة من الجهة القبلية، بإنشاء مدينة جديدة متصلة بها من هذه الناحية، ووافق الخليفة على هذا المشروع، وقام العبيد والرجال بهدم سور المدينة من جهة باب الشريعة، ووضعت خطط المدينة الجديدة في يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الآخر، واتصل بناء السور حول المواقع الجديدة، وبناء باب الشريعة أربعين يوماً، حتى كمل، وبدأ إنشاء الدور والرباع بسرعة في هذا القطاع الجديد من العاصمة الموحدية (1).
ولم يمض قليل على ذلك حتى وقع بإفريقية حادث مكدر. ذلك أن طوائف العرب من بني سُليم ثاروا على مقربة من مدينة قابس، فسار أبو الحسن على ابن الخليفة ووالي تونس لقتالهم، ودامت الحرب بينهم أياماً، ثم أمر الفرسان الموحدون من أهل الرايات أن ينتقلوا من موضعهم إلى جبل قريب يسمى جبل كسرى، فظن أن هذا الانتقال بسبب الهزيمة، فتركوا عتادهم وفروا منهزمين دون قتال، فلجأ السيد ومن معه إلى الجبل، ولكنهم لم يجدوا به ماء، فلما اشتد بهم العطش كروا على العرب دفعة واحدة، فهزمهم العرب، وأحدقوا بهم وأسروا السيد وأصحابه. (جمادى الأولى سنة 579 هـ). ولما علم الخليفة بذلك قرر في الحال غزو بني سليم والانتقام منهم، ولكن لم تمض بعد ذلك سوى أيام قلائل حتى ورد الخبر بأن السيد وأصحابه قد أطلق سراحهم لقاء ما دفعوا من المال، وأنهم وصلوا سالمين إلى تونس (2).
ومن حوادث هذا العام أيضاً نكبة الخليفة لأبي زكريا بن حيون شيخ قبيلة كومية وابنه على الذي كان مشرفاً على تلمسان، وقبض على أبي زكريا وحوسب مدة، ثم نفي إلى بطليوس بالأندلس، وبقى ابنه علي في السجن، حتى خرج الخليفة إلى الغزو، فأمر بأن يحمل معه مصفداً، ولكنه استطاع الفرار أثناء السير. ومنها فرار الداعية علي بن محمد بن رزين المعروف بالجزيري من مراكش، وكان على مذهب الخوارج الأزارقة يقول بتكفير جميع المسلمين، وتبعه قوم من البربر يقرأون عليه مذهبه، وشاع خبره، وعندئذ خشي بطش ولاة الأمر. ففر من المدينة واختفى حيناً، حتى قبض عليه فيما بعد وقتل أيام الخليفة المنصور.
(1) البيان المغرب القسم الثالث ص 126.
(2)
البيان المغرب القسم الثالث ص 127.