الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
97 - التَّسَتُّرُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ
634 -
حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَرْدَفَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ حَدِيثًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ.
[فَدَخَلَ يَوْمًا حَائِطًا مِنْ حِيطَانِ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا جَمَلٌ قَدِ أتَاهُ فَجَرْجَرَ، وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ (فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ) 1 فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرَاتَهُ (فَمَسَحَ رَأْسَهُ إِلَى سَنَامِه) 2 وَذِفْرَاهُ، فَسَكَنَ، فَقَالَ: «مَنْ صَاحِبُ الْجَمَلِ؟ » فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: «أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَهَا اللَّهُ] إِيَّاهَا؟ ، فَـ] 1 ـإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ»] 2.
[الحكم]:
صحيح (م)، عدا الزيادة فلأحمد وأبي داود وغيرهما وهي صحيحة.
[اللغة]:
* لحاجته: أي عند قضاء الحاجة.
* الهدف: كل شئ مرتفع، من بناء أو كثيب رمل أو جبل. ومنه سمي الغرض هدفا. (الصحاح 4/ 1442).
* الحَائِش: جماعة النخل، وهو البستان. (غريب الحديث لأبي عبيد 3/ 29).
* سراته: السراة: كل شيء ما ارتفع منه وعلا. (لسان العرب 14/ 378).
* ذفراه: الذفرى من القفا، هو الموضع الذي يعرق من البعير خلف الأذن، وهما ذفريان، من كل شيء. (الصحاح 2/ 663)، (تاج العروس 11/ 374).
* قوله: ((وتُدْئِبُهُ))، أَيْ تَكُدُّه وتُتْعِبُه. (النهاية في غريب الحديث والأثر 2/ 95).
[التخريج]:
[م 342 "واللفظ له"، 2429 مختصرًا جدًّا / د 2537 "والزيادة الأولى له ولغيره" / جه 342 / حم 1745 "والزيادة الثانية والرواية الأولى له ولغيره" / مي 681، 774/ خز 56 / حب 1407/ عه 569/ ك 2520 / ش 32415 / عل 6787 "والرواية الثانية له"، 6788 / بز 2258 / طب (14/ 148/ 14776) / سعد (6/ 464) / صبغ 2057 / مث 437 / مشكل 3383، 5842 / منذ 252 / مسن 770 / هق 452، 15910 / هقع 15631 / هقغ 2945 / هقل (6/ 26) / تمهيد (22/ 9) / نبق 186 / ضيا (9/ 157 - 160/ 131 - 136) / ضياء (رواة ق 9/ ب) / برق (جمعص 3/ 331) / كر (4/ 374)، (27/ 249) / عف 75 / ردف (ص 27) / حداد 240 / أسد (3/ 199) / كما (6/ 164، 165)]
[السند]:
قال مسلم: حدثنا شيبان بن فروخ وعبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي،
قالا: حدثنا مهدي - وهو ابن ميمون -، حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد - مولى الحسن بن علي -، عن عبد الله بن جعفر، به.
[التحقيق]:
تحقيق الزيادة:
أخرجها أحمد (1745) قال: حدثنا يزيد، أخبرنا مهدي بن ميمون، عن محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، (ح)
وحدثنا بهز، وعفان، قالا: حدثنا مهدي، حدثنا محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي، عن عبد الله بن جعفر، به.
وأخرجها أيضًا: ابن أبي شيبة في (المصنف 32415) عن أسود بن عامر.
وأبو داود (2549) عن موسى بن إسماعيل.
وأبو يعلى في (مسنده 6787، 6788): عن ابن أسماء وشيبان.
وأبو عوانة في (مستخرجه 6186) والطبراني في (الكبير 14776): من طريق عارم.
والحاكم في (المستدرك 2485): من طريق عبيد الله بن موسى.
كلهم: عن مهدي بن ميمون عن محمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، به.
وهذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، عدا الحسن بن سعد وهو ابن معبد مولى الحسن بن علي، فمن رجال مسلم وحده، وهو ثقة: وثقه ابن نمير والنسائي والعجلي وابن حبان والدارقطني، انظر:(تهذيب التهذيب 2/ 280) و (علل الدارقطني 887)، وقال الحافظ:"ثقة"
(التقريب 1243). وقال المزي: "وليس للحسن بن سعد في الصحيح غير هذا الحديث الواحد"(تهذيب الكمال 6/ 166).
ومحمد بن عبد الله بن أبي يعقوب، وبعضهم يقول محمد بن أبي يعقوب ينسبه إلى جده:"ثقة" من رجال الشيخين (التقريب 6055).
ومهدي بن ميمون: "ثقة" أيضًا من رجال الشيخين (التقريب 6932).
ولذا قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
* * *
رِوَايَةٌ بزيادة: "فَأَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا":
• وفي رواية، قَالَ: رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَغْلَتَهُ، وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا تَبَرَّزَ كَانَ أَحَبَّ مَا تَبَرَّزَ فِيهِ هَدَفٌ يَسْتَتِرُ بِهِ، أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ، فَدَخَلَ حَائِطًا لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَإِذَا فِيهِ نَاضِحٌ لَهُ. فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ وَسَرَاتَهُ، فَسَكَنَ فَقَالَ:«مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ؟» فَجَاءَ شَابٌّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: أَنَا، فَقَالَ:«أَلا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَإِنَّهُ شَكَاكَ إِلَيَّ وَزَعَمَ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» . ثُمَّ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فِي الْحَائِطِ فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ تَوَضَّأَ، ثُمَّ جَاءَ وَالْمَاءُ يَقْطُرُ مِنْ لِحْيَتِهِ عَلَى صَدْرِهِ، فَأَسَرَّ إِلَيَّ شَيْئًا لَا أُحَدِّثُ بِهِ أَحَدًا، فَحَرَّجْنَا عَلَيْهِ أَنْ يُحَدِّثَنَا، فَقَالَ: لَا أُفْشِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سِرَّهُ حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ.
[الحكم]:
صحيح، وصححه ابن حبان.
[التخريج]:
[حم 1754 "واللفظ له" / حب 1408/ سرج 556، 1359 / معمري (يوم - إمام 2/ 71، مغلطاي 1/ 502) / ضيا (9/ 159/ 135)]
[السند]:
أخرجه أحمد - ومن طريقه الضياء في (المختارة) -: حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن أبي يعقوب، يحدث عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر، به.
وأخرجه ابن حبان: من طريق محمد بن عبد الكريم العبدي، عن وهب بن جرير، به.
وأخرجه السراج في (حديثه): عن عبد الله بن عمر (الجعفي)، عن أبي أسامة، عن جرير بن حازم، به.
ورواه المعمري في (عمل اليوم والليلة) - كما في (الإمام لابن دقيق)، و (شرح ابن ماجه لمغلطاي) -: عن عثمان بن أبي شيبة، عن جرير بن حازم، به.
فمداره عندهم على جرير بن حازم، عن محمد بن أبي يعقوب، عن الحسن بن سعد، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين عدا الحسن بن سعد، وقد تقدم الكلام عليه وعلى من فوقه في الإسناد، أما جرير بن حازم، فثقة مشهور من رجال الشيخين، ووهب بن جرير ثقة كذلك من رجال الشيخين، وقد تابعه غير واحد.
* * *
635 -
حَدِيثُ جَابِرٍ:
◼ عَنْ جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ:
…
سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَزَلْنَا وَادِيًا أَفْيَحَ، فَذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ، فَاتَّبَعْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرَ شَيْئًا يَسْتَتِرُ بِهِ، فَإِذَا شَجَرَتَانِ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ:((انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ))، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ، الَّذِي يُصَانِعُ قَائِدَهُ، حَتَّى أَتَى الشَّجَرَةَ الْأُخْرَى، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ:((انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ))، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِالْمَنْصَفِ مِمَّا بَيْنَهُمَا، لَأَمَ بَيْنَهُمَا - يَعْنِي جَمَعَهُمَا - فَقَالَ:((الْتَئِمَا عَلَيَّ بِإِذْنِ الله))، فَالْتَأَمَتَا. قَالَ جَابِرٌ: فَخَرَجْتُ أُحْضِرُ مَخَافَةَ أَنْ يُحِسَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقُرْبِي فَيَبْتَعِدَ، فَجَلَسْتُ أُحَدِّثُ نَفْسِي، فَحَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ، فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُقْبِلًا، وَإِذَا الشَّجَرَتَانِ قَدِ افْتَرَقَتَا، فَقَامَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى سَاقٍ
…
الحديث.
[الحكم]:
صحيح (م).
[اللغة]:
* البعير المخشوش: الذي يجعل في أنفه الخشاش. (الإمام لابن دقيق 2/ 443).
* المنصف مما بينهما: أي نصف المسافة بينهما.
[التخريج]:
[م 3006 مع 3012 "واللفظ له" / حب 6565/ نبص 296 / هق
453 / هقل (6/ 7 - 8) مطولًا / تمهيد (1/ 222) / ميمي 220 / غخطا (1/ 125) / نبغ 120 / حداد 2990]
[السند]:
قال مسلم (3006): حدثنا هارون بن معروف، ومحمد بن عباد - وتقاربا في لفظ الحديث، والسياق لهارون - قالا: حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحي من الأنصار، قبل أَنْ يهلكوا،
…
ثم مضينا حتى أتينا جابر بن عبد الله في مَسْجِدِهِ،
…
فذكر حديثًا طويلًا.
وقال ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان من كتابه، قال: حدثنا عمرو بن زرارة الكلابي، قال: حدثنا حاتم بن إسماعيل، قال: حدثنا يعقوب بن مجاهد أبو حزرة، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت، عن جابر بن عبد الله، به.
* * *
636 -
حَدِيثُ أَنَسٍ:
◼ عَن أَنَس بْنِ مَالِكٍ قَال: كنتُ مَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ الْحَاجَةَ، فَإِذَا بِنَخْلَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«اجْتَمِعَا وَاقْتَرِبَا» ، فَاقْتَرَبَتَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفَهُنَّ الْحَاجَةَ، ثُمَّ قَالَ:«عُودَا إِلَى مَا كنتما عليه» ، فعادت
(1)
النخلتان.
[الحكم]:
قصة النخلتين صح نحوها من حديث جابر عند مسلم، وهذا الحديث إسناده ضعيف منكر، أنكره ابن عدي وأقره ابن طاهر والذهبي.
[التخريج]:
[عد (4/ 22)]
[السند]:
رواه ابن عدي في (الكامل 4/ 22)، قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق المدائني، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا حسين بن سليمان عن عبد الملك بن عمير، عن أنس، به.
والمدائني: هو الأنماطي، وابن أبان: هو الملقب بمشكدانة.
[التحقيق]:
إسناده واهٍ؛ فيه: حسين بن سليمان الكوفي الطلحي، مجهول يحدث بمناكير، وإلى ذلك أشار ابن عدي بقوله في ترجمته من (الكامل 490): "كوفي، يحدث عن عبد الملك بن عمير عن أنس بغير حديث لا يرويه عن
(1)
- في المطبوع: "فعادتا"، والمثبت من (ذخيرة الحفاظ 4400).
عبد الملك غيره
(1)
، مقدار خمسة أوستة"، ثم ذكرها، وقال: "وهذه الأحاديث لا يتابعه أحد عليها".
ولذا قال فيه الذهبي: "لا يعرف، قال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، حدث عن عبد الملك بمناكير نحو الخمسة"(الميزان 1/ 536).
وقال في ترجمته من (الديوان 985): "أتى بطامات".
قلنا: وهو مولى قريش الذي قال فيه العقيلي: "مجهول، لا يتابع على هذا، وليس بمعروف، ولا يعرف بالنقل"، ثم روى من طريق مشكدانة أيضًا، عنه، عن عبد الملك بن عمير قال: حدثني أنس بن مالك قال: "كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، قَالَ: فَإِذَا ذِئْبٌ قَدْ شَدَّ عَلَى غَنَمٍ،
…
" الحديث، قال العقيلي: "وقد رُوِي في قصة الذئب بإسناد أصلح من هذا الإسناد" (الضعفاء 1/ 468).
فأما ابن حبان، فذكره في (الثقات!! 6/ 208، 209)، وقال:"يروي عن عبد الملك بن عمير عن أنس نسخة دلسها عبد الملك"!!.
قلنا: قد ذكر سماع عبد الملك من أنس في حديث العقيلي!.
وحديثنا ذكره ابن طاهر في (الذخيرة 4400)، وقال:"وهذا لم يروه عن عبد الملك غير حسين هذا".
هذا، وقد صح نحوه من حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم (3012)، وقد تقدم.
* * *
(1)
- في المطبوع: "غير"!، والمثبت من (مختصر الكامل ص 278).
637 -
حَدِيثُ حُذَيْفَةَ:
◼ عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ:«رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ، فَبَالَ، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ» .
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م).
[الفوائد]:
قال ابن حجر: "وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد عند قضاء الحاجة عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة فقد قيل فيه: إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين فلعله طال عليه المجلس حتى أحتاج إلى البول فلو أبعد لتضرر واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به، وكان قدامه مستورًا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف ولما يقترن به من الرائحة والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر. وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال: «يا حذيفة استرني» فذكر الحديث، وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عند عقبه استدبره وظهر أيضًا أَنَّ ذلك كان في الحضر لا في السفر"(فتح الباري 1/ 329).
[التخريج]:
[خ 225 "واللفظ له"، 226 / م 273 / حب 1425/ ...... ].
وسيأتي تخريجه كاملا برواياته وشواهده في باب: "البول قائمًا".
* * *
638 -
حَدِيثُ جَابِرٍ:
◼ عن جابر رضي الله عنهما: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يبول فقام على رأسه جابر
…
الحديث».
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا.
[التخريج]:
[فقط (أطراف 1637)]
[السند]:
رواه الدارقطني في (الأفراد)، وقال:"تفرد به عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري، عن عبد الله بن عمر بن حفص عن صفوان، عن عطاء بن يسار عن جابر"(أطراف الغرائب والأفراد 1637).
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: عبد الله بن إبراهيم بن أبي عمرو الغفاري، قال عنه الحافظ:"متروك، ونسبه بن حبان إلى الوضع "(التقريب 3199).
الثانية: عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم، قال عنه الحافظ:"ضعيف عابد"(التقريب 3489).
وقال الدارقطني عقبه: "غريب من حديث صفوان بن سليم، عن عطاء".
639 -
حَدِيثُ أَنَسٍ:
◼ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ (دَخَلَ الْخَلَاء) 1 لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ (يَأْخُذَ مَقْعَدَهُ) 2 مِنَ الْأَرْضِ» .
• وفي رِوَايَةٍ 3، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَتَى الْغَائِطَ لَمْ يَرْفَعْ ثِيَابَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يُرِيدُ» .
[الحكم]:
ضعيف، وضعفه الإمام أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي، والعقيلي، والدارقطني، والبغوي، والنووي، والمنذري، وابن سيد الناس، والعراقي.
[التخريج]:
[ت 13 "واللفظ له" / مي 684/ بز 7549 "والرواية الأولى له" / طس 1433 / علت 8 / سعد (1/ 330) "والرواية الثالثة له" / طوسي 13 / أبو عيسى الرملي (د عقب رقم 14) / عد (2/ 479) / هق 464 / خط (16/ 305) "والرواية الثانية له" / حكيم (منهيات ص 34، 191) / مخلص 1704 / سفر 1347 / مج 1914، 2843 / عق (1/ 467) معلقا / علقط 2462 معلقا]
[السند]:
قال الترمذي في (السنن 14) و (العلل 8): حدثنا قُتَيْبَة بن سعيد، قال: حدثنا عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أنس، به.
ورواه ابن سعد في (الطبقات 1/ 330)، والدارمي (684)، والحكيم الترمذي في (المنهيات ص 34، وص 191)، والبيهقي في (الكبرى
464)، وغيرهم: من طرق عن عبد السلام بن حرب.
ورواه البزار (7549)، والطوسي في (مستخرجه على الترمذي 13)، والخطيب في (تاريخه 16/ 305): من طريق محمد بن ربيعة.
ورواه الطبراني في (الأوسط 1433)، وابن عدي في (الكامل 2/ 479) من طريق أبي يحيى الحماني.
وعلقه العقيلي في (الضعفاء 1/ 467) عن سعيد بن سلمة.
والدارقطني في (العلل 2462) عن عمرو بن عبد الغفار.
كلهم عن الأعمش، عن أنس، به.
فمداره عند الجميع على الأعمش عن أنس، به
(1)
.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ للانقطاع بين الأعمش وأنس بن مالك.
قال يحيى بن معين: "كل ما روى الأعمش عن أنس فهو مرسل وقد رأى الأعمش أنسا"(تاريخ الدوري 1572).
وقال علي ابن المديني: "الأعمش لم يسمع من أنس بن مالك، إنما رآه رؤية بمكة يصلي خلف المقام، فأما طرق الأعمش، عن أنس، فإنما يرويها، عن يزيد الرقاشي، عن أنس"(المراسيل لابن أبي حاتم ص 82).
(1)
إلا أنه وقع في المطبوع من (المنهيات للحكيم الترمذي ص 191) زيادة راو بين الأعمش وأنس وهو [زيد العمي]، وهذا الزيادة مقحمة خطأ إما الناسخ أو الطابع، بسبب انتقال البصر إلى الحديث الذي قبله، وقد روى الحكيم الحديثَ بنفس السند (ص 34) بدونها، وهو الصواب، كما في بقية المصادر.
وكذا نفى سماعه من الأعمش: أبو حاتم الرازي (المراسيل لابنه ص 14)، وأحمد، والبخاري والترمذي وغيرهم كما سيأتي.
وخالف في ذلك البزار فجزم بسماعه من أنس، وروى (7565) من طريق عبد الحميد الحماني عن الأعمش، قال: سمعت أنس بن مالك يقول في قول الله عز وجل {وأقوم قيلا}
…
الحديث. ثم قال: "فإذا كان قد رأى أنسًا وسمع منه فلا ينكر ما أرسل وقد جائز أَنْ يكون سمع بعضها، أو سمعها إِلَّا ما أدخل بينه وبين أنس فيها رجلًا"(مسند البزار 14/ 89).
قلنا: والحماني وإن وثقه ابن معين وغيره، فقد ضعفه أحمد وابن سعد والعجلي وغيرهم، (تهذيب التهذيب 6/ 120)، ولذا قال الحافظ:"صدوق يخطئ"(التقريب 3771).
فمثله لا يعتمد عليه في ذلك، بل المحققون من أهل العلم يجزمون بخطئه في ذلك بلا تردد.
ووقع التصريح بسماع الأعمش من أنس، في رواية أخرى من طريق رجل متكلم فيه أيضًا، ذكرها العلائي في (جامع التحصيل ص 189) وحكم عليها بالضعف والشذوذ.
وحكى أبو نعيم الأصبهاني أيضًا: أَنَّ الأعمش سمع من أنس، ذكره المنذري في (مختصر السنن 1/ 24) وتعقبه قائلا:"والذي قاله الترمذي هو المشهور". أي أَنَّ الأعمش لم يسمع من أحد من الصحابة.
ومما يؤكد عدم سماع الأعمش من أنس، تصريحه هو بذلك؛ فقد روى الخطيب في (تاريخ بغداد 10/ 6) بسند صحيح عن الأعمش، قال:"رأيت أنس بن مالك وما منعني أَنْ أسمع منه إِلَّا استغنائي بأصحابي".
وبهذا العلة أعله الإمام أحمد، ففي "العلل" للخلال: عن حنبل - بعد ذكر حديث عبد السلام هذا - قال: "فذكرته لأبي عبد الله، قال: لم يسمع الأعمش من أنس"(الإمام لابن دقيق 2/ 447)، وبنحوه في (تهذيب السنن لابن القيم 1/ 23 - 24)
(1)
.
وقال ابن سيد الناس: "الحديث عند الترمذي منقطع؛ لأن الأعمش عنده لم يسمع من أنس وهذا هو المشهور"(النفح الشذي 1/ 162).
هذا فضلًا عن الاختلاف على الأعمش فبعضهم يرويه عن أنس كما هنا، وبعضهم يرويه عنه عن ابن عمر، وبعضهم يجعل بينه وبينهما واسطة، كما سيأتي بيانه قريبًا.
قال الترمذي: "وكلا الحديثين مرسل، ويقال لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"(السنن 14). وأقره المنذري في (مختصر السنن ص 24).
وقال الترمذي في (العلل): "سألت محمدًا عن هذا الحديث أيهما أصح؟ - يعني حديث ابن عمر أم حديث أنس - فقال: "كلاهما مرسل، ولم يقل أيهما أصح" (العلل 8).
وقال أبو داود - عقب حديث ابن عمر -: "رواه عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أنس بن مالك. وهو ضعيف". يعني الحديث من كلا
(1)
وأما قول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وَاحْتَجَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ"(شرح عمدة الفقه / كتاب الطهارة والحج 1/ 144)، فعلى مذهب الإمام أحمد في الاحتجاج بالضعيف، إذا لم يجد ما يعارضه، انظر:(شرح علل الترمذي 1/ 553 وما بعدها).
الوجهين.
وقال العقيلي: "إنما يُرْوى هذا من معلول حديث الأعمش مرسلًا؛ رواه عبد السلام بن حرب الملائي، وسعيد بن مسلمة، ومحمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنس، ورواه وكيع، وأبو يحيى الحماني، عن الأعمش، عن ابن عمر، وقد قال بعضهم عن وكيع، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عمر. ولا يصح"(الضعفاء 1/ 467، 468).
وقال الدارقطني - بعد ذكره أوجه الاختلاف فيه على الأعمش -: "والحديث غير ثابت عن الأعمش"(العلل 2462)، وقال في موضع آخر:"كلاهما غير ثابت"(العلل 2844).
وقال البغوي: "يرويه الأعمش، عن أنس، وعن ابن عمر، وكل مرسل؛ لأن الأعمش لم يسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"(شرح السنة 1/ 374).
وقال النووي: "والحديث ضعيف كما صرح به أبو داود في الكتاب، ولم يسمع الأعمش من أنس"(شرح أبي داود ص 130).
وقال الزين العراقي: "مداره على الأعمش وقد اختلف عليه فيه ولم يسمع الأعمش من أنس .. " ثم قال: "والحديث ضعيف من جميع طرقه وقد أورد النووي في الخلاصة الحديث في فصل الضعيف فدل على أنه ضعيف عنده من جميع طرقه"، وقال في موضع آخر:"الحديث ضعيف من جميع طرقه؛ لأن رواية الأعمش عن ابن عمر وعن أنس منقطعة"(فيض القدير للمناوي 5/ 92).
* قلنا: وقد بين الإمام أحمد الواسطة بين الأعمش وأنس، فقال - في رواية
حرب الكرماني ومهنا -: "روى الأعمش عن غياث بن إبراهيم عن أنس: «كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أَنْ يقضي الحاجة لم يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض» "(إكمال تهذيب الكمال 6/ 93).
وهذا إن ثبت، فالسند ساقط؛ فإن غياث هذا كذاب وضاع، قال ابن معين:"كذاب خبيث"، وكذا كذبه أبو داود وغيره، وقال صالح جزرة:"كان يضع الحديث"، وحكاه الجوزجاني عن غير واحد، وقال أحمد والساجي: تركوه. وقال النسائي: "ليس بثقة، ولا يكتب حديثه"، وقال ابن عدي:"بَيِّنُ الأمر في الضعف، وأحاديثه كلها شبه الموضوع". انظر: (لسان الميزان 6002).
وفي "العلل" للخلال: عن مهنا قال: قلت لأحمد: لم كرهت مراسيل الأعمش؟ قال: كان لا يبالي عمن حدث. قلت له: رجل ضعيف سوى يزيد الرقاشي وإسماعيل بن مسلم؟ قال: نعم، كان يحدث عن غياث بن إبراهيم عن أنس رضي الله عنه:«أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الحاجة أبعد» . وسألته عن غياث بن إبراهيم، قال: كان كذوبا" (الإمام لابن دقيق 2/ 447).
* * *
640 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ بَرَزَ حَتَّى لَا يَرَى أَحَدًا، وَكَانَ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ» .
[الحكم]:
…
ضعيف، وضعفه البخاري، وأبو داود، والترمذي، والعقيلي، والدارقطني، والبغوي، وعبد الحق الإشبيلي، والمنذري، والنووي، والعراقي.
[التخريج]:
[د 14 / حب (إتحاف 10091) / ش 1145 "واللفظ له" / هق 465 / عيل (أعمش - إمام 2/ 445 - 446) / ضيا (5/ ق 196/ أ)
(1)
]
[التحقيق]:
مدار الحديث على الأعمش، وقد اختلف عليه على وجوه شتى - غير الوجهين المذكورين في حديث أنس المتقدم -:
الأول:
رواه ابن أبي شيبة في (المصنف 1145) قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا الأعمش، قال: قال عبد الله بن عمر:
…
الحديث.
وتابع وكيعًا على هذا الوجه: يحيى الحماني، علقه الترمذي في (السنن عقب رقم 14) وفي (العلل الكبير ص 25).
وهذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه، فالأعمش لم يسمع من ابن عمر، ولا من
(1)
نقلا من تعليقات محقق كتاب (السنن والأحكام للضياء 1/ 546).
أحد من الصحابة.
وقد اختلف في إثبات الواسطة بينهما، كما في الوجوه التالية:
الوجه الثاني:
أخرجه أبو داود (14) قال: حدثنا زهير بن حرب، حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عمر، به.
وهذا إسناد ضعيف؛ لإبهام الرجل.
الوجه الثالث:
علقه الدارقطني في (العلل 2462) عن يونس بن بكير عن الأعمش قال: حدثت عن ابن عمر.
وهذا ضعيف كسابقيه.
الوجه الرابع:
أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في (حديث الأعمش) - كما في (الإمام لابن دقيق 2/ 445)، ومن طريقه البيهقي في (الكبرى) - قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم من أصل كتابه، ثنا أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي - شيخ جليل -، ثنا وكيع، ثنا الأعمش، عن القاسم بن محمد، عن ابن عمر، به.
ورواه ابن حبان - كما في (إتحاف المهرة 10091) -: من طريق أحمد بن محمد بن أبي رجاء المصيصي، به.
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ فعبد الله بن محمد بن مسلم: هو أبو بكر الإسفراييني الحافظ، قال عنه تلميذه الإسماعيلي:"صدوق" (سؤالات
السهمي للدارقطني 66)، وقال الحاكم:"كان من الأثبات المجودين الجوالين في أقطار الأرض"(تاريخ دمشق 32/ 368)، وقال الذهبي:"الحافظ الحجة المجود"(تذكرة الحفاظ 784).
وأحمد بن محمد بن أبي رجاء، قال عنه النسائي:"لا بأس به"، وقال مرة:"ثقة"، وذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 28)؛ وقال مسلمة في كتاب (الصلة):"لا بأس به"، وفى موضع آخر:"ثقة شامي"(إكمال تهذيب الكمال 1/ 139)، (تهذيب التهذيب 1/ 76) وقال الذهبي:"ثقة"(الكاشف 79)، وقال الحافظ:"صدوق"(التقريب 97).
وبقية رجاله ثقات مشاهير، إِلَّا أَنَّ هذا السند معل من وجهين:
الأول: أَنَّ الأعمش مدلس وقد عنعن، بل وفي سماعه من القاسم نظر، فلا يعرف له رواية عن القاسم سوى هذه، إنما يروي عن ثابت بن عبيد عن القاسم.
الثاني: أَنَّ تسمية الواسطة بين الأعمش وابن عمر غير محفوظة في هذا الحديث، كذا رواه ابن أبي شيبة وزهير بن حرب عن وكيع، كما تقدم في الوجوه الثلاثة المتقدمة.
وابن أبي شيبة وزهير حافظان ثبتان، لا مقارنة بين أحدهما وبين ابن أبي رجاء هذا، وعليه: فذكر القاسم في هذا الحديث خطأ.
ولهذا قال الدارقطني عقب حكايته هذه الأوجه: "والحديث غير ثابت، عن الأعمش"(علل الدارقطني 2462).
وقال ابن حبان: "هذا حديث غريب غريب من حديث ابن عمر، ما رواه إِلَّا الأعمش، ولم يسمع الأعمش من القاسم بن محمد غير هذا الحديث".
نقله الضياء في المختارة (5/ ق 196 - أ) بعد إخراجه الحديث من طريق الأعمش عن القاسم بن محمد عن ابن عمر
(1)
.
وقال عبد الحق الإشبيلي: "وذكر هذا الحديث الدارقطني عن وكيع عن الأعمش عن قاسم عن ابن عمر، والأكثر على أَنَّ هذا الحديث مقطوع، وأن هذا الرجل لا يعرف وهو الصحيح، والله أعلم"(الأحكام الوسطي 1/ 130 - 131).
وأما ابن دقيق فقال: "فإن يكن الأعمش سمع من القاسم، فهو حديث صحيح"(الإمام 2/ 446).
قلنا: قد بينا أنه لم يسمع منه، على فرض أَنَّ ذكره في الإسناد محفوظا، ولم ينتبه لذلك الشيخ الألباني، فقال:"فقد صح الحديث موصولًا بإسناد صحيح، فإن القاسم بن محمد: هو ابن أبي بكر الصديق وهو ثقة حجة. وهذه فائدة عزيزة"! ! (الصحيحة 1071)، ونحوه في (صحيح أبي داود 11).
* هذا وقد رواه بعضهم عن الأعمش عن أنس، وقيل: عن الأعمش عن غياث بن إبراهيم عن أنس، كما سبق بيانه قريبًا.
قال الترمذي: "وكلا الحديثين مرسل، ويقال لم يسمع الأعمش من أنس ولا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"(السنن 13). وأقره المنذري في (مختصر السنن ص 24).
وقال الترمذي في (العلل): "سألت محمدًا عن هذا الحديث أيهما أصح؟ -
(1)
نقلا من تعليقات محقق كتاب (السنن والأحكام للضياء 1/ 546) ط دَار مَاجِد.
يعني حديث ابن عمر أم حديث أنس - فقال: "كلاهما مرسل، ولم يقل أيهما أصح"(العلل 8).
وقال أبو داود - عقب حديث ابن عمر هذا -: "رواه عبد السلام بن حرب، عن الأعمش، عن أنس بن مالك. وهو ضعيف". يعني الحديث من كلا الوجهين.
وقال العقيلي: "إنما يُرْوى هذا من معلول حديث الأعمش مرسلًا؛ رواه عبد السلام بن حرب الملائي، وسعيد بن مسلمة، ومحمد بن ربيعة، عن الأعمش، عن أنس، ورواه وكيع، وأبو يحيى الحماني، عن الأعمش، عن ابن عمر، وقد قال بعضهم عن وكيع، عن الأعمش، عن رجل، عن ابن عمر، ولا يصح"(الضعفاء 1/ 467، 468).
وقال الدارقطني - بعد ذكره أوجه الاختلاف فيه على الأعمش -: "والحديث غير ثابت عن الأعمش"(العلل 2462)، وقال في موضع آخر:"كلاهما غير ثابت"(العلل 2844).
وقال البغوي: "يرويه الأعمش، عن أنس، وعن ابن عمر، وكل مرسل؛ لأن الأعمش لم يسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"(شرح السنة 1/ 374).
وقال النووي: "حديث ابن عمر ضعيف رواه أبو داود والترمذي وضعفاه"(المجموع 2/ 83)، وذكره في فصل الضعيف في (خلاصة الأحكام 328).
وقال العراقي: "والحديث ضعيف من جميع طرقه، وقد أورد النووي في الخلاصة الحديث في فصل الضعيف فدل على أنه ضعيف عنده من جميع
طرقه" (فيض القدير 5/ 92).
ومع هذا رمز لصحته السيوطي في (الجامع الصغير 6544)!.
وتعقبه المناوي فقال: "وقد أشار المصنف لصحته وليس بمسلم"، وذكر طرفًا من أقوال العلماء في تضعيفه. (فيض القدير 5/ 92). ومع هذا قال في (التيسير 2/ 236):"بعض أسانيده صحيح"!. ولعله يعني إسناد البيهقي، وقد بينا ما فيه، والحمد لله على توفيقه.
* * *
641 -
حَدِيثُ جَابِرٍ:
◼ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ [تَنَحَّى، و] لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ» .
[الحكم]:
إسناده ساقط، وقال ابن عدي: باطل، وقال العقيلي: ليس بمحفوظ، وضعفه جدًّا الهيثمي.
[التخريج]:
[طس 5118 "واللفظ له" / عق (1/ 467، 468) / عد (4/ 27) "والزيادة له"]
[السند]:
قال الطبراني في (الأوسط): حدثنا محمد بن هشام المستملي، قال: حدثنا الحسين بن عبيد الله العجلي، قال: حدثنا شريك، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيْلٍ، عن جابر، به.
ورواه العقيلي في (الضعفاء 1/ 467): عن محمد بن هشام المستملي، عن الحسين بن عبد الله، به. إِلَّا أنه قال:(التميمي) بدل (العجلي).
ورواه ابن عدي في (الكامل) قال: سمعت ابن صاعد يقول ورُوِي عن شيخ مجهول، يقال له: الحسين بن عبيد الله العجلي، عن شريك، به. فوافق رواية الطبراني.
فمدار الحديث: على الحسين بن عبد الله العجلي (أو التميمي)، عن شريك بن عبد الله القاضي، عن ابن عَقِيْلٍ، عن جابر، به.
قال الطبراني: "لا يُرْوى هذا الحديث عن جابر إِلَّا بهذا الإسناد، تفرد
به: الحسين بن عبيد الله العجلي".
[التحقيق]:
هذا إسناد ساقط؛ آفته الحسين بن عبيد الله العجلي هذا، قال الدارقطني:"متروك الحديث، كان يضع الأحاديث على الثقات"(العلل 940).
وقال الخطيب: "كان غير ثقة"(تاريخ بغداد 4076).
وذكر الحديث ابن عدي في ترجمته مع حديث آخر، فقال: "سمعت ابن صاعد يقول وروى عن شيخ مجهول يقال له: الحسين بن عبيد الله العجلي
…
" فذكر الحديث، ثم قال: "وهذا الحديث أيضًا بهذا الإسناد باطل، والحسين بن عبيد الله العجلي يشبه أَنْ يكون ممن يضع الحديث؛ لأن هذين الحديثين باطلان بإسناديهما" (الكامل 4/ 27).
وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسين بن عبيد الله العجلي؛ قيل فيه: كان يضع الحديث"(المجمع 1019).
وأما العقيلي، فذكره في ترجمة (حسين بن عبيد الله التميمي) وقال:"عن شريك لا يتابع على حديثه هذا أو هو مجهول بالنقل"، ثم ذكر الحديث، وفيه (الحسين بن عبد الله التميمي) وقال:" ليس هذا الحديث بمحفوظ من حديث شريك فلا يتابع هذا الشيخ على هذا الحديث ولا يعرف من حديث ابن عَقِيْلٍ ولا من حديث جابر وإنما يُرْوى هذا من معلول حديث الأعمش مرسلًا"(الضعفاء 1/ 467).
وتبعه الذهبي في (الميزان 2020) وقال: "لا يدرى من هو". وفرق بينه وبين العجلي، فترجم للعجلي برقم (2021).
والصواب أنهما واحد، فقد رواه الطبراني والعقيلي عن شيخ واحد عنه،
فقال الطبراني: (العجلي)، وقال العقيلي:(التميمي)، ورواه ابن عدي عن رجل آخر عنه، فقال:(العجلي)، موافقًا لقول الطبراني، ولهذا قال الحافظ في ترجمة العجلي:"والظاهر أَنَّ هذا العجلي هو التميمي المذكور قبله"(اللسان 3/ 184).
* * *
642 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَرَجَ إِلَى الْخَلَاءِ الْتَفَتَ يَمِينًا وَشِمَالًا، وَلَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنَ الْأَرْضِ» .
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا، واستنكره ابن عدي.
[التخريج]:
[عد (8/ 324)]
[السند]:
قال ابن عدي: حدثنا محمد بن منير، ثنا سعدان بن يزيد، ثنا الهيثم بن جميل، ثنا عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان، عن عبد الكريم بن أبي المخارق، عن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: عبد الكريم بن أبي المخارق؛ "ضعيف"(التقريب 4156).
الثانية: عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان؛ وهو واه، ضعفه ابن معين والبخاري وأبو حاتم وغيرهم، وقال عبد الله بن علي ابن المديني، عن أبيه:"روى عنه معن، وغيره بلاء من البلاء، وضعفه جدًّا"، وقال مسلم:"ذاهب الحديث"، وقال أبو داود:"متروك الحديث"، وقال النسائي:"ليس بثقة، ولا يكتب حديثه". (لسان الميزان 4806).
وذكره ابن عدي في ترجمته وقال: "وهذا منكر بهذا الإسناد وإن كان عبد الكريم ضعيفا"، ثم ختم الترجمة بقوله:"وعبد العزيز بن الحصين بين الضعف فيما يرويه"(الكامل 8/ 324).
* * *
643 -
حَدِيثٌ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ فَقْدَ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنِ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ، مَنْ فَعَلَ [ذَلِكَ] 1 فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَكَلَ [طَعَامًا] 2 [فَلْيَتَخَلَّلْ، ] 3 فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيَلْفِظ، وَمَا لَاكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْتَلِعْ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ، وَمَنْ أَتَى الْغَائِطَ (الْخَلَاءَ) 1 فَلْيَسْتَتِرْ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ (فَلْيَمْدُدْهُ عَلَيْه) 2 (فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ) 3؛ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ» .
[الحكم]:
ضعيف، وضعفه ابن حزم، والبيهقي، وابن عبد البر، وعبد الحق الإشبيلي، وابن سيد الناس، وابن مفلح، وابن كثير، والصنعاني، والألباني.
[التخريج]:
[د 35 "واللفظ له" / جه 339 "والزيادة الأولى والرواية الأولى والثانية له"، 340، 3522 مختصرًا / حم 8838 / مي 680، 2114"والزيادة الثالثة له" / حب 1406/ ك 7403 / طش 481 / تخ (3/ 6) / طح (1/ 121 - 122/ 742 "والرواية الثالثة له"، 743) / مشكل 138 "والزيادة الثانية له" / تطبر (مسند ابن عباس 760) / مستغفط (ق 45) / هق 454، 511 / هقغ 65 / هقخ 367 / هقد 557 / شعب 5652 / تمهيد (11/ 17) / بغ 3204 / كر (43/ 290)]
[السند]:
قال أبوداود: حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي، أخبرنا عيسى بن يونس،
عن ثور، عن الحصين الحبراني، عن أبي سعيد، عن أبي هريرة، به.
ورواه أحمد: عن سريج بن النعمان، عن عيسى بن يونس، به. إِلَّا قال:(عن أبي سعد الخير - وكان من أصحاب عمر -).
ورواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 742): عن يونس بن عبد الأعلى، عن يحيى بن حسان، عن عيسى بن يونس، به.
ورواه ابن ماجه (339، 340، 3522): عن محمد بن بشار، وعبد الرحمن بن عمر (رسته)، كلاهما: عن عبد الملك بن الصباح. والدارمي (680) قال: أخبرنا أبو عاصم، كلاهما: عن ثور بن يزيد، به.
ومدار عند الجميع على ثور بن يزيد، به. إِلَّا أنه وقع في بعض المصادر (الحصين الحبراني) وفي أخرى (الحصين الحميري)، وفي بعضها (عن أبي سعيد) وفي أخرى:(عن أبي سعد).
قال الدارقطني: "الصحيح عن أبي سعيد"(العلل 1570).
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ حصين الحميري، ويقال: الحبراني؛ لم يرو عنه إِلَّا ثور بن يزيد، وسئل عنه أبو زرعة الرازي فقال:"شيخ"(الجرح 3/ 200)، وذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 211)، على قاعدته في توثيق المجاهيل. ولذا لم يلتفت إليه الذهبي فقال:"لا يعرف"(الميزان 2105)، وقال في (ديوان الضعفاء 1039)، وكذا الحافظ في (التقريب 1393):"مجهول"
(1)
.
(1)
ونقل مغلطاي عن أبي زرعة الدمشقي أنه قال: "شيخ معروف"، وعن يعقوب بن سفيان الفسوي أنه قال في (تاريخه):"لا أعلم إلَّا خيرًا"(شرح ابن ماجه 1/ 210)، وتبعه ابن الملقن في (البدر المنير 2/ 302)، والعيني في (نخب الأفكار 2/ 500)، وزاد ابن الملقن والعيني:"وقال أبو حاتم الرازي: "شيخ".
كذا، والصواب أَنَّ قول:"شيخ" إنما هو لأبي زرعة الرازي، وأما قول الدمشقي وكذا قول يعقوب بن سفيان، فلم نقف عليهما في المطبوع من تاريخيهما، ونخشى أن يكون ذلك من أوهام مغلطاي المعروفة، وتبعه عليها ابن الملقن والعيني. والله أعلم.
أما شيخه أبو سعيد، أو أبو سعد؛ فقيل: هو الأنماري الصحابي، ولهذا قال أبو داود - عقب الحديث -:"أبو سعيد الخير: هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
وقيل: بل هو أبو سعيد الحبراني تابعي مجهول غير أبي سعيد الخير الصحابي، ولهذا
قال ابن أبي حاتم: أبو سعيد الحبراني سألت أبا زرعة عنه فقال: "لا أعرفه"، فقلت: ألقي أبا هريرة؟ قال: "على هذا يوضع"(الجرح 9/ 378)، وقال العجلي (2156):"أبو سعيد الحبراني شامي تابعي ثقة"، وذكره ابن حبان في التابعين من (الثقات 5/ 568).
وقال الذهبي: "أبو سعيد الحبراني، حمصي. ويقال أبو سعد الأنماري، والظاهر أنهما اثنان"(الميزان 10233)، وأعاده برقم (10239) فقال:"أبو سعيد الحبراني، عن أبي هريرة في وتر الاستجمار والكحل، وعنه حصين الحميرى الحبراني، وعند ابن ماجة أبو سعد الخير، وكذا سماه في ثقاته ابن حبان. ولا يدري من ذا ولا من حصين"ا. هـ.
وقال الحافظ: "الصواب التفريق بينهما، فقد نص على كون أبي سعد
الخير صحابيا: البخاري وأبو حاتم وابن حبان والبغوي وابن قانع وجماعة. وأما أبو سعيد الحبراني فتابعي قطعا، وإنما وهم بعض الرواة، فقال في حديثه: عن أبي سعد الخير، ولعله تصحيف وحذف، والله تعالى أعلم" (تهذيب التهذيب 12/ 109).
ويشهد لهذا قوله في رواية أحمد (وكان من أصحاب عمر)، فلو كان صحابيا، ما عدل الراوي عن تعريفه بذلك إلى قوله هذا.
وأما عن توثيق العجلي وابن حبان، فلا يعتبران، فهما متساهلان في توثيق المجاهيل، وهذا شاهد على ذلك، ولذا لين توثيقهما الذهبي بقوله في (الكاشف 6648):"وثق"، وقال الحافظ:"مجهول"(التقريب 8126).
وبهما أعل الحديث غير واحد:
فقال ابن حزم: " (الحصين)
(1)
مجهول وأبو سعيد - أو أبو سعد - الخير كذلك" (المحلى 1/ 99).
وقال البيهقي: "ليس بالقوي، وهو محمول إن صح على وتر يكون بعد الثلاث"(معرفة السنن والآثار 1/ 348)، وقال أيضًا:"ليس هذا بمشهور ولا يعارض حديث سلمان المخرج في الصحيح ولم يحتج بهذا الإسناد أحد منهما"(الخلافيات 2/ 87).
وقال ابن عبد البر: "وهو حديث ليس بالقوي؛ لأن إسناده ليس بالقائم فيه مجهولون"(التمهيد 11/ 21).
(1)
في المطبوع (ابن الحصين)، والصواب المثبت كما في مصادر التخريج، وكذا نقله ابن الملقن في (البدر 2/ 302) عن ابن حزم على الصواب، وقد نبه على ذلك الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المحلى).
وقال عبد الحق الإشبيلي: "في إسناده الحصين الحبراني، وليس بقوي"(الأحكام الوسطى 1/ 136)، ونحوه في (الأحكام الكبرى 1/ 381).
وقال ابن مفلح: "وفي إسناده حصين بن الحميري الحبراني عن أبي سعيد الخير ويقال أبو سعد، وهما مجهولان؛ فلهذا ضعفه غير واحد وصححه ابن حبان وغيره وضعفه أولى"(الآداب الشرعية 3/ 169).
وقال ابن كثير: "ليس إسناده بذاك"(إرشاد الفقيه 1/ 33، 55).
وقال ابن حجر: "مداره على أبي سعد الحبراني الحمصي، وقيل: إنه صحابي ولا يصح، والراوي عنه حصين الحبراني وهو مجهول، وقال أبو زرعة شيخ، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في العلل"(التلخيص 1/ 180). ومع هذا حسن إسناده في (فتح الباري 1/ 257)! .
وضعفه أيضًا: ابن سيد الناس في (النفح الشذي 1/ 173، 192)، والصنعاني في (سبل السلام 1/ 116)، والألباني في (الضعيفة 1028)، وفي (ضعيف أبي داود 8)، و (الإرواء 1976).
* ومع ما ذكرناه من علة إسناد هذا الحديث فقد صححه ابن حبان.
وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
وصححه النووي في (شرح مسلم (3/ 126). وحسنه في (المجموع 2/ 77)، و (الخلاصة 312)، و (الإيجاز ص 177).
وكذا حسنه المنذري كما في (البدر المنير 2/ 303)، والعراقي في (تقريب الأسانيد ص 9)، وابن الهمام في (فتح القدير 1/ 213)، والسيوطي في (الحاوي 1/ 403).
وابن حجر الهيتمي في (الفتاوى الفقهية 1/ 52)، والزرقاني في (شرح الموطأ 1/ 72).
وصححه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 211)، وابن الملقن في (البدر المنير 2/ 302)، والعيني في (عمدة القاري 2/ 300)، و (نخب الأفكار 2/ 500).
والصواب ما تقدم، لجهالة راوييه، والله أعلم.
[تنبيه]:
ذكره ابن حجر في (بلوغ المرام 98)، مقتصرًا على قوله:«من أتى الغائط فليستتر» ، وعزاه لأبي داود عن عائشة، وهو سبق قلم، الصواب (عن أبي هريرة).
* * *
644 -
حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ:
◼ عَنْ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ (سَفَرٍ) 1 لَهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ
(1)
، فَأَمَرَ وَدِيَّتَيْنِ، فَانْضَمَّت إِحْدَاهما إِلَى الْأُخْرى، [فَقَضَى حَاجَتَهُ] 1، ثُمَّ أَمَرَهما [أَنْ تَرْجِعَا] 2، فَرَجَعَتَا إِلى مَنَابِتِهِما (فَرَجَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إلى مَوْضِعِهَا) 2، وَجَاءَ بَعِيرٌ فَضَرَبَ بجرَانِهِ إلى الأرضِ، ثم جَرْجَرَ حَتَّى ابْتَلَّ مَا حَوْلَهُ [بِدُمُوعِهِ] 3 فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم [لأَصْحَابِهِ] 4:«أَتَدْرُونَ مَا يَقُولُ الْبَعِيرُ» ؟ [قَالوا: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: ] 5 «إِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّ صَاحِبَهُ يُرِيدُ نَحْرَهُ [غَدًا] 6» فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أَوَاهِبُهُ أَنْتَ لِي؟ » فَقَالَ: [وَاللَّهِ] 7 يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا لِي مَالٌ أَحَبّ إِلَيَّ مِنْهُ. قَالَ:«اسْتَوْصِ بِهِ مَعْرُوفًا» فَقَالَ: لا جَرَمَ، لا أُكْرِمُ مَالًا لِي كَرَامَتهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَتَى عَلَى قَبْرٍ يُعَذَّبُ صَاحِبُهُ، فَقَالَ:«إِنَّهُ يُعَذَّبُ فِي غَيْرِ كَبِيرٍ» فَأَمَرَ بِجَرِيدَةٍ [رَطْبَةٍ] 8، فَوُضِعَتْ عَلَى قَبْرِهِ، فَقَالَ:«عَسَى أَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ مَا دَامَتْ رَطْبَةً» .
• وفي رِوَايَةٍ: عَنْ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَجَاءَتْ وَدِيَّتَانِ فَانْضَمَّتْ إِحْدَاهُمَا إِلَى الْأُخْرَى فَجَاءَتْ شَجَرَةُ طَلْحَةَ أَوْ سَمُرَةٌ فَأَطَافَتْ بِهِ، ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا، قَالَ: وَجَاءَ بَعِيرٌ يَجُرُّ بِجِرَانِهِ الْأَرْضَ يُجَرْجِرُ حَتَّى ابْتَلَّ مَا حَوْلَهُ مِنْ دُمُوعِهِ،
…
»، الحديث بنحوه، إِلَّا أنه قال فيه: «ثُمَّ أَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ يُعَذَّبُ صَاحِبَاهُمَا،
…
» الحديث.
(1)
- في المطبوع من المسند: "حَاجَةً"، وقد نقله عنه ابن كثير في (البداية والنهاية 9/ 11 ط. هجر) بلفظ:"حاجته"، وهو الصواب كما في بقية المراجع والروايات.
• وفي رِوَايَةٍ: عَنْ يَعْلَى بْنِ سِيَابَةَ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا وَدِيَّتَانِ، فَأَمَرَهُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا، فَاجْتَمَعَتَا، فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ، وَاسْتَتَرَ بِهِمَا، ثُمَّ قَالَ:«ارْجِعَا إِلَى مَا كُنْتُمَا» . فَأَتَيْتُهُ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَتَوَضَّأَ، قَالَ:«انْطَلِقْ إِلَى الْبَقِيعِ» ، فَأَتَى عَلَى قَبْرَيْنِ، فَقَالَ:«يُعَذَّبَانِ»
…
، الحديث.
[الحكم]:
قصة الوَدِيَّتَيْنِ صح نحوها من حديث جابر عند مسلم وغيره، وقصة القبرين صح نحوها من حديث ابن عباس في الصحيحين وغيرهما، وهذا الحديث إسناده ضعيف، وله طرق وشواهد كثيرة، ولكن بين متونها اختلاف كثير.
[التخريج]:
تخريج السياقة الأولى: [حم 17559 واللفظ له / قا (3/ 221) والزيادة الأولى والرواية الأولى والثانية له / ضح (1/ 282) وبقية الزيادات له]
تخريج السياقة الثانية: [طب (22/ 275/705)]
تخريج السياقة الثالثة: [كر (74/ 200) معلقا]
[السند]:
رواه أحمد في المسند (17559) قال: حدثنا أبو سلمة الخزاعي.
ورواه ابن قانع في (المعجم 3/ 221) من طريق أبي هشام المخزومي.
ورواه الخطيب في (الموضح 1/ 282) من طريق موسى بن إسماعيل.
ثلاثتهم عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن حبيب بن أبي جبيرة عن يعلى بن سيابة به بلفظ السياقة الأولى غير أَنَّ ابن قانع اختصره مقتصرًا
على قصة الوديتين.
ورواه الطبراني في (الكبير 22/ 275/705) من طريق عفان، وسليمان بن حرب
(1)
، وحجاج بن المنهال، وأبي عمر الضرير
(2)
، قالوا: ثنا حماد به بلفظ السياقة الثانية.
وهذا إسناد ضعيف؛ فيه حبيب بن أبي جبيرة، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 314)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 97)، بلا جرح ولا تعديل، وذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 140، 6/ 178)! ! .
قلنا: لم يذكروا فيمن روى عنه سوى ابن بهدلة، ولذا قال الحسيني:"مجهول"(الإكمال 134)، وفي (التعجيل 175):"لا يعرف"، وبهذا أعله الهيثمي، فذكر منه قصة القبر فقط، ثم قال:"رواه أحمد، وفيه حبيب بن أبي جبيرة قال الحسيني: مجهول"(المجمع)، وهذا هو المعتمد.
وقد تناقض الهيثمي، فذكره في موضع آخر مطولًا، وقال:"رواه أحمد والطبراني بنحوه، -إِلَّا أنه قال: "ثم أتى على قبرين"- وإسناده حسن"! (المجمع).
وقال البوصيري: "إسناد لا بأس به"! (الزوائد 1/ 50).
وقال الصالحي: "سنده جيد"! (سبل الهدى والرشاد 8/ 12).
(1)
- ورواه عنه ابن أبي شيبة في (المسند 595) و (المصنف 12170)، وأحمد (4/ 172)، وابن حميد (404) وغيرهم بقصَّة الْقَبْر فقط، ولذا لم نخرجه هنا، لخلوه من موضع الشاهد، فانظره في أبواب عذاب القبر.
(2)
- ومن طريق الضرير رواه الطبراني في (الأوسط 2413)، وقوام السنّة في (الترغيب 592) اقتصارًا على قصَّة الْقَبْر فقط، ولذا لم نخرجه هنا.
ويظهر أنهم اعتمدوا على صنيع ابن حبان، يدل على ذلك قول البوصيري:"هذا إسناد رجاله ثقات، حبيب بن أبي جبيرة ذكره ابن حبان في الثقات، وباقي رجال الإسناد ثقات"(الإتحاف 1/ 281).
وتعلقهم بصنيع ابن حبان لا يجدي، ثم إن قول البوصيري:"وباقي رجال الإسناد ثقات" فيه نظر، فعاصم بن بهدلة قد رمي بسوء الحفظ، رماه به ابن عُلَيَّةَ والعقيلي والدارقطني وغيرهم، واختلف عليه في تسمية شيخه أيضًا:
فعلقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 74/ 200) عن موسى بن إسماعيل التبوذكي قال: حدثنا أبان، حدثنا عاصم، عن محمد بن أبي جبيرة عن يعلى به بلفظ السياقة الثالثة.
وكذا علقه ابن أبي حاتم في (العلل / س 2695)، والبيهقي في (إثبات عذاب القبر /ص 89) عن أبان، ولم يذكرا سياقة حديثه.
وأبان: هو ابن يزيد العطار، وقد خالف حماد بن سلمة في تسمية شيخ عاصم، فسماه "محمد" لا "حبيب"، وذكر هذا الاختلاف البخاري في (التاريخ الكبير 2/ 315)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 97)، وسئل عنه أبو زرعة فقال:"حماد عندي أحفظ وأكبر من أبان، وقال: "حبيب" (العلل لابن أبي حاتم/ س 2695).
قال ابن حجر: "ومحمد بن أبي جبيرة هذا لم يفرده البخاري بترجمة، ولا ابن أبي حاتم ولا من بعدهما"(التعجيل 175)، فكيفما كان فهو مجهول.
قلنا: وأما المتن فلبعض فقراته شواهد؛ فقصة الوديتين صح نحوها من حديث جابر عند مسلم وغيره، إِلَّا أنه ذكر أنهما كانتا شَجَرَتَيْنِ بِشَاطِئِ
الْوَادِي، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى إِحْدَاهُمَا، فَأَخَذَ بِغُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا، فَقَالَ:((انْقَادِي عَلَيَّ بِإِذْنِ اللهِ))، فَانْقَادَتْ مَعَهُ كَالْبَعِيرِ الْمَخْشُوشِ
…
الحديث، وقد سبق تخريجه في أول الباب.
وقصة القبرين صح نحوها أيضًا عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث ابن عباس قال: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ؛ فَقَالَ: «إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا: فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ: فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ» ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدِةً، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ:«لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا» . وسيأتي تخريجه قريبًا في باب: "الاستنزاه من البول".
فأما قصة الجمل، فلها طرق كثيرة
(1)
وشواهد، لكنها لم تتفق على سياقة واحدة، فبين كثير منها اختلاف، مع ما فيها من نكارة سنبينها قريبًا، فانظر: بقية الروايات والشواهد.
[تنبيه]:
قال ابن معين: "يعلى بن مرة: هو يعلى بن سيابة، يقولون: سيابة أمه"(تاريخ ابن معين برواية الدوري 2). وخالف في ذلك يعقوب الفسوي، فذكر أَنَّ يعلى بن سيابة: هو يعلى بن أمية الثقفي (المعرفة 2/ 159).
قال الخطيب: "أخطأ يعقوب في قوله: "أَنَّ يعلى بن سيابة: هو يعلى ابن أمية"؛ لأنهما اثنان، كل واحد منهما غير صاحبه، فيعلى بن سيابة ثقفي
(1)
- منها ما علقه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 357) من طريق عمرو بن عثمان بن يعلى عن أبيه عن جده بقصة الجمل فقط، ولذا لم نخرجه ضمن هذه الروايات، لخلوه من الشاهد، فانظره في موضعه من الموسوعة.
كما قال يعقوب، ويعلى بن أمية تميمي، وهما جميعًا صحابيان، ولهما رواية عن النبي صلى الله عليه، ويقال: إن سيابة أم يعلى، واسم أبيه مرة" (موضح أوهام الجمع والتفريق 1/ 281).
وهذا هو الذي اعتمده المزي وتبعه ابن حجر في (تهذيب التهذيب 11/ 404)، أَنَّ ابن سيابة: هو يعلى بن مرة الثقفي، بينما قال ابن حبان: "يعلى بن مرة
…
من قال إنه يعلى بن سيابة فقد وهم" (الثقات 3/ 440).
* * *
رِوَايَةٌ فيها قصة المرأة والصبي:
• وفي رواية عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا، مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَرَاهَا أَحَدٌ بَعْدِي، لَقَدْ خَرَجْتُ مَعَهُ فِي سَفَرٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْنَا بِامْرَأَةٍ جَالِسَةٍ، مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا صَبِيٌّ، أَصَابَهُ بَلَاءٌ، وَأَصَابَنَا مِنْهُ بَلَاءٌ، يُؤْخَذُ فِي الْيَوْمِ مَا أَدْرِي كَمْ مَرَّةً، قَالَ:«نَاوِلِينِيهِ» فَرَفَعَتْهُ إِلَيْهِ، فَجَعَلتْهُ بَيْنَهُ وَبَينَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ، ثمَّ فَغَرَ فَاهُ فَنَفَثَ فِيهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ:«بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ» ثُمَّ نَاوَلَهَا إِيَّاهُ، فَقَالَ:«الْقَيْنَا فِي الرَّجْعَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَأَخْبِرِينَا مَا فَعَلَ» قَالَ: فَذَهَبْنَا وَرَجَعْنَا، فَوَجَدْنَاهَا فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ، مَعَهَا شِيَاهٌ ثَلَاثٌ، فَقَالَ:«مَا فَعَلَ صَبِيُّكِ؟» فَقَالَتْ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ، مَا حَسَسْنَا مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى السَّاعَةِ، فَاجْتَرِرْ هَذِهِ الْغَنَمَ. قَالَ:«انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً، وَرُدَّ الْبَقِيَّةَ» .
قال: وَخَرَجْنَا ذَاتَ يَوْمٍ إِلَى الْجَبَّانَةِ، حَتَّى إِذَا بَرَزْنَا، قَالَ: «انْظُرْ
وَيْحَكَ، هَلْ تَرَى مِنْ شَيْءٍ يُوَارِينِي؟ » قُلْتُ: مَا أَرَى شَيْئًا يُوَارِيكَ إِلَّا شَجَرَةً مَا أُرَاهَا تُوَارِيكَ. قَالَ: «فَمَا قُرْبُهَا [شَيْءٌ]؟ » قُلْتُ: شَجَرَةٌ [خَلْفَهَا، وَهِيَ] مِثْلُهَا، أَوْ قَرِيبٌ مِنْهَا. قَالَ:«فَاذْهَبْ إِلَيْهِمَا، فَقُلْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا بِإِذْنِ اللهِ» قَالَ: فَاجْتَمَعَتَا، فَبَرَزَ لِحَاجَتِهِ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ:«اذْهَبْ إِلَيْهِمَا، فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إِلَى مَكَانِهَا» .
قَالَ: وَكُنْتُ مَعَهُ جَالِسًا ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ جَاءَ جَمَلٌ يَخُبُّ
(1)
، حَتَّى ضَرَبَ بجِرَانِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ:«وَيْحَكَ، انْظُرْ لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ، إِنَّ لَهُ لَشَأْنًا» قَالَ: فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ صَاحِبَهُ، فَوَجَدْتُهُ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَدَعَوْتُهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ:«مَا شَأْنُ جمَلِكَ هَذَا؟ » فَقَالَ: وَمَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي وَاللَّهِ مَا شَأْنُهُ، عَمِلْنَا عَلَيْهِ، وَنَضَحْنَا عَلَيْهِ، حَتَّى عَجَزَ عَنِ السِّقَايَةِ، فَأْتَمَرْنَا الْبَارِحَةَ أَنْ نَنْحَرَهُ، وَنُقَسِّمَ لَحْمَهُ. قَالَ:«فَلَا تَفْعَلْ، هَبْهُ لِي، أَوْ بِعْنِيهِ» فَقَالَ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَوَسَمَهُ بِسِمَةِ الصَّدَقَةِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهِ.
[الحكم]:
قصة المرأة والصبي لها شواهد كثيرة تدل على أَنَّ لها أصلا، وإن اختلفت في تعيين هدية المرأة، وقصة الشجرتين صح نحوها من حديث جابر عند مسلم، وهذا الحديث إسناده ضعيف، وله طرق وشواهد كثيرة، ولكن بين متونها اختلاف كثير.
[التخريج]:
[حم 17548 واللفظ له / ش 32412 "والزيادتان له" / مش (خيرة
(1)
- في المطبوع من المسند: "يُخَبِّبُ" والمثبت من (المصنف): وهو الصواب، انظر:(تاج العروس 2/ 329).
6471/ 2)]
[السند]:
رواه أحمد (17548)، وابن أبي شيبة في المسند (الإتحاف 6471/ 2) وفي (المصنف 32412)
(1)
عن عبد الله بن نمير، عن عثمان بن حكيم، قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن يعلى بن مرة، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه: عبد الرحمن بن عبد العزيز الراوي عن يعلى، قال فيه ابن معين:"شيخ مجهول"(التاريخ برواية الدارمي 463)، وأقره ابن عدي فقال:"وليس هو بذلك المعروف كما قال ابن معين"(الكامل 1114)، وقال الحسيني:"ليس بمشهور"(الإكمال 520)، وانظر: التنبيه المذكور عقب التحقيق.
ومع ذلك قال المنذري: "وإسناده جيد"! ! (الترغيب 3/ 144).
فتعقبه الألباني قائلا: "عبد الرحمن هذا أورده ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل)، ولم
يحك فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الحسيني:"ليس بالمشهور"، وبقية رجاله ثقات رجال مسلم" (الصحيحة 1/ 876). وقد فاته كلام ابن معين وابن عدي في عبد الرحمن.
وبين رواية عبد الرحمن بن عبد العزيز هذه ورواية حبيب بن أبي جبيرة (المجهول أيضًا)، اختلاف كثير، ففي رواية حبيب ذكر قصة صاحب أو
(1)
- وأعاده بهذا الإسناد في مواضع أخرى، لكن اقتصر في بعضها على قصة الجمل فقط -وهكذا رواه الطبراني-، وفي بعضها اقتصر على قصة الصبي فقط -وهكذا رواه أبو نعيم في (الدلائل) -، ولم نخرجه هنا، لخلوه من موطن الشاهد.
صاحبي القبر، بدلا من قصة المرأة وصبيها، وفي رواية حبيب ترك النبي صلى الله عليه وسلم للرجل جمله، إذ لم يرض الرجل بأن يهبه له! ، بينما في رواية عبد الرحمن نهاه عن نحره، واستوهبه منه، فوهبه له الرجل، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وجعله في إبل الصدقة! ، وسيأتي في رواية أخرى أنه نهاه عن نحره! ، وأمره بتركه في الإبل والإحسان إليه، وكل ذلك منكر كما سيأتي.
ثم قال الألباني: "وقد تابعه عبد الله بن حفص عن يعلى بن مرة الثقفي به نحوه. أخرجه أحمد (4/ 173) من طريق عطاء بن السائب عنه. وعطاء كان اختلط. وعبد الله بن حفص مجهول كما قال الحافظ وغيره، وبالجملة فالحديث بهذه المتابعات جيد. والله أعلم (الصحيحة 1/ 876 - 877 /ح 485).
قلنا: ما ذكره الشيخ قبل هذين الطريقين - (طريق عبدالرحمن بن عبد العزيز وطريق عبد الله بن حفص) - هو ثلاث روايات كلها من طريق المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة، وأعلها بالانقطاع بين المنهال ويعلى، وهو كذلك كما سيأتي قريبًا، وعليه فلا يصح إذا تقوية طريق عبد الرحمن المجهول بطريق المنهال المشار إليه، إذ يحتمل أَنْ يكون هذا المجهول هنا هو نفسه الواسطة المفقودة في حديث المنهال! .
فأما طريق عبد الله بن حفص فمع وهائه لا يصح أيضًا أَنْ ننظر إليه كمتابعة، إذ إنَّ سياقته في الواقع مخالفة تماما لسائر الروايات الأخرى! ، فمن ذلك:
أولًا: أنه ذكر أَنَّ شكاية الجمل إنما هي كثرة العمل، وقلة العلف، بينما شكايته في رواية عبدالرحمن وغيره: أَنَّ صاحبه يريد نحره! ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره في رواية المنهال الآتية بتركه في الإبل! ، والأول هو الذي
ثبت في غير هذا الحديث؛ فقد روى أحمد وأبو داود وغيرهما بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم «دخل حَائِطًا لِرَجُلٍ من الْأَنْصَارِ فَإِذَا جَمَلٌ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَنَّ وَذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَسَحَ ذِفْرَاهُ، فَسَكَتَ، فَقَالَ: «مَنْ رَبُّ هَذَا الْجَمَلِ، لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ » ، فَجَاءَ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا؟ ، فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ» . فهذا يؤيد ما في رواية عبد الله بن حفص على وهاء سندها، فأما ما في الروايات الأخرى من حديث يعلى، وبعض شواهده، من إنكاره على الرجل نحر الجمل، وأمره له بعدم نحره، فهذا -والله أعلم- يعدّ منكرًا؛ لمخالفته ما تقرر في أصل الشريعة من حِلّ ذلك لنا، ولذا لم نلجأ إلى القول بتعدد الواقعة -إذ التعدد إنما نلجأ إليه بعد ثبوت الرواية-، خلافًا لصنيع البيهقي حيث قال عن رواية عبد الله بن حفص:"ولما روينا في حديث يعلى بن مرة في أمر البعير الذي شكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حاله، [شاهد] بإسناد صحيح، وكأنه غير البعير الذي أرادوا نحره، والله أعلم"(دلائل النبوة 6/ 24).
قلنا: لم ترد قصة البعير الذي أرادوا نحره من وجه معتبر، وانظر: تحقيقنا لحديث ابن مسعود.
ثانيًا: أنه ذكر أَنَّ شجرة واحدة إنما استأذنت ربها أَنْ تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن لها
(1)
، بينما في رواية عبد الرحمن وغيره أَنَّ شجرتين اجتمعتا لقضاء حاجته صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: "الرواية الأولى عن يعلى بن مرة في أمر
(1)
- ولخلو رواية عبد الله بن حفص من شاهد الباب لم نخرجها هنا وسوف تخرج في موضعها من الموسوعة.
الشجرتين أصح، لموافقتها رواية جابر بن عبد الله الأنصاري، إِلَّا أَنْ يكون أمر الشجرة في هذه الرواية حكاية عن واقعة أخرى" (دلائل النبوة 6/ 23).
قلنا: سياقة عبد الله بن حفص تدل على أنها نفس الواقعة التي ذكرها عبدالرحمن وغيره، غير أنهم اختلفوا في سياقتها، فقد ذكر عبد الله في أوله أَنَّ يعلى قال:"ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فذكرهن، فهو يتكلم عن نفس الثلاث المذكورة في حديث عبد الرحمن وغيره، بدليل اتفاقه معهم في أصل قصة الصبي والبعير، والله أعلم.
ثالثًا: أنه ذكر أَنَّ المرأة إنما أتته بجزر ولبن! فأمرها أَنْ ترد الجزر، وأمر أصحابه، فشربوا من اللبن! ، بينما في رواية عبد الرحمن أنها أتته بثلاث شياه، فقال ليعلى:"خذ منها واحدة، ورد البقية"، فثمة اختلاف في كل فقرة من فقرات الحديث! .
نعم، الشواهد الكثيرة لقصة المرأة والصبي تدل على أَنَّ لها أصلا، وإن اختلفت هذه الشواهد في تعيين هدية المرأة، وانظر: بقية الروايات والشواهد.
[تنبيهان]:
الأول: في ترجمة عبد الرحمن بن عبد العزيز، قال ابن عدي:"أظنه هو ابن عبد الله بن عثمان بن حنيف"، ثم نقل قول ابن معين أنه:"شيخ مجهول"، وأقره فقال:"وليس هو بذلك المعروف كما قال ابن معين"(الكامل 1114)، فلم يعمل بذاك الظن؛ لأن ابن حنيف معروف كما سيأتي، ولما ذكر ابن حجر قول الحسيني:"ليس بمشهور" تعقبه قائلا: "قد ذكره البخاري، وذكر بعده: عبد الرحمن بن عبد العزيز الأمامي الأنصاري
من ذرية أبي أمامة بن سهل، ويغلب على ظني أنهما واحد" (التعجيل 636).
أي أَنَّ البخاري قد فرق
(1)
بين الراوي عن يعلى وبين الأمامي - وهو ابن حنيف -، ويراهما ابن حجر رجلًا واحدًا، مع أنه قد فرق بينهما أيضًا أبو حاتم الرازي، وأقره ابنه عبد الرحمن في (الجرح والتعديل 5/ 260)، ومع ذلك فقد عمل ابن حجر بظنه ذاك في ترجمة الأمامي من (تهذيب التهذيب 6/ 220)، فذكر كلام ابن معين ضمن كلام النقاد في ابن حنيف الأمامي، وكذا خلط بينهما الذهبي في (الميزان 2/ 577).
والصواب التفرقة بينهما كما ذهب إليه البخاري وأبو حاتم وابنه، ويؤيده عدة أمور:
أولها: أنهم لم يذكروا يعلى بن مرة في شيوخ ابن حنيف، ولا ذكروا عثمان بن حكيم في تلاميذه، ومن عادتهم أنهم يحرصون على أَنْ يذكروا في شيوخ الرجل أقدمهم وأجلهم، ولاسيما الصحابة، وكذا يذكرون في من روى عنه من هو أكبر منه، وليس في من ذكر من شيوخ ابن حنيف من هو أقدم وأجل من يعلى، فلو كان صاحبنا هو ابن حنيف لحرصوا على ذكر يعلى في شيوخه، وكذلك لحرصوا على ذكر عثمان في تلاميذه، لكونه أعلى من ابن حنيف كما سيأتي.
الثاني: أَنَّ صاحبنا قال فيه ابن معين: "مجهول"، وأقره ابن عدي،
(1)
- وهذه التفرقة من البخاري لم نجدها في المطبوع من التاريخ، ويظهر أنه سقط منه ترجمة صاحبنا الراوي عن يعلى، بدلالة ما جاء في تعقب أبي زرعة وأبي حاتم على البخاري، انظر:(بيان خطأ البخاري 301).
وابن حنيف الأمامي مشهور معروف، وإن اختلف فيه النقاد، فقد روى له مسلم، ووثقه يعقوب بن شيبة.
وقال ابن سعد: "كان عالما بالسيرة وغيرها، وكان كثير الحديث"(الطبقات الكبرى 7/ 587)، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 75) وقال:"من جلة أهل المدينة"(المشاهير 1011)، وقال أبو حاتم:"شيخ مضطرب الحديث"، وقال الأزدي:"ليس بالقوي عندهم"(تهذيب التهذيب 6/ 220).
الثالث: أَنَّ صاحبنا إنما روى عنه عثمان بن حكيم المتوفي (138 هـ)، وهو من الطبقة الخامسة، فهو أعلى من ابن حنيف المتوفي (162 هـ)، وهو من الطبقة الثامنة، فلو كان صاحبنا هو ابن حنيف، فيكون عثمان قد روى عمن هو أصغر منه بطبقتين، والأصل خلافه، حتى يثبت العكس، ولا دليل عليه، ولا حاجة إليه، وعلى فرض صحة ما ظنه
ابن حجر، فيكون الإسناد منقطعًا بين ابن حنيف ويعلى، إذ لا سماع لهذه الطبقة من الصحابة بل ولا إدراك، فالإسناد معلول على أية حال.
التنبيه الثاني:
قول ابن معين في عبد الرحمن بن عبد العزيز: "شيخ مجهول"، قد جاء في سياق أحدث اختلافًا في فهمه، حيث قال الدارمي سائلا ابن معين:"فعثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن عبد العزيز، من هذا؟ فقال: "شيخ مجهول"، قال: فقلت: فعبد الله بن حفص الذي يروي عنه؟ قال: "شيخ لا أعرفه" (التاريخ 463، 464).
ففهم الحافظ ابن عدي أَنَّ قول ابن معين: "شيخ مجهول"، إنما هو في
عبد الرحمن بن عبد العزيز، وهو الصواب، فذكره في ترجمته من (الكامل)، وأقره كما سبق.
بينما فهم ابن أبي حاتم من ذلك أَنَّ قوله: "شيخ مجهول" إنما هو في عثمان، فترجم لعثمان بن حكيم أبي سهل الأنصاري الثقة، ثم ترجم لعثمان بن حكيم الأودي، ثم ترجم لثالث، فقال:"عثمان بن حكيم روى عن عبد الرحمن بن عبد العزيز، روى عنه عبد الله بن حفص"! ، ثم أسند عن الدارمي ما ذكرناه آنفًا (الجرح والتعديل 6/ 147).
وتبعه على ذلك الذهبي في (المغني 4014) و (الميزان 3/ 32)، ولم يعلق عليه ابن حجر في (اللسان 5107)، مع أنه قد ذكر كلام ابن معين نقلا عن الدارمي في ترجمة عبد الرحمن بن عبد العزيز الأمامي! كما سبق، وكذا ذكره الذهبي مع كلام ابن عدي أيضًا في ترجمة الأمامي! (الميزان 2/ 577).
وصنيع ابن أبي حاتم مجانب للصواب، لعدة أمور:
الأول: أَنَّ عبد الله بن حفص الذي سأل عنه الدارمي لا يروي عن عثمان بن حكيم أصلا، وإنما يروي عن يعلى بن مرة كما تراه في ترجمته من كتب التراجم، ولا تعرف له رواية عن غيره، فهو أعلى طبقة من عثمان الذي يروي عن رجل عن يعلى! .
الثاني: أَنَّ عثمان بن حكيم المذكور في كلام الدارمي بأنه يروي عن عبد الرحمن بن عبد العزيز هو نفسه أبو سهل الأنصاري الثقة، وليس آخرًا مجهولًا كما زعم ابن أبي حاتم، فقد روى عنه عبد الله بن نمير، وهو معدود في تلاميذ أبي سهل الأنصاري.
الثالث: أنه قبل هذه الترجمة -التي اختلف في فهمها- بأربع تراجم سأل الدارمي ابن معين عن عثمان بن حكيم، فقال:"ثقة"(التاريخ 458)، فلو كان المراد من الموضع الثاني: هو ما فهمه ابن أبي حاتم؛ لكان الأنسب والأولى أَنْ يذكر عقب هذه الترجمة مباشرة دون فصل للتمييز بينهما.
إذن فالسؤال في قول الدارمي: "من هذا" إنما هو عن عبدالرحمن بن عبدالعزيز كما فهم ابن عدي، وليس عن عثمان بن حكيم كما فهم ابن أبي حاتم، فأما عن سبب هذا الإشكال وهو الضمير في قوله:"فعبد الله بن حفص الذي يروي عنه"، فله احتمالان:
أولهما: أَنْ يكون صواب العبارة: "الذي يُرْوى عنه" بالبناء للمجهول.
الثاني: أَنَّ الضمير في قوله: "عنه" يعود على يعلى بن مرة، وإن لم يسبق له ذكر؛ لأن رواية عثمان بن حكيم عن عبد الرحمن بن عبد العزيز إنما هي لحديث يعلى هذا فقط، ونفس هذا الحديث قد رواه عبد الله بن حفص عن يعلى وإن خالف في متنه، فطالب العلم الذي يعرف المتن المروي عن عثمان عن عبد الرحمن بن عبد العزيز، وأن كلا من عبد الرحمن وعبد الله بن حفص قد رويا هذا المتن عن يعلى، يعرف مرجع الضمير دون عناء، والله أعلم.
* * *
رِوَايَةٌ رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ عَجَبًا:
• وفي رواية 1: عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ عَجَبًا: كُنْتُ فِي سَفَرٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا [بِأَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ كَثِيرٌ]، فَقَالَ لِي: «ائْتِ تِلْكَ الأَشَاءَتَيْنِ
(1)
- يَعْنِي شَجَرَتَيْنِ (نَخْلَتَيْنِ) صَغِيرَتَيْنِ - فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا»، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمَا فَقُلْتُ لَهُمَا، فَوَثَبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا، فَاجْتَمَعَتَا، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَتَرَ بِهِمَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لِي:«ائْتِهِمَا فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَرْجَعَا (فقُلْ لَهُمَا: يَتَفَرَّقَانِ)» ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمَا، فَقُلْتُ لَهُمَا، فَرَجَعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى مَكَانِهَا (فَتَفَرَّقَتَا)، قَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَجَاءَ بَعِيرٌ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ [فَرَأَى عَيْنَيْهِ تَسِيلَانِ]، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أَصْحَابُ هَذَا الْبَعِيرِ؟» [فَقَالُوا: لِآلِ فُلَانٍ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم،] قَالَ: فَجَاءَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ:«مَا شَأْنُ هَذَا الْبَعِيرِ يَشْكُو؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: بَعِيرٌ كَانَ عِنْدَنَا [نَاضِحًا فَكَبِرَ] فَاتَّعَدْنَا أَنْ نَنْحَرَهُ غَدًا، فَقَالَ:«لَا تَنْحَرُوهُ، دَعُوهُ (ذَرُوهُ فِي الْإِبِلِ) [فَذَروهُ]» ، فَقَالَ: ثُمَّ خَرَجْنَا، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا بِهِ لَمَمٌ، [فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا يُصْرَعُ فِي الشَّهْرِ سَبْعَ مَرَّاتٍ] فَقَالَ:[«أَدْنِيهِ مِنِّي، فَتَفَلَ فِي فِيهِ»، وَقَالَ:]«اخْرُجْ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا رَسُولُ اللَّهِ» ، [ثُمَّ قَالَ لَهَا:«إِذَا رَجَعْتِ فَأَعْلِمِينِي مَا صَنَعَ» ] قَالَ: فَبَرَأَ، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ سَفَرِنَا، أَهْدَتْ لَنَا كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ
(1)
- في المطبوع من الزهد: "الْأَشْأَتَيْنِ"، والمثبت من عند ابن سعد وغيره، وهو الصواب، وانظر: بقية الروايات ..
أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:«يَا يَعْلَى خُذِ الْأقِطَ وَالسَّمْنَ، وَأَحَدَ الْكَبْشَيْنِ، وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ» [قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا رَأَيْتُ مِنْهُ ذَاكَ].
• وفي رواية 2: عَنْ يَعْلَى، قَالَ: مَا أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّاسِ رَأَى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا دُونَ مَا رَأَيْتُ، فَذَكَرَ أَمْرَ الصَّبِيِّ، وَالنَّخْلَتَيْنِ، وَأَمْرَ الْبَعِيرِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:«مَا لِبَعِيرِكَ يَشْكُوكَ، زَعَمَ أَنَّكَ سَنأتهِ، حَتَّى إِذَا كَبُرَ تُرِيدُ أَنْ تَنْحَرَهُ» قَالَ: صَدَقْتَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا، قَدْ أَرَدْتُ ذَلِكَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أَفْعَلُ.
[الحكم]:
إسناده ضعيف، وله طرق كثيرة بين متونها اختلاف كثير، ولبعض فقراته شواهد.
[التخريج]:
تخريج السياق الأول: [زو 508 واللفظ له / زهن (ص 621) / سعد (1/ 144) مختصرًا / مش (خيرة 6471/ 1) / مث 1612، 1614 / طب (22/ 264/ 679 "وله الزيادات والروايات سوى الرواية الأولى"، 680) / نبق 304 مختصرًا والرواية الأولى له / كر (4/ 366، 367)]
تخريج السياق الثاني: [حم 17567]
[التحقيق]:
رواه وكيع في (الزهد) - وعنه هناد في (الزهد)، وابن سعد في (الطبقات)، وابن أبي شيبة في (المسند)، وعنه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 1612) - قال: حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة به مطولًا غير أَنَّ ابن سعد اختصره.
ورواه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 1614) وأبو نعيم في (الدلائل 292) عن محمد بن عبد الله بن نمير، ورواه البيهقي في (الدلائل 6/ 22) من طريق إبراهيم بن عبد الله، ورواه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 4/ 366، 367) من طريق عبد الله بن هاشم بن حيان العبدي، ثلاثتهم عن وكيع به، واقتصر البيهقي على قصة الصبي فقط.
وتوبع وكيع على هذا الوجه
(1)
:
فرواه الطبراني في (الكبير 22/ 264/680) قال: حدثنا عبيد بن غنام، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا محاضر، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، قال:"رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء"، فذكر نحوه
(2)
.
ومحاضر: هو ابن المورع الهمداني، من رجال الصحيح، قال ابن حجر:"صدوق له أوهام".
وقد توبع عليه الأعمش أيضًا:
فرواه أحمد (17567) عن أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حبيب بن أبي عمرة، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى قال:«ما أظن أَنَّ أحدًا من الناس رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلَّا دون ما رأيت» ، فذكر أمر الصبي، والنخلتين، وأمر البعير، إِلَّا أنه قال: «ما لبعيرك يشكوك
…
»
(1)
- فقد رواه جماعة آخرون عن وكيع، وقالوا فيه: عن يعلى عن أبيه، وكذلك رواه غير وكيع عن الأعمش، وانظر: الكلام على هذا الاختلاف تحت حديث مرة المذكور في الباب.
(2)
- ورواه بعضهم عن محاضر على الوجه الآخر كما ذكرناه تحت حديث مرة.
الحديث.
وأسود وحبيب ثقتان، وكذلك أبو بكر بن عياش ثقة غير أنه تكلم في حفظه، وهذا لا يضر هنا لكونه متابعًا.
فالحديث من رواية الأعمش وحبيب مداره على المنهال بن عمرو عن يعلى، وهو ضعيف؛ لانقطاعه، فرواية المنهال عن يعلى مرسلة كما قال المزي في (التهذيب 28/ 569، 32/ 399)، وأبو زرعة العراقي في (تحفة التحصيل ص 318).
ومع ذلك قال الهيثمي مشيرًا إلى رواية حبيب بن أبي عمرة: "وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح"(المجمع 14158).
قلنا: نعم، ولكن هذا لا يعني صحة الإسناد، لفقده شرط الاتصال، ولذا بعدما صححه الألباني لثقة رجاله، استدرك على نفسه قائلا:"إنه منقطع"، ثم قواه بطريق عبد الرحمن بن عبد العزيز وعبد الله بن حفص، كلاهما عن يعلى (الصحيحة 485).
وقد سبق أنه لا يصح تقوية هذا الطريق برواية عبد الله بن حفص؛ لاختلاف السياقتين اختلافًا كبيرا، ولا برواية عبد الرحمن بن عبد العزيز (المجهول)، إذ يحتمل أَنْ يكون ذاك المجهول هو نفسه الواسطة المفقودة في هذه الرواية المنقطعة الإسناد.
فإن قيل: قد رواه الطبراني في (الكبير 22/ 264/679) قال: حدثنا المقدام بن داود، ثنا أسد بن موسى، ثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، قال: حدثني ابن يعلى بن مرة، عن أبيه، به.
أفلا يدل ذلك على أَنَّ الواسطة هو أحد أبناء يعلى؟ وهم ما بين مجهول
كعثمان، وضعيف كعبد الله، وموثق عند ابن حبان كعبد الرحمن، فيعتبر به أيًّا كان، وحينئذ يتقوى بمتابعة كل من عبد الرحمن بن عبد العزيز وحبيب بن أبي جبيرة، إذ يصير عندنا ثلاثة مجاهيل! قد رووه عن يعلى، أو مجهولان وضعيف، أو وموثق؟ ! .
قلنا: قد رواه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 1611) قال: حدثنا ابن مصفى ثنا يحيى بن عيسى ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه به، بنحو رواية أسد عن يحيى بن عيسى إِلَّا أنه قال فيه:"إن هذا يصرع في الشهر ثلاث مرات"، وفي رواية أسد:"سبع مرات"! .
ورواية ابن أبي عاصم هذه أصح سندًا من رواية الطبراني، إذ المقدام شيخ الطبراني واه، وابن مصفى وإن كان ممن يدلس ويسوي، فقد صرح بالسماع من شيخه وبسماع شيخه يحيى من الأعمش، فلا موضع للتسوية هنا.
فقد تبين بهذه الرواية أَنَّ كلمة "ابن" قبل "يعلى" في سند الطبراني مقحمة أو وهم من أحد الرواة، وأن يحيى بن عيسى إنما يرويه عن الأعمش عن المنهال عن يعلى بن مرة عن أبيه، وكذلك ذكره ابن الأثير في (أسد الغابة 5/ 142)، وانظر: الكلام على زيادة "عن أبيه" تحت حديث مرة.
ومثله ما وقع عند إسماعيل الأصبهاني في (دلائل النبوة 304) من طريق ابن أبي حاتم ثنا أبو سعيد الأشج ثنا وكيع عن الأعمش عن المنهال عن ابن يعلى بن مرة عن أبيه، به.
فقد رواه البيهقي في (الدلائل 6/ 21، 22)، وتاج الدين السبكي في (المعجم 4/ 78) من طريق ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج، -زاد
البيهقي: "وعمرو الأودي"- حدثنا وكيع، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن أبيه، به
(1)
.
إذن، فالمحفوظ عن المنهال أنه يرويه عن يعلى لا عن ابن يعلى، ويؤيده أنه لم يذكر أحد أحدًا من أبناء يعلى في شيوخ المنهال، وبهذا يبقي الاحتمال المذكور آنفًا بشأن الواسطة كما هو، هذا فضلًا عن الاختلاف بين السياقتين في بعض المواضع خاصة قصة البعير، فأما طريق حبيب بن أبي جبيرة المجهول أيضًا! ، فقد سبق أنه لم يذكر في سياقته قصة الصبي أصلا، وذكر بدلا منها قصة صاحبي القبرين، فضلًا عن بعض الاختلافات الأخرى بين روايته ورواية عبد الرحمن بن عبد العزيز كما بيناه فيما سبق.
وانظر: بقية الروايات التالية:
(1)
- وانظر: هذه الطرق والكلام عنها تحت حديث مرة المذكور في الباب.
رِوَايَةٌ: هَلْ شَيْءٌ يُوَارِينِي:
• وفي رواية عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَشَاهِدَ لَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ كَانَ مَعَنَا، خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ، فَأَرَادَ الْحَاجَةَ فَقَالَ:«يَا يَعْلَى، هَلْ شَيْءٌ يُوَارِينِي؟» فَقُلْتُ: مَا أَرَى [شيئًا يواريك] إِلَّا أَشَاءَتَيْنِ (شجرتين) فَإِنِ اجْتَمَعَتَا فَلَعَلَّهُمَا أَنْ تُوَارِيَاكَ قَالَ: «قُلْ لَهُمَا فَلْتَجْتَمِعَا بِإِذْنِ اللَّهِ» ، فَاجْتَمَعَتَا فَقَضَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتَهُ ثُمَّ قَالَ:«يَا يَعْلَى، مُرْهُمَا فَلْتَصِرْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَكَانَهَا» ، ثُمَّ سِرْنَا فَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ عَرَضَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [بابن لها] فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي يَصَّابُ (أصابه لمم)، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَفَلَ فِي فِيهِ فَقَالَ:«[باسم الله] اخسأ عَدُوَّ اللَّهِ، أَنَا مُحَمَّدٌ [رسول الله]» ، ثُمَّ سِرْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا إِذَا هِيَ تَهْدِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَرَضَ لَهُ مُنْذُ فَارَقْتَنَا، ثُمَّ سِرْنَا حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَإِذَا عَوْدٌ (بَعِيرٌ) بَارِكٌ (قَدْ وَضَعَ جرانَهُ) عَيْنَاهُ تَهْمَلَانِ (مُهْمَلَاتٌ عينيه) فَقَالَ:«مَنْ صَاحِبُ هَذَا الْعَوْدِ؟» قَالُوا: فُلَانُ قَالَ: «إِنَّهُ لَيُخْبِرَنِي أَنَّهُ قَدْ نَضَحَ لِأَهْلِهِ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ أَرَادُوا نَحْرَهُ» ، فَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبِهِ فَـ[لَمَّا جَاءَ صَاحِبُهُ] قَالَ:«بِعْنِيهِ (بِعْنِي بَعِيرَكَ هَذَا)» قَالَ: بَلْ هُوَ لَكَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَلْقِهِ فِي إِبِلِكَ وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ» .
[اللغة]:
الأشاءة: النخلة. والعود: الجمل المسن. تهملان: يسيلان. نضح: استقى.
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا، وله طرق كثيرة بين متونها اختلاف كثير، وقصة الشجرتين صح نحوها من حديث جابر عند مسلم وغيره.
[التخريج]:
[مع (خيرة 6471/ 3)، (مغلطاي 1/ 211، 212) والروايات والزيادات له / نبق 240 واللفظ له / علحا 2695 معلقا]
[السند]:
رواه ابن منيع في (مسنده) - كما في (الإتحاف 6471) و (شرح ابن ماجه 1/ 211) -: عن الحسين بن محمد
(1)
ثنا المسعودي عن يونس بن خباب عن ابن يعلى بن مرة عن يعلى بن مرة، به.
ورواه إسماعيل الأصبهاني في (دلائل النبوة 240) من طريق حجاج ثنا المسعودي، به.
وحجاج: هو ابن محمد المصيصي، والمسعودي: هو عبدالرحمن بن عبد الله بن عتبة.
وعلقه ابن أبي حاتم في (العلل 2695) عن عبدالرحمن بن زياد الرصاصي عن المسعودي، به.
فمداره عندهم على المسعودي.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه أربع علل:
الأولى: ابن يعلى بن مرة، لا يعرف من هو، وقد ذكروا ليعلى ثلاثة أبناء، أولهم: عثمان، وهو مجهول (التقريب 4529)، والثاني: عبد الله، وهو
(1)
- زيد هنا في (الاتحاف): "بن محمد" ولعلها تكرار من الناسخ، فلم تذكر في (شرح ابن ماجه) والحسين هو ابن محمد بن بهرام.
ضعيف (الميزان 2/ 528)، والثالث: عبد الرحمن، انفرد بذكره ابن حبان! وقال:"روى عنه أهل الحجاز"، ولم يسم منهم أحدا! (الثقات 5/ 84)، ونخشى أَنْ يكون وهمًا.
الثانية: يونس بن خباب، رافضي خبيث، تكلم فيه أحمد، ولم يرضه، وقال:"هذا كان يقع في عثمان"(سؤالات المروذي 108)، وقال فيه ابن معين:"رجل سوء، كان يشتم عثمان"، وقال البخاري:"منكر الحديث"، وقال أبو حاتم:"مضطرب الحديث، ليس بالقوي"، وقال الحاكم أبو أحمد:"تركه يحيى وعبد الرحمن، وأحسنا في ذلك؛ لأنه كان يشتم عثمان، ومن سب أحدًا من الصحابة فهو أهل أَنْ لا يُرْوى عنه"(تهذيب التهذيب 11/ 438).
الثالثة: المسعودي عبدالرحمن بن عبد الله، كان قد اختلط، قال ابن سعد:"اختلط في آخر عمره، ورواية المتقدمين عنه صحيحة"(تهذيب التهذيب 6/ 211).
قال ابن حجر: "وضابطه أَنَّ من سمع منه ببغداد فبعد الاختلاط"(التقريب 3919).
قلنا: ومن هؤلاء: حجاج بن محمد المصيصي، فقد قال أحمد:"وأما يزيد بن هارون، وحجاج، ومن سمع منه ببغداد فهو في الاختلاط"(العلل 4114).
وكذلك الحسين بن محمد المروذي، فإنه كان قد سكن بغداد، وليس هو من قدماء أصحاب المسعودي، فالظاهر أنه ممن سمع منه بعد الاختلاط أيضًا، ومثله -والله أعلم- الرصاصي، فإنه عراقي الأصل، ولم يذكره أحد
في قدماء أصحاب المسعودي، فهذا الحديث مما حَدَّثَ به المسعودي بعد الاختلاط، والله أعلم.
الرابعة: أنه قد خولف فيه المسعودي، فرواه غيره عن يونس عن المنهال عن ابن يعلى عن أبيه، قاله أبو حاتم الرازي كما في (العلل 2/ 19)، وانظر: النكت الظراف (11852).
فعاد الحديث إلى المنهال بن عمرو!، وهو إنما يرويه عن يعلى مرسلًا كما سبق من رواية حبيب بن أبي عمرة وغيره عن المنهال، وانظر: شاهد ابن مسعود.
وقد سبق أَنَّ قصة الشجرتين صح نحوها من حديث جابر عند مسلم وغيره، بينما قصة الجمل منكرة بهذه السياقة، والصحيح أَنَّ الجمل إنما شكا كثرة العمل وقلة العلف كما في رواية عبد الله بن حفص، وهي وإن كان سندها واهيا إِلَّا أنه قد صح نحوها من حديث عبد الله بن جعفر.
* * *
رِوَايَةٌ: مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ:
• وفي رواية عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ قَالَ: رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ مَا رَآهَا أَحَدٌ قَبْلِي، كُنْتُ مِنْهُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى امْرَأَةٍ مَعَهَا ابْنٌ لَهَا، بِهِ لَمَمٌ مَا رَأَيْتُ لَمَمًا أَشَدَّ مِنْهُ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْنِي هَذَا كَمَا تَرَى، قَالَ:«إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ لَهُ» فَدَعَا لَهُ ثُمَّ مَضَى، فَمَرَّ عَلَيْهِ بَعِيرٌ مَادٌّ
(1)
جرَانَهُ يَرْغُو، فَقَالَ:«عَلَيَّ بِصَاحِبِ هَذَا» فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ:«هَذَا يَقُولُ: نَتَجْتُ عِنْدَكُمْ، وَاسْتَعْمَلُونِي حَتَّى إِذَا كَبِرْتُ أَرَادُوا أَنْ يَنْحَرُونِي» ، ثُمَّ مَضَى فَرَأَى شَجَرَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَقَالَ:«اذْهَبْ فَمُرْهُمَا فَلْتَجْتَمِعَا [لي]» فَاجْتَمَعَتَا فَقَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لِي:«اذْهَبْ فَقُلْ لَهُمَا تَفْتَرِقَانِ» فَقُلْتُ لَهُمَا فَتَفَرَّقَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ مَرَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَقَدْ هَيَّأَتْ أُمُّهُ سِتَّةَ أَكْبُشٍ فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ وَقَالَتْ: مَا عَادَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ اللَّمَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:«مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا كَفَرَةُ [أَوْ فَسَقَةُ] الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» .
[الحكم]:
إسناده ضعيف، وله طرق كثيرة بين متونها اختلاف كثير، وقصة الشجرتَيْنِ صح نحوها من حديث جابر عند مسلم وغيره.
[التخريج]:
[طوال 54 واللفظ له / هقل (6/ 22، 23) والزيادتان له]
[السند]:
رواه الطبراني في (الأحاديث الطوال 54) قال: حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد الأصبهاني، ثنا شريك، عن عمر بن
(1)
- في الدلائل: "ناد" وهو خطأ.
عبد الله بن يعلى بن مُرَّةَ، عن أبيه، عن جده، به.
ورواه البيهقي في (الدلائل 6/ 22) من طريق العباس الدوري، عن حمدان بن الأصبهاني، حدثنا شريك، عن عمر، به.
وحمدان ابن الأصبهاني: هو نفسه محمد بن سعيد الأصبهاني، وحمدان لقبه.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: عمر بن عبد الله بن يعلى واهٍ، فقد ضعفه جماهير النقاد وعلى رأسهم أحمد وابن معين، وقال الدارقطني:"متروك"، وقد رمي بشرب الخمر (تهذيب التهذيب 7/ 471).
ومع ضعفه فقد اختلف عليه فيه أيضًا، فرواه الخطابي في (غريب الحديث 1/ 125) من طريق مطلب بن زياد عن عمر بن عبد الله عن حكيمة امرأة يعلى عن يعلى بقصة الشجرتين فقط مختصرًا جدًّا. وعلقه أبو نعيم في (الدلائل 284) عن المطلب بسنده مقتصرًا على قصة الجمل، وفيها بعض الزيادات، وحكيمة هذه مجهولة كما سيأتي قريبًا.
الثانية: عبد الله بن يعلى، ضعيف؛ ضعفه غير واحد.
وقال البخاري: "فيه نظر"(الميزان 2/ 528)، وفي ترجمته روى العقيلي بعض هذا الحديث، من طريق عبد الرحمن بن إسحاق عنه قال: حدثني أبي «أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على امرأة قالت: يا رسول الله إن ابني به لمم قد منع من الرقاد فادع الله له» وذكر الحديث" اهـ.
ثم قال العقيلي: "يُرْوى من طريق أصلح من هذا"(الضعفاء 908).
قلنا: لعله يشير إلى الطريق المنقطعة، فهي أصلح طرقه، وعبد الرحمن بن إسحاق الراوي عن عبد الله: هو أبو شيبة الواسطي، وهو واه أيضًا، ضعفه جمهور النقاد كما في (تهذيب التهذيب 6/ 137)، ولم يذكر العقيلي بقية المتن لنرى هل اتفق أبو شيبة مع عمر؟ أم اختلف معه كغيره؟ ! ، ففي سياقة عمر من المخالفة لما سبق من الروايات:
1 -
أنه قال في قصة الصبي: "هَيَّأَتْ أُمُّهُ سِتَّةَ أَكْبُشٍ فَأَهْدَتْ لَهُ كَبْشَيْنِ"! ، بينما في رواية عبد الرحمن بن عبد العزيز عن يعلى: أنها أتت بـ "شِيَاه ثَلَاث"، وقَالَت:«فَاجْتَرِرْ هَذِهِ الْغَنَمَ» فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «انْزِلْ فَخُذْ مِنْهَا وَاحِدَةً، وَرُدَّ الْبَقِيَّةَ» . وفي رواية المنهال عن يعلى: «أَهْدَتْ لَنَا كَبْشَيْنِ وَشَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا يَعْلَى خُذِ الْأقِطَ وَالسَّمْنَ، وَأَحَدَ الْكَبْشَيْنِ، وَرُدَّ عَلَيْهَا الْآخَرَ» . وفي رواية عبد الله بن حفص أنها إنما أتته بجزر ولبن! فأمرها أَنْ ترد الجزر، وأمر أصحابه، فشربوا من اللبن! ، وهكذا جاء في بعض الشواهد! .
2 -
أنه قال في قصة الصبي: "فَدَعَا لَهُ ثُمَّ مَضَى"، ولم يذكر مخاطبته صلى الله عليه وسلم للجان، بينما في بقية الروايات أنه نَفَثَ في فِيهِ ثَلَاثًا، وَقَالَ:«بِسْمِ اللَّهِ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ، اخْسَأْ عَدُوَّ اللَّهِ» .
3 -
أنه لم يذكر مصير الجمل! بينما ذكر غيره أنه جُعل في إبل الصدقة، وذكر آخر أنه تُرك لصاحبه مع الوصاية بعدم نحره! ! واتفق هؤلاء على أَنَّ شكاية الجمل: أَنَّ صاحبه يريد نحره! وخالفهم عبد الله بن حفص فذكر أَنَّ الجمل إنما شكا كثرة العمل، وقلة العلف، وهذا هو الذي ثبت في غير هذا الحديث، وما سواه منكر كما سبق بيانه.
4 -
أنه انفرد بذكر قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: «مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي
رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا كَفَرَةُ [أَوْ فَسَقَةُ] الْجِنِّ وَالْإِنْسِ»، فهذه الجملة لم تذكر في أي من طرق الحديث! ، ومع ذلك ذكرها السيوطي في (الجامع الصغير 8049)، ورمز لصحتها، فتعقبه المناوي قائلا: "رمز المصنف لصحته، وهو زلل، كيف وفيه عمر بن عبد الله بن يعلى
…
قال في الكاشف: "ضعفوه"؟ ! ، وفيه علي بن عبد العزيز فإن كان البغوي فقد كان يطلب على التحديث
…
" (الفيض 5/ 484).
هكذا أعله المناوي بـ (علي بن عبد العزيز) أيضًا، وهو غير مقبول منه، ولذا تعقبه الألباني قائلا: "هذه جعجعة لا طحن فيها، فهو الحافظ البغوي دون ريب؛ فإنه شيخ الطبراني فيه، وطلبه على التحديث عيب لا يجرح به، ولذلك كان حجة عند جميع المحدثين كما لا يخفى على أهل العلم، على أنه قد توبع عند البيهقي والحاكم. وأما إنكاره على السيوطي تصحيحه للحديث؛ فغير وارد إِلَّا على إسناده،
…
لكن الحديث صحيح بطرقه وشاهده الآتي الإشارة إليه، وقد ألمح إلى تقويته العقيلي كما تقدم" (الصحيحة 7/ 911).
قلنا: فأما طرقه - مع ما فيها من اختلافات - فقد خلت من هذه الجملة كما بيناه آنفًا، وأما شاهده، فهو حديث جابر بن عبد الله، قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر، حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار، إذا فيه جمل لا يدخل الحائط أحد إِلَّا شد عليه، قال: فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ، فَدَعَا الْبَعِيرَ، فَجَاءَ وَاضِعًا مِشْفَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ، حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «هَاتُوا خِطَامَهُ» ، فَخَطَمَهُ، وَدَفَعَهُ إِلَى صَاحِبِهِ، قَالَ: ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّاسِ، قَالَ:«إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ» رواه أحمد (14333) وغيره،
وحسنه الألباني في (الصحيحة 1718)، وعليه اعتمد الألباني في تصحيح هذه الجملة من حديث يعلى في (الصحيحة 3311).
وبقية رجال الإسناد ثقات سوى شَرِيك، وهو النخعي، ساء حفظه بعد توليه القضاء كما سبق ذكره مرارًا، وقد توبع على بعض هذا الحديث كما في الرواية التالية:
رِوَايَةٌ مُخْتَصَرَةٍ: انْظُرْ شَيْئًا أَسْتَتِرُ بِهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ عَنْ يَعْلَى قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «انْظُرْ شَيْئًا أَسْتَتِرُ بِهِ» ، فَذَهَبْتُ، فَلَمْ أَرَ شَيْئًا إِلَّا أَشَاءَتَيْنِ مُتَفَرِّقَتَيْنِ، فَقَالَ:«مُرْهُمَا فَلْيَجْتَمِعَا» .
[الحكم]:
صحيح المتن، وسنده ضعيف جدًّا.
[التخريج]:
[غحر (2/ 616)]
[السند]:
رواه الحربي في (غريب الحديث) قال: حدثنا عبيد الله بن عمر، حدثنا ابن فضيل، عن عمر بن عبد الله، عن أبيه، عن جده، به.
وعبيد الله بن عمر: هو القواريري، وابن فضيل: هو محمد.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: عمر بن عبد الله بن يعلى.
والثانية: عبد الله بن يعلى، فإنهما واهيان كما سبق بيانه آنفًا.
وقد قيل: عن عمر عن حكيمة امرأة يعلى عن يعلى به، مقتصرًا على قصة الشجرتين أيضًا كما في الرواية التالية، وحكيمة هذه مجهولة كما سيأتي.
هذا ولما ذكر ابن كثير تلك الطرق السابقة كلها، قال:"فهذه طرق جيدة متعددة تفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحر أَنَّ يعلى بن مرة حَدَّثَ بهذه القصة في الجملة، وقد تفرد بهذا كله الإمام أحمد دون أصحاب الكتب الستة" ثم قال: "قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشجرتين، وذكرنا آنفًا عن غير واحد من الصحابة نحوا من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أَنْ يكون [غير] هذا فالله أعلم وسيأتي حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى"(البداية والنهاية 4/ 140، 6/ 140).
قلنا: تقدم أَنَّ طرق هذا الحديث هي: (طريق عبد الله بن حفص، وطريق حبيب بن أبي جبيرة، وطريق عبدالرحمن بن عبدالعزيز، وطريق المنهال بن عمرو، وطريق يونس بن خباب، وطريق عمر بن عبد الله بن يعلى)، فأما طريق ابن حفص فقد بينا أنه -بغض النظر عن وهائه- لا يتقوى بغيره ولا يقوي غيره؛ لأن سياقته مختلفة تماما عن سائر السياقات الأخرى، وكذلك طريق حبيب بشأن قصة الصبي خاصة؛ لأنه لم يذكرها أصلا في روايته وذكر بدلا منها قصة صاحبي القبرين، وهذه ثابتة في الصحيح من حديث ابن عباس.
وأما طريق يونس فهو ضعيف جدًّا، ثم هو معلول، ومرده إلى طريق
المنهال بن عمرو، والمنهال إنما يرويه عن يعلى، ولم يسمع منه، ويحتمل أَنْ يكون الساقط هو عبد الرحمن بن عبد العزيز المجهول، إذ إنَّ سياقته هي الأقرب لسياقة المنهال، فهذه الطرق الثلاث تعد طريقًا واحدًا، فلم يبق لنا سوى طريق عمر بن عبد الله، وهو وحده -مع وهائه والاختلاف عليه في سنده ومتنه- لا ينهض لتقوية طريق المنهال! .
أضف إلى ذلك كله أَنَّ هذه الطرق لم تتفق على سياقة واحدة، وكأنه لذلك قال ابن كثير:"في الجملة"! ، نعم، قد اتفق أكثرها على سياقة قصة الشجرتين، وإن جعلهما بعضهم نخلتين، فالنخل من الشجر، وقد ثبت عند مسلم نحوها من حديث جابر بلفظ "شجرتين"، فأما قصة الجمل فلا نرى هذه الطرق -مع ضعفها واختلافها فيما بينها- ترقى لإثباتها، لاسيما وفي متنها بعض النكرة كما بيناه، وليس لها من الشواهد ما يعضدها، بل الشواهد التي أشار إليها ابن كثير مغايرة لها، فأما قصة الصبي، فكثرة شواهدها تدل على أَنَّ لها أصلا، وإن اختلفت هذه الشواهد في تعيين هديتها للنبي صلى الله عليه وسلم، والله أعلى وأعلم.
رِوَايَةٌ: فَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَهُ:
• وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرَةٍ: أَنَّهُ انْطَلَقَ لِلْبَرَازِ، فَقَالَ لِرَجُلٍ كَانَ مَعَهُ:«إِيتِ هَاتَيْنِ الأَشَاءَتَيْنِ، فقل لهما حتى تجتمعا» ، فَاجْتَمَعَتَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ.
[الحكم]:
صحيح المتن، وسنده ضعيف.
[التخريج]:
[غخطا (1/ 124، 125)]
[السند]:
رواه الخطابي في (غريب الحديث) قال: حدثنيه محمد بن العباس المكتب، نا إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل، نا هارون بن إسحاق الهمداني، نا مطلب بن زياد، عن عمر بن عبد الله، عن حُكَيْمَةَ امرأة يعلى، عن يعلى، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه علتان:
الأولى: عمر بن عبد الله بن يعلى، فإنه واه كما سبق.
الثانية: حكيمة امرأة يعلى، هكذا وقع في الإسناد، وقد بينا تحت حديث حكيمة بنت غيلان عن زوجها يعلى بن أمية في الأمر بغسل الخلوق، أَنَّ حكيمة التي يروي عنها عمر بن عبد الله بن يعلى إنما هي حكيمة بنت يعلى، وهكذا ترجم لها ابن حبان، والحسيني وابن حجر، قال ابن حبان: حكيمة بنت يعلى بن مرة، تروى عن أبيها" (الثقات 4/ 195). هكذا ذكرها ابن حبان في الثقات برواية عمر بن عبد الله بن يعلى أحد الضعفاء عنها!!،
وقد قال ابن القطان إنها مجهولة (بيان الوهم والإيهام 3/ 263).
وقال ابن حزم: "عمر بن عبد الله مجهول، وحكيمة عن أبيها أنكر وأنكر، ظلمات بعضها فوق بعض"(المحلى 7/ 119).
وأقر ابن حجر في (التلخيص 3/ 162) وفي (لسان الميزان 2719) القول بجهالة حكيمة.
قال الألباني: "وهو الظاهر،
…
فإنها مع كونها لا تعرف إِلَّا برواية عمر هذا، فإنه -أعني: عمر- متفق على تضعيفه" (الضعيفة 13/ 757).
والمطلب بن زياد مختلف فيه، وهو من رجال التهذيب (تهذيب التهذيب 10/ 178).
وقد سبق ذكر طرقه، وشاهده عند مسلم من حديث جابر، وستأتي بقية الشواهد.
* * *
645 -
حديث مرة والد يعلى:
◼ عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ، فَـ[رَأَيْتُ مِنْهُ شَيْئًا عَجَبًا] 1، نَزَلـ[ـنَا] 2 مَنْزِلًا [بِأَرْضٍ فِيهَا شَجَرٌ كَثِيرٌ] 3، [فَأَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ] 4، فَقَالَ لِيَ:«ائْتِ تِلْكَ الْأَشَاءَتَيْنِ (الشَّجَرَتَيْنِ) 1 - [يَعْنِي: نخلتين] 5 - فَقُلْ لهما: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمَا أَنْ تجْتَمِعَا» فَأَتَيْتُهُمَا، فَقُلْتُ لهمَا ذَلِكَ [فَانْتُزِعَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ أَصْلِهَا] 6 فَوَثَبَتْ إِحْدَاهما إِلَى الْأُخْرَى فَاجْتَمَعَتَا فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَتَرَ بهِمَا، فَقَضَى حَاجَتَهُ [مِنْ وَرَائِهِمَا] 7 [ثُمَّ قَالَ لِي:«ائْتِهِمَا، فَقُلْ لَهُمَا: لِتَرْجِعْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا إِلَى مَكَانِهَا [فَأَتَيْتُهُمَا] 9 فَقُلْتُ لَهُمَا] 8 ثُمَّ وَثَبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى مَكَانِهَا (فَرَجَعَتَا) 2» .
[الحكم]:
قصة الشجرتين صحيحة، صح نحوها من حديث جابر عند مسلم، وهذا الحديث إسناده ضعيف لانقطاعه، ثم هو معلول، وأعله البخاري والبيهقي والمزي: بأن الصواب فيه "عن يعلى" لا "عن أبيه".
[التخريج]:
[جه 341 والزيادة الرابعة والثامنة والرواية الثانية له / حم 17564 واللفظ له / ك 4284 والرواية الأولى والزيادة الأولى والثانية والسادسة والسابعة والتاسعة له / مش (خيرة 6471/ 1) مطولًا / زهن (ص 622) مطولًا / صبغ 2170 / مث 1611، 1613، 1614 مطولًا / سبك (4/ 78) والزيادة الخامسة له / نبص 292 والزيادة الثالثة له / إسحاق (1/ 277) / هقل (6/ 21 - 22) مطولًا / تمهيد (1/ 221) / كر (4/ 366، 367) مطولًا]
[السند]:
رواه أحمد (17564) - ومن طريقه أبو نعيم في (الدلائل 292) - قال: حدثنا وكيع، حدثنا الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن أبيه، به.
ورواه ابن ماجه (341) عن علي بن محمد الطنافسي.
ورواه ابن أبي عاصم (1614)، والحسن بن سفيان -ومن طريقه أبو نعيم في (الدلائل 292) -، والحربي في (غريب الحديث 1/ 315 مختصرا) عن محمد بن عبد الله بن نمير.
ورواه أبو يعلى كما في (إتحاف الخيرة 6471/ 5 مختصرا) -ومن طريقه ابن عساكر (4/ 366) مطولًا- عن أبي خيثمة زهير بن حرب.
ورواه البغوي في (الصحابة 2170) عن علي بن مسلم الطوسي.
ورواه ابن عبد البر في (التمهيد 1/ 221) من طريق موسى بن معاوية.
ورواه البيهقي في (الدلائل 6/ 21، 22) والسبكي في (المعجم 4/ 78) من طريق أبي سعيد الأشج، زاد البيهقي: وعمرو الأودي.
كلهم عن وكيع عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى
(1)
بن مرة عن أبيه به، منهم من طوله بذكر قصة الصبي والبعير، ومنهم من اقتصر على قصة الشجرتين.
(1)
- وقع في رواية ابن نمير عند الحربي: "عَنِ ابْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّة"، وهو وهم، فرواية ابن نمير عند ابن أبي عاصم (1614)، وأبي نعيم في (الدلائل 292):"عن يعلى"، وهو الموافق لما في بقية المصادر.
ووكيع إمام مشهور، وقد توبع على هذا الوجه:
فرواه هناد في (الزهد /ص: 622)، وأحمد بن عبد الجبار العطاردي في (السير والمغازي لابن إسحاق 1/ 277) -ومن طريقه الحاكم في (المستدرك 4284)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق 4/ 367) -، كلاهما عن يونس بن بكير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه به مطولًا.
ويونس بن بكير وثقه جماعة، وتكلم فيه آخرون، وهو صدوق حسن الحديث كما في (الميزان 4/ 478).
ولهما متابع ثالث:
فرواه ابن أبي عاصم في (الآحاد والمثاني 1611) قال: حدثنا ابن مصفى ثنا يحيى بن عيسى ثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن يعلى بن مرة عن أبيه به مطولًا.
ويحيى بن عيسى: هو الرملي، مختلف فيه، أثنى عليه أحمد ووثقه العجلي وذكره ابن حبان في (الثقات)، وضعفه ابن معين وغيره (تهذيب التهذيب 11/ 263).
وثم متابع رابع:
فرواه البغوي في (الصحابة 2171) عن هارون بن عبد الله قال: حدثنا محاضر
(1)
قال: حدثنا الأعمش، عن المنهال، عن يعلى بن مرة، عن أبيه، به، بقصة البعير فقط.
(1)
- تحرف في المطبوع إلى: "مخاصر"! ! .
فالحديث مداره عندهم على الأعمش، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ لانقطاعه بين المنهال ويعلى كما نقلناه عن المزي وغيره تحت حديث يعلى بنحو هذا السياق.
وبهذا أعله البوصيري فقال: "هذا إسناد ضعيف؛ لأن المنهال بن عمرو لم يسمع من يعلى بن مرة"(الزوائد 1/ 50).
وغفل عن ذلك مغلطاي فقال: "هذا حديث إسناده صحيح"! ! (شرح ابن ماجه 1/ 211).
فإن قيل:
قال أبو نعيم الأصبهاني تحت ترجمة (مرة بن أبي مرة الثقفي أبو يعلى): "ذكره بعض المتأخرين، وأخرج له حديث الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن أبيه أنه سافر مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة بابن لها به لمم من حديث العطاردي عن يونس بن بكير، عن الأعمش، وهو وهم، وإنما هو الأعمش، عن المنهال، عن ابن يعلى بن مرة، عن أبيه يعلى، والحديث مشهور بـ (يعلى) لا بـ (مرة) "(معرفة الصحابة ص 2582).
فبيَّن أبو نعيم الواسطة بينهما، وأن صوابه في طريق ابن بكير:"عن المنهال، عن ابن يعلى عن أبيه يعلى".
وكذا قال ابن حجر - بشأن نفس الطريق عند الحاكم -: "وأظنه عن ابن يعلى بن مرة، عن أبيه، فيكون من مسند يعلى، ولست أعرف لمرة صحبة"(إتحاف المهرة 17358).
قلنا: هذا الكلام فيه نظر؛ فرواية ابن بكير في (الزهد ص 622) لهناد،
و (السير والمغازي لابن إسحاق 1/ 277) برواية العطاردي - ومن طريقه الحاكم في (المستدرك 4284)، وابن عساكر في تاريخه (4/ 367) -، كلهم من طريق يونس بن بكير، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، عن أبيه، به.
فلو جاز وقوع الوهم عند من سماه أبو نعيم بـ (بعض المتأخرين) -ويعني به: ابن مَنْدَهْ-، أو عند الحاكم كما قال ابن حجر أيضًا، فمن المستبعد وقوعه عند هؤلاء كلهم، إِلَّا إن كان المراد الوهم في هذا الطريق جملة، فحينئذ يجب التدليل على قولهما برواية من رواه عن الأعمش غير يونس، أو من رواه عن المنهال غير الأعمش، ونحن قد رأينا أَنَّ المشهور والمحفوظ في رواية المنهال - سواء عند من جعله من حديث يعلى، أو من جعله من حديث مرة - أنهم اتفقوا على أَنَّ المنهال إنما يرويه عن يعلى لا عن ابن يعلى! ، وخلاف ذلك وهم كما بيَّنَّاه تحت حديث يعلى.
فقد رواه جماعة آخرون عن وكيع، وجعلوه من حديث المنهال عن يعلى أيضًا، غير أنهم لم يقولوا فيه:"عن أبيه"، وهذا الاختلاف من وكيع نفسه، فقد رواه أحمد وابن نمير وابن أبي شيبة عنه على الوجهين، ونص أحمد في (المسند 17564)، وابن أبي شيبة كما في (الآحاد والمثاني 1613)، و (الإتحاف 7/ 102)، وابن نمير في روايته عند ابن أبي عاصم وأبي نعيم أَنَّ وكيعًا كان يرويه مرة عن يعلى، ومرة أخرى عنه عن أبيه.
وكذلك رُوِي عن محاضر على الوجهين أيضًا:
فرواه الطبراني في (الكبير 22/ 264/680) عن عبيد بن غنام، ثنا محمد بن عبد الله بن نمير، ثنا محاضر، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة، مطولًا.
وهذا خلاف رواية هارون السابقة عند البغوي، ومحاضر من رجال الصحيح، قال فيه ابن حجر:"صدوق له أوهام"، وهارون وابن نمير ثقتان، فلا ندري أيهما المحفوظ عن محاضر.
وهذا الوجه الذي فيه "عن أبيه" قد خطأه البخاري وغيره، فقد قال البيهقي عقب حديث يعلى:"هذا أصح، والأول وهم، قاله البخاري، يعني روايته عن أبيه وهم، إنما هو عن يعلى نفسه، وهم فيه وكيع مرة، ورواه على الصحة مرة"(الدلائل 6/ 22).
ونص كلام البخاري: "قال وكيع مرة: عن يعلى عن أبيه، وهو وهم" اهـ، نقله عنه المزي في (تهذيب الكمال 27/ 382)، و (تحفة الأشراف 8/ 371)، وأقره جازما بأن الصواب عن يعلى لا عن أبيه، وانظر:(تهذيب الكمال 32/ 398).
وتبعه مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 211)، والبوصيري في (الزوائد 1/ 50)، والسندي في (حاشية سنن ابن ماجه 1/ 141).
ولكن وكيعًا قد توبع على هذا الوجه الذي وهمه البخاري والمزي كما سبق، ولذا مال البيهقي إلى توهيم الأعمش، فقال عقب كلام البخاري:"وقد وافقه -فيما زعم البخاري أنه وهم- يونس بن بكير، فيحتمل أَنْ يكون الوهم من الأعمش"(الدلائل 6/ 22).
وقد يؤيد هذا الكلام طريق حبيب بن أبي عمرة عند أحمد في المسند (17565)، فقد رواه حبيب عن المنهال عن يعلى به، ولم يذكر "عن أبيه" كما ذكرناه تحت حديث يعلى.
بينما ذهب ابن حجر إلى دفع الوهم جملة -خلافًا لما ذهب إليه في
(إتحاف المهرة) -!!، فقال عقب كلام البخاري: "وقد تابع وكيعًا على ذلك محاضر بن المورع ويحيى بن عيسى الرملي، ويونس بن بكير، والله تعالى أعلم، وقد روى البغوي في معجم الصحابة ما يدل على أَنَّ له صحبة بغير هذا الحديث المختلف [فيه]، فروى من طريق أم يحيى بنت يعلى بن مرة عن أبيها قال: جئت بأبي يوم الفتح فقلت: يا رسول الله بايعه على الهجرة، فقال: لا هجرة بعد الفتح
…
الحديث، وإسناده جيد"! (تهذيب التهذيب 10/ 89، 90).
وقوله عن الحديث المذكور "إسناده جيد"، فيه نظر كما تراه عقب تخريجه في موضعه من الموسوعة، ثم إن هذه المتابعات المذكورة لوكيع لا تعدو أَنْ تكون ترجيحًا لأحد الوجهين الذين قد ذكرهما، ويلزمه الوهم في الوجه الآخر!، ويبقى الاختلاف بين الأعمش وحبيب بن أبي عمرة قائمًا!.
وكيفما كان الأمر فالإسناد منقطع كما بيناه آنفًا.
* * *
646 -
حديث غيلان بن سلمة:
◼ عَنْ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَرَأَيْنَا مَعَهُ عَجَبًا، مِنْ ذَلِكَ: أَنَّا مَرَرْنَا بِأَرْضٍ فِيهَا أشاء، يَعْنِي شَجَرًا مُتَفَرِّقًا، فَقَالَ لِي نبيُّ للَّهِ صلى الله عليه وسلم:«يَا غَيْلَانُ، ائْتِ هَاتَيْنِ الأَشَاءَتَيْنِ (الشَّجَرَتَيْنِ) فَمُرْ إِحْدَاهُمَا أَنْ تَنْضَمَّ إِلَى صَاحِبَتِهَا حَتَّى أَسْتَتِرَ بِهِمَا فَأَتَوَضَّأُ» ، فَانْطَلَقْتُ فَقُمْتُ بَيْنَهُمَا فَقُلْتُ: إِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَنْضَمَّ إِحْدَاكُمَا إِلَى صَاحِبَتِهَا، فَمَادَتْ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ انْقَلَعَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ حَتَّى انْضَمَّتْ إِلَى صَاحِبَتِهَا، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ خَلْفَهُمَا وَرَكِبَ ثُمَّ عَادَتْ تَخُدُّ الْأَرْضَ إِلَى مَوْضِعِهَا [قَالَ: ثُمَّ نَزَلْنَا مَعَهُ مَنْزِلًا، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَةٌ بِابْنٍ لَهَا كَأَنَّهُ الدِّينَارُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ مَا كَانَ فِي الْحَيِّ غُلَامٌ أَحَبَّ إِلَيَّ بِابْنِي هَذَا فَأَصَابَتْهُ الْمَوْتَةُ، فَأَنَا أَتَمَنَى مَوْتَهُ، فَادْعُ اللهَ لَهُ يَا نَبِيَّ اللهِ، قَالَ: فَأَدْنَاهُ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: «بِسْمِ اللهِ، أَنَا رَسُولُ اللهِ، اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ» ثَلاثًا، قَالَ:«اذْهَبِي بِابْنكِ لَنْ تَرَيْ بَأْسًا إِنْ شَاءَ اللهُ» ، قَالَ: ثُمَّ مَضَيْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلَنَا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّهُ كَانَ لِي حَائِطٌ فِيهِ عَيْشِي وَعَيْشُ عِيَالِي، وَلِي فِيهِ نَاضِحَانِ فَاغْتَلَمَا
(1)
وَمَنَعَانِي أَنْفُسَهُمَا وَحَائِطِي وَمَا فِيهِ، وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الدُّنُوِّ مِنْهُمَا، قَالَ: فَنَهَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ حَتَّى أَتَى الْحَائِطَ، فَقَالَ
(1)
قال ابن فارس في (مقاييس اللغة 4/ 387): ((غلم: الغين واللام والميم أصل صحيح يدل على حداثة وهيج شهوة. من ذلك الغلام، هو الطار الشارب. وهو بين الغلومية والغلومة، والجمع غلمة وغلمان. ومن بابه: اغتلم الفحل غلمة: هاج من شهوة الضراب. والغيلم: الجارية الحدثة. والغيلم: الشاب. والغيلم: ذكر السلاحف. وليس بعيدا أن يكون قياسه قياس الباب)).
لِصَاحِبِهِ: «افْتَحْ» ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَمْرُهُمَا أَعْظَمُ مِنْ ذَاكَ؟ قَالَ:«فَافْتَحْ» ، فَلَمَّا حَرَّكَ الْبَابَ بِالْمِفْتَاحِ؛ أَقْبَلَا لَهُمَا جَلَبَةٌ كَحَفِيفِ الرِّيحِ، فَلَمَّا أَفْرَجَ الْبَابَ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَرَكَا ثُمَّ سَجَدَا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رُؤُوسَهُمَا، ثُمَّ دَفَعَهُمَا إِلَى صَاحِبِهِمَا فَقَالَ:«اسْتَعْمِلْهُمَا وَأَحْسِنْ عَلَفَهُمَا» ، فَقَالَ الْقَوْمُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، تَسْجُدُ لَكَ الْبَهَائِمُ؟ ! فَمَا للهِ عِنْدَنَا بِكَ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا، أَجَرْتَنَا مِنَ الضَّلَالَةِ، وَاسْتَنْقَذْتَنَا مِنَ الْهَلَكَةِ، أَفَلَا تَأْذَنُ لَنَا بِالسِّجُودِ لِكَ؟ قَالَ:«كَيْفَ كُنْتُمْ صَانِعِينَ بِأَخِيكُمْ إَذَا مَاتَ؟ أَتَسْجُدُونَ لِقَبْرِهِ» ؟ ! قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللهِ نَتَّبِعْ أَمْرَكَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ السُّجُودَ لَيْسَ إِلَّا لِلْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا بِالسُّجُودِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ بِالسُّجُودِ لِبَعْلِهَا» ، قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا فَجَاءَتِ الْمَرْأَةُ أُمُّ الْغُلَامِ فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا زَالَ مِنْ غِلْمَانِ الْحَيِّ، وَجَاءَتْ بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ وَجَزَرٍ، فَرَدَّ عَلَيْهَا السَّمْنَ وَالْجَزَرَ، وَأَمَرَهُمْ بِشُرْبِ اللَّبَنِ])).
[الحكم]:
قصة الشجرتين صحيحة، صح نحوها من حديث جابر عند مسلم، وقصة المرأة والصبي لها شواهد كثيرة تدل على أَنَّ لها أصلا، وإن اختلفت في تعيين هدية المرأة، وقصة الجملين لها شواهد كثيرة أيضًا، وقوله:«لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا بِالسُّجُودِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ بِالسُّجُودِ لِبَعْلِهَا» له شواهد كثيرة، وهذا الحديث بطوله إسناده ضعيف.
[التخريج]:
[قا (2/ 320) والرواية له / نبص 295 واللفظ له / كر (48/ 134، 135) والزيادة له]
[السند]:
رواه ابن قانع في (المعجم 2/ 320) قال: حدثنا يحيى بن صاعد، نا محمد بن عبد الرحيم، نا معلى بن منصور، نا شبيب بن شيبة قال: حدثني بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة الثقفي، به.
ورواه أبو نعيم في (الدلائل 295) من طريق جعفر بن أحمد بن سنان قال: ثنا أبو يحيى محمد بن عبد الرحيم قال: ثنا معلي بن منصور، به.
ورواه ابن عساكر في (تاريخه 48/ 134) من طريق حميد بن الربيع حدثنا معلى بن منصور الرازي من كتابه أخبرني شبيب به مع الزيادة.
ولم ينفرد حميد بهذه الزيادة كلها عن معلى، فقد روى أبو نعيم قصة الجمل بطولها في (الدلائل 285) بنفس إسناده السابق، كما أَنَّ جملة:«لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا بِالسُّجُودِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ بِالسُّجُودِ لِبَعْلِهَا» : قد رواها ابن قانع في (المعجم 2/ 320) بنفس إسناده السابق أيضًا، وكذلك رواها أبو نعيم في (معرفة الصحابة 5632) بنفس إسناده السابق في الدلائل. ورواها الطبراني في (الكبير 18/ 263/660) عن أحمد بن زهير التستري، حدثني محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى صاعقة، ثنا معلى بن منصور، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف، فيه علتان:
الأولى: شبيب بن شيبة، ضعيف، قال ابن معين:"ليس بثقة"، وقال أبو حاتم وأبو زرعة:"ليس بقوي"، وقال أبو داود:"ليس بشيء"، وقال النسائي والدارقطني والبرقاني:"ضعيف"، وقال الدارقطني أيضًا:"متروك"، وقال صالح بن محمد البغدادي:"صالح الحديث"! ، وقال
الساجي: "صدوق يهم"(تهذيب التهذيب 4/ 308).
وذكره العقيلي، وابن حبان، وابن عدي، وأبو القاسم البلخي، وأبو العرب القيرواني في جملة الضعفاء، ولذا قال الذهبي:"ضعفوه"(الديوان 1864) و (الكاشف 2236)، بينما قال ابن حجر:"أخباري صدوق يهم في الحديث"! (التقريب 2740).
الثانية: الانقطاع؛ فإنه منقطع بين بشر وغيلان، قال ابن أبي حاتم:"سألت أبي عن بشر بن عاصم، هل سمع من غيلان بن سلمة؟ قال: لا، هو مرسل، وذلك أَنَّ غيلان بن سلمة أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم"(المراسيل 53 صـ 18).
ويلاحظ أَنَّ هذا الشاهد ذكر فيه الثلاث قصص المذكورة في حديث يعلى بن مرة، غير أَنَّ سياقة قصة الجمل هنا مختلفة عن سياقتها هناك، فلم تشتمل هنا على المعنى الذي استنكرناه هناك، ولذا لم نجعلها شاهدًا لذاك، فتنبه! .
وهي بهذه السياقة لها شواهد كثيرة وإن اختلفت في السياقة أيضًا، وقوله:«لو كنت آمرًا أحدًا بالسجود من هذه الأمة لأمرت المرأة بالسجود لبعلها» صحيح بشواهده، انظر:(الإرواء 7/ 54).
وكذلك قصة المرأة والصبي له شواهد كثيرة، وهي هنا أشبه بسياقة عبد الله بن حفص، التي أشرنا إليها عند الكلام على حديث يعلى بن مرة.
وقصة الشجرتين، صح نحوها من حديث جابر كما سبق ذكره في الباب.
647 -
حَدِيثُ أُسَامَةَ بن زَيْدٍ:
◼ عَنْ أُسَامَةَ بن زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حِجَّتِهِ الَّتِي حَجَّهَا. فَلَمَّا هَبَطْنَا بَطْنَ الرَّوْحَاءِ عَارَضَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امرأة معها صَبِيٌّ لها
(1)
، فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَوَقَفَ لَهَا (فَحَبَسَ رَاحِلَتَهُ) 1 فَـ[لَمَّا دَنَتْ مِنْهُ] 1 قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا ابْنِي فُلَانٌ، وَالَّذِي بعثك بالحق ما زال في حنق
(2)
وَاحِدٍ (مَا أَفَاقَ من جنون) 2 مُنْذُ وَلَدْتُهُ إِلَى السَّاعَةِ، -أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا- فاكتنع
(3)
إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَبَسَطَ يَدَهُ (فَأَخَذَهُ) 3، فَجَعَلَهُ بَيْنَهُ (فِيمَا بَيْنَ صَدْرِهِ) 4 وَبَيْنَ [وَاسِطَةِ] 2 الرَّحْلِ، ثُمَّ تَفَلَ صلى الله عليه وسلم فِي فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:«اخْرُجْ عَدُوَّ اللهِ، فَإِنِّي رَسُولُ اللهِ» ، ثُمَّ نَاوَلَهَا صلى الله عليه وسلم إِيَّاهُ فَقَالَ: «خُذِيهِ [فلا بأس عليه] 3، فَلَنْ تَرَيْ مِنْهُ
(4)
شَيْئًا يَرِيبُكِ بَعْدَ الْيَوْمِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى».
قَالَ أُسَامَةُ رضي الله عنه: وَقَضَيْنَا حِجَّتَنَا، ثُمَّ انْصَرَفْنَا، فَلَمَّا نَزَلْنَا بِالرَّوْحَاءِ، فَإِذَا تِلْكَ الْمَرْأَةُ أُمُّ الصَّبِيِّ، فَجَاءَتْ وَمَعَهَا شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ (قَدْ شَوَتْهَا) 5، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أُمُّ الصَّبِيِّ الَّذِي أَتَيْتُكَ بِهِ. [قَالَ:«وَكَيْفَ هُوَ» ؟ ] 4، قَالَتْ: وَالَّذِي
(1)
- في المطالب: "لها صَبِيٌّ"، والمثبت من (إتحاف الخيرة 6478) و (جامع المسانيد 1/ 206)، وهو كذلك عند ابن عساكر في (تاريخ دمشق) من طريق أبي يعلى.
(2)
- في الاتحاف: "حبق"، وفي التاريخ:"خنق"، وفي مختصر ابن منظور:"جنن"، ويؤيده رواية العقيلي والخطابي.
(3)
- في المطالب: "فأكسع"، والمثبت من الاتحاف والمختصر، وهي رواية الخطابي أيضًا، وفسرها بـ:"دنا"، وهو كذلك في (لسان العرب) مادة "كنع".
(4)
- في المطالب: "مَعَهُ"، وعند ابن عساكر في (تاريخ دمشق) بلفظ:"مِنْهُ"، وهو كذلك في الإتحاف.
بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا رَأَيْتُ مِنْهُ شَيْئًا يَرِيبُنِي إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ، قَالَ أُسَامَةُ رضي الله عنه: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُسَيْمُ، - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وهكذا كان يدعوه
(1)
به [رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم] 5 يُرَخِّمُهُ
(2)
-[خُذْ مِنْهَا الشَّاةَ»، ثُمَّ قَالَ: «يَا أُسَيْمُ] 6 نَاوِلْنِي ذِرَاعَهَا»، قَالَ: فَامْتَلَخْتُ الذراع فناولته إياها صلى الله عليه وسلم فَأَكَلَهَا صلى الله عليه وسلم.
[وَكَانَ أَحَبُّ الشَّاةِ إِلَى رَسُولِ اللهِ مُقَدَّمَهَا] 7 ثُمَّ قَالَ: «يَا أُسَيْمُ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ» ، فَامْتَلَخْتُ الذراع فناولته إياها فَأَكَلَهَا صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ:«يَا أُسَيْمُ، نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ» ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قَدْ قُلْتَ نَاوِلْنِي، فَنَاوَلْتُكَهَا فَأَكَلْتَهَا، ثُمَّ قُلْتَ نَاوِلْنِي، فَنَاوَلْتُكَهَا فَأَكَلْتَهَا، ثُمَّ قُلْتَ: نَاوِلْنِي الذِّرَاعَ، وَإِنَّمَا لِلشَّاةِ ذِرَاعَانِ؟ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«[وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ] 8 أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَهْوَيْتَ إِلَيْهَا مَا زِلْتَ تَجِدُ فِيهَا ذِرَاعًا مَا قُلْتُ لَكَ [نَاوِلْنِي ذِرَاعًا» ، ثُمَّ] 9 قَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُسَيْمُ، قُمْ فَاخْرُجْ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى مَكَانًا يُوَارِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ (هل ترى خَمَرًا
(3)
لمخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) 6»
(1)
- في المطالب والإتحاف والتاريخ: "يدعو"، والمثبت هو الصواب، فقد روى ابن السني في (عمل اليوم والليلة 411) هذه الفقرة من الحديث عن أَبي يَعْلَى بسنده، وفيه:"قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَدْعُوهُ، يُرَخِّمُهُ"، ونحوها رواية الباغندي في التاريخ، ورواية البيهقي:"كان إذا دعاه"، وعند أبي نعيم:"يُسَمِّيهِ".
(2)
- في المطالب: "تحشمة"! ، وفي الاتحاف:"لخمسة"! وفي التاريخ: "يحمشه"! ، وفي المختصر:"يحشمه"! ، وفي دلائل أبي نعيم، والتاريخ -رواية الباغندي-:"يُرَخِّمُهُ"، وهو الصواب، فقد روى ابن السني في (عمل اليوم والليلة 411) هذه الفقرة من الحديث عن أَبي يَعْلَى بسنده، وفيه:"قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَكَذَلِكَ كَانَ يَدْعُوهُ، يُرَخِّمُهُ"، ويؤيده رواية البيهقي:"وَكَانَ إِذَا دَعَاهُ رَخَّمَهُ".
(3)
- في التاريخ: "حجرا"، والمثبت من دلائل أبي نعيم، وفي دلائل البيهقي:"هل ترى من خمر"، والخمر: الستر.
فَخَرَجْتُ، فَمَشَيْتُ حَتَّى حَسِرْتُ، وَمَا قَطَعْتُ النَّاسَ
(1)
وَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَرَى أَنَّهُ يُوَارِي أَحَدًا، وَقَدْ مَلَأَ النَّاسُ مَا بَيْنَ السَّدَّيْنِ. [فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ] 10 فَأَخْبَرْتُهُ (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدْ دَحَسَ النَّاسُ الْوَادِيَ فَمَا فِيهِ مَوْضِعٌ) 7، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«فَهَلْ رَأَيْتَ شَجَرًا أَوْ رُجَمًا (أَحْجَارًا) 8؟ » قُلْتُ: بَلَى، قَدْ رَأَيْتُ نَخَلَاتٍ صِغَارًا] مُتَقَارِبَاتٍ] 11 إِلَى جَانِبِهِنَّ رُجَمٌ
(2)
مِنْ حِجَارَةٍ.
فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «يَا أُسَيْمُ، اذْهَبْ إِلَى النَّخَلَاتِ فَقُلْ لَهُنَّ: يَأْمُرُكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنْ يَلْحَقَ بَعْضُكُنَّ بِبَعْضٍ (تُدَانِينَ) 9 حَتَّى تَكُنَّ سُتْرَةً لِمَخْرَجِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، وقل كذلك لِلرُّجَمِ» ، فَأَتَيْتُ النَّخَلَاتِ فَقُلْتُ لَهُنَّ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ صلى الله عليه وسلم (: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُنَّ أَنْ تَلْتَصِقَ بَعْضُكُنَّ بِبَعْضٍ حَتَّى تَكُنَّ سُتْرَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم 10، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلى
(3)
تقافزهن
(4)
بِعُرُوقِهِنَّ وَتُرَابِهِنَّ (لَقَدْ جَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى النَّخْلَات يَخْدُدْنَ الْأَرْضَ خَدًّا) 11 حَتَّى لَصَقَ بَعْضُهُنَّ بِبَعْضٍ، فَكُنَّ كَأَنَّهُنَّ نَخْلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقُلْتُ ذَلِكَ لِلْحِجَارَةِ. فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلى تقافزهن
(5)
حَجَرًا حَجَرًا، حَتَّى عَلَا بَعْضُهُنَّ بَعْضًا. فَكُنَّ كَأَنَّهُنَّ جِدَارٌ.
فَأَتَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:«خُذِ الْإِدَاوَةَ» ،
(1)
- في الاتحاف: " الْيَأْسَ"! .
(2)
- عند أبي نعيم: "رَضْمًا"، وهي الحجارة أيضًا.
(3)
- سقطت من المطالب، وهي مثبتة بالإتحاف والتاريخ.
(4)
- في المطالب والإتحاف: "تفاقرهن"، والمثبت من التاريخ ومختصره، وعند أبي نعيم:"رَأَيْتُهُنَّ يتقافزن".
(5)
- في المطالب والإتحاف: "تفاقرهن" والمثبت من التاريخ ومختصره، وعند أبي نعيم والبيهقي:"يتقافزن".
فَأَخَذْتُهَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا نَمْشِي، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُنَّ سَبَقْتُهُ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُ الْإِدَاوَةِ
(1)
ثُمَّ انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ، فَانْصَرَفَ صلى الله عليه وسلم حَتَّى قَضَى حَاجَتَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عليه الصلاة والسلام، وَهُوَ يَحْمِلُ الْإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَجَعْنَا. فَلَمَّا دَخَلَ صلى الله عليه وسلم الْخِبَاءَ قَالَ صلى الله عليه وسلم:«يَا أُسَيْمُ انْطَلِقْ إِلَى النَّخَلَاتِ، فَقُلْ لَهُنَّ: يَأْمُرُكُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْجِعَ كُلُّ نَخْلَةٍ إِلَى مَكَانِهَا، وَقُلْ ذَلِكَ لِلْحِجَارَةِ» . فَأَتَيْتُ النَّخَلَاتِ فَقُلْتُ لَهُنَّ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(2)
، قَالَ: فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى تقافزهن
(3)
[بعروقهن] 12 وَتُرَابِهِنَّ، حَتَّى عَادَتْ كُلُّ نَخْلَةٍ إِلَى مَكَانِهَا.
وَقُلْتُ ذَلِكَ لِلْحِجَارَةِ فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى تقافزهن
(4)
حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى عَادَ كُلُّ حَجَرٍ إِلَى مَكَانِهِ. فَأَتَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِذَلِكَ.
[الحكم]:
قصة المرأة والصبي لها شواهد كثيرة تدل على أَنَّ لها أصلا وإن اختلفت الشواهد في تعيين هدية المرأة، وصح عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم أمر شجرتين فالتأمتا، فاستتر بهما في قضاء حاجته، وهذا الحديث بطوله إسناده ضعيف، قال العقيلي:"حديث غير محفوظ"، وحسنه ابن حجر بشاهد يعلى بن مرة، وفيه قصور.
(1)
- عند أبي نعيم: "فَلَمَّا قَرُبْنَا مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَخَذَ الْإِدَاوَةَ ثُمَّ مَضَى فَقَضَى حَاجَتَهُ"! .
(2)
- عبارة "الذي قال رَسُولُ اللَّهِ" ذكرت في هامش المطالب، وهي ثابتة في متن الإتحاف والتاريخ.
(3)
- في المطالب والإتحاف: "تفاقرهن" والمثبت عن المختصر واعتمده محقق التاريخ وفي دلائل ابي نعيم: "لَقَدْ رَأَيْتُهُنَّ يتقافزن".
(4)
- في المطالب والإتحاف: "تفاقرهن" والمثبت عن المختصر واعتمده محقق التاريخ وفي دلائل ابي نعيم: "لَقَدْ رَأَيْتُهُنَّ يتقافزن".
[التخريج]:
[عل (مط 3808) واللفظ له، (خيرة 6478) / نبص 298 دون قصة الصبي، وله الزيادة (5، 10، 12) والرواية (6، 8، 10) / غخطا (1/ 424) مختصرًا جدًّا / عق (2/ 570) مختصرا، والرواية الثانية له ولغيره / هقل (6/ 24 - 26) وله بقية الروايات والزيادات / كر (4/ 369 - 373)]
[التحقيق]:
رواه أبو يعلى في مسنده كما في (المطالب 3808) و (إتحاف الخيرة 6478) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (4/ 369 - 371) - قال: حدثنا محمد بن يزيد بن رفاعة، أبو هشام الرفاعي، ثنا إسحاق بن سليمان، ثنا معاوية بن يحيى الصدفي، عن الزُّهْرِيِّ، أنا خارجة بن زيد، أَنَّ أسامة بن زيد بن حارثة حدثه، به.
ورواه أبو نعيم في (الدلائل 298) عن الطبراني عن مطين عن أبي هشام الرفاعي، به. وأبو هشام الرفاعي متكلم فيه كما في (تهذيب التهذيب 9/ 527)، ولكنه متابع:
فرواه الخطابي في (غريب الحديث 1/ 424) من طريق زكريا بن حمدويه.
ورواه ابن عساكر في تاريخه (4/ 371 - 373) من طريق أبي بكر الباغندي.
كلاهما عن عبد الله بن عمر الجعفي المعروف بـ"مشكدانة" عن إسحاق بن سليمان الرازي نا معاوية بن يحيى الصدفي عن الزُّهْرِيِّ به، طوله ابن عساكر،
واختصره الخطابي.
ومشكدانة صدوق موثق، وإسحاق بن سليمان الرازي ثقة، غير أَنَّ أحاديثه عن الصدفي منكرة كما سيأتي، وقد توبع عليه إسحاق بن سليمان بما لا يفرح به:
فرواه العقيلي في (الضعفاء 1052)، والبيهقي في (الدلائل 6/ 24) من طريق سليمان بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحيم بن حماد عن معاوية بن يحيى الصدفي عن الزُّهْرِيِّ، به.
وسليمان بن أحمد: هو أبو محمد الجرشي الشامي، نزيل واسط، مجروح متهم (اللسان 3577)، وشيخه عبد الرحيم بن حماد قال عنه العقيلي: "مجهول بالنقل، حديثه غير محفوظ حدثناه
…
" وذكر حديثنا هذا (الضعفاء 2/ 569).
قلنا: ومعاوية بن يحيى الصدفي، واه جدًّا، قال ابن معين:"هالك ليس بشيء"(تهذيب الكمال 28/ 222)، وقال أحمد:"تركناه"(تهذيب التهذيب 10/ 220)، وجرحه سائر النقاد، ولذا قال الذهبي:"ضعفوه"(الكاشف 5536).
فهذه هي علة الحديث، وبها أعله ابن كثير في (البداية والنهاية 6/ 141)، أضف إلى ذلك أَنَّ رواية الصدفي عن الزُّهْرِيِّ خاصة متكلم فيها، قال البخاري والساجي:"اشترى كتابا من السوق للزهري، فجعل يرويه عن الزُّهْرِيِّ"(الضعفاء الصغير 366) و (تهذيب التهذيب 10/ 220)، فأما ما نقله المزي وغيره عن البخاري أنه قال: "أحاديثه عن الزُّهْرِيِّ مستقيمة كأنها من كتاب، وروى عنه عيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير
كأنها من حفظه"، وأصله ما رواه ابن عدي في (الكامل 1891) عن الجنيدي، حدثنا البخاري قال: "معاوية بن يحيى دمشقي، وكان على بيت المال بالري، عن الزُّهْرِيِّ أحاديثه مشتبهة (! ) كأنها من كتاب .. "الخ.
فهذه الرواية عن البخاري بها قصور، والذي في المطبوع من (التاريخ الكبير 7/ 336) أنه إنما قال:"روى عنه هقل بن زياد أحاديث مستقيمة، كأنها من كتاب، .. "الخ، وهكذا وردت العبارة في (الضعفاء الصغير للبخاري 350)، وهكذا رواها العقيلي في (الضعفاء 1763) عن آدم بن موسى عن البخاري، وكذلك قاله أبو حاتم كما في (الجرح والتعديل 8/ 384).
وهذا الحديث ليس من رواية هقل بن زياد عن الصدفي، وإنما يرويه عنه إسحاق بن سليمان، وأحاديثه عن الصدفي مناكير كما سبق، ومتابعة عبد الرحيم بن حماد لا يعتد بها كما بيناه آنفًا.
والخلاصة أَنَّ في الحديث علتين:
الأولى: وهاء معاوية بن يحيى الصدفي، لاسيما حديثه من رواية إسحاق بن سليمان عنه، فإنه منكر.
الثانية: الكلام في رواية الصدفي عن الزُّهْرِيِّ.
ومع ذلك يقول ابن حجر: "هذا إسناد حسن، ومعاوية بن يحيى الصدفي ضعيف. ولكن لحديثه شاهد من طريق يعلى بن مرة"(المطالب 15/ 533).
ولما أورده السيوطي في (الخصائص الكبرى 2/ 60) قال: أخرج أبو يعلى، والبيهقي بسند حسنه ابن حجر في المطالب العالية".
قلنا: إنما حسنه بشاهد يعلى، ولم يشتمل حديث يعلى على قصة الحجارة، ثم هو مع ضعفه مختلف في متنه اختلافًا كثيرًا كما بيناه في موضعه، وليس في رواياته على كثرتها من ذكر أنها أهدت له شاة مصلية أو مشوية.
نعم، الشواهد الكثيرة لقصة المرأة والصبي تدل على أَنَّ لها أصلا، وإن اختلفت هذه الشواهد في تعيين هدية المرأة، وقصة الذراع لها شواهد، منها حديث أبي هريرة عند أحمد في (المسند 10706)، وسنده حسن.
وكذلك قصة النخلات لها شواهد كثيرة، أصحها حديث جابر عند مسلم، وقد تقدم.
* * *
648 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: خرجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فأمعَنَ فِي السَّيْرِ، فَلَمْ يَرَ شيئًا يَسْتُرُهُ، فدعا عبدَاللهِ فَقَالَ:«انْطَلِقْ إِلَى تَيْنِكَ الأَشَاءَتَيْنِ - يَعْنِي: النَّخْلَتَيْنِ- فَقُلْ لَهُمَا: إِنَّ رسولَ الله (ص) يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَنْقَلِعَا بِأُصُولِكُمَا وَعُرُوقِكُمَا حَتَّى تَسْتُرَاهُ» ، فأتاهُما، فَقَالَ لَهُمَا، ففعَلَتا، فَقَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الحاجَةَ، ثُمَّ رجَع، فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ:«انْطَلِقْ إِلَيْهِما فَقُلْ لَهُما: إِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَأمُرُكُمَا أَنْ تَرْجِعَا إِلَى مَكَانِكُمَا» ، ففعَلا.
[الحكم]:
صحيح المتن بشواهده، وهذا الحديث إسناده ضعيف جدًّا، وقال أبو حاتم الرازي:"هذا حديث منكر بهذا الإسناد".
[التخريج]:
[علحا 183 واللفظ له / تجر 189 مختصرًا جدًّا والزيادة له]
[السند]:
رواه ابن أبي حاتم في (العلل 183) عن إسحاق بن إبراهيم البغوي، عن داود بن عبدالحميد، عن يونس بن خباب، عن طاوس، عن ابن عباس، به.
ورواه السهمي في (تاريخ جرجان 189) من طريق ابن صاعد، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن الجرجاني، حدثنا داود بن عبد الحميد، به مختصرًا بلفظ:"خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرِيدُ الْحَاجَةَ فَأَمْعَنَ فِي الْمَشْي فَقَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْحَاجَةَ ثُمَّ رَجَعَ"، وهذا اختصار مخل! .
[التحقيق]:
هذا إسناد واهٍ جدًّا؛ فيه ثلاث علل:
الأولى: داود بن عبد الحميد، قال أبو حاتم الرازي:"لا أعرفه، وهو ضعيف الحديث، يدل حديثه على ضعفه"(الجرح والتعديل 3/ 418)، وانظر:(اللسان 3036).
الثانية: يونس بن خباب، فإنه رافضي خبيث، تكلم فيه أحمد، ولم يرضه، وقال البخاري:"منكر الحديث"، وقال أبو حاتم:"مضطرب الحديث، ليس بالقوي"، وقد سبق الكلام عنه بأطول من ذلك، وانظر:(تهذيب التهذيب 11/ 438).
الثالثة: أنه اختلف علي يونس في سنده اختلافًا كثيرًا، وأشار إلى ذلك أبو حاتم الرازي، فقد سأله ابنه عن هذا الحديث، فقال أبو حاتم: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد؛ إنما روى يونس بن خباب، واختلف عليه
…
" ثم ساق الخلاف الذي مر بنا غير مرة (العلل 183).
وقد بينا تحت حديث يعلى وغيره أَنَّ حديث ابن خباب مرده إلى حديث المنهال، والمنهال إنما يرويه عن يعلى مرسلًا، وانظر: تحقيقنا لروايته.
649 -
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ:
◼ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ (خَيْبَرَ)
(1)
،
فَأَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّزَ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ يَتَبَاعَدُ حَتَّى لا يَرَاهُ أَحَدٌ، قَالَ:((انْظُرْ هَلْ تَرَى شَيْئًا؟ )) فَنَظَرْتُ فَرَأَيْتُ إِشَاءَةً (شَجَرَةً) وَاحِدَةً، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ:((انْظُرْ هَلْ تَرَى شَيْئًا؟ )) فَنَظَرْتُ إِشَاءَةً (شَجَرَةً) أُخْرَى مُتَبَاعِدَةً مِنْ صَاحِبَتِهَا، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ لِي:((قُلْ لَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكُمَا أَنْ تَجْتَمِعَا))، فَقُلْتُ لَهُمَا ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَا، ثُمَّ أَتَاهُمَا فَاسْتَتَرَ بِهِمَا، ثُمَّ قَامَ، فَلَمَّا قَضَى حَاجَتَهُ انْطَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَى مَكَانِهَا، ثُمَّ أَصَابَ النَّاسَ عَطَشٌ شَدِيدٌ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ، فَقَالَ لِعَبْدِ اللهِ:(([يَا عَبْدَ اللهِ، ] الْتَمِسْ لِي))، يَعْنِي الْمَاءَ، فَأَتَيْتُهُ بِفَضْلِ مَاءٍ وَجَدْتُهُ فِي إِدَاوَةٍ، فَأَخَذَهُ فَصَبَّهُ فِي رَكْوَةٍ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِيهَا وَسَمَّى، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْحَدِرُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَشَرِبَ النَّاسُ وَتَوَضَّؤُوا مَا شَاؤُا، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: فَعَلِمْتُ أَنَّهُ بَرَكَةٌ، فَجَعَلْتُ أَشْرَبُ مِنْهُ، وَأُكْثِرُ، أَلْتَمِسُ بَرَكَتَهُ، ثُمَّ رَجَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ فَتَلَقَّاهُ جَمَلٌ قَدْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ، فَقَالَ:((لِمَنْ هَذَا الْجَمَلُ؟ ))، قَالُوا: لِبَنِي فُلانٍ، قَالَ:((عَاذَ بِي))، قَالَ:((فَإِنَّهُمْ أَرَادُوا نَحْرَهُ، وَقَدْ عَمِلُوا عَلَيْهِ حَتَّى كَبُرَ وَدَبُرَ))، قَالَ:((لا تَنْحَرُوهُ وَأَحْسِنُوا إِلَيْهِ، فَبِئْسَ مَا جَزَيْتُمُوهُ)).
(1)
عند البزار في (المسند) - وكذا نقله الهيثمي في (الكشف 3412) -: "غزوة حنين"، وكذا عزاه الهيثمي في (المجمع عقب رقم 14166)، للطبراني في (الكبير)، ولكن وقع في مطبوع (الكبير) - تبعًا لأصله (نسخة الظاهرية 3/ ق 61/ أ) -:"خيبر"، وكذا في (الضعفاء) للعقيلي. فالله أعلم بالصواب ..
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا بهذا السياق، وضعفه العقيلي.
وقد صحت قصة الإداوة وخروج الْمَاء مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ صلى الله عليه وسلم عند البخاري وغيره من حديث ابن مسعود، وقصة الشجرتين صح نحوها من حديث جابر عند مسلم وغيره.
[التخريج]:
[بز 1463 "واللفظ له" / طب 10016 "والروايات والزيادة له" / عق (1/ 179)]
سبق تخريجه وتحقيقه في باب: "الإبعاد عند قضاء الحاجة".
* * *
650 -
حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:
◼ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ وَرَاءَ أَكَمَةٍ» .
[الحكم]:
إسناده ضعيف.
[اللغة]:
(الأكمة): الجبيل الصغير، والجمع أكم وأكام وآكام. (جمهرة الأمثال 2/ 378). وقيل: القف من حجارة واحدة، وقيل: هو دون الجبال، وقيل: هو الموضع الذي هو أشد ارتفاعًا مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أَنْ يكون حجرا. ويقال: الأكم أشراف في الأرض كالروابي. ويقال: هو ما اجتمع من الحجارة في مكان واحد، فربما غلظ وربما لم يغلظ. انظر:(لسان العرب 12/ 21).
[التخريج]:
[فقط (أطراف 3458)]
[السند]:
رواه الدارقطني في (الأفراد)، وقال:"تفرد به محمد بن أبي السري عن حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر"(أطراف الغرائب والأفراد 3458).
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ محمد بن أبي السري العسقلاني؛ مختلف فيه، وثقه ابن معين، ولينه أبو حاتم، وقال ابن حبان وغيره:"كان من الحفاظ"، وقال ابن عدي وغيره:"كان كثير الغلط"، وقال ابن حجر:"صدوق عارف له أوهام كثيرة"(التقريب 6263)، وانظر:(تهذيب التهذيب 9/ 425).
* * *