الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
99 - بابٌ: تَرْكُ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ
652 -
حَدِيثُ أنس:
◼عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ:«كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ» .
• وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ خَاتَمًا؛ نَقْشُهُ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَكَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَهُ» .
[الحكم]:
مختلف فيه: فضعفه أبو داود، والنسائي، والدارقطني، وابن السكن، وابن عدي، والبيهقي، والحازمي، والنووي، وابن القيم، وابن رجب، والعراقي، وابن حجر، والبقاعي، والسخاوي، والألباني.
وصححه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والمنذري، وابن دقيق، ومغلطاي، وابن التركماني، وابن الملقن، والعيني، والسيوطي، والمناوي، والشوكاني.
والراجح: أنه ضعيف. والله أعلم.
[الفوائد]:
قَالَ ابن المنذر: "اختلف أهل العلم في الرجل يكون في أصبعه خاتم، فيه ذكر الله عز وجل يدخل به الخلاء، فرخصت طائفة في ذلك، وممن رُوِي عنه الرخصة: سعيد بن المسيب، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين.
واستحبت طائفة أَنْ يجعل ذلك في باطن كفه، قال عكرمة: خل به هكذا في كفك فاقبض عليه. وقال أحمد بن حنبل: إن شاء جعله في باطن كفه. وكذلك قال إسحاق". قال ابن المنذر: "يستحب أَنْ يضع المرء الخاتم الذي فيه ذكر الله عند دخول الخلاء، فإن لم يفعل جعل فصه في باطن كفه" (الأوسط 1/ 464).
وقال مغلطاي - في شرح هذا الحديث -: "الحديث أصل في استحباب رفع ما فيه اسم الله تعالى عند الخلاء؛ لأن خاتمه عليه السلام كان نقشه محمد رسول اللَّه. وعلى ذلك فقهاء الأمصار، واختلفوا في الاستصحاب؛ فأباحه مالك وأحمد بشرط الستر؛ إن كان خاتما فبإدارة فصه إلى الكف، وإن كان درهما فبصرةٍ
…
، وأبو حنيفة والشافعي قالا بكراهة الاستصحاب تنزيهًا، والله أعلم" (شرح ابن ماجه 1/ 143 - 144).
[التخريج]:
[د 19 / ت 1845 "واللفظ له" / ن 5257 / كن 9667 / جه 305 / حب 1409/ ك 682، 683 "والرواية له" / عل 3543 / بز 6348، 6349 / شما 94 / منذ 293 / هق 455، 456 / معر 911، 912 / أصبهان (2/ 73) / تمام 496، 495، 1199 / تَمامز 27 / بغ 189 / نبغ 507 / كر (61/ 232) / طيل 343 / مض 4]
[التحقيق]:
هذا الحديث مداره على ابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ، وقد رُوِي عنه من عدة طرق:
الطريق الأول - وهو أشهرها -: يرويه همام بن يحيى، وقد اختلف عليه على أربعة أوجه:
الوجه الأول: عن همام بن يحيى عن ابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ عن أنس مرفوعًا:
أخرجه أبو داود (19): عن نصر بن علي، عن أبي علي الحنفي (عبيد الله بن عبد المجيد).
والترمذي في (السنن 1845)، و (الشمائل 94)، والنسائي في (الصغرى 5257) و (الكبرى 9667)، والبزار (6349): من طريق سعيد بن عامر.
والترمذي في (السنن 1845)، و (الشمائل 94)، والبزار (6349)، وابن المنذر (293) وغيرهم: من طريق الحجاج بن منهال.
وابن ماجه (305): من طريق أبي بكر الحنفي (عبد الكبير بن عبد المجيد).
وأبو يعلى (3543)، والبزار (6348)، وغيرهما: عن هدبة بن خالد
(1)
.
كلهم: عن همام بن يحيى، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس، به.
وهذا إسناد رجاله ثقات، إِلَّا أنه ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: ابن جُرَيْجٍ مدلس، وقد عنعن.
وبهذه العلة أعله ابن حجر في (النكت على ابن الصلاح 2/ 678)، والألباني في (ضعيف أبي داود 4).
العلة الثانية: أَنَّ رواية همام عن ابن جُرَيْجٍ فيها مقال، قال ابن حجر:"فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جُرَيْجٍ شيئًا؛ لأن أخذه عنه كان لما كان ابن جُرَيْجٍ بالبصرة، والذين سمعوا من ابن جُرَيْجٍ بالبصرة في حديثهم خلل من قبله"(النكت 2/ 677).
(1)
إلا أَنَّ هدبة قال في روايته: "لا أعلمه إلَاّ عن الزُّهْرِيِّ، عَن أَنَس"، والشك فيه من هدبة، فلم يذكره غيره، والله أعلم.
وقد خولف همام في هذا الحديث سندًا ومتنًا؛ فقد رواه:
1 -
روح بن عبادة، كما عند مسلم (2093)، وأحمد (13141) وغيرهما.
2 -
وأبو عاصم النبيل، كما عند مسلم (2093)، والبزار (6324)، وغيرهما.
3 -
وعبد الله بن الحارث المخزومي، كما عند أحمد (13141) وغيره.
4 -
وحجاج بن محمد، كما عند أبي عوانة في (المستخرج 9077).
5 -
وهشام بن سليمان، كما عند أبي الشيخ في (أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم 364)، وأبي محمد الفاكهي في (فوائده 237).
6 -
وموسى بن طارق، ذكره الدارقطني في (العلل 2586).
كلهم: عن ابن جُرَيْجٍ، قال: أخبرني زياد، أَنَّ ابن شهاب أخبره، أَنَّ أنس بن مالك، أخبره:«أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتما من ورق يوما واحدًا، ثم إن الناس اضطربوا الخواتم من ورق فلبسوها، فطرح النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتمهم» . واللفظ لمسلم.
وكذا رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزُّهْرِيّ؛ كيونس بن يزيد، كما عند البخاري (5868)، وإبراهيم بن سعد، كما عند مسلم (2093/ 59)، وشعيب بن أبي حمزة، كما عند أحمد (13352).
ولذا أعل رواية همام هذه غير واحد من أهل العلم:
* قال أبو داود: "هذا حديث منكر؛ وإنما يعرف عن ابن جُرَيْجٍ عن زياد بن سعد عن الزُّهْرِيِّ عن أنس: «أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما من ورق، ثم ألقاه». والوهم فيه من همام، ولم يروه إِلَّا همام"(السنن 19). وبنحوه في
(سؤالات الآجري لأبي داود 1220). وأقره ابن ناصر الدين في (جامع الآثار 7/ 378).
وقال أبو داود في كتاب (التفرد): "نخاف أَنْ يكون هذا الحديث ليس بمحفوظ"(شرح ابن ماجه لمغلطاي 1/ 142).
* وقال النسائي: "هذا الحديث غير محفوظ
(1)
" (السنن الكبرى).
* وقال الدارقطني: "ورواه عبد الله بن الحارث المخزومي، وحجاج، وأبو عاصم، وهشام بن سليمان، وموسى بن طارق، عن ابن جُرَيْجٍ، عن زياد بن سعد، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس «أنه رأى في يد النبي صلى الله عليه وسلم خاتما من ذهب، فاضطرب الناس الخواتيم، فرمى به النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لا ألبسه أبدا»، وهو المحفوظ، وهو الصحيح، عن ابن جُرَيْجٍ"(العلل 2586).
* وذكره ابن السكن في «سننه الصحاح» وقال: "هو وهم"(البدر المنير 2/ 337).
* وقال البيهقي - بعد أَنْ أخرج حديث ابن جُرَيْجٍ، عن زياد بن سعد -:" هذا هو المشهور عن ابن جُرَيْجٍ دون حديث همام"(السنن الكبرى 450).
* وقال الحازمي: "لم يرو هذا الحديث بهذا السياق إِلَّا همام. ووهم في ذلك"(البدر المنير 2/ 337).
* وضعفه النووي في (الخلاصة 329، 330)، وقال: "ضعفه أبو داود، والنسائي، والبيهقي، والجمهور، وقول الترمذي إنه: حسن، مردود
(1)
قال البقاعي: "يعني: أنه شاذ، وهذا هو المعتمد في وصف هذا الحديث"(النكت الوفية 1/ 474).
عليه".
* وقال ابن القيم: "الحديث شاذ أو منكر كما قال أبو داود، وغريب كما قال الترمذي"(تهذيب السنن 1/ 26).
وقال - بعد ذكره بعض روايات حديث الزُّهْرِيّ في اتخاذ الخاتم وطرحه -: "هذه الروايات كلها تدل على غلط همام فإنها مجمعة على أَنَّ الحديث إنما هو في اتخاذ الخاتم ولبسه وليس في شيء منها نزعه إذا دخل الخلاء. فهذا هو الذي حكم لأجله هؤلاء الحفاظ بنكارة الحديث وشذوذه. والمصحح له لما لم يمكنه دفع هذه العلة حكم بغرابته لأجلها فلو لم يكن مخالفًا لرواية من ذكر فما وجه غرابته ولعل الترمذي موافق للجماعة فإنه صححه من جهة السند لثقة الرواة واستغربه لهذه العلة وهي التي منعت أبا داود من تصحيح متنه فلا يكون بينهما اختلاف بل هو صحيح السند لكنه معلول. والله أعلم"(تهذيب السنن 1/ 27).
* وقال ابن رجب: "وله علة قد ذكرها حذاق الحفاظ كأبي داود والنسائي والدارقطني وهي أَنَّ هماما تفرد به عن ابن جُرَيْجٍ هكذا، ولم يتابعه غير يحيى بن المتوكل ويحيى بن الضريس ورواه بقية الثقات: عبد الله بن الحارث المخزومي، وحجاج، وأبوعاصم، وهشام بن سليمان وموسى بن طارق عن ابن جُرَيْجٍ عن زياد بن سعد عن الزُّهْرِيِّ عن أنس: أنه رأى في يد النبي خاتما من ذهب)
…
الحديث
وهذا هو المحفوظ عن ابن جُرَيْجٍ دون الأول وقد جاء في رواية هدبة عن همام عن ابن جُرَيْجٍ، ولا أعلمه إِلَّا عن الزُّهْرِيِّ عن أنس، وهذه تشعر بعدم تيقن فإن كانت من همام؛ فقد قوي الظن بوهمه، وإن كانت من هدبة فلا تؤثر؛ لأن غيره ضبطه عن همام كما ان بعض الرواة وقفه عن همام على
أنس، ولم يضر ذلك لاتفاق سائر الرواة عنه على الرفع.
وروى ابن عدي أَنَّ هماما إنما وهم في إدراج قوله: (كان إذا دخل الخلاء وضعه) فإن هذا من قول الزُّهْرِيّ، وأما أول الحديث وهو أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما ولبسه فهو مرفوع وقد جاء هذا مبينا في رواية عمر بن شبة ثنا حبان بن هلال ثنا همام عن ابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ:(أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لبس خاتمه كان إذا دخل الخلاء وضعه) " (أحكام الخواتيم / من مجموع رسائل ابن رجب 2/ 699، 700).
* وقال ابن حجر: "وعلته أنه من رواية همام، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس، ورواته ثقات، لكن لم يخرج الشيخان رواية همام، عن ابن جُرَيْجٍ، وابن جُرَيْجٍ قيل لم يسمعه من الزُّهْرِيّ وإنما رواه عن زياد بن سعد، عن الزُّهْرِيِّ بلفظ آخر"(التلخيص الحبير 1/ 190).
وقال في (بلوغ المرام 86): "معلول".
وقال أيضًا: "وجزم الدارقطني وجماعة بأنه وهم في هذا إسنادًا ومتنًا، وأن الحديث إنما هو حديثه عن زياد بن سعد عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس «أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما» ". (الأسئلة الفائقة بالأجوبة اللائقة ص 51).
* ومع ما ذكرناه من إعلال هذا الحديث، فقد ذهب إلى تصحيحه بعض أهل العلم، جريًا على ظاهر إسناده.
فقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
وقال المنذري: "وهذا هو الصواب عندي؛ فإن رواته كلهم ثقات أثبات"(البدر المنير 2/ 338).
وقال في (مختصر سنن أبي داود 1/ 26): "وهمام هذا
…
، وإن كان قد
تكلم فيه بعضهم، فقد اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه
…
"، وذكر ثناء العلماء عليه، ثم قال: "وإذا كان حال همام كذلك فيترجح ما قاله الترمذي، وتفرده به لا يوهن الحديث، وإنما يكون غريبًا، كما قال الترمذي. والله عز وجل أعلم".
وقال ابن دقيق العيد: "ويرجح ما قاله الترمذي أيضًا: ضعف القرينة الدالة أيضًا على وهم همام، فإن انتقال الذهن من قولنا: «اتخذ خاتما من ورق، ثم ألقاه» إلى قوله: «كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه» لا يكون إِلَّا عن غفلة شديدة لا يحتمل مثل همام مثلها. نعم في روايته هذه عن هدبة بن خالد، عن همام: "ولا أعلمه إِلَّا عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس"، وهذه عبارة تشعر بعدم تيقن، فإن كان قائل هذا الكلام هو هدبة فلا يضر لذلك؛ لثبت غيره الرواية عن همام وبثقته، وإن كان هو همام فقد يضم ذلك إلى مخالفة الجمهور له، فيوقع شيئًا في الوهم، وعلى الجملة فالجاري على قواعد الفقه والأصول قبول رواية الثقة في مثل هذا، والله عز وجل أعلم"(الإمام 2/ 454 - 455).
وأبي ذلك آخرون؛ فقال النووي: "وقول الترمذي إنه: حسن، مردود عليه"(الخلاصة 330).
وقال الحافظ العراقي: "وأما قول الترمذي بعد تخريجه له هذا حديث حسن صحيح غريب؛ فإنه أجرى حكمه على ظاهر الإسناد، وقول أبي داود والنسائي أولي بالصواب"(التقييد والإيضاح ص 108).
وقال أيضًا: "فهمام بن يحيى ثقة، احتج به أهل الصحيح، ولكنه خالف الناس، فروى عن ابن جُرَيْجٍ هذا المتن بهذا السند وإنما روى الناس عن ابن جُرَيْجٍ الحديث الذي أشار إليه أبو داود، ولهذا حكم عليه أبو داود
بالنكارة" (شرح التبصرة والتذكرة 1/ 256).
وقال السخاوي: "وقول الترمذي: إنه حسن صحيح غريب، فيه نظر"(فتح المغيث 1/ 254).
وصححه أيضًا: ابن حبان؛ حيث أخرجه في صحيحه.
وقال السخاوي: "وقال موسى بن هارون: لا أدفع أَنْ يكونا حديثين
(1)
. ومال إليه ابن حبان، فصححهما معا" (فتح المغيث 1/ 254).
وقال الحافظ - بعد إعلاله بالمخالفة -: "على أَنَّ للنظر مجالا في تصحيح حديث همام، أنه مبني على أَنَّ أصله حديث الزُّهْرِيّ، عن أنس رضي الله عنه في اتخاذ الخاتم.
ولا مانع أَنْ يكون هذا متن آخر غير ذلك المتن، وقد مال إلى ذلك ابن حبان فصححهما جميعًا، ولا علة له عندي إِلَّا تدليس ابن جُرَيْجٍ، فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي. والله أعلم" (النكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 678).
وصححه ابن دقيق العيد في (الإمام 2/ 453 - 455)، ومغلطاي في (شرح ابن ماجه 1/ 143)، وابن الملقن في (البدر المنير 2/ 336 - 343)، والعيني في (شرح أبي داود 1/ 79)، وابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 95)، والسيوطي في (الجامع الصغير 6662)، والمناوي في (التيسير 2/ 247).
(1)
وقول موسى بن هارون هذا، ذكره ابن الأعرابي في (معجمه 2/ 468) إلا أنه وقع مصحفًا هكذا: قَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ: "وَأَنَا لَا أَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ حَدَّثَنَا عَنِّي". كذا، والصواب ما ذكره السخاوي.
وقال الشوكاني: "لم يأت فيه من ضعفه بما تقوم به الحجة في التضعيف"(الدراري المضية 1/ 38).
قلنا: أقلها عنعنة ابن جُرَيْجٍ، وهو فاحش التدليس، وهذا ما لم يجب عنه أحد ممن صحح الحديث.
الوجه الثاني: عن همام عن ابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ مرسلًا:
فقد رواه عمر بن شبة عن حبان بن هلال عن همام عن ابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ - مرسلًا - قال: «أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث لبس خاتمه كان إذا دخل الخلاء وضعه» . نقله ابن رجب عن ابن شبة في رسالة (أحكام الخواتيم / المطبوعة ضمن مجموع رسائل ابن رجب 2/ 700).
وحبان بن هلال: "ثقة ثبت" من رجال الجماعة، (التقريب 1069).
ولهذا ذكر ابن رجب - كما تقدم - أَنَّ هماما وهم، فأدرج رواية الزُّهْرِيّ المرسلة هذه، في الرواية المتصلة، التي ليس فيها ذكر الخلاء.
الوجه الثالث: عن همام، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس به موقوفًا:
أخرجه ابن سعد في (الطبقات 5/ 342، 9/ 22) - قال: أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: حدثنا همام بن يحيى، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ:«أَنَّ أنس بن مالك نقش في خاتمه: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فكان إذا دخل الخلاء نزعه (وضعه)» .
وعمرو بن عاصم الكلابي، قال عنه الحافظ:"صدوق في حفظه شيء"(التقريب 5055).
ولهذا ذكر هذا الوجه الدارقطني في (العلل 2586) وغمزه بقوله: "ولم
يتابع على ذلك".
الوجه الرابع: عن همام عن قتادة، عن ابن جُرَيْجٍ به مرفوعًا:
رواه تمام في (الفوائد 1199)، وفي (إسلام زيد بن حارثة 27) - ومن طريقه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 61/ 232) - قال: حدثنا أبو موسى هارون بن محمد بن هارون بن أحمد الموصلي، ثنا أبو عمران موسى بن هشام الدينوري الوراق قال: سمعت أبا علي الحسن الموصلي مذاكرة، ثنا سهل بن صالح الأنطاكي، ثنا عامر بن سيار، عن همام، عن قتادة، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس، به.
وعامر بن سيار، قال أبو حاتم:"مجهول"(الجرح والتعديل 6/ 322)، وذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 502)، وقال:"ربما أغرب".
والمحفوظ عن همام عن ابن جُرَيْجٍ بلا واسطة كما تقدم، ثم إن قتادة في طبقة شيوخ ابن جُرَيْجٍ، فالأصل أَنْ يروي ابن جُرَيْجٍ عن قتادة لا العكس.
ولذا قال ابن عساكر - عقبه -: "غريب جدًّا".
الطريق الثاني: عن يحيى بن المتوكل عن ابن جُرَيْجٍ:
أخرجه الحاكم في (المستدرك 683) - ومن طريقه البيهقي في (الكبرى 456) - قال: حدثنا علي بن حمشاذ، حدثنا عبيد بن عبد الواحد، حدثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي، حدثنا يحيى بن المتوكل البصري، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس
(1)
: «أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتما؛ نقشه:
(1)
سقط أنس من (ط الهندية 1/ 187)، وكذا (ط دار الكتب العلمية 671)، والصواب إثباته كما في (ط التأصيل) و (إتحاف المهرة 1744)، وكذا رواه البيهقي من طريقه بإثباته، ثم كيف يقول عنه الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين" وهو مرسل؟ ! .
محمد رسول الله، فكان إذا دخل الخلاء وضعه».
ورواه ابن الأعرابي في (معجمه 911): عن أحمد بن سعد الزُّهْرِيّ، عن يعقوب بن كعب.
وأبو القاسم الحامض في (جزء له 4): عن محمد بن عمرو ابن أبي مذعور.
وتمام في (فوائده 495)، والبغوي في (شرح السنة 189): من طريق إسحاق بن الأخيل الحلبي.
ثلاثتهم: عن يحيى بن المتوكل، عن ابن جُرَيْجٍ، به.
وهذا إسناد ضعيف أيضًا؛ فيه علتان:
الأولى: عنعنة ابن جُرَيْجٍ، فهو مدلس فاحش التدليس، كما تقدم مرارًا.
الثانية: يحيى بن المتوكل وهو أبو بكر الباهلي البصري، ترجم له البخاري في (التاريخ الكبير 8/ 306)، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 9/ 190)، ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، وسئل عنه ابن معين فقال:"لا أعرفه"(سؤالات ابن الجنيد 926)، وذكره ابن حبان في (الثقات 7/ 612) وقال:"كان يخطئ، وليس هذا يحيى بن المتوكل الذي يقال له: أبو عَقِيْلٍ صاحب بهية، ذاك ضعيف". وذكره الحافظ العراقي في (ذيل ميزان الاعتدال ص 207) وقال: "وأشار البيهقي في سننه إلى تضعيفه؛ فإنه روى حديث همام في نزع الخاتم عند دخول الخلاء ثم رواه من رواية يحيى بن المتوكل هذا متابعًا لهمام وقال إنه شاهد ضعيف".اهـ.
وقال الذهبي: "ما علمت به بأسا"(تاريخ الإسلام 4/ 1253). وقال في (المغني 7039): "صدوق"! .
كذا قال، ولا ندري على أي شيء اعتمد في قوله:"صدوق"، ولم يوثقه معتبر، بل إن ابن حبان لما ذكره في (الثقات) مع تساهله في ذلك، قال:"كان يخطئ"، فكيف يكون صدوقا، وتوسط فيه الحافظ فقال:"صدوق يخطئ"(التقريب 7634).
وعلى كلِّ حالٍ فمثله لا يحتج بما ينفرد به، فكيف إذا خولف، فقد تقدم أَنَّ الثقات الأثبات من أصحاب ابن جُرَيْجٍ، قد رووه عنه، فزادوا في سنده (زياد بن سعد) بين ابن جُرَيْجٍ والزُّهْرِيّ، وبدون ذكر نزع الخاتم عند دخول الخلاء.
فلا جرم أَنْ يقول البيهقي عن متابعة يحيى هذا: "شاهد ضعيف".
وقال البغوي - عقبه -: "هذا حديث غريب"(شرح السنة 189).
وقال ابن حجر: "وأما متابعة يحيى بن المتوكل له - أي لهمام - عن ابن جُرَيْجٍ، فقد تفيد، لكن قول يحيى بن معين: لا أعرفه، أراد به جهالة عدالته لا جهالة عينه، فلا يعترض عليه بكونه روى عنه جماعة، فإن مجرد روايتهم عنه لا تستلزم معرفة حاله.
وأما ذكر ابن حبان له في (الثقات)، فإنه قال فيه مع ذلك: كان يخطئ. وذلك مما يتوقف به عن قبول أفراده" (النكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 678).
وقد تعقب قول البيهقي المتقدم جماعة:
فقال الذهبي بإثره: "يحيى هذا بصري ما علمت أحدًا وهاه"(المهذب 1/ 103).
وقال ابن التركماني: "وقول البيهقى (هذا شاهد ضعيف) فيه نظر؛ إذ ليس
في سنده من تكلم فيه فيما علمت ويحيى بن المتوكل بصرى أخرج له الحاكم في المستدرك وقال ابن حبان يخطئ وليس هذا يحيى بن المتوكل الذي يقال له أبو عَقِيْلٍ ذاك ضعيف" (الجوهر النقي 1/ 95).
قلنا: وليس فيما ذكره الذهبي وابن التركماني ما يفيد توثيقه، فيصح به الاعتراض على البيهقي.
وأما ابن القيم فقال: "وإنما ضعفه لأن يحيى هذا قال فيه الإمام أحمد واهي الحديث وقال بن معين ليس بشيء وضعفه الجماعة كلهم"(تهذيب السنن 1/ 25، 26).
كذا قال، ووهم في ذلك، فإن ما نقله عن أحمد وابن معين والجماعة، إنما هو في يحيى بن المتوكل المدني صاحب بهية
(1)
، وليس هذا.
وقال العراقي: "وكأن البيهقي ظن أَنَّ يحيى بن المتوكل: هو أبو عَقِيْلٍ صاحب بهية، وهو ضعيف عندهم، وليس هو به، وإنما هو باهليٌّ، يكنى أبا بكر؛ ذكره ابن حبان في الثقات، ولا يقدح فيه قول ابن معين: لا أعرفه فقد عرفه غيره، وروى عنه نحو من عشرين نفسًا؛ إِلَّا أنه اشتهر تفرُّد همام به عن ابن جُرَيْجٍ"(التقييد والإيضاح ص 108).
كذا قال، وهو الذي نقل قول البيهقي في ترجمة الباهلي، كما تقدم آنفًا، وحمل كلام البيهقي على ذلك أولى من توهيمه بغير دليل، وأما ذكر ابن حبان له في (الثقات) فغير معتبر، لتساهله في توثيق المجاهيل، كما تقدم تأصيله مرارًا.
* ومع ما تقدم، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين
(1)
انظر: ترجمته في (تهذيب الكمال 6908)، و (تهذيب التهذيب 11/ 271).
ولم يخرجاه، إنما خرجا حديث نقش الخاتم فقط".
وفيه نظر ظاهر؛ فإن يحيى بن المتوكل، فضلًا عما ذكرناه في ترجمته، فلم يخرجا له شيئًا، ولا خرجا ليعقوب بن كعب، ولا لابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ أيضًا.
الطريق الثالث: عن يحيى بن الضريس، عن ابن جُرَيْجٍ:
أخرجه أبو نعيم في (تاريخ أصبهان 2/ 110)، قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عيسى الخشاب، فيما أجاز، ثنا أبو بشر عبد الرحمن بن أحمد الولادي، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيى، عن ابن جُرَيْجٍ، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس، به.
ويحيى - فيما يظهر -: هو ابن الضريس، فهو المذكور في شيوخ عثمان وتلاميذ ابن جُرَيْجٍ، وقد نص الدارقطني في (العلل 2586) أنه رواه عن ابن جُرَيْجٍ متابعًا لهمام.
ولكن الإسناد إليه لا يثبت؛ فيه مجهولان:
الأول: أبو بشر عبد الرحمن بن أحمد الولادي، ترجم له أبو الشيخ في (طبقات المحدثين بأصبهان 393)، وأبو نعيم في (تاريخ أصبهان 1127)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق 34/ 121). ولم يذكروا فيه جرحًا ولا تعديلًا، سوى أَنَّ أبا نعيم قال عنه:"من كبار المتعبدين". وهذا لا ينفع في قبول روايته.
الثاني: عبد الله بن محمد بن عيسى الخشاب، ترجم له أبو نعيم في (تاريخ أصبهان 1042)، والذهبي في (تاريخ الإسلام 7/ 821) ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
هذا بالإضافة إلى عنعنة ابن جُرَيْجٍ، فإنه مدلس، كما تقدم.
* * *
653 -
حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنِ الزُّهْرِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ لَبِسَ خَاتَمَهُ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَهُ» .
[الحكم]:
مرسل ضعيف.
[التخريج]:
[عمر بن شبة (أحكام الخواتيم / المطبوعة ضمن مجموع رسائل ابن رجب 2/ 700)]
[السند]:
رواه عمر بن شبة: عن حبان بن هلال عن همام عن ابن جُرَيْجٍ عن الزُّهْرِيِّ، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات؛ لكنه مُعَلٌّ بعلتين:
الأولى: الإرسال، فالزُّهْرِيّ تابعي مشهور، ومراسيله واهية، كما قال يحيى القطان وابن معين وغيرهما، انظر: تفصيل ذلك في باب: "الدم يصيب الثوب"، من فصل النجاسات.
الثانية: عنعنة ابن جُرَيْجٍ، فإنه مدلس.
ثم إن المحفوظ عن ابن جُرَيْجٍ عن زياد بن سعد عن الزُّهْرِيِّ عن أنس، بغير هذا اللفظ، كما تقدم بيانه.
* * *
654 -
حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: ((أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ)).
[الحكم]:
منكر، وإسناده واهٍ، وضعفه ابن حجر.
[التخريج]:
[طيل 344].
[السند]:
قال الجورقاني في (الأباطيل): أخبرنا زيد بن سعيد بن أحمد بن علي الحسين، أخبرني عبدوس بن عبد الله بن عبدوس، قال: حدثنا الحسين بن محمد بن الحسين بن فنجويه، قال: حدثنا عبيد الله بن محمد بن شيبة، قال: حدثنا محمد بن إبراهيم الرازي، قال: حدثنا عبد الله بن عمران، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد واهٍ؛ فيه: محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، ضعفه أبو أحمد الحاكم وقال: لو "اقتصر على سماعه"، وقال أيضًا:"حدث عن شيوخ لم يدركهم"، وقال الدارقطني:"متروك". وقال أيضًا: "دجال يضع الحديث". انظر: (لسان الميزان 6333).
وبه ضعف الحديث ابن حجر فقال: "رجاله ثقات، إِلَّا محمد بن إبراهيم الرازي فإنه متروك"(التلخيص الحبير 1/ 191).
ثم إن المحفوظ عن أبي معاوية بهذا الإسناد عن ابن عباس، قال:«كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ، نَزَعَ خَاتَمَهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَتَهُ» . كذا أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 1214) عن أبي معاوية، وهو التالي:
* * *
655 -
حَدِيثٌ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ:
◼ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:«كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ، نَزَعَ خَاتَمَهُ فَأَعْطَاهُ امْرَأَتَهُ» .
[الحكم]:
إسناده صحيح.
[التخريج]:
[ش 1214]
[السند]:
قال ابن أبي شيبة في (المصنف 1214): حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبير؛ عن ابن عباس، به.
المنهال: هو ابن عمرو.
[التحقيق]:
هذا إسناد صحيح؛ رجاله كلهم ثقات.
* * *