المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌79 - باب ما ورد في الرخصة في استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة - ديوان السنة - قسم الطهارة - جـ ٦

[عدنان العرعور]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب قضاء الحاجة

- ‌76 - بابُ النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبالِ القِبْلَةِ، وَاسْتِدْبارِها عِندَ قَضاءِ الحاجَةِ

- ‌77 - ما رُوِي في فضل ترك استقبال القبلة عند قضاء الحاجة

- ‌78 - بابُ ما رُوِي في النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبالِ الْقِبْلَتَيْنِ

- ‌79 - باب ما ورد في الرخصة في استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة

- ‌80 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ التَّخَلِّي فِي الطُّرُقِ وَالظِّلَالِ النافعة ونحوهما مما ينتفع به الناس

- ‌81 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْل فِي الْمَاءِ الدائم أو الرَّاكِدِ

- ‌82 - بَابُ ما رُوِي في النَّهْيِ عَنِ الْبَوْل فِي الْمَاءِ الجاري

- ‌83 - النَّهْيِ عَنِ الْبَوْل فِي الْمُغْتَسَلِ

- ‌84 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ

- ‌85 - باب ما رُوِي في تجنب القبور عند قضاء الحاجة

- ‌86 - باب ما رُوِي في النهي عن استقبال الريح عند قضاء الحاجة

- ‌87 - باب ما رُوِي في النَّهي عن التَّغَوُّط في القَرَعِ من الأَرْض

- ‌88 - باب النهي عن البول في المسجد

- ‌89 - باب النهي عن البول بِأَبْوَاب الْمَسَاجِد

- ‌90 - باب النهي عن البول فِي قِبْلَةِ المَسْجِدِ

- ‌91 - باب ما رُوِي في النهي عن البول والفرج باد للشمس أو القمر

- ‌92 - باب خروج النساء إلى البراز

- ‌93 - باب قضاء الحاجة في البيوت

- ‌94 - بَابُ الْبَوْلِ فِي الْإِنَاءِ

- ‌95 - بَابُ مَا رُوِيَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فيه بَوْلٌ

- ‌96 - باب الْإِبْعَادُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌97 - التَّسَتُّرُ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

- ‌98 - بَابُ كَيْفَ التَّكَشُّفُ عِنْدَ الْحَاجَةِ في الخلاء

- ‌99 - بابٌ: تَرْكُ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ

- ‌100 - باب ما رُوِي في تحويل الخاتم عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ

- ‌101 - بَابُ ما رُوِي في تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ

- ‌102 - باب: مَا يَقُولُ إِذَا دخل الْخَلَاءِ

- ‌103 - بَابُ مَا رُوِي في التَّسْمِيَةِ عِنْدَ دُخُولِ الخَلَاءِ

- ‌104 - مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ

- ‌105 - بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌106 - بَابُ ما رُوِي أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَبُولُ إِلَّا قَاعِدًا

- ‌107 - بَابُ النَّهْيِ عَنِ الْبَوْلِ قَائِمًا

- ‌108 - بَابُ كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ

الفصل: ‌79 - باب ما ورد في الرخصة في استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة

‌79 - باب ما ورد في الرخصة في استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة

547 -

حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:

◼ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ:«ارْتَقَيْتُ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ [أُخْتِي] حَفْصَةَ لِبَعْضِ حَاجَتِي، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ القِبْلَةِ (الْكَعْبَةِ)، مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ» .

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م).

[الفوائد]:

أولا: ظاهر هذا الحديث يخالف حديث أبي أيوب وغيره من الأحاديث المتقدمة في "النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة"، لكن جمع بينهما جمهور أهل العلم، بأن حملوا النهي على الصحراء والفضاء، والإباحة في البنيان. وقد بوّب البخاري على حديث أبي أيوب:"باب لا تُستقبل القبلة بغائط أو بول إِلَّا عند البناء: جدار أو نحوه".

وقال الحافظ ابن حجر: "وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقًا قال الجمهور، وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق، وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة"(فتح الباري 1/ 246)، وانظر:(الاستذكار 7/ 172)، و (التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 113).

ص: 106

ثانيا: إن قيل: كيف استجاز ابن عمر النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في تلك الحالة؟

قلنا: أجاب عن ذلك عدد من أهل العلم؛

فقال أبو الوليد الباجي: "يحتمل أَنْ يكون الموضع في دار عَهِدَها ابنُ عمر غير مسكونة، فدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحال. وقد روى في المبسوط: نافع عن ابن عمر قال: «حَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في المَخْدَعِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ»، فاقتضى ذلك أَنَّ ابن عمر لم يقصد النظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على تلك الحال"(المنتقى شرح الموطأ 1/ 336).

وقال القاضي عياض: "يحتمل أنه لم يقصد ذلك، أو قصد من ذلك رؤية أعلاه ليستدل بصورة جلوسه هناك على فعله مع تحفظه من الاطلاع على غير أعلاه"(إكمال المعلم بفوائد مسلم 2/ 73).

وقال ابن الملقن: "هذا الاطلاع من ابن عمر رضي الله عنهما لم يكن تجسسًا وإنما كان اتفاقيًّا من غير قصد، ولم ير إِلَّا أعاليه فقط، ويحتمل كما أبداه القاضي أَنْ يكون عن قصد التعلم مع أمنه من الاطلاع على ما لا يجوز الاطلاع عليه، لكن قد يبعده رواية البخاري: (ارتقيت فوق بيت حفصة لبعض حاجتي). ويجمع بين قوله: (بيت لنا) و (بيت حفصة) بأن بيت حفصة بيته، أو بأنه كان لها بيت في بيت عمر يعرف بها أو صار إليها بعد"(التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 112).

قلنا: ومما يؤكد أَنَّ ذلك وقع له اتفاقًا من غير قصد، قوله في رواية الطحاوي وغيره - بإسناد صحيح -: «

فِي سَاعَةٍ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَخْرُجُ فِيهَا»، وسيأتي تخريجها والكلام عليها قريبًا. والله أعلم.

ص: 107

[التخريج]:

[خ 148 "واللفظ له"، 3102 / م (266/ 62) "والزيادة له" / ت 01 "والرواية له ولغيره" / حم 4606، 4617 / خز 63 / عه 584 / جا 29 / معيل (فتح المغيث للسخاوي 1/ 347) / مسن 612 / حاكم (معرفة ص 163) / هق 442 / هقغ 60 / هقخ 345 / علقط (6/ 438) 2873 / بغ 175 / تحقيق 104]

[السند]:

قال البخاري (148، 3102): حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا أنس بن عياض، عن عبيد الله، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر، به.

ورواه مسلم (266/ 62) قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر العبدي، حدثنا عبيد الله بن عمر، به.

* * *

ص: 108

رِوَايَةُ: مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ:

• وفي رواية، عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ إِذَا قَعَدْتَ عَلَى حَاجَتِكَ فَلا تَسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ وَلا بَيْتَ المَقْدِسِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ:«لَقَدْ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [قَاعِدًا] عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ المَقْدِسِ لِحَاجَتِهِ» . وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنَ الَّذِينَ يُصَلُّونَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي وَاللَّهِ. قَالَ مَالِكٌ: يَعْنِي الَّذِي يُصَلِّي وَلا يَرْتَفِعُ عَنِ الأَرْضِ، يَسْجُدُ وَهُوَ لاصِقٌ بِالأَرْضِ.

[الحكم]:

متفق عليه (خ، م).

[التخريج]:

[خ 145 "واللفظ له"، 149 "والزيادة له ولمسلم" / م (266/ 61) / د 12 / ن 23 / كن 23 / جه 432 / طا 521 / حم 4991 / مي 685/ حب 1417/ عه 585، 586 / عل 5741 / طب (12/ 349/ 13312) / شف 36 سنجر / خشف 258 / ثو 114 / سحق 1097 / منذ 260 / طوسي 10 / طح (4/ 233 - 234/ 6590، 6591) / هق 440، 441، 2756 / هقع 809، 810 / هقخ 346 / مسن 611 / عتب (ص 38) / فق 584 / مطغ 818 / بغ 176 / مالك 101 / يوني (1/ 120 - 122) / حداد 244 / المروزي (تمهيد 23/ 302)]

[السند]:

رواه مالك في (الموطأ): عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن عبد الله بن عمر، به.

ص: 109

ورواه البخاري (145): عن عبد الله بن يوسف، عن مالك، به.

ورواه البخاري (149): عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، عن يزيد بن هارون، عن يحيى بن سعيد، به.

ورواه مسلم (266/ 61) قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، حدثنا سليمان - يعني ابن بلال -، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى، عن عمه واسع بن حبان، قال: كُنْتُ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ مُسْنِدٌ ظَهْرَهُ إِلَى الْقِبْلَةِ، فَلَمَّا قَضَيْتُ صَلاتِي انْصَرَفْتُ إِلَيْهِ مِنْ شِقِّي، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَقُولُ نَاسٌ: إِذَا قَعَدْتَ لِلْحَاجَةِ تَكُونُ لَكَ،

الحديث.

* * *

رِوَايَةُ: فِي سَاعَةٍ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَخْرُجُ فِيهَا:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ:«ظَهَرْتُ عَلَى إِجَّارٍ لِحَفْصَةَ، - وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَلَى سَطْحٍ -[فِي سَاعَةٍ لَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّ أَحَدًا يَخْرُجُ فِيهَا] 1، فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا عَلَى حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ، مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» .

[الحكم]:

إسناد صحيح، وصححه أبو محمد البغوي والعيني.

[اللغة]:

قوله (إجار)، قال أبو عبيد:"الإجار والسطح واحد. وجمع الإجار أجاجير وأجاجرة وهو من كلام أهل الشام وأهل الحجاز"(غريب الحديث 3/ 245 - 246).

ص: 110

[التخريج]:

[هروي (3/ 245) "واللفظ له" / طح (4/ 234/ 6592) "والزيادة له ولغيره" / قط 172 / تمهيد (1/ 306) / بغ 177]

[السند]:

أخرجه أبو عبيد القاسم بن سلام في (غريب الحديث) - ومن طريقه ابن عبد البر في (التمهيد)، والبغوي في (شرح السنة) - قال: حدثنيه هشيم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، (ح) وحدثنيه يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن عمر، كلاهما: عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، به.

ورواه الطحاوي في (شرح معاني الآثار): من طريق سعيد بن منصور.

ورواه الدارقطني في (السنن): من طريق الحسن بن عرفة.

كلاهما: عن هشيم، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات.

ولذا قال أبو محمد البغوي - عقبه -: "هذا حديث صحيح".

وصححه أيضًا العيني في (نخب الأفكار 13/ 200).

* * *

ص: 111

رِوَايَةُ: مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «رَقِيتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ، فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا عَلَى مَقْعَدَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ» .

[الحكم]:

شاذ بهذا السياق، متنه مقلوب؛ قاله ابن الملقن، وابن حجر، والسخاوي، الصواب:«مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ» ، كما تقدم في الصحيحين وغيرهما.

[التخريج]:

[خز 63 / حب 1414"واللفظ له" / طح (4/ 234 / 6593) / لي (رواية ابن مهدي 13) / متشابه (1/ 178) / نبلا (8/ 225)]

[السند]:

أخرجه ابن خزيمة في (صحيحه)، والمحاملي في (الأمالي) - ومن طريقه الخطيب في (تلخيص المتشابه) - قالا: حدثنا محمد بن عبد الله المخزومي، ثنا أبو هشام المخزومي، حدثنا وهيب، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، وإسماعيل بن أمية، وعبيد الله بن عمر، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، به.

وأخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار): عن أحمد بن داود (السدوسي).

وأخرجه ابن حبان: عن الحسن بن سفيان.

وأخرجه الذهبي في (سير أعلام النبلاء) من طريق أبي يعلى الموصلي.

ثلاثتهم: (أحمد بن داود، والحسن بن سفيان، وأبو يعلى) عن إبراهيم بن

ص: 112

الحجاج السامي، عن وهيب، به

(1)

.

فمداره عندهم على وهيب بن خالد، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات ظاهره الصحة؛ إِلَّا أَنَّ وهيب بن خالد وإن كان "ثقة" فقد خالف رواية الأثبات عن عبيد الله بن عمر في متن هذا الحديث.

فقد رواه أنس بن عياض ومحمد بن بشر العبدي وعبدة بن سليمان ويحيى القطان وغيرهم، عن عبيد الله به، بلفظ:«مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ» كما تقدم في الصحيحين وغيرهما.

وكذا رواه الأثبات عن يحيى بن سعيد الأنصاري، كمالك، ويزيد بن هارون، وسليمان بن بلال وغيرهم، بلفظ:«مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» كما تقدم أيضًا في الصحيحين وغيرهما.

فخالفهم وهيب، فقلب متنه وقال:«مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ» .

ولذا قال ابن الملقن: "ووقع في "صحيح ابن حبان": «مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ»؛ وكأنه مقلوب"(التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 113).

وقال الحافظ ابن حجر: "ووقع في رواية لابن حبان: «مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ،

(1)

كذا رواه الذهبي من طريق أبي يعلى، ولكن ذكر السخاوي في (فتح المغيث 1/ 347) أَنَّ الإسماعيلي رواه في "مستخرجه": عن أبي يعلى، عن إبراهيم، فقال:«مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ» كرواية الصحيحين. لكن هذا خلاف المحفوظ عن إبراهيم بن الحجاج، والمحفوظ عن وهيب، فنخشى أن يكون الإسماعيلي أو أحد النساخ سبقه قلمه، فسلك فيه الجادة. والله أعلم.

ص: 113

مُسْتَدْبِرَ الشَّامِ» وهي خطأ، تُعَدُّ من قسم المقلوب في المتن" (التلخيص الحبير 1/ 182).

وبنحوهما قال السخاوي في (فتح المغيث 1/ 346 - 347).

* * *

رِوَايَةُ: مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قال:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا يَقْضِي حَاجَتَهُ مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ [أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ]» .

[الحكم]:

شاذ بذكر القبلة، الصواب إلى بيت المقدس بلا شك، وأشار إلى شذوذها ابن عبد البر.

[التخريج]:

[ش 1621 / تمهيد (1/ 305) "والزيادة له"].

[السند]:

رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) - ومن طريقه ابن عبد البر - قال: حدثنا حفص بن غياث، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، به.

ورواه ابن عبد البر أيضًا: من طريق مسدد بن مسرهد، عن حفص بن غياث، به، وزاد:«أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .

[التحقيق]:

هذا إسناد رجاله ثقات، إِلَّا أَنَّ حفص بن غياث - وهو ثقة تغير حفظه قليلًا

ص: 114

في الآخر -، خالف الثقات الأثبات: كمالك، وسليمان بن بلال، ويزيد بن هارون، والأوزاعي؛ الذين رووه عن يحيى بن سعيد بإسناده السابق بلفظ:(مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ)، كما تقدم في الصحيحين وغيرهما.

وعليه: فرواية (مُتَوَجِّهًا نَحْوَ الْقِبْلَةِ) شاذة لمخالفتها رواية الجماعة، ويؤكد ذلك أَنَّ حفصًا كان يشك فيها، كما بَيَّنَهُ مسدد في روايته عنه.

وأشار إلى شذوذها ابن عبد البر؛ حيث أسند الحديث عقب رواية حفص هذه من طريق عبيد الله بن عمر به بلفظ: «مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ» ، ثم قال:"هذه الرواية فيها موافقة لما قاله مالك من استقبال بيت المقدس، وهذا إن شاء الله أثبت الروايات في حديث ابن عمر"(التمهيد 1/ 305).

* * *

رِوَايَةُ: يَتَبَرَّزُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ، قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّى (يَتَبَرَّزُ) 1 (جالسًا للغائط وللبول) 2 عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ [وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ]» .

[الحكم]:

منكر بهذا السياق، الصواب:«مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ» .

[التخريج]:

[حم 5747 "واللفظ له" / طس 5838 "والرواية الأولى والزيادة له ولغيره" / معط 64 / عد (2/ 207) "والرواية الثانية له"].

[السند]:

قال أحمد: حدثنا حسين، حدثنا أيوب - يعني ابن عتبة -، عن يحيى -

ص: 115

يعني ابن أبي كثير -، عن نافع، عن ابن عمر، به.

حسين: هو ابن محمد المروزي، وقد توبع:

فأخرجه الطرسوسي في (مسند ابن عمر 64)، والطبراني في (المعجم الأوسط): من طريق أحمد (بن عبد الله) بن يونس، عن أيوب بن عتبة، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فيه أيوب بن عتبة، وهو "ضعيف" كما في (التقريب 619)، لاسيما حديثه في العراق، حيث لم تكن معه كتبه، فكان يحدث من حفظه على التوهم فيغلط، كما قال أبو حاتم وأبو زرعة وغيرهما من الأئمة، انظر:(تهذيب التهذيب 1/ 408 - 409).

قلنا: وحسين المروزي سكن بغداد، وأحمد ابن يونس كوفي، فكلاهما ممن سمع منه بالعراق.

والمحفوظ عن ابن عمر «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ» ، وليس القبلة. كما تقدم في الصحيحين وغيرهما، من طريق واسع بن حبان، عن ابن عمر.

* * *

ص: 116

رِوَايَةُ: مَحْجُوبًا عَلَيْهِ بِلَبِنٍ:

• وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَّهُ قَالَ: يَتَحَدَّثُ النَّاسُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْغَائِطِ بِحَدِيثٍ؛ «وَقَدِ اطَّلَعْتُ يَوْمًا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مَحْجُوبًا (مُحَجَّرٌ) عَلَيْهِ بِلَبِنٍ، فَرَأَيْتُهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» .

[الحكم]:

شاذ بهذا السياق، والصواب:« .. عَلَى لَبِنَتَيْنِ، مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ .. » كما تقدم في الصحيحين وغيرهما.

[التخريج]:

[طح (4/ 234/ 6594) "واللفظ له" / تمهيد (1/ 306) "والرواية له" / ابن حزم (مغلطاي 1/ 181)].

[السند]:

قال الطحاوي: حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا ابن أبي مريم، قال: ثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثني محمد بن عجلان، عن محمد بن يحيى، عن واسع بن حبان، عن ابن عمر، به

(1)

.

(1)

كذا رواه الطحاوي من طريق أيوب، وقد ذكر الدارقطني في (العلل 6/ 438) أَنَّ يحيى بن أيوب، رواه عن ابن عجلان، عن محمد بن يحيى، عن ابن عمر. ولم يذكر واسعًا. خلافًا لرواية الليث بن سعد عن ابن عجلان، ثم قال:"والصحيح قول من ذكر فيه: واسعًا". فإن ثبت ما ذكره الدارقطني، فيكون اضطرابًا من يحيى؛ لأن إسناد الطحاوي إليه صحيح، فابن أبي مريم هو سعيد بن الحكم المصري من الثقات الأثبات من رجال الشيخين، والراوي عنه: هو إبراهيم ابن أبي داود البرلسي من الحفاظ المجودين الأثبات، كما قال ابن يونس، انظر: ترجمته في (سير أعلام النبلاء 13/ 393).

ص: 117

ويحيى بن أيوب: هو الغافقي، وقد توبع:

فأخرجه ابن عبد البر في (التمهيد) قال: أخبرنا عبد الوارث [قال: حدثنا قاسم]

(1)

، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال: حدثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث، قال: حدثني محمد بن العجلان، عن محمد بن يحيى بن حبان، به.

ورواه ابن حزم - كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 181) - من طريق أبي صالح، به.

[التحقيق]:

هذه الرواية مدارها على محمد بن عجلان، وهو "صدوق" كما في (التقريب 6136)، لكن خالفه عبيد الله بن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري؛ فروياه عن محمد بن يحيى، عن واسع، عن ابن عمر - كما سبق في الصحيحين -، بلفظ:(مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ) كما في رواية عبيد الله، أو (مُسْتَقْبِلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) كما في رواية يحيى.

وعبيد الله ويحيى ثقتان ثبتان، لا يقارنا بابن عجلان. فلا ريب في ترجيح روايتهما، لاسيما وقد أخرجها الشيخان.

وعليه: فرواية ابن عجلان شاذة مقلوبة.

(1)

ما بين المعقوفين سقط من مطبوع التمهيد (ط المغرب)، واستدركناه من طبعة دار هجر (ضمن موسوعة شروح الموطأ 6/ 489)، وهذا السقط ظاهر؛ فإن عبد الوارث بن سفيان ولد (سنة 318)، وقد مات محمد بن إسماعيل الترمذي (سنة 280)، أي أَنَّ عبد الوارث ولد بعد موت محمد هذا بما يقرب من أربعين سنة، فكيف يقول (حدثنا)؟ ! .

ص: 118

* ومع هذا صححه العيني في (نخب الأفكار 13/ 200)!، جريًا على ظاهر إسناده، ومن قبله ابن حزم كما حكاه مغلطاي في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 181)، وابن الملقن في (التوضيح 4/ 112).

وفي تصحيحه - على ظاهر إسناده أيضًا - نظر؛ فيحيى بن أيوب متكلم فيه، وفي (التقريب 7511):"صدوق ربما أخطأ"، فغايته أَنْ يكون حسن الحديث، إذا لم يخالف.

وقد توبع من الليث بن سعد، كما عند ابن عبد البر، من رواية كاتبه عبد الله بن صالح، وهو ضعيف، لكن بعض أهل العلم يمشون حديثه عن الليث خاصة، لملازمته له. والله أعلم.

[تنبيه]:

ذكره مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 181) من طريق أبي صالح به، وقال:"ذكره ابن حزم وصححه".

وقال ابن الملقن: "وفي رواية صحيحة لابن حزم: «رَأَيْتُهُ يَقْضِي حَاجَتَهُ مُحَجَّرٌ عَلَيْهِ بِاللَّبِنٍ» "(التوضيح 4/ 112).

كذا قالا، والذي في (المحلى 1/ 195) معلقًا بلفظ:«مَحْجُورًا عَلَيْهِ بِلَبِنٍ» ، فلعله أسنده في كتاب آخر من كتبه التي لم نقف عليها بعد، والله أعلم.

* * *

ص: 119

رِوَايَةُ: مَذْهَبًا مُواجِهًا لِلْقِبْلَةِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ مَذْهَبًا مُواجِهًا لِلْقِبْلَةِ» .

[الحكم]:

منكر بهذا السياق، وإسناده ضعيف، وأعله الدارقطني.

[التخريج]:

[حم 5715، 5741، 5941 "واللفظ له" / لا 1850 / تخ (5/ 162 - 163)، (3/ 307) / قط 171 / عتب (ص 39)]

[التحقيق]:

رُوِيت هذه الرواية من طريقين عن ابن عمر:

الطريق الأول: عن رافع بن حنين عنه:

أخرجه أحمد: عن موسى بن داود، ويونس بن محمد، وسريج بن النعمان - فرقهم -، ثلاثتهم: عن فليح بن سليمان، عن عبد الله بن عكرمة، عن أبي المغيرة رافع بن حنين، أَنَّ ابن عمر أخبره: أنه رأى

فذكره.

وكذا رواه البخاري في (التاريخ الكبير)، والدولابي في (الكنى) من طريق فليح بن سليمان، به.

وهذا إسناد ضعيف؛ فيه:

* عبد الله بن عكرمة، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 5/ 163)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 5/ 133)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا. وقال ابن سعد:"كان عبد الله قليل الحديث"(الطبقات 7/ 454).

ص: 120

وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 28) على قاعدته في توثيق المجاهيل!.

* ورافع بن حنين؛ ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 307)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 3/ 482) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا أيضًا. وقد ذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 236)، على قاعدته.

وقال الدارقطني: "لا أعلمه أسند إِلَّا حديثًا واحدًا ولم يروه غير فليح، عن عبد الله بن عكرمة عنه"(المؤتلف والمختلف 1/ 372).

* وفليح بن سليمان: "صدوق كثير الخطأ" كما في (التقريب 5443).

الطريق الثاني: عن نافع عنه:

أخرجه الدارقطني في (سننه 171) - ومن طريقه الحازمي في (الاعتبار ص 39) - قال: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا العباس بن محمد الدوري، حدثنا موسى بن داود، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن عيسى بن أبي عيسى قال: قلت للشعبي: عجبت لقول أبي هريرة: «لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها» . وقال نافع عن ابن عمر: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَهَبَ مَذْهَبًا مُوَاجِهَ الْقِبْلَةِ» . فقال: أما قول أبي هريرة ففي الصحراء، إن لله تعالى خلقًا من عباده يصلون في الصحراء، فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم، أما بيوتكم هذه التي تتخذونها للنتن، فإنه لا قبلة لها.

وهذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه عيسى الحناط، وهو متروك كما في (التقريب 5317).

وبه ضعفه الدارقطني فقال عقب الحديث: "عيسى بن أبي عيسى الحناط وهو عيسى بن ميسرة وهو ضعيف".

* * *

ص: 121

رِوَايَةُ: فِي كَنِيفِهِ:

• وفي رواية: عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَنِيفِهِ [عَلَى لَبِنَتَيْنِ] مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ [يَبُولُ]» .

• وفي رواية، قال:«دَخَلْتُ بَيْتَ حَفْصَةَ فَحَانَتْ التِفَاتَةٌ، فَرَأَيْتُ كَنِيفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلًا القِبْلَةَ» .

[الحكم]:

منكر، وإسناده ضعيف جدًّا، وضعفه البيهقي، وابن الملقن، والبوصيري، والألباني.

[اللغة]:

(الكنيف) قال ابن قُتَيْبَة: "أشرف من كنيف يعني من سترة وكل شيء سترك فهو كنيف ولذلك قيل للترس كنيف"(غريب الحديث 1/ 572).

[التخريج]:

[جه 325 "واللفظ له"، (زوائد القطان عقبه) / بز 5893 / حكيم (منهيات ص 36) / هق 447 "والرواية له" / طح (4/ 236/ 6600، 6601) / تمهيد (1/ 308) / حكيم (منهيات ص 36)]

[السند]:

قال (ابن ماجه): حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى الحناط، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ورواه الباقون - عدا الحكيم الترمذي - من طريق عيسى الحناط، به.

وقال البزار بإثره: "لا نعلم رواه عن نافع إِلَّا عيسى".

ص: 122

[التحقيق]:

هذا إسناده ضعيف جدًّا؛ فيه عيسى بن أبي عيسى الحناط، قال الحافظ:"متروك"(التقريب 5317).

وبه ضعفه: البيهقي عقب الحديث، وكذا ابن الملقن في (التوضيح 4/ 112)، وفي (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 1/ 468)، والبوصيري في (مصباح الزجاجة 1/ 47).

وقال الألباني: "ضعيف جدًّا"(ضعيف سنن ابن ماجه 65، 66).

قلنا: وقد وقفنا لعيسى هذا على متابعة؛

أخرجها الحكيم الترمذي في (المنهيات ص 36) قال: حدثنا سهل بن العباس، حدثنا عبد الله بن نمير (الكوفى)

(1)

، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، به.

ولكن هذه متابعة واهية؛ لأجل سهل بن العباس وهو الترمذي، تركه الدارقطني، وقال:"ليس بثقة"(ميزان الاعتدال 3585).

* * *

(1)

في المطبوع: (العوفي)، والصواب المثبت، كما في كتب التراجم.

ص: 123

رِوَايَةُ: فِي الْمخرَجِ:

• وَفِي رِوَايَةٍ قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ، فَلَمَّا دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي المخْرَجِ عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» .

[الحكم]:

منكر، وإسناده ضعيف جدًّا، وضعفه الدارقطني.

[التخريج]:

[قط 169 "واللفظ له"]

[السند]:

أخرجه الدارقطني في (السنن) قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل، وعثمان بن جعفر الأحول، قالا: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا عمر بن شبيب، عن عيسى الحناط، عن الشعبي، عن ابن عمر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه: عيسى بن أبي عيسى، وهو:"متروك" كما في (التقريب 5317)

وبه ضعفه الدارقطني فقال عقب الحديث: "عيسى بن أبي عيسى الحناط ضعيف".

والراوي عنه: عمر بن شبيب، ضعيف كما في (التقريب 4919).

[تنبيه]:

قال الباجي: "وقد رَوَى في المبسوطِ: نافعٌ عن ابن عمر قال: «حَانَتْ مِنِّي لَفْتَةٌ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي (الْمَخْدَعِ)

(1)

مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» " (المنتقى شرح

(1)

كذا في المطبوع، ولعل الصواب (المخرج) كرواية الدارقطني هذه، والله أعلم.

ص: 124

الموطإ 1/ 336).

وهو يعني بالمبسوط كتاب إسماعيل بن إسحاق القاضي، والكتاب مازال في عداد المفقود، والله أعلم.

* * *

ص: 125

548 -

حَدِيثُ جَابِرٍ:

◼ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ:«نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ، فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا» .

• وفي رواية، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَانَا عَنْ أَنْ نَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ، أَوْ نَسْتَقْبِلَهَا بِفُرُوجِنَا إِذَا أَهْرَقْنَا الْمَاءَ» ، قَالَ:«ثُمَّ رَأَيْتُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَامٍ يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» .

[الحكم]:

مختلف فيه: فصححه البخاري، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن السكن، وابن الملقن، والعيني. وحسنه الترمذي، والبزار، والنووي، وابن سيد الناس، وابن حجر، والألباني. وهو ظاهر صنيع الدارقطني وابن دقيق العيد.

بينما ضعفه الإمام أحمد، وابن مُفوَّز

(1)

، وابن عبد البر، وابن حزم، وابن عبد الحق. وهو ظاهر صنيع ابن القيم.

والراجح: أَنَّ إسناده حسن، وما أُعِلَّ به غير قادح، ويشهد له حديث ابن عمر السابق، والله أعلم.

(1)

هو الحافظ محمد بن حيدرة بن مُفوَّز بن أحمد بن مُفوَّز، أبو بكر المعافري، الشاطبي. قال عنه الذهبي:((كان حافظًا للحديث وعلله، عارفًا برجاله، متقنًا، ضابطًا، عارفًا بالأدب والشعر والمعاني، كامل العناية بذلك، أسمع الناس بقرطبة، وتصدر وعلم إلى أن توفي سنة خمس وخمسمائة، وكان مولده سنة ثلاث وستين، رحمه الله)(تاريخ الإسلام 11/ 61).

ص: 126

[الفوائد]:

قال النووي: "هذا ظاهره أَنَّ جابرًا يعتقد نسخ النهي، وليس هو منسوخًا، بل النهي محمول على الصحراء، وهذا الفعل كان في البنيان؛ كما صرح به في حديث ابن عمر"(الإيجاز في شرح سنن أبي داود ص 128).

قال الحافظ ابن حجر: "والحق أنه ليس بناسخ لحديث النهي، خلافًا لمن زعمه، بل هو محمول على أنه رآه في بناء أو نحوه؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله صلى الله عليه وسلم لمبالغته في التستر، ورؤية ابن عمر له كانت عن غير قصد .. ، فكذا رواية جابر، ودعوى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم لا دليل عليها؛ إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال.

ودل حديث ابن عمر على جواز استدبار القبلة في الأبنية، وحديث جابر على جواز استقبالها، ولولا ذلك لكان حديث أبي أيوب لا يخص من عمومه بحديث ابن عمر إِلَّا جواز الاستدبار فقط، ولا يقال يلحق به الاستقبال قياسًا؛ لأنه لا يصح إلحاقه به لكونه فوقه، وقد تمسك به قوم فقالوا: بجواز الاستدبار دون الاستقبال، حكي عن أبي حنيفة وأحمد.

وبالتفريق بين البنيان والصحراء مطلقًا قال الجمهور، وهو مذهب مالك والشافعي وإسحاق، وهو أعدل الأقوال؛ لإعماله جميع الأدلة" (فتح الباري 1/ 245 - 246).

[التخريج]:

[د 13 "واللفظ له" / ت 8 / جه 327 / حم 14872 "والرواية له ولغيره" / خز 62 / حب 1416/ ك 560 / بز (مغلطاي 1/ 185) / جا 30 / طح (4/ 234) / قط 162 / هق 445 / هقخ 349 / عتب (ص 37)

ص: 127

/ ناسخ 82 / علت 5 / طوسي 9 / جوزي (ناسخ 9) / خبر (2/ 115)]

[السند]:

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة، جميعًا قالوا: حدثنا محمد بن بشار - زاد الترمذي: ومحمد بن المثنى -، قالا: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثنا أبي، قال: سمعت محمد بن إسحاق يحدث، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله، به.

ورواه أحمد، قال: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني أبان بن صالح، عن مجاهد بن جبر، عن جابر، به.

ومداره عند الجميع على محمد بن إسحاق، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات، عدا محمد بن إسحاق فهو "صدوق يدلس" كما في (التقريب 5725)، وقد صرح بالتحديث في رواية أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم.

ويشهد لحديثه هذا ما في الصحيحين عن ابن عمر، قال:«رَقِيتُ عَلَى بَيْتِ أُخْتِي حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا لِحَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ» ، وقد تقدم.

وقد قوَّى هذا الحديث جماعةٌ من أهل العلم:

* فقال الترمذي: سألت محمدًا - يعني: البخاري - عن هذا الحديث؟ فقال: "هذا حديث صحيح، رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق"(الخلافيات للبيهقي 2/ 68)

(1)

.

(1)

وكذا نقله أيضًا عبد الحق في (الأحكام الكبرى 1/ 365)، وابن القيم في (تهذيب سنن أبي داود 1/ 29)، وفي (زاد المعاد 2/ 385)، والزيلعي في (نصب الراية 2/ 65)، وابن الملقن في (البدر المنير 2/ 307)، وابن حجر في (التلخيص الحبير 1/ 104)، وغيرهم. ولكن الذي في مطبوع (العلل الكبير للترمذي ص 23) قول البخاري:"رواه غير واحد عن محمد بن إسحاق". دون قوله "حديث صحيح". وقد كتب هذا القول في هامش النسخة الخطية للعلل (نسخة أحمد الثالث ق 3/أ)، فلعلها سقطت من الناسخ فاستدركها في الهامش، ويكفينا في إثباتها نقل الأئمة لها، ويظهر أَنَّ هذا السقط قديم، فقد نبه عليه أيضًا الحافظ علاء الدين مغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 185 - 186)، والله أعلم.

ص: 128

* وقال الترمذي (عقبه في السنن): "حسن غريب".

* وصححه ابن خزيمة وابن حبان؛ حيث أخرجاه في صحيحيهما.

* وقال الحاكم - عقب حديث ابن عمر السابق -: "وله شاهد عن جابر صحيح على شرط مسلم"، وذكره.

وتعقبه الحافظان علاء الدين مغلطاي، وابن الملقن؛

فقال مغلطاي: "خرجه الحاكم وزعم أنه على شرط مسلم، وليس كما زعم؛ فإن أبان بن صالح لم يخرج له مسلم شيئًا"(شرح ابن ماجه 1/ 185).

وقال ابن الملقن: "وفي كونه على شرطه نظر؛ لأن في إسناده: ابن إسحاق، ولم يحتج به مسلم، إنما أخرج له متابعة"(البدر المنير 2/ 308)، وهو كما قالا.

* وصححه أيضًا ابن السكن في «سننه الصحاح المأثورة» - كما في (البدر المنير 2/ 308)، و (التلخيص الحبير 1/ 182) -، وابن الملقن في (البدر

ص: 129

المنير 2/ 307)، والعيني في (نخب الأفكار 13/ 205).

* وهو ظاهر صنيع الدارقطني؛ حيث قال - عقبه -: "كلهم ثقات"

(1)

.

وكذا صنيع ابن دقيق في (الإمام 2/ 521).

* وقال البزار - عقبه -: "وهذا حديث لا نعلمه يُرْوى عن جابر بهذا اللفظ بإسناد أحسن من هذا الإسناد"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 185)، و (البدر المنير 2/ 308). وقال الحافظ في (التلخيص الحبير 1/ 182):"حسنه البزار".

* وقال النووي: "حديث حسن"(المجموع 2/ 82)، (شرح مسلم 3/ 139)

(2)

.

* وكذا حسنه ابن سيد الناس في (النفح الشذي 1/ 112).

(1)

كذا في طبعة دار المعرفة (1/ 58)، ولم يثبتها محققو طبعة الرسالة.

(2)

كذا جزم بحسنه هنا، ومع هذا نقل عنه الحافظ في (التلخيص 1/ 182) أنه توقف فيه لعنعنة ابن إسحاق. وهو يشير إلى كلام النووي في (شرح أبي داود):"وأما حديث جابر فرواه أيضًا الترمذي، وقال: هو حسن. فإن قيل: ففيه محمد بن إسحاق عن أبان، وابن إسحاق مدلس، والمدلس لا يحتج بعنعنته؟ قلنا: لعله اعتضد أو علم أبو داود والترمذي بطريق آخر أَنَّ ابن إسحاق سمعه من أبان"(الإيجاز في شرح سنن أبي داود ص 127). فقال ابن الملقن معقبًا على كلام النووي هذا: "زال هذا الإشكال والتمني، بأن أحمد في (المسند) وابن الجارود في (المنتقى) وابن حبان في (صحيحه) والحاكم في (المستدرك) والدارقطني والبيهقي قالوا كلهم في روايتهم لهذا الحديث: (عن محمد بن إسحاق، حدثني أبان) فارتفعت وصمة التدليس"(البدر المنير 2/ 308). وهو كما قال، وهو أيضًا ما اطلع عليه النووي بعد ذلك، فجزم بحسنه، كما تقدم.

ص: 130

* وحسنه أيضًا ابن حجر في (موافقة الخبر الخبر 2/ 115)، وقال معقبا على قول الترمذي (حسن غريب):"وذلك لمكان ابن إسحاق، فإنه إمام في المغازي، وأما في غيرها فمختلف فيه، وحديثه مع ذلك لا ينزل عن درجة الحسن بشرط السلامة من التدليس، وهذا مما لم يدلس فيه"(موافقة الخبر الخبر 2/ 115 - 116).

* وقال الشيخ الألباني: "وهذا إسناد حسن؛ رجاله كلهم ثقات، وفي محمد بن إسحاق كلام لا يضر؛ ولا ينزل حديثه عن درجة الحسن"(صحيح أبي داود 10).

(ومع هذا ضعفه بعض أهل العلم بعدة علل:

الأولى: أَنَّ أبان بن صالح ضعيف؛ ضعفه بهذه العلة ابن حزم، وابن عبد البر؛

فقال ابن حزم: "وأما حديث جابر فإنه رواية أبان بن صالح وليس بالمشهور"(المحلى 1/ 98).

وقال ابن عبد البر: "وليس حديث جابر بصحيح عنه فيعرج عليه؛ لأن أبان بن صالح الذي يرويه ضعيف"(التمهيد 1/ 312). وقال في (الاستذكار 2/ 446): "وليس حديث جابر الذي عوّلوا عليه في النسخ مما يحتج به عند أهل العلم بالنقل ولا مما يعتمد على مثله".

قلنا: وهذا قول مردود؛ فأبان بن صالح ثقة مشهور؛ وثقه ابن معين، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان، والعجلي، وغيرهم، وقال النسائي:"لا بأس به"، انظر:(تهذيب التهذيب 168).

ولذا تعقبهما أيضًا غير واحد من أهل العلم؛

فقال الحافظ ابن مُفوَّز - ردًّا على ابن حزم -: "أبان بن صالح مشهور ثقة

ص: 131

صاحب حديث" (تهذيب السنن لابن القيم 1/ 18).

وقال مغلطاي: "أما قول ابن حزم حين أراد ردَّه: حديث جابر رواه أبان بن صالح، وليس بالمشهور، فقول مردود؛ لما أسلفنا من توثيقه عند من صحح حديثه؛ ولقول ابن معين وأبي زرعة وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة والعجلي فيه: ثقة"(شرح ابن ماجه 1/ 186).

وقال ابن الملقن: "وزعم ابن عبد البر أَنَّ هذا الحديث لا يصح؛ لضعف أبان بن صالح، وهذا تعليل ساقط؛ فإن أبان هذا لم يضعفه أحد،

وقال ابن عبد الحق - فيما ردَّه على ابن حزم -: لم يجرح أبانًا هذا أحد فيما أعلم" (البدر المنير 2/ 309).

وقال الحافظ ابن حجر: "أبان بن صالح: وثقه الأئمة ووهم ابن حزم فجهله، وابن عبد البر فضعفه"(التقريب 137).

وقال أيضًا: "وهذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه، فلم يضعف أبان هذا أحد قبلهما، ويكفي فيه قول يحيى بن معين ومن تقدم معه والله أعلم"(تهذيب التهذيب 1/ 95).

وقال أيضًا: "وضعفه ابن عبد البر، بأبان بن صالح، ووهم في ذلك، فإنه ثقة باتفاق، وادعى ابن حزم أنه مجهول، فغلط"(التلخيص الحبير 1/ 182).

قلنا: وضعَّف أبان بن صالح أيضًا: الحافظ المزي في (تحفة الأشراف 11/ 343) في حديث آخر.

كما وهّمه الحافظ العراقي، كما ذكر سبط ابن العجمي في حاشيته على (الكاشف للذهبي 105).

وقال صاحب (عون المعبود 11/ 244) عن أبان بن صالح أيضًا: "هو متروك

ص: 132

الحديث". وأقره المباركفوري في (تحفة الأحوذي 6/ 402).

ويظهر أَنَّ كل من تكلم في أبان بن صالح ممن سبق ذكرهم من أهل العلم، اشتبه عليهم بـ (أبان بن أبي عياش) - كما أشار لذلك صاحب (بذل الإحسان 1/ 236) -، فهو المعروف بالضعف، والله أعلم.

العلة الثانية: أَنَّ ابن إسحاق لا يحتج به، لاسيما في الأحكام؛

قال ابن مفوز: "وأما الحديث فإنه انفرد به محمد بن إسحاق وليس هو ممن يحتج به في الأحكام، فكيف أن يعارض بحديثه الأحاديث الصحاح أو ينسخ به السنن الثابتة مع أَنَّ التأويل في حديثه ممكن والمخرج منه مُعْرَض"، نقله عنه ابن القيم في (تهذيب السنن 1/ 19)، وأقره.

ولعل لذلك أيضًا ضعفه الإمام أحمد وردَّه؛ كما نقله عنه ابن عبد البر في (التمهيد 1/ 309)، فإنه معروف عنه أنه لا يحتج بابن إسحاق في أحاديث الأحكام.

ونقل هذا القول أيضًا ابن الملقن عن ابن عبد الحق في "الرد على ابن حزم"، فقال:"وأما قول ابن عبد الحق - فيما رده على ابن حزم -: (إن الحديث غير صحيح؛ لأنه من رواية ابن إسحاق، وليس هو عندنا ممن يحتج بحديثه)، فلا يقبل منه؛ لأن المحذور الذي يخاف من ابن إسحاق زال في هذا الحديث"(البدر المنير 2/ 309). يعني التدليس، وهو كما قال.

وقال ابن القيم - معقبا على تصحيح البخاري -: "فإن كان مراد البخاري صحته عن ابن إسحاق، لم يدل على صحته في نفسه، وإن كان مراده صحته في نفسه، فهي واقعة عين، حكمها حكم حديث ابن عمر «لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته مستدبر الكعبة» "(زاد المعاد 2/ 351).

ص: 133

وقال أيضًا: "وهو - لو صح - حكاية فعل لا عموم لها ولا يعلم هل كان في فضاء أو بنيان وهل كان لعذر من ضيق مكان ونحوه أو اختيارًا فكيف يقدم على النصوص الصحيحة الصريحة بالمنع"(تهذيب السنن 1/ 20).

قلنا: لا ريب أنه يعني صحته في نفسه، هكذا يدل عليه سياق كلامه، وكذا فهمه كل من نقله عنه من أهل العلم.

وحديث ابن إسحاق هذا موافق لحديث ابن عمر المتقدم في الصحيح، وإن كان نصًا في الرخصة في الاستدبار فقط، لكنه مقيد لعموم النهي، كحديث جابر هذا، والله أعلم.

الثالثة: أَنَّ في سماع مجاهد من جابر نظر؛

قال البرديجي: "وأحاديث مجاهد عن جابر ليس لها ضوء، إنما هي من حديث ابن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد ومن حديث ليث بن أبي سليم (عنه) "(جامع التحصيل 736).

وقال المعلمي اليماني - في كلامه على هذا الحديث -: "لم أجد ما يصرح بسماع مجاهد من جابر، وقد راجعت مسند جابر في مسند أحمد فلم أر لمجاهد عنه إِلَّا أحرفًا لم يصرح في شيء منها بالسماع"(رسالة قضاء الحاجة - ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 37).

قلنا: صرح مجاهد بالسماع من جابر، عند البخاري في (صحيحه 1570) قال: حدثنا مسدد، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، قال: سمعت مجاهدًا، يقول: حدثنا جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال:«قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَقُولُ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ بِالحَجِّ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً» .

هذا والله تعالى أعلى وأعلم.

* * *

ص: 134

549 -

حَدِيثُ عَائِشَةَ:

◼ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه قَالَتْ: ذُكِرَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَوْمٌ يَكْرَهُونَ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا بِفُرُوجِهِمُ الْقِبْلَةَ، فَقَالَ:«أُرَاهُمْ قَدْ فَعَلُوهَا اسْتَقْبِلُوا بِمَقْعَدَتِي الْقِبْلَةَ» .

• وَفِي رِوَايةٍ 2: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِخَلائِهِ فَحُوِّلَ قِبَلَ الْقِبْلةِ لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّ النَّاسَ كَرِهُوا ذَلِكَ» .

• وَفِي رِوَايَةٍ 3: «أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ لِحَاجَتِهِ بَعْدَ النَّهْي» .

[الحكم]:

منكر، وضعفه أحمد، وأبو ثور، والبخاري، وأبوحاتم، وابن مفوز، وابن حزم، وعبد الحق الإشبيلي، وابن سيد الناس، وابن القيم، وابن حجر. وحكم بنكارته الذهبي، والمعلمي اليماني، والمباركفوري، والألباني.

[التخريج]:

تخريج السياق الأول: [جه 326 "واللفظ له"، (زوائد أبي الحسن القطان عقب رقم 324 دار إحياء الكتب العربية)

(1)

/ حم 25063، 25511، 25837، 25899، 26027 / طي 1645 / ش 1623 / حق 1095 / تخ (3/ 156) / منذ 259 / طح (4/ 234) 6595 / قط 164 - 167 / هق 446 / هقخ 350 - 352 / تمهيد (1/ 310 - 311) / عتب (ص 37) /

(1)

وسقط سند أبي الحسن القطان من طبعة (التأصيل)، وهو مثبت في طبعة الحلبي وغيرها من الطبعات.

ص: 135

كر (16/ 117) / محت 606 / كما (8/ 92 - 93)]

تخريج السياق الثاني: [حم 25500 / ش 1622 "واللفظ له" / قط 163، 168 / حق 1094، 1096 / علت 6 / هقخ 354، 355 / معز 95 / تقتب (ص 148) / كر (16/ 118)].

تخريج السياق الثالث: [ناسخ 83]

[التحقيق]:

هذا الحديث مداره برواياته كلها على عِرَاك بن مالك وهو مروي عنه من طريقين؛

الطريق الأول: يرويه خالد الحَذَّاء، واختُلف عليه على عدة أوجه:

الوجه الأول - وهو أصحها -: عن خالد الحَذَّاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عِرَاك، عن عائشة:

أخرجه أبو داود الطيالسي في (مسنده 1645).

وأبو بكر بن أبي شيبة في (مصنفه 1623) - وعنه ابن ماجه (326) وقرنه بعلي بن محمد الطنافسي -. وأحمد (25063)، ثلاثتهم: عن وكيع.

وأخرجه إسحاق في (مسنده 1095) عن الوليد بن عقبة.

وأخرجه أحمد (25837، 25899، 26027) - على الترتيب -: عن بهز بن أسد، وأبي كامل، ويزيد بن هارون.

وأخرجه البخاري في (التاريخ 3/ 156) عن موسى بن إسماعيل.

وأخرجه ابن المنذر في (الأوسط 259) من طريق حجاج بن محمد.

وأخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 6595) من طريق أسد بن

ص: 136

موسى.

وأخرجه الدارقطني في (السنن 167) من طريق يحيى بن إسحاق.

جميعهم: عن حماد بن سلمة.

وأخرجه إسحاق بن راهويه (1096)، وأحمد (25511): عن علي بن عاصم.

وأخرجه أبو الحسن القطان في (زوائده على سنن ابن ماجه): عن يحيى بن (عبدك)

(1)

، عن عبد العزيز بن المغيرة.

وأخرجه الخلال - كما في (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 522) -، وابن شاهين في (ناسخ الحديث 83): من طريق سريج بن يونس، عن هشيم.

وأخرجه البيهقي في (الخلافيات 354): من طريق خالد بن يحيى السدوسي.

خمستهم: (حماد، وعلي بن عاصم، وعبد العزيز، وهشيم، والسدوسي): عن خالد الحَذَّاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عِرَاك بن مالك، عن عائشة به مرفوعًا.

وتابعهم عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحَذَّاء به كذلك، إِلَّا أنه أبهم (خالد بن أبي الصلت) فقال: (عن خالد الحَذَّاء عن رجل عن عِرَاك

).

(1)

في طبعة (الحلبي) و (دار الجيل) و (المكنز) من (سنن ابن ماجه): "عبيد"، والمثبت من طبعة الرسالة وطبعة الصديق، وهو الصواب، كما في كتب التراجم. وسقط السند من طبعة (التأصيل) المعتمدة.

ص: 137

أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 1622)، وأحمد (25500) كلاهما عن عبد الوهاب الثقفي به

(1)

.

الوجه الثاني: عن خالد الحَذَّاء، عن عِرَاك، عن عائشة، به (بإسقاط خالد بن أبي الصلت):

أخرجه إسحاق في (مسنده 1094)، والترمذي في (العلل 6)، والدارقطني في (السنن 163) من طريق عيسى بن يونس عن أبي عوانة

(2)

.

وأخرجه الدارقطني في (السنن 164) من طريق حجاج بن نصير (وهو ضعيف)، عن القاسم بن مطيب (وفيه لين).

وأخرجه الدارقطني في (السنن 165) من طريق يحيى بن مطر (وهو

(1)

وكذا رواه عنه إسحاق بن راهويه في (المسند 1093) إلا أنه سقط من سنده (عائشة) فصار عن عِرَاك مرسلًا، ويظهر لنا أنه سقط من النساخ وليس اختلافًا في الرواية بين إسحاق وبين أحمد وابن أبي شيبة، فجميعهم من الحفاظ الأثبات، ومما يؤيد ذلك أَنَّ إسحاق ذكره عقب قوله:"ما يروى عن عِرَاك بن مالك عن عائشة". فيبعد جدًّا أن يصدر هذا الباب برواية مرسلة ليس فيها عائشة، والله أعلم.

ورواه الباغندي في (مسند عمر بن عبد العزيز 95)، من طريق يحيى بن معين عن عبد الوهاب الثقفي به فأسقط الرجل، بين (خالد الحَذَّاء وعِرَاك)، وهذا إن لم يكن من النساخ أيضًا، فيتحمله الباغندي، فهو - مع سعة حفظه - كثير الخطأ كما قال الدارقطني، واتهمه بعضهم، انظر:(لسان الميزان 7356).

وعليه: فالصواب عن الثقفي: ما رواه أحمد وابن أبي شيبة عنه بإثبات الرجل، وإثبات عائشة. والله أعلم.

وكذا جزم به الدارقطني في (السنن عقب رقم 165).

(2)

تصحف في (العلل الكبير للترمذي) إلى (أبي عبد الله).

ص: 138

مجهول، وفي السند إليه مجاهيل).

ثلاثتهم: عن خالد الحَذَّاء، عن عِرَاك، عن عائشة، به.

الوجه الثالث: عن خالد الحَذَّاء، عن رجل، عن عِرَاك، عن عمرة، عن عائشة، به مرفوعًا.

أخرجه البخاري في (التاريخ الكبير 3/ 156) عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب بن خالد، عن خالد الحَذَّاء، به.

الوجه الرابع: عن خالد الحَذَّاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عروة، عن عائشة:

أخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار 4/ 234/ 6598): عن علي بن شيبة، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحَذَّاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، به، مرفوعًا.

وعلي بن شيبة، قال عنه الخطيب البغدادي:"روى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي، وغيره من المصريين أحاديث مستقيمة"(تاريخ بغداد 13/ 393).

لكن خالفه جبل الحفظ والإتقان الإمام أحمد، فرواه في (مسنده 26027) عن يزيد عن حماد به بدون ذكر (عروة)، كرواية الجماعة عن حماد.

وقد تابع حمادًا على ذلك جماعة، فهي أصح من رواية أبي عوانة حيث قصر في سنده وأسقط منه (خالد بن أبي الصلت)، وزاده جماعة، فهي زيادة يجب قبولها.

ص: 139

ولا يصح فيه ذكر (عمرة) أيضًا؛ فقد تفرد بذكرها وهيب بن خالد، وخالفه الجماعة عن خالد الحَذَّاء.

فخلاصة ما سبق: أَنَّ أرجح أسانيد هذا الحديث عن خالد الحَذَّاء: ما رواه حماد بن سلمة وغيره عن خالد الحَذَّاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عِرَاك بن مالك، عن عائشة، به، مرفوعًا.

قال الدارقطني: "والصحيح قول حماد بن سلمة ومن تابعه"(العلل 3733)، وانظر:(سنن الدارقطني - ط المعرفة 1/ 59)، و (ط الرسالة عقب رقم 165).

وكذا أشار إلى ترجيح هذا الوجه البيهقي؛ حيث قال - بعد أَنْ رواه من رواية على بن عاصم -: "تابعه حماد بن سلمة عن خالد الحَذَّاء في إقامة إسناده"(السنن عقب رقم 446).

وكذا رجحه المعلمي اليماني في (رسالة قضاء الحاجة - المطبوعة ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 43).

قلنا: وهذا الإسناد منكر؛ فيه ثلاث علل:

الأولى: جهالة حال خالد بن أبي الصلت؛ فقد روى عنه جماعة من الثقات، وقال عنه الإمام أحمد:"ليس معروفا"(تهذيب التهذيب 3/ 98)، وبه ضعف الحديث، فقد قال ابن عبد البر:"وردَّ أحمد بن حنبل حديثَ جابر وحديث عائشة الوَارِدَيْن عن النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة في هذا الباب وضعف حديث جابر، وتكلم في حديث عائشة بأنه انفرد به خالد بن أبي الصلت عن عِرَاك بن مالك عن عائشة"(التمهيد 1/ 309).

ص: 140

وبه ضعف الحديث أيضًا أبو ثور الفقيه

(1)

، فقال:"خالد بن أبي الصلت ليس بمعروف"(الأوسط لابن المنذر 1/ 444).

وقال ابن حزم: "وأما حديث عائشة فهو ساقط؛ لأنه من رواية خالد الحَذَّاء - وهو ثقة -، عن خالد بن أبي الصلت وهو مجهول لا يدرى من هو"(المحلى 1/ 196).

وقال عبد الحق الإشبيلي: "هذا يسند من حديث (خالد)

(2)

الحَذَّاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِرَاك عن عائشة، وخالد بن أبي الصلت ضعيف" (الأحكام الوسطى 1/ 129).

ولذا قال الذهبي: "خالد بن أبي الصلت عن عِرَاك بن مالك، عن عائشة بحديث: «حَوِّلُوا مِقْعَدَتِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ، أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا؟ »، لا يكاد يعرف تفرد عنه خالد الحَذَّاء، وهذا منكر، وذكره ابن حبان في الثقات، وما علمت أحد تعرض إلى لينه، ولكن الخبر منكر"(الميزان 2432)، وقال ابن حجر:

(1)

ترجمه الذهبي في (سير أعلام النبلاء 12/ 72) فقال: "إبراهيم بن خالد الكلبي، الإمام، الحافظ، الحجة، المجتهد، مفتي العراق، أبو ثور الكلبي، البغدادي، الفقيه". قلنا: أثنى عليه الإمام أحمد والنسائي وغير واحد، وقال ابن حبان:"كان أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا وخيرًا، ممن صنف الكتب، وفرّع على السنن، وذبَّ عنها، وقمع مخالفيها"، وقال أبو عبد الله الحاكم:"كان فقيه أهل بغداد ومفتيهم في عصره، وأحد أعيان المحدثين المتقنين بها"، وقال الحافظ أبو بكر الخطيب:"كان أحد الثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام في الدين، وله كتب مصنفة في الأحكام، جمع فيها بين الحديث والفقه"، انظر:(تهذيب التهذيب 1/ 119).

(2)

تحرفت في المطبوع إلى (جابر)، والصواب المثبت كما في مصادر التخريج.

ص: 141

"مقبول"(التقريب 1643). أي حيث يتابع، ولم يتابع، بل خولف كما سيأتي.

وقال ابن القيم: "وله علة أخرى، وهي ضعف خالد بن أبي الصلت"(زاد المعاد 2/ 351).

وفي المقابل:

ذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 252)، إِلَّا أنه قال:"خالد بن الصلت"، وقال في (مشاهير علماء الأمصار 1032):"خالد بن أبي الصلت من متقني أهل المدينة وكان عامل عمر بن عبد العزيز عليها".

وقال ابن المنذر: "وقال غير أحمد: خالد معروف، قد روى عنه خالد الحَذَّاء، والمبارك بن فضالة، وواصل مولى أبي عُيَيْنَةَ"(الأوسط 1/ 444).

وقال ابن مفوز - متعقبًا ابن حزم في تجهيله -: "مشهور بالرواية معروف بحمل العلم، ولكن حديثه معلول"(تهذيب التهذيب 3/ 98).

قلنا: وكونه معروفًا بحمل العلم، وكان عامل عمر بن عبد العزيز، فإنما ينفعه في رفع جهالة العين عنه، وإثبات العدالة له، قال ابن كثير:"وقد صرح كثير من الأئمة بأن كل من استعمله عمر بن عبد العزيز ثقة"(البداية والنهاية 12/ 710). أي في دينه، أما الضبط فلا، وأما توثيق ابن حبان له ووصف إياه بالإتقان، فلم يوافق عليه، وهو معروف بالتساهل في التوثيق والتجريح أيضًا.

وهذا الحديث حجة على ابن حبان، فقد أخطأ خالد بن أبي الصلت في رفعه، كما سيأتي، خاصة أَنَّ هذا الحديث هو رأس ماله، فليس له سوى

ص: 142

أحرف يسيرة غيره.

ولذا قال العلامة المعلمي: "ولا ينفعه ذكر ابن حبان له في "الثقات"، فإن معنى الثقة عنده كما صرح به: أَنْ يروي الرجل عن ثقة، ويروي عنه ثقة، ولا يكون حديثه منكرًا.

وهذا خلاف ما عليه الجمهور، ومع ذلك فإنه لا يراعي هذا الشرط كما ينبغي، بل قد عرفت بالتتبع أنه ربما ذكر الرجل، ولا يدري عمن روى، ولا من روى عنه، ولا ما روى، وربما كان ينظر في "تاريخ البخاري" ثم يلخصه في "الثقات"، ووجدت تراجم كثيرة في "تاريخ البخاري" لا يصرح فيها البخاري بقوله:"روى عن فلان، وروى عنه فلان". ووجدت ابن حبان يذكرهم في الثقات قائلا: "يروي المراسيل، روى عنه أهل بلده"، أو نحو ذلك. فهذا ظاهر جدًّا أنه إنما وجد التراجم في تاريخ البخاري، فذكرهم في الثقات، مع الجهل بهم البتة،

وأوضح من ذلك أَنَّ حديث خالد هذا منكر كما يأتي، فلم يتحقق فيه شرط أَنْ لا يكون حديثه منكرًا" (رسالة قضاء الحاجة / المطبوعة ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 45 - 46).

العلة الثانية: الانقطاع بين عِرَاك بن مالك وبين عائشة، قال أحمد بن محمد بن هانيء: سمعت أبا عبد الله وذكر حديث خالد بن الصلت عن عِرَاك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حَوِّلُوا مِقْعَدِي إِلَى الْقِبْلَةِ» ؟ فقال: "مرسل"، فقلت له: عِرَاك بن مالك قال: سمعت عائشة رضي الله عنها، فأنكره وقال:"عِرَاك بن مالك من أين سمع عائشة؟ ! ماله ولعائشة؟ ! إنما يروي عن عروة، هذا خطأ، قال لي: من روى هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحَذَّاء، فقال: رواه غير واحد عن خالد الحَذَّاء ليس فيه سمعت، وقال غير واحد أيضًا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت"(المراسيل 606).

ص: 143

وقال ابن دقيق العيد: "وقد ذكر عن موسى بن هارون مثل ما حكم به الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه من الإرسال بين عِرَاك وعائشة"(الإمام 2/ 523).

وأشار لذلك الإمام البخاري في ترجمة خالد بن أبي الصلت بقوله: " خالد بن أبي الصلت، عامل عمر بن عبد العزيز، عن عمر بن عبد العزيز، وعِرَاك، مرسل"(التاريخ الكبير 3/ 155). أي أنه روى عن عِرَاك خبرًا مرسلًا بين عِرَاك وعائشة، ولا يعني أبدًا أنه مرسل بينه وبين عِرَاك، كيف وقد صرح خالد بن أبي الصلت في الحديث أَنَّ عِرَاكًا حَدَّثَ به عند عمر بن عبد العزيز وهو حاضر.

* وقال الإمام أحمد أيضًا: "أحسن ما في الرخصة: حديث عائشة رضي الله عنها، وإن كان مرسلًا، فإن مخرجه حسن"(الإمام لابن دقيق العيد 2/ 522).

قال ضياء الدين المقدسي: "سماه مرسلًا؛ لأن عِرَاكًا لم يسمع من عائشة"(شرح الترمذي لابن سيد الناس 2/ 685).

وقال ابن سيد الناس: "وقول الإمام أحمد، في حديث عِرَاك عن عائشة:(إنه أحسن ما رُوِي في الرخصة)، لعله يريد: أحسن في الاستدلال، وأصرح في الرخصة، وإلا فحديث ابن عمر مخرج في الكتب الستة، ولا علة تلحقه فيما نعلم.

وفي حديث عِرَاك ما تقدمت الإشارة إليه من الخلاف في الاتصال، والراجح عدمه" (شرح الترمذي 2/ 691 - 692).

وقال ابن القيم - معقبا على كلام أحمد هذا -: "ولكن هذا الحديث قد طعن فيه البخاري وغيره من أئمة الحديث، ولم يثبتوه، ولا يقتضي كلام الإمام أحمد تثبيته ولا تحسينه

، قلت: وله علة أخرى، وهي انقطاعه بين عِرَاك

ص: 144

وعائشة، فإنه لم يسمع منها" (زاد المعاد 2/ 351).

وقال ابن رجب - معلقًا على قول أحمد أيضًا -: "ويعني بإرساله أَنَّ عِرَاكًا لم يسمع من عائشة، وقال: إنما يروي عن عروة عن عائشة. فلعله حسنه؛ لأن عِرَاكًا قد عرف أنه يروي حديث عائشة عن عروة عنها.

وظاهر كلام أحمد أَنَّ المرسل عنده من نوع الضعيف، لكنه يأخذ بالحديث إذا كان فيه ضعف، ما لم يجيء عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه خلافه،

" (شرح علل الترمذي 1/ 553).

قلنا: وقد ورد التصريح بسماع عِرَاك من عائشة من وجهين:

الأول: رواه موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن خالد الحَذَّاء، به. أخرجه البخاري في (التاريخ) عن موسى، به.

وقد خالف موسى كل أصحاب حماد فرووه بدون التصريح بالسماع، ومن هنا كانت روايته شاذة، كما أشار لذلك الإمام أحمد، فيما تقدم، وإلى هذا أشار البخاري أيضًا، فجزم بأن الحديث مرسل، ولم يعبأ بتصريح موسى بالسماع فيه.

الوجه الثاني: رواه علي بن عاصم، عن خالد الحَذَّاء، به. أخرجه أحمد (25511)، وغيره: عن علي بن عاصم، به.

وعلي بن عاصم، قال عنه الذهبي:"ضعفوه"(الكاشف 3935).

ولذا قال العلامة المعلمي: "أما تصريح عِرَاك بالسماع، فإنه ثابت عن علي بن عاصم عن خالد الحَذَّاء عن خالد بن أبي الصلت، ولكن علي بن عاصم على يدي عدل

، وأما حماد بن سلمة؛ فيتلخص مما تقدم أَنَّ جماعة رووه عنه، وفيه عِرَاك عن عائشة منهم وكيع وبهز ويزيد بن هارون

ص: 145

وعبد الوهاب الثقفي وأبو كامل، وهؤلاء أئمة أثبات، ورواه موسى بن إسماعيل عن حماد فقال فيه:(عِرَاك بن مالك سمعت عائشة). وموسى ثقة متقن، ولكن أعرف الناس به تلميذاه البخاري وأبو حاتم حكما على روايته بالغلط، وكذلك الإمام أحمد. والذين قالوا: عن حماد عن خالد عن خالد عن عِرَاك عن عائشة؛ أكثر، وبعضهم أثبت من موسى وأكبر منه، فسماعهم من حماد أقدم من سماع موسى، وحماد تغير حفظه بأخرة.

وقولهم موافق لرواية غير حماد عن خالد، ومع ذلك فخالد الحَذَّاء تغير حفظه بأخرة، ولا يبعد أَنْ يكون الاضطراب منه، فقد رواه عنه وهيب فقال: عِرَاك عن عمرة عن عائشة، وفوق هذا كله، فخالد بن أبي الصلت مجهول الحال .. " (رسالة قضاء الحاجة - ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 43 - 45).

وبنحوه قال الشيخ الألباني في (الضعيفة) وختمها بقوله - بعد أَنْ عدد رواية من رواه بالعنعنة -: "فلا يشك كل من وقف عليها أنها هي الصواب، وأن رواية السماع منكرة أو شاذة،

ثم هي كلها مدارها على خالد بن أبي الصلت الذي لا دليل عندنا على ثقته وضبطه" (الضعيفة 2/ 358 - 359).

العلة الثالثة: المخالفة؛ فقد خولف فيه خالد بن أبي الصلت؛ فرواه جعفر بن ربيعة، عن عِرَاك، عن عروة، أَنَّ عائشة كانت تنكر قولهم:«لا تستقبل القبلة» . كذا موقوفًا عليها، وزاد "عروة" في إسناده.

رواه البخاري في (التاريخ 3/ 156) قال: وقال ابن بكير: حدثني بكر، عن جعفر بن ربيعة، عن عِرَاك، عن عروة، أَنَّ عائشة كانت تنكر قولهم: لا تستقبل القبلة.

ص: 146

ثم قال البخاري: "وهذا أصح".

وقال أبو حاتم الرازي: "لم أزل أقفو أثر هذا الحديث، حتى كتبت بمصر عن إسحاق بن بكر بن مضر- أو غيره - عن بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة، عن عِرَاك بن مالك، عن عروة، عن عائشة، موقوف؛ وهذا أشبه"(العلل 50).

قلنا: جعفر بن ربيعة "ثقة" من رجال الشيخين (التقريب 938)، والإسناد إليه ثابت صحيح، فبكر بن مضر:"ثقة ثبت" من رجال الشيخين (التقريب 751)، وقد رواه عنه ابنه إسحاق بن بكر وهو "صدوق فقيه" من رجال مسلم (التقريب 343)، وتابعه يحيى بن عبد الله بن بكير، وهو من رجالهما، وقد أخرج له البخاري عن بكر بن مضر في الصحيح، انظر:(تهذيب الكمال 31/ 402).

فلا ريب أَنَّ رواية الوقف هذه أصح من رواية خالد بن أبي الصلت، كما قال البخاري وأبو حاتم وغيرهما.

وقال الترمذي في "العلل": سألت محمدًا عن هذا الحديث؟ فقال: "هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولها"(العلل الكبير 6)، وأقره ابن سيد الناس في (شرح الترمذي 2/ 692).

وقال ابن القيم: "هذا الحديث لا يصح، وإنما هو موقوف على عائشة، حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري، وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علة لا يدركها إِلَّا المعتنون بالصناعة المعانون عليها؛ وذلك أَنَّ خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه ولا أقام إسناده، خالفه فيه الثقة الثبت صاحب عِرَاك بن مالك المختص به الضابط لحديثه جعفر بن ربيعة

ص: 147

الفقيه، فرواه عن عِرَاك عن عروة عن عائشة أنها كانت تنكر ذلك، فبين أَنَّ الحديث لعِرَاك عن عروة ولم يرفعه ولا يجاوز به عائشة، وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عِرَاك بن مالك" (تهذيب سنن أبي داود 1/ 22).

ولذا قال الذهبي: "هذا حديث منكر"(ميزان الاعتدال 2432).

وقال ابن حجر: "روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا في استقبال البائل القبلة وهو معلل"، وقال أيضًا:"وذكر أبو حاتم نحو قول البخاري، وأن الصواب: عِرَاك عن عروة عن عائشة قولها، وأن من قال فيه: عن عِرَاك سمعت عائشة مرفوعًا، وهم فيه سندًا ومتنا"(تهذيب التهذيب 3/ 97).

وقال المعلمي اليماني: " اتفق البخاري وأبو حاتم وغيرهما على تعليله"(رسالة قضاء الحاجة - المطبوعة ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 19). وقال في موضع آخر: "وفي سنده اضطراب كثير،

" (16/ 39). ثم قال - بعد ذكره أقوال الأئمة في تضعيف الحديث -: "أقول: فهذا كلام أئمة الفن: أحمد والبخاري وأبي حاتم، جزموا بأن عِرَاكًا لم يسمع من عائشة، وزاد البخاري وأبو حاتم فحكما بأن المرسل المرفوع خطأ، وأن الصواب موقوف على عائشة" (16/ 42).

وحكم عليه بالنكارة أيضًا الشيخ الألباني، وقال:"هذا سند ضعيف وفيه علل كثيرة"، وذكرا نحوا مما ذكرناه، وقال في ترجيح الوقف: "ولا يشك حديثي أَنَّ ترجيح هؤلاء الأئمة الثلاثة وقف الحديث هو الصواب؛ ذلك لأن الذي أوقفه إنما هو جعفر بن عِرَاك

(1)

، وهو ثقة اتفاقا، وقد احتج به الشيخان، بينما الذي خالفه وهو خالد بن أبي الصلت لم يوثقه أحد من

(1)

كذا وهو سبق قلم، الصواب (جعفر بن ربيعة).

ص: 148

الأئمة المعروفين والموثوق بتوثيقهم، ولو سلمنا جدلًا أَنَّ توثيق ابن حبان المتقدم مما يعتد به فهل من المعقول أَنْ ترجح رواية من وثقه هو وحده، وجهله آخرون، على رواية من وثقه الجماعة من الأئمة، واحتج به الشيخان؟ ! "، ثم زاد علة أخرى وهي النكارة في المتن، وقال مبينًا إياها: "من المعلوم أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان نهى أصحابه عن استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط نهيًا عامًا لم يقيده بالصحراء، فإذا رُوِي في حديث ما كهذا الذي نحن في صدد الكلام عليه أَنَّ الصحابة كرهو استقبال القبلة، فما يكون ذلك منهم إِلَّا اتباعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم اتباعًا يستحقون عليه الأجر والمثوبة،

فلا يعقل أَنْ ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه طاعتهم إياه فيما كان نهاهم عنه، كيف وهو المعروف بتلطفه مع أصحابه في تأديبهم وتعليمهم،

وأما في هذا الحديث فهو ينكر عليهم أشد الإنكار عملهم، وما هو؟ كراهيتهم لاستقبال القبلة، التي كانوا تلقوها عنه صلى الله عليه وسلم، فهل يتفق هذا الإنكار مع هديه صلى الله عليه وسلم في التلطف في الإنكار؟ كلا ثم كلا،

"، ثم قال: "واعلم أَنَّ كلامنا هذا إنما هو قائم على أساس ما ذهب إليه بعض العلماء من الاستدلال بالحديث على نسخ النهي عن استقبال القبلة، وأما على افتراض أنه كان قبل النهي عن استقبال القبلة فلا يرد الاستنكار المذكور، وعليه حمل ابن حزم الحديث على فرض صحته

،

لكن يرد على هذا الافتراض أنه يبعد أَنْ يكره الصحابة شيئًا دون توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم، وافتراض ثبوت ذلك عنهم فيه إساءة الظن بهم وأنهم يشرعون بآرائهم، وهذا ما لا يجوز أَنْ نظنه بهم، ولذلك فالحديث كيف ما أول، فهو منكر عندي. والله أعلم" (السلسة الضعيفة 947).

ص: 149

* ومع هذا قد صحح هذا الحديث جماعة من أهل العلم، وحسنه آخرون! :

فقال النووي: "إسناده حسن"(شرح مسلم 3/ 154)، وزاد في (المجموع 2/ 78):"لكن أشار البخاري في (تاريخه) في ترجمة خالد بن أبي الصلت إلى أَنَّ فيه علة".

وقال مغلطاي: "إسناده صحيح ظاهره الاتصال"، ثم رجح سماع عِرَاك من عائشة خلافًا لأحمد، انظر:(شرح ابن ماجه 1/ 182 وما بعدها).

وقال العلائي: "إِنَّ ابن ماجه روى بسند صحيح على شرط مسلم عن عِرَاك

" (الأربعين المغنية ص 530).

وقال ابن الملقن: "وفي سنن ابن ماجه بإسناد صحيح عن عِرَاك عن عائشة

" (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام 1/ 470).

وقال البوصيري: "وهذا الذي علل به البخاري ليس بقادح؛ فالإسناد الأول حسن رجاله ثقات معروفون، وقد أخطأ من زعم أَنَّ خالد بن الصلت مجهول، وأقوى ما علل به هذا الخبر أَنَّ عِرَاك لم يسمع من عائشة؛ نقلوه عن الإمام أحمد، وقد ثبت سماعه منها عند مسلم"(مصباح الزجاجة 1/ 47).

وحسنه الصنعاني في (سبل السلام 1/ 113)، والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المحلى 1/ 197).

وتعقبهم جماعة من أهل العلم:

فقال المباركفوري - متعقبا النووي -: "هو حديث ضعيف منكر لا يصلح للاحتجاج"(تحفة الأحوذي 1/ 48).

ص: 150

وتعقب الألباني كلام البوصيري، وأجاب عنه من خمسة وجوه، معتمدًا على ما تقدم تقريره من علل الحديث، انظر:(السلسلة الضعيفة 2/ 357).

وقال المعلمي: "ورأيت لبعض أجلة العصر كلامًا في تصحيح هذا الحديث، وجزم بأنه صحيح على شرط مسلم. وأقول: في هذا نظر من وجوه:

أظهرها: أَنَّ خالد بن أبي الصلت مجهول الحال كما علمت، وليس من مذهب مسلم الاحتجاج بأمثاله.

الثاني: أَنَّ المعاصرة لم تتحقق، فإنه لا يثبت أَنَّ عِرَاكًا أدرك سن السماع والضبط في حديث عائشة

" (آثار الشيخ المعلمي اليماني 16/ 46).

قلنا: وقد وقفنا للحديث على طريق آخر من غير رواية خالد الحَذَّاء، وهو:

الطريق الثاني: عن الزُّهْرِيِّ عن عِرَاك:

أخرجه البيهقي في (الخلافيات 355) قال: أخبرنا (أبو الحسن)

(1)

بن أبي المعروف، أنا أبو علي مخلد بن جعفر الدقاق، أنا محمد بن (حنيفة)

(2)

بن ماهان، حدثنا محمد بن موسى الحرشي، حدثنا خالد بن يحيى السدوسي، عن محمد بن إسحاق، عن الزُّهْرِيِّ، عن عِرَاك بن مالك، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.

(1)

تحرف في المطبوع إلى (أبو الحسين) والصواب المثبت، انظر: ترجمته في (المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور 57)، و (السلسبيل النقي 189)، و (إتحاف المرتقي 172).

(2)

تحرف في المطبوع إلى (حذيفة) والصواب المثبت، انظر: ترجمته في (تاريخ بغداد 3/ 115)، و (تاريخ الإسلام 6/ 1022)، وغيرهما.

ص: 151

وهذا إسناد منكر؛ فيه علل:

الأولى: محمد بن حنيفة بن ماهان: هو أبو حنيفة القصبي الواسطي، قال الدارقطني:"ليس بالقوي"(سؤالات الحاكم 219)، وانظر:(تاريخ بغداد 3/ 115)، و (الميزان 7463)، وقال صاحب (الجواهر المضية في طبقات الحنفية 168):"تكلموا فيه".

الثانية: محمد بن موسى الحرشي: هو ابن نفيع البصري، قال الحافظ:"لين"(التقريب 6338).

الثالثة: خالد بن يحيى السدوسي، قال عنه ابن عدي:"ولخالد هذا غير ما ذكرت من الحديث إفرادات وغرائب عمن يحدث عنه وليس بالكثير وأرجو أنه لا بأس به؛ لأني لم أر في حديثه متنًا منكرًا"(الكامل 3/ 9).

قلنا: وهذا السند غريب جدًّا من حديث الزُّهْرِيّ، والمحفوظ عن محمد بن إسحاق: ما رواه إبراهيم بن سعد وغيره من أصحاب ابن إسحاق الثقات عنه عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر به، كما تقدم.

ولذا قال البيهقي - عقب هذا الطريق -: "تفرد به خالد بن يحيى عن ابن إسحاق، والمحفوظ عن محمد بن إسحاق ما مضى من حديث جابر".

* * *

ص: 152

550 -

حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ:

◼ عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنهما:«أَنَّهُ رَأَى النَبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَبُول مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» .

[الحكم]:

منكر، وأعله الترمذي، والدارقطني، وابن عبد البر، والألباني.

[التخريج]:

[ت 9 "واللفظ له" / حم 22560 / طب (3/ 240/ 3276) / طس 172 / طح (4/ 234) 6596 / علت 4 / علقط 1047].

[السند]:

أخرجه أحمد: عن حسن بن موسى، وموسى بن داود، وإسحاق بن الطباع

وأخرجه الترمذي في (السنن) و (العلل): عن قُتَيْبَة بن سعيد.

وأخرجه الطحاوي في (شرح معاني الآثار): من طريق أسد بن موسى.

وأخرجه الطبراني في (الكبير)، وفي (الأوسط): من طريق سعيد ابن أبي مريم.

ستتهم [قُتَيْبَة، وحسن، وموسى، وإسحاق، وأسد، وسعيد]: عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة، به.

فمداره عندهم على ابن لهيعة عن أبي الزبير، به.

قال الطبراني بإثره: "لا يُرْوى عن أبي قتادة إِلَّا بهذا الإسناد، تفرد به: ابن لهيعة"(الأوسط).

[التحقيق]:

هذا إسناد منكر؛ فيه ثلاث علل:

ص: 153

الأولى: ضعف ابن لهيعة، سواء في ذلك رواية العبادلة عنه ورواية غيرهم، كما هو عليه المحققون من أئمة الحديث وجهابذته، كما تقدم تقريره، في باب:"ما رُوِي في أَنَّ بقاء أثر دم الحيض في الثوب لا يضر"، حديث رقم (؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ).

الثانية: اضطرابه فيه؛ فقد رواه ابن لهيعة هنا عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة في الرخصة في استقبال القبلة.

ورواه تارة أخرى عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي سعيد في النهي عن ذلك، كما تقدم تخريجه في بابه.

الثالثة: المخالفة، فالمحفوظ عن جابر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، دون ذكر أبي قتادة، كما تقدم.

ولذا قال الترمذي - عقبه -: "وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث ابن لهيعة، وابن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه"(السنن).

وقال في "العلل": "حديث جابر عن أبي قتادة ليس بمحفوظ"(العلل الكبير ص 23).

وسئل عنه الدارقطني فقال: "كذلك يقول ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر، عن أبي قتادة، وليس بمحفوظ.

والحديث مشهور، عن جابر بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، يرويه محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر

" (العلل 1047).

وقال ابن عبد البر: "هو حديث لا يحتج بمثله"(التمهيد 1/ 312).

وقال الألباني: "ضعيف الإسناد"(ضعيف سنن الترمذي 1).

* * *

ص: 154

551 -

حَدِيثُ عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ:

◼ عن عَبْد اللَّهِ بْن الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيّ رضي الله عنه، قَالَ:«رَأَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ حَدَّثَ النَّاسَ بِذَلِكَ.

[الحكم]:

منكر، وضعفه ابن رجب، والهيثمي.

[التخريج]:

[حم 17708]

[السند]:

قال (أحمد): حدثنا يحيى بن إسحاق، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عبيد الله بن المغيرة، قال: أخبرني عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ لأجل عبد الله بن لهيعة، لاسيما في غير رواية العبادلة عنه، وهذا منها.

وقد قلب ابن لهيعة متن هذا الحديث؛ فقد رواه: الليث بن سعد وعبد الحميد بن جعفر وعمرو بن الحارث ثلاثتهم عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء الزبيدي، يقول: أنا أول من سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ» ، وأنا أول من حدث الناس بذلك.

بل وكذا رواه ابن وهب عن ابن لهيعة على الصواب، كما في (شرح معاني الآثار 4/ 232/ 6579)، فلعل هذا مما تلقنه ابن لهيعة بعد.

وقد قال الحافظ ابن رجب: "هذا اللفظ خطأ، تفرد به ابن لهيعة، وخالف

ص: 155

رواية الناس كلهم" (شرح علل الترمذي 1/ 423).

وقال الهيثمي: "رواه أحمد وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف"(المجمع 1012).

[تنبيه]:

وقع المتن في الطبعة الميمنية من مسند أحمد باللفظ المحفوظ: «لا يبول أحدكم مستقبل القبلة وأنا أول من حدث الناس بذلك» ، تبعًا للنسخ المتأخرة كما أشار لذلك محققو طبعة الرسالة، وكذا ذكره الحافظ في (إتحاف المهرة 7001)، و (أطراف المسند 3100) ضمن طرق حديث النهي.

وهذا خطأ، والصواب المثبت في طبعة الرسالة، كما ذكره الهيثمي في (المجمع)، وفي (زوائد المسند 282)، وأشار إليه ابن رجب في (شرح العلل)، والصالحي الشامي في (سبل الهدى والرشاد 8/ 13)، بهذا اللفظ الذي أوردناه.

وكذا أورده ابن كثير من مسند أحمد، كما في أصل (جامع المسانيد 6229)، إِلَّا أَنَّ محقق ط دار خضر، بدَّل وغَيَّر واستدرك في متنه، ليتوافق مع الطبعة الميمنية!!.

* * *

ص: 156

552 -

حَدِيثُ عَمَّارِ:

◼ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما، قَالَ:«رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ النَّهْيِ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ» .

[الحكم]:

إسناده ضعيف جدًّا، وضعفه ابن عدي، والهيثمي، والصالحي.

[التخريج]:

[طب (مغلطاي 1/ 187)، (جامع 7837)، (مجمع 1013) "واللفظ له" / عد (3/ 79)]

[السند]:

قال (الطبراني): حدثنا محمد بن الفضل الثقفى، حدثنا الحكم بن موسى، حدثنا عيسى بن يونس، عن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن عمار، به.

وقال (ابن عدي): حدثنا محمد بن علي بن عمرو الحفار، حدثنا أبو همام، حدثنا عيسى بن يونس، حدثنا جعفر، عن القاسم الشامي، عن عمار، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ فيه جعفر بن الزبير، وهو:"متروك الحديث"(التقريب 939).

والحديث ذكره ابن عدي في ترجمته مع جملة من حديثه، ثم قال:"ولجعفر بن الزبير هذا أحاديث غير ما ذكرت عن القاسم وعامتها مما لا يتابع عليه والضعف على حديثه بين"(الكامل 3/ 79).

وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه جعفر بن الزبير، وقد

ص: 157

أجمعوا على ضعفه" (المجمع 1013).

وقال محمد بن يوسف الصالحي: "وروى الطبراني بسند ضعيف عن عمار .. " فذكره، (سبل الهدى والرشاد 8/ 14).

* * *

ص: 158

553 -

حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ:

◼ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا. فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا؟ قَالَ:«بَلَى، إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ» .

[الحكم]:

إسناده ضعيف، وضعفه المعلمي اليماني، وأشار لضعفه ابن عبد الهادي.

[التخريج]:

[د 11 "واللفظ له" / خز 64 / ك 559 / جا 31 / قط 161 / هق 443، 444 / هقغ 59 / هقع 811، 812 / ناسخ 84 / عتب (ص 38) / هقخ 347، 348 / فق 586].

[السند]:

رواه أبو داود وابن خزيمة وابن الجارود: عن محمد بن يحيى الذهلي، حدثنا صفوان بن عيسى، عن الحسن بن ذكوان، عن مروان الأصفر، به.

ومداره عند الجميع على صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:

الأولى: ضعف الحسن بن ذكوان، قال أحمد "أحاديثه أباطيل"(الضعفاء العقيلي 1/ 223)، وقال مرة:"ليس بذاك"(العلل رواية المروزي 177، 209). وقال يحيى بن معين: "ضعيف"(الجرح والتعديل 3/ 13)، وقال

ص: 159

مرة: "كان صاحب أوابد، منكر الحديث"(الضعفاء لابن الجوزي 816). وقال أيضًا: "وكان قدريا"(تهذيب التهذيب 2/ 277).

وقال علي ابن المديني: "حدث يحيى بن سعيد عن الحسن بن ذكوان ولم يكن عنده بالقوي"(الضعفاء للعقيلي 1/ 430)، وقال النسائي:"ليس بالقوي"(ميزان الاعتدال 1844)، وقال الآجري عن أبي داود:"كان قدريا"، قلت:"زعم قوم أنه كان فاضلا جدًّا"، فقال:"ما بلغني عنه فضل"(سؤالات الآجري 708)، وقال أبو حاتم:"ضعيف الحديث، ليس بالقوي"(الجرح والتعديل 3/ 13)، (العلل 6/ 51)، وقال أبو زرعة:"ضعيف الحديث"(سؤالات البرذعي 150)، وقال الساجي:"إنما ضعف لمذهبه وفي حديثه مناكير"(تهذيب التهذيب 2/ 277). وضعفه الدارقطني في (العلل 271).

وفي المقابل:

قال البزار: "لا بأس به"(المسند 9/ 60)، وذكره ابن حبان في (الثقات 6/ 143).

وقال ابن عدي: "وللحسن بن ذكوان أحاديث غير ما ذكرت وليس بالكثير وفي بعض ما ذكرت لا يرويه غيره على أَنَّ يحيى القطان وابن المبارك قد رويا عنه كما ذكرته وناهيك للحسن بن ذكوان من الجلالة أَنْ يرويا عنه، أرجو أنه لا بأس به"(الكامل 3/ 504).

وقال ابن شاهين: "ثقة"(الثقات 189).

وقال الذهبي: "صالح الحديث"(الميزان 1/ 489)، كذا قال في الميزان، بينما اعتمد في (ديوان الضعفاء 900) قول أحمد: "أحاديثه

ص: 160

أباطيل"، واعتمد في (الكاشف 1028) قول النسائي: "ليس بالقوي".

ولخص الحكم فيه الحافظ ابن حجر بقوله: "صدوق يخطئ ورمي بالقدر وكان يدلس"(التقريب 1240).

فمثله لا يحتج بما ينفرد به، لاسيما إذا عنعن، فهو فاحش التدليس، وهذه هي:

العلة الثانية: عنعنة الحسن بن ذكوان فهو كثير التدليس عن المتروكين والهلكى، وقد ذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من (طبقات المدلسين 70)، وكان الأولى أَنْ يوضع في المرتبة الرابعة لضعفه.

قال محمد بن نصر المروزي: "في حديثه عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن عمرو بن خالد عن حبيب بن أبي ثابت فدلسه بإسقاط عمرو بن خالد؛ لأنه منكر الحديث"، وكذلك قال يحيى بن معين:"في كل ما رواه الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت أَنَّ بينه وبين حبيب رجلًا ليس بثقة"(المدلسين لأبي زرعة العراقي 10). وكذا قال أحمد بن حنبل، وأبو داود، وابن صاعد، والعقيلي، انظر:(تهذيب التهذيب 2/ 276 - 277).

قلنا: وعمرو بن خالد ليس بمنكر الحديث فحسب، بل هو كذاب متهم بالوضع؛ كذبه وكيع وأحمد ويحيى بن معين. وقال إسحاق بن راهويه وأبو زرعة:"يضع الحديث". وهذا مما يدل على أَنَّ تدليس الحسن بن ذكوان كان فاحشًا، فلا يمكن قبوله حديثه بحال مع عنعنته فيه، وهو الحال هنا فلم نقف له في جميع طرق الحديث على تصريح له بالسماع. والله أعلم.

ص: 161

وبهاتين العلتين أعله المعلمي اليماني في (رسالة قضاء الحاجة / المطبوعة ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 34 - 35)، وسيأتي نص كلامه.

وقد أشار لتضعيفه بالحسن بن ذكوان، ابن عبد الهادي؛ حيث قال:"وفي إسناده الحسن بن ذكوان، وقد تكلم فيه غير واحد، وروى له البخاري، والله أعلم"(تنقيح التحقيق 1/ 153).

* ومع هذا صححه بعض أهل العلم وحسنه آخرون:

فأخرجه ابن خزيمة في صحيحه.

وقال الدارقطني: "صحيح، كلهم ثقات"، كذا في طبعة المعرفة من (السنن 1/ 58)، ولم يذكرها محققو طبعة الرسالة، وهذا أشبه بالصواب، لتصريحه بضعف الحسن في العلل، كما تقدم.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط البخاري، فقد احتج بالحسن بن ذكوان، ولم يخرجاه"! ! .

وقال الحازمي: "حديث حسن"(الاعتبار ص 38).

وقال النووي: "حديث حسن، وهو على شرط البخاري كما قال الحاكم"(الإيجاز في شرح سنن أبي داود ص 121)، وكذا حسنه في (الخلاصة 1/ 153).

وقال الحافظ: "رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به"(الفتح 1/ 247).

وقال الألباني: "إسناده حسن، ورجاله رجال الصحيح

، والحسن بن ذكوان: ثقة من رجال البخاري، لكن فيه كلام، ولذلك أورده الذهبي في (الميزان)؛ وحكى أقوال الأئمة فيه، واعتمد هو على أنه صالح الحديث.

ص: 162

وقال الحافظ في (التقريب): "صدوق يخطئ". فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى؛ ما لم يظهر خطأه" (صحيح أبي داود 8)، وانظر:(الإرواء 1/ 100).

قلنا: وهذا الكلام فيه نظر، من وجهين:

الأول: أَنَّ الحسن بن ذكوان؛ ضعفه أئمة هذا الشأن كما سبق، ولم يوثقه أحد يعتمد قوله في مخالفتهم، فأحسن أحواله أنه صالح في المتابعات والشواهد، كما فعل البخاري، فالبخاري لم يحتج به إنما أخرج له حديثًا واحدًا في الشواهد، من رواية يحيى بن سعيد القطان عنه ومعروف تعنته في الرجال، وقد صرح فيه الحسن بالتحديث ممن فوقه.

قال الحافظ ابن حجر في (مقدمة الفتح): "الحسن بن ذكوان، روى له البخاري حديثًا واحدًا في كتاب الرقاق من رواية يحيى بن سعيد القطان عنه عن أبي رجاء العطاردي عن عمران بن حصين يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الحديث مختصر ولهذا الحديث شواهد كثيرة"(هدي الساري ص 474).

وقال الحافظ في (الفتح 11/ 441): " تكلم فيه أحمد وبن معين وغيرهما، لكنه ليس له في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه مع تعنته في الرجال ومع ذلك فهو متابعة".

الثاني: على فرض أنه ممن يحسن حديثه، فهو كثير التدليس عن الضعفاء والمتروكين؛ ولم نجد في أي من طرق الحديث تصريح منه بالتحديث، فهذه علة أخرى غفل عنها كل من صحح هذا الإسناد أو حسنه.

ولهذا قال العلامة المعلمي - متعقبا ابن حجر في قوله (لا بأس به) -:

ص: 163

" أقول: بلى وأي بأس؟ فإن الحسن بن ذكوان ضعفه الأئمة: أحمد ويحيى وعلي وأبو حاتم والنسائي وغيرهم. قال أحمد: أحاديثه أباطيل، يروي عن حبيب بن أبي ثابت، ولم يسمع من حبيب، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطي. وجاء نحو هذا عن يحيى بن معين وأبي داود

"، ثم قال: "أقول: إن كان الحسن قال: (حدثنا حبيب أو نحو ذلك)، فهذا هو الكذب. وإن كان قال:(قال حبيب أو نحو ذلك)، فهذا تدليس عن الهلكى، فإن عمرو بن خالد تالف، رماه بالكذب ووضع الحديث: وكيع وأحمد وإسحاق ويحيى وأبو زرعة وأبو داود وغيرهم.

فعلى القول بأن التدليس عن مثل هذا يسقط العدالة فظاهر، وأما على القول إنه لا يسقطها إذا كان إذا سئل بين، فالمتفق عليه بين أهل العلم أَنَّ مثل هذا لا يعتد بما رواه غير مصرح بالسماع، وحديثه هذا لم يصرح فيه بالسماع، فسقط إجماعًا"، ثم ذكر حديثه في البخاري وكلام الحافظ في (الهدي) ثم قال: "فالحديث من رواية يحيى القطان، وتثبته معروف، وهو متابعة وصرح الحسن بالسماع، فكيف يقاس عليه حديث هذا الباب؟! لا والله، بل حديثه في الباب ساقط؛ لاحتمال أنه سمعه من أحد الوضاعين. والله أعلم" (رسالة قضاء الحاجة / المطبوعة ضمن آثار الشيخ المعلمي 16/ 34 - 35).

* * *

ص: 164

رِوَايَةٌ: أَلَسْتُمْ تَكْرَهُونَ هَذَا:

• وفي رواية: عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَبْرَكَ بَعِيرًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ بَالَ فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَسْتُمْ تَكْرَهُونَ هَذَا؟ قَالَ: «إِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مَا يَسْتُرُهَا فَلَا بَأْسَ» .

[الحكم]:

ضعيف كسابقه.

[التخريج]:

[حق (2/ 510 - 511)]

[السند]:

قال إسحاق بن راهويه في (مسنده): أخبرنا سعدان بن سعد الليثي، نا الحسن بن ذكوان، عن مروان الأصفر، به.

[التحقيق]:

هذا إسناد ضعيف كسابقه؛ لضعف الحسن بن ذكوان وعنعنته، وفيه علة أخرى وهي:

سعدان بن سعد الليثي، قال عنه أبو حاتم:"هو مجهول"(الجرح والتعديل 4/ 290)، وتبعه الذهبي في (الميزان 3097).

وقد خالف صفوان بن عيسى - وهو "ثقة"(التقريب 2940) -، فرواه بلفظ:«أَلَسْتُمْ تَكْرَهُونَ هَذَا» ؛ بينما رواه صفوان بن عيسى بلفظ: «أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا» ، وهذا له حكم الرفع، بخلاف رواية سعدان. والله أعلم.

* * *

ص: 165