الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
105 - بَابُ الْبَوْلِ قَائِمًا
685 -
حَدِيثُ حُذَيْفَةَ:
◼ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: كَانَ أَبُو مُوسَى، يُشَدِّدُ فِي الْبَوْلِ، وَيَبُولُ فِي قَارُورَةٍ وَيَقُولُ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا أَصَابَ جِلْدَ (ثَوْبَ) أَحَدِهِمْ بَوْلٌ قَرَضَهُ بِالْمَقَارِيضِ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ:«لَوَدِدْتُ أَنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يُشَدِّدُ هَذَا التَّشْدِيدَ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَتَمَاشَى، فَأَتَى سُبَاطَة] قَوْمٍ [خَلْفَ حَائِطٍ، فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ، فَبَالَ [قَائِمًا]، فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُ، فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ» .
[الحكم]:
متفق عليه (خ، م)، دون الرواية والزيادتين فللبخاري.
[الفوائد]:
أولا: قال القرطبي: "قول أبي موسى: «إن بني إسرائيل كانوا إذا أصاب جلد أحدهم بول قرضه»، يعني: الجلود التي كانوا يلبسونها، وقد سمعت بعض أشياخي من يحمل هذا على ظاهره، ويقول: إن ذلك كان من الإصر الذي حملوه"(المفهم 1/ 525).
قال الحافظ: "ويؤيده رواية أبي داود ففيها كان إذا أصاب جسد أحدهم لكن رواية البخاري صريحة في الثياب فلعل بعضهم رواه بالمعنى
(1)
" (فتح
(1)
رواية أبي داود التي أشار غليها الحافظ، ليست مسندة، وإنما علقها أبو داود عن عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل عن حذيفة، به. وعاصم متكلم فيه من قبل حفظه، فروايته هذه منكرة، ولعله رواه المعنى كما قال الحافظ، فأخطأ.
الباري 1/ 330).
ثانيا: قال النووي: "وأما بوله صلى الله عليه وسلم في السباطة التي بقرب الدور مع أَنَّ المعروف من عادته صلى الله عليه وسلم التباعد في المذهب فقد ذكر القاضي عياض رضي الله عنه أَنَّ سببه أنه صلى الله عليه وسلم كان من الشغل بأمور المسلمين والنظر في مصالحهم بالمحل المعروف فلعله طال عليه مجلس حتى حفزه البول فلم يمكنه التباعد ولو أبعد لتضرر وارتاد السباطة لدمثها وأقام حذيفة بقربه ليستره عن الناس وهذا الذي قاله القاضي حسن ظاهر والله أعلم"(شرح مسلم 3/ 166).
وقال الحافظ ابن حجر: "قيل: لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شيء.
وقيل: إنما بال قائمًا لأنها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبًا من الديار، ويؤيده ما رواه عبد الرازق عن عمر رضي الله عنه قال:«البول قائمًا أحصن للدبر» ، وقيل: السبب في ذلك ما رُوِي عن الشافعي وأحمد أَنَّ العرب كانت تستشفي لوجع الصلب بذلك فلعله كان به، وروى الحاكم والبيهقي من حديث أبي هريرة قال:«إنما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا لجرح كان في مأبضه»
(1)
، وهو باطن الركبة، ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى عن جميع ما تقدم، لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي.
والأظهر أنه فعل ذلك لبيان الجواز، وكان أكثر أحواله البول عن قعود، والله أعلم" (الفتح 1/ 330).
(1)
حديث منكر، ضعفه غير واحد من أهل العلم، وسيأتي تخريجه والكلام عليه قريبًا.
[التخريج]:
[خ 225، 226 "والزيادتان والرواية له ولغيره" / م 273 "واللفظ له" / حم 23248، 23422 / خز 55 مقتصرًا على المرفوع / حب 1425/ عه 570 / طي 407 / مسن 626 / ني 529 / هق 492 مقتصرًا على المرفوع / حداد 246].
[السند]:
رواه البخاري (225) قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، عن حذيفة، به.
ورواه مسلم (273): حدثنا يحيى بن يحيى، أخبرنا جرير، عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى يشدد
…
فذكره.
منصور: هو ابن المعتمر، وجرير: هو ابن عبد الحميد، وقد توبع؛
فرواه البخاري (226) قال: حدثنا محمد بن عرعرة، قال: حدثنا شعبة، عن منصور، عن أبي وائل، قال: كان أبو موسى الأشعري يشدد في البول،
…
فذكره.
* * *
رواية: " ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ":
• وفي رواية، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ:«أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ» .
[الحكم]:
صحيح (خ).
[اللغة]:
قوله: (سباطة قوم) السباطة والكناسة: الموضع الذي يرمى فيه التراب والأوساخ وما يكنس من المنازل. وقيل هي الكناسة نفسها. وإضافتها إلى القوم إضافة تخصيص لا ملك؛ لأنها كانت مواتا مباحة. (النهاية لابن الأثير 2/ 335).
[التخريج]:
[خ 224 واللفظ له، 2471 / ن 26 - 28 / كن 24، 24، 25، 26 ط التأصيل / جه 307، 308 / حم 23345 / مي 686/ حل (4/ 111) / هق 493 / معص (ص 196) / تخ (8/ 122) / حنف (حارثي 1390) / حنف (نعيم 1/ 222) / استذ (3/ 261) / ثوري 89، 92 / جوزي (ناسخ 1) / خط (8/ 359) / متفق 740 / علت 7 / علحم 4505 / تمهيد (11/ 145) / فمند 31 / مكرم 215].
[السند]:
قال البخاري (224): حدثنا آدم، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة به.
وقال البخاري أيضًا (2471): حدثنا سليمان بن حرب، عن شعبة، عن منصور، عن أبي وائل بنحوه.
* * *
رِوَايَةُ: فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ:
◼وفي رواية: قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا» فَتَنَحَّيْتُ (فَذَهَبْتُ أَتَبَاعَدُ) 1، فَقَالَ:«ادْنُهْ» فَدَنَوْتُ حَتَّى قُمْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ] حَتَّى فَرَغَ [1] ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ [2] فَأَتَيْتُهُ [3 «فَتَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» .
[الحكم]:
صحيح (م).
[التخريج]:
[م 273 / د 23 "والزيادة الثانية والرواية الأولى له ولغيره" / ت 12 / ن 18 "والزيادة الأولى له ولغيره"، 28 / كن 18، 24 / جه 549 / حم 23241 والزيادة الثالثة له، 23246، 23414 / خز 65 / حب 1420، 1421، 1423، 1424/ عه 571 - 575 / طي 406 / عب 759/ ش 1866 / بز 2863 - 2865، 2890، 2892 / حمد 447 / طص 752، 1130 / طس 4961، 6406، 9374 / جعد 733 / جا 35 / ناسخ 73 / طوسي 12 / طح (4/ 267) 6310، 6311، 6312، 6313 / معر 1359، 1717، 2161 / غيل 865 / فقط (الثالث 8) / مخلص 910 / مسن 625 / حل (4/ 111)، (8/ 315) / أصبهان (2/ 240)، (2/ 311) / هق 491، 1290، 1310 / منذ 250، 280، 435 / معكر 927 / ثوري 92 / أصم 494 / جريه 35، 118 / شعبة 58 / بغ 193 / حقف 77 / طو 90 / طبر (8/ 210) / بيب 113 / تقتب (1/ 153) / خط (6/ 144)، (9/ 56)، (13/ 204) / ضح (2/ 245) / كر (14/ 35)، (18/ 128)، (54/ 389، 390) / تذ (3/ 10 - 11) / سبكي (1/ 628) / طكثر (1/ 114) / فيري (ق 29/ أ) / مخلدي
(ق 240/ ب)]
[السند]:
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى التميمي، أخبرنا أبو خيثمة، عن الأعمش، عن شقيق، عن حذيفة، به.
ورواه أبو داود (23) قال: حدثنا حفص بن عمر، ومسلم بن إبراهيم، قالا: حدثنا شعبة، ح وحدثنا مسدد، حدثنا أبو عوانة عن سليمان، عن أبي وائل، عن حذيفة، به.
ورواه النسائي (18) قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أنبأنا عيسى بن يونس قال: أنبأنا الأعمش، عن شقيق، به.
* * *
رِوَايَةُ: بِالْمَدِينَةِ:
◼ وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: «أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُبَاطَةَ قَوْمٍ بِالمَدِينَة
…
».
[الحكم]:
صحيح المتن، دون قوله:"بالمدينة" فشاذ، وأشار لشذوذها ابن وضاح، وابن عبد البر، وابن دقيق العيد.
[الفوائد]:
قال ابن دقيق العيد: "من أدخل هذا الحديث دليلا على المسح في الحضر من غير أَنْ يكون فيه قوله: "بالمدينة" من حيث إِنَّ السباطة لا تكون إِلَّا في الحضر، فلم يحسن؛ لأنه لا يلزم من كون السباطة في الحضر أَنْ يكون القائم عليها في حكم الحاضر، والله عز وجل أعلم"(الإمام 2/ 138).
قال ابن عبد البر: "قول ابن وضاح: المزابل لا تكون إِلَّا في الحضر تحكم منه، وممكن أَنْ تكون في البادية في الحضر ومن مر بالبادية من المسافرين لم يمتنع عليه البول عليها "(الاستذكار 1/ 220).
[التخريج]:
[عيل (أعمش - إمام 2/ 136) / فقط (الثالث 8) / هق 1311 "واللفظ له" / خط (6/ 144) / طكثر (1/ 114) / محلى (2/ 81) / تمهيد (11/ 145)]
[التحقيق]:
هذه الزيادة قد رُوِيت من ثلاث طرق عن الأعمش:
الطريق الأول:
أخرجه الدارقطني في (الأفراد) - ومن طريقه الخطيب في (تاريخه 6/
144)، وابن كثير في (طبقات الشافعيين 1/ 114) - قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن عبد الله بن محمد الوكيل، ثنا أحمد بن محمد بن سعيد الصيرفي ثنا الأسود بن عامر، ثنا شعبة والحسن بن صالح ومحمد بن طلحة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه أتى سُبَاطة قوم - قال محمد: بالمدينة -،
…
».
ورواه البيهقي في (السنن الكبرى 1311): من طريق محمد بن غالب تَمْتَام، عن عَبْد الصَّمَدِ بن النعمان، عن مُحَمَّد بْن طَلْحَة، به.
وكذا رواه الإسماعيلي في (جمعه لحديث الأعمش) - كما في (الإمام لابن دقيق 2/ 136) -: من طريق محمد بن طلحة به، وقال فيه:"بالمدينة".
قلنا: محمد بن طلحة: هو ابن مصرف، مختلف فيه، لخصه الحافظ فقال:"صدوق له أوهام"(التقريب 5982).
وقد وهم في هذه الزيادة، وخالفه كل أصحاب الأعمش، وفيهم الثقات الحفاظ، وهم:
1 -
شعبة بن الحجاج، كما عند البخاري (224، 226)، وأبي داود (23)، وابن خزيمة (65)، وغيرهم.
2 -
أبو خيثمة زهير بن معاوية، كما عند مسلم (273)، وابن حبان (1424)، وغيرهما.
3 -
سفيان الثوري، كما عند عبد الرزاق (751)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار 4/ 267)، والبغوي في (شرح السنة 193)، وغيرهم.
4 -
يحيى بن سعيد القطان، كما عند أحمد (23414)، والبزار (2864)،
وغيرهما.
5 -
سفيان بن عُيَيْنَةَ، كما عند أحمد (23246)، والحميدي (447)، وغيرهما.
6 -
هشيم، كما عند أحمد (23241)، وابن ماجه (307)، وغيرهما.
7 -
وكيع، كما عند ابن أبي شيبة في (مصنفه 1318)، والترمذي (13)، وغيرهما.
8 -
أبو عوانة اليشكري، كما عند أبي داود (23)، وابن خزيمة في (65)، وغيرهم.
9 -
أبو معاوية الضرير، كما عند البزار (2863)، وأبي عوانة في (مستخرجه 571)، وغيرهما.
10 -
جعفر بن عون، كما عند الدارمي في (مسنده 686)، وابن الأعرابي في (معجمه 1717)، وغيرهما.
11 -
عبد الواحد بن زياد، كما عند ابن حبان (1423).
12 -
يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، كما عند أبي نعيم في (المستخرج 625)، وغيره.
13 -
أبو بدر، كما عند أبي عوانة في (مستخرجه 573).
14 -
يحيى بن عيسى الرملي، كما عند الطبري في (تفسيره 8/ 211)، وأبي عوانة في (مستخرجه 571).
15 -
عبد الله بن إدريس، كما عند الطبري في (تفسيره 8/ 211)، والبزار (2865)، وغيرهما.
16 -
القاسم بن معن، كما عند أبي طاهر المخلص في (المخلصيات 910).
17 -
الحسن بن صالح، كما عند الدارقطني في (الثالث من الأفراد 8).
18 -
شريك، كما عند ابن ماجه في (سننه 305).
جميعهم: رووه عن الأعمش به، دون ذكر المدينة.
وكذا رواه منصور بن المعتمر، عن أبي وائل به، بدون هذه الزيادة. كما عند البخاري (226، 2471)، ومسلم (273).
كل هذا مما لا يجعل مجالا للشك في شذوذ هذه الزيادة، بل وقد رُوِي من وجه آخر عن محمد بن طلحة بدون هذه الزيادة، وهو ما رواه الإسماعيلي أيضًا في (جمعه لحديث الأعمش) - كما في (الإمام لابن دقيق العيد 2/ 136 - 137) -: من طريق عبد الرحمن بن محمد بن طلحة عن أبيه بسنده، ولم يقل:"بالمدينة".
غير أَنَّ عبد الرحمن بن محمد بن طلحة: "ليس بقوي"، كما قال أبو حاتم (الجرح والتعديل 5/ 281).
وقد أشار لشذوذها ابن دقيق العيد فقال: "وقد رواه - أعني الإسماعيلي - عن قريب من ثلاثين نفسًا عن الأعمش، لم يروه "بالمدينة" إِلَّا من حديث محمد بن طلحة في رواية عنه"(الإمام 2/ 137).
الطريق الثاني:
أخرجه ابن عبد البر في (التمهيد 11/ 145) قال: حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال: حدثنا أبو خيثمة
قال حدثنا عيسى بن يونس عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة بن اليمان قال: «كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة فانتهى إلى سباطة
…
الحديث».
وهذا إسناد رجاله ثقات، إِلَّا أَنَّ هذه الزيادة غير محفوظة عن عيسى بن يونس، فقد رواه إِسْحَاق ابن راهويه - كما عند النسائي في (السنن الصغرى 18)، و (الكبرى 18) -.
علي بن خشرم - كما عند ابن الجارود في (المنتقى 35) -، والزيادي - كما عند الرافعي في (التدوين 6/ 435) -.
ثلاثتهم: عن عيسى بن يونس، به. دون زيادة "بالمدينة".
ولو صحت هذه الزيادة عن عيسى، فهي شاذة أيضًا؛ لمخالفتها عن المحفوظ عن الأعمش، من رواية الثقات الأثبات من أصحابه، كما تقدم ذكرهم.
ولهذا قال ابن وضاح - عقبه -: "هكذا قال عيسى بن يونس بالمدينة، وخالفه أصحاب الأعمش أبو معاوية ووكيع وسفيان وجرير لا يقولون (بالمدينة) "، وقال:"والسباطة المزبلة والمزابل لا تكون إِلَّا في الحضر والله أعلم".
أما ابن عبد البر، فاختلف قوله في هذه الزيادة، فقال في (التمهيد) معقبا على قول ابن وضاح:"عيسى بن يونس ثقة حافظ ليس يرويه غيره، وقد زاد ما حذفه غيره، وزيادة مثله واجب قبولها وليس في الأصول ما يدفع ما جاء به بل الناس عليه"(التمهيد 11/ 146).
كذا قال هنا، وقد مال إلى شذوذها في (الاستذكار) فقال: "ولم يقل فيه أحد (بالمدينة) غير عيسى بن يونس، وهو ثقة فاضل إِلَّا أنه خولف في ذلك
عن الأعمش وسائر من رواه عن الأعمش لا يقول فيه (بالمدينة)". وقال أيضًا: "قول ابن وضاح: (المزابل لا تكون إِلَّا في الحضر) تحكم منه" (الاستذكار 2/ 246).
وقال ابن دقيق العيد: "ومن أدخل هذا الحديث دليلا على المسح في الحضر، من غير أَنْ يكون فيه قوله: "بالمدينة" من حيث إِنَّ السباطة لا تكون إِلَّا في الحضر، فلم يحسن؛ لأنه لا يلزم من كون السباطة في الحضر أَنْ يكون القائم عليها في حكم الحاضر، والله عز وجل أعلم"(الإمام 2/ 138).
ومال الحافظ ابن حجر إلى تصحيحها، فقال:"وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش أَنَّ ذلك كان (بالمدينة) أخرجه ابن عبد البر في (التمهيد) بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أَنَّ عيسى تفرد به، وليس كذلك؛ فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك، وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكره بعد"(فتح الباري 1/ 328).
قلنا: حديث عصمة بن مالك لا يصلح للشواهد لشدة ضعفه، كما سيأتي بيانه قريبًا.
الطريق الثالث:
أخرجه ابن حزم في (المحلى 2/ 81) قال: حدثنا أحمد بن محمد الطلمنكي، حدثنا ابن مفرج، حدثنا إبراهيم بن أحمد بن علي بن أحمد بن فراس، حدثنا محمد بن علي بن زيد الصائغ، حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو الأحوص، حدثنا الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة قال: «كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
…
الحديث».
وهذا إسناد رجاله ثقات، إِلَّا أَنَّ زيادة (بالمدينة) شاذة أيضًا؛ لمخالفتها المحفوظ عن الأعمش، من رواية الثقات الأثبات من أصحابه (كشعبة والثوري وأبي معاوية ووكيع، وغيرهم كثير) كما تقدم ذكرهم.
* * *
رِوَايَةُ: فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ:
• وَفِي رِوَايَةٍ بِلَفْظِ: «
…
ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ».
[الحكم]:
صحيح المتن دون قوله: "ومسح على نعليه" فشاذ، وحكم الطبري عليها بالشذوذ.
[التخريج]:
[طبر (8/ 208)]
[السند]:
أخرجه الطبري في (تفسيره): عن (عبد الله)
(1)
بن الحجاح بن المنهال،
(1)
كذا في الأصول الخطية لتفسير الطبري، ولكن أثبته محققو طبعة هجر:(عبيد الله)، وقالوا:"في النسخ: عبد الله"، وينظر: مسند الروياني (826) والأوسط للطبراني (4470)، وتهذيب الكمال (5/ 458) "!!.
قلنا: والذي في (تهذيب الكمال) في الموضع المذكور من ترجمة حجاج بن المنهال، أَنَّ ابنه عبد الرحمن روى عنه، فلماذا لم يغيروه إلى عبد الرحمن؟!، ولكن الأولى في مثل هذا أن نثبت ما في الأصل، دون يقوم الدليل عل خطئه. فما المانع أن يكون للحجاج ولد يسمى عبد الله، وآخر يسمى عبيد الله، وثالث: يسمى عبد الرحمن؟!.
ووقع ذكر (عبد الله) في (تهذيب الآثار - مسند عمر 547)، وفي موضع آخر من التفسير، لكن قام محققو هجر أيضًا بتغييره!.
قال: حدثني أبي، قال: حدثنا جرير بن حازم، قال: سمعت الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، غير عبد الله بن الحجاج بن المنهال، فلم نقف له على ترجمة.
وقد تفرد برواية الحديث عن أبيه عن جرير بن حازم عن الأعمش به، بذكر المسح على النعلين، وقد رواه الثقات الأثبات من أصحاب الأعمش عنه بلفظ:«ومسح على خفيه» ، بدل:"نعليه".
كذا رواه (شعبة، والثوري، وأبو معاوية، ويحيى القطان، ووكيع، وأبو خيثمة، وأبو عوانة، وهشيم، وابن عُيَيْنَةَ، وغيرهم كثير) كما تقدم ذكرهم في الرواية السابقة.
ولذا قال ابن جرير: "وأما حديث حذيفة، فإن الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش، حدثوا به عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» ". ثم أسنده عن جماعة منهم، وقال:"وكل هؤلاء يحدث ذلك عن الأعمش، بالإسناد الذي ذكرنا عن حذيفة: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ»، وهم أصحاب الأعمش. ولم ينقل هذا الحديث عن الأعمش، غير جرير بن حازم، ولو لم يخالفه في ذلك مخالف لوجب التثبت فيه لشذوذه، فكيف والثقات من أصحاب الأعمش يخالفونه في روايته"(التفسير 8/ 210 - 211).
ومع ذلك فقد صححه الحافظ ابن كثير ورام الجمع بينهما، فقال: "وهو حديث صحيح
…
، ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليه خفان، وعليهما نعلان" (التفسير 3/ 57).
قلنا: ولسنا في حاجة إلى هذا الجمع، والخبر لا يثبت، أولا: لجهالة شيخ ابن جرير وهو عبد الله بن الحجاج، وثانيا: لشذوذه عن رواية الجماعة عن الأعمش، والله أعلم.
* * *
رِوَايَةُ: وَالْعِمَامَةِ:
◼ وَفِي رِوَايَةٍ زَادَ: «
…
ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ».
[الحكم]:
صحيح المتن دون قوله: "وَالْعِمَامَةِ" فمنكر.
[التخريج]:
[مزكى 163]
[السند]:
أخرجه أبو إسحاق المزكي في (فوائده)، قال: أخبرنا إسحاق بن حمدان بن العباس البلخي، ثنا حَمُّ بن نوح البلخي، ثنا سَلْمُ بن سالم، عن أبي جعفر الرازي، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف جدًّا؛ سَلْم بن سالم البلخي، قال عنه الخليلي: "أجمعوا
على ضعفه" (الإرشاد 3/ 931).
وأبو جعفر الرازي عيسى بن أبي عيسى ماهان، قال عنه الحافظ:"صدوق سيء الحفظ"(التقريب 8019).
وحَمُّ بن نوح البلخي، ذكره ابن حبان في (الثقات 8/ 216) وقال:"ربما أغرب"، وقال الخليلي:"تعرف، وتنكر في روايته"(الإرشاد 3/ 946).
وإسحاق بن حمدان بن العباس البلخي، قال عنه أبو علي الحافظ:"شيخ ثقة عنده غرائب"(تاريخ بغداد 7/ 429)، وقال الذهبي:"عنده عجائب، عن حَمِّ بن نوح ومناكير"(الميزان 1/ 190).
قلنا: وقد أغرب إسحاق بن حمدان حيث زاد في متنه زيادة منكرة وهي قوله: "وَالْعِمَامَةُ"، وقد خالفه الحافظ الكبير محدث بلخ وعالمها - كما قال عنه الذهبي في (تذكرة الحفاظ 783) - محمد بن عَقِيْلٍ البلخي؛ فرواه عن حَمِّ بن نوح بهذا الإسناد، ولم يذكرها. أخرجه الذهبي في (تذكرة الحفاظ 3/ 10 - 11): من طريق أبي محمد ابن أبي شريح عن محمد بن عَقِيْلٍ، عن حَمِّ بن نوح، به.
وهذه الرواية أرجح لموافقتها رواية الجماعة عن الأعمش، كما تقدم في الصحيحين وغيرهما.
* * *
686 -
حَدِيثُ الْمُغِيْرَةِ:
◼عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ [فَفَحَّجَ (فَفَرَّجَ) رِجْلَيْهِ] 1 فَبَالَ قَائِمًا، [ثُمَّ صَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ] 2» .
[الحكم]:
صحيح المتن دون قوله: "ففحج رجليه"، وهذا إسناد مختلف فيه، فأعله الإمام أحمد، وأبو حاتم، والترمذي، والدارقطني، والبيهقي، وابن عبد الهادي، وابن سيد الناس، وابن حجر في أحد قوليه.
وصححه ابن خزيمة، وأقره مغلطاي، وابن التركماني، والمباركفوري، وأحمد شاكر. وهو ظاهر صنيع أبي زرعة الرازي.
[اللغة]:
فَحَّجَ: فرَّج كما بينته رواية ابن خزيمة وكذا تباعد ما بين الفخذين أي فرقهما. وانظر: (النهاية في غريب الحديث 3/ 415).
[التخريج]:
[جه 308 "واللفظ له" / حم 18150 "والزيادة له ولغيره" / خز 67 والرواية له / حميد 396، 399 "والزيادة الثانية له ولغيره" / طب (20/ 405 / 966، 969) / علحم 4505، 4511 / علت 7 / هق 493 / خط (12/ 288 - 289) / بز 2891 / عد (3/ 312) / حنف (نعيم ص 84) / شخل (2/ 713) / مخلص 1285 / ناسخ 72 / مكرم 215]
[السند]:
رواه أحمد في (المسند 18150)، وفي (العلل رواية عبد الله 4511): عن عفان بن مسلم.
وابن خزيمة (67): من طريق يونس بن محمد.
والطبراني في (المعجم الكبير 20/ 966): من طريق حجاج بن المنهال، وأسد بن موسى.
كلهم: عن حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة وحماد بن أبي سليمان، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة، به.
ورواه أحمد في (العلل رواية عبد الله 4505) - ومن طريق الطبراني (969) -.
والترمذي في (العلل الكبير 7): عن محمود بن غيلان.
وابن ماجه (308): عن إسحاق بن منصور.
والبيهقي في (الكبرى 493): من طريق يحيى بن أبي طالب.
أربعتهم: عن أبي داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة، به.
ورواه عبد بن حميد في (المنتخب 399)، والبزار (2891) وغيرهما: من طريق أبي بكر بن عياش، عن عاصم - وحده -، عن أبي وائل، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات، عدا عاصم ابن أبي النجود وحماد بن أبي سليمان، فمتكلم في حفظهما، ولذا قال الحافظ عن عاصم:"صدوق له أوهام"(التقريب 3054)، وكذا قال عن حماد، (التقريب 1500).
وقد خالفهما منصور والأعمش؛ فروياه عن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة، به. كما تقدم قريبًا في (الصحيحين) وغيرهما.
ومنصور والأعمش إمامان حافظان ثبتان، ولكن اتفاق عاصم وحماد، على روايته من حديث المغيرة، جعل بعض أهل العلم يستبعد توارد الخطأ على كلٍّ منهما، ويقول بصحة الحديثين:
كابن خزيمة؛ حيث أخرجهما في (صحيحه).
وتبعه مغلطاي فقال: "ويشبه أَنْ يكون قول خزيمة أولاهما وأقربهما إلى الصواب لصحة إسناده وعدالة رواته، وأنه لا بعد في أَنْ يكون أبو وائل رواه عن اثنين، وأن الاثنين رويا ما شاهداه من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن أبا وائل أدى الخبرين عنهما، فسمعه منه جماعة، فأدى كل ما سمع"(شرح ابن ماجه 1/ 151).
وبنحوه قال ابن التركماني في (الجوهر النقي 1/ 100)، والمباركفوري في (تحفة الأحوذي 1/ 59)، وأحمد شاكر في (تعليقه على سنن الترمذي 1/ 20) حيث قال:"والذي رجحه ابن خزيمة هو الصواب؛ لأن احتمال الخطأ في الحفظ من عاصم رفعه متابعة حماد له كما هو ظاهر، وبعيد أَنْ يتفقا معًا على الخطأ، والراوي الثقة إذا خيف من خطئه وتابعه غيره من الثقات، تأيدت روايته وصحت"اهـ.
* بينما سلك أكثر الأئمة مذهب الترجيح؛
فسئل عنه الإمام أحمد فقال: "الأعمش ومنصور أحفظ لهذا من حماد وعاصم، وقد رواه حماد بن سلمة عنهما جميعًا"(مسائل حرب الكرماني 3/ 1226). وقال أيضًا: "منصور والأعمش أثبت من حماد وعاصم"(العلل رواية عبد الله 4512). يشير إلى ترجيح روايتهما على رواية عاصم وحماد.
وقال الترمذي: "وروى حماد بن أبي سليمان، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة مثل رواية عاصم، والصحيح ما روى منصور والأعمش"(العلل الكبير ص 25).
وقال أبو حاتم: "الصحيح من حديث هؤلاء النفر: عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم"(العلل 1/ 406).
وقال الدارقطني: "ورواه الأعمش ومنصور، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب"(العلل 1234).
وقال البيهقي: "الصحيح ما روى منصور والأعمش عن أبي وائل عن حذيفة كذا قاله أبو عيسى الترمذي وجماعة من الحفاظ"(السنن الكبرى عقب رقم 493).
وقال ابن عبد الهادي: "وأعله أحمد برواية منصور والأعمش عن أبي وائل عن حذيفة"(المحرر في الحديث ص 129)، وقال في (حاشيته على الإلمام لابن دقيق العيد 1/ 48):"الحديث معلل".
وقال ابن سيد الناس: "هذا الترجيح لرواية الأعمش ومنصور على رواية حمَّاد وعاصم ترجيح بالأحفظ"(النفح الشذي 1/ 144).
وقال الحافظ: "قال الترمذي: حديث أبي وائل عن حذيفة أصح - يعني من حديثه عن المغيرة -، وهو كما قال، وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سلمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة فجاز أَنْ يكون أبو وائل سمعه منهما، فيصح القولان معًا لكن من حيث الترجيح، رواية الأعمش ومنصور أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال"(الفتح 1/ 329).
كذا رجح جمهور الأئمة رواية منصور والأعمش، وهذا هو الأظهر لمكانة منصور والأعمش من الحفظ والتثبت، بخلاف عاصم وحماد، ولكن خالفهم في ذلك أبو زرعة الرازي فرجح حديث المغيرة، فقال:"الصحيح: حديث عاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم"! (العلل لابن أبي حاتم 1/ 406 - 407).
وهذا غريب جدًّا؛ بل الذي لا غبار عليه - إن لم نقل بتصحيح الحديث من الوجهين - أَنْ ترجح رواية الأعمش ومنصور، كما هو عليه جمهور الأئمة.
ولعل أبا زرعة اعتمد على قول عاصم بن بهدلة عقب روايته مستنكرًا على الأعمش:
"وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه"، فقد قال شعبة:"فسألت منصورًا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة"(سنن ابن ماجه، العلل لأحمد وغيرهما).
فأكد منصور صحة رواية الأعمش، ولهذا قال الحافظ:"وقول عاصم إن الأعمش ما حفظه ليس بمقبول لموافقة منصور له وهما أحفظ من عاصم وحماد لكن الذي يظهر أَنَّ الحديث عند أبي وائل عنهما معا؛ لأن في رواية الأعمش ومنصور زيادة ليست في رواية عاصم، والله أعلم"(الدراية 1/ 11).
هذا بالنسبة لسند الحديث، أما المتن فصحيح ثابت، إِلَّا قوله:((ففحج رجليه))، فقد تفرد بهذه الزيادة حماد بن أبي سليمان، وانفرد بها عنه حماد بن سلمة.
وحماد بن أبي سليمان متكلم في حفظه، كما تقدم آنفًا، لاسيما في رواية حماد بن سلمة عنه، ففيها تخليط، كما قال أحمد في (سؤالات أبي داود له 338).
* وقد رُوِي الحديث من وجه آخر عن المغيرة:
أخرجه الخليلي في (الإرشاد 2/ 713) قال: حدثنا الحسين بن علي بن محمد المذكر، وعبد الله بن محمد الحافظ، وغيرهما، قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم القطان، حدثنا المنسجر بن الصلت، حدثنا عبد الكريم بن روح، حدثنا سفيان الثوري، عن سليمان التيمي، عن بكر بن عبد الله المزني، عن (ابن)
(1)
المغيرة بن شعبة عن أبيه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ» .
وهذا إسناد ضعيف، عبد الكريم بن روح:"ضعيف" كما في (التقريب 4150). لكن المتن صحيح ثابت من حديث حذيفة، وبالمسح على الخفين خاصة من سليمان التيمي عن بكر بن عبد الله عن ابن المغيرة عن أبيه، كما عند مسلم وغيره، ولهذا قال الخليلي عقبه:"حديث صحيح مشهور، سليمان التيمي رواه عنه جماعة، غريب من حديث الثوري عنه، لم يروه عنه غير عبد الكريم".
[تنبيه]:
ذكر المزي في (التحفة 11502)، وابن كثير في (جامع المسانيد 10218) أَنَّ ابن ماجه رواه أيضًا عن إسحاق بن منصور عن أبي داود عن
(1)
ما بين القوسين سقط من المطبوع، والصواب إثباته كما في نسخة الزاهدي الخطية (ق 131/ أ).
سفيان المروزي عن عاصم عن المغيرة، ولم يذكر أبا وائل.
قلنا: وهذا الطريق لا وجود له في النسخ المطبوعة لسنن ابن ماجه؛ بل جزم الحافظ العراقي أَنَّ الذي في (سنن ابن ماجه) رواية شقيق عن المغيرة، كما ذكر الحافظ في (النكت الظراف / بحاشية التحفة 8/ 478 - 479). والله أعلم.
* * *
687 -
حَدِيثُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ:
◼ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخَطْمِيِّ، قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ، فَقَالَ:((يَا حُذَيْفَةُ اسْتُرْنِي))، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَصَلَّى.
[الحكم]:
منكر بهذا السياق، وضعفه الهيثمي.
[التخريج]:
[طب (17/ 179/ 472)]
[السند]:
قال الطبراني في (المعجم الكبير): حدثنا أحمد بن رِشْدِين المصري، حدثنا خالد بن عبد السلام الصدفي، حدثنا الفضل بن المختار، عن عبد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك الخطمي، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه علتان:
الأولى: أحمد بن رِشْدِين، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشْدِين، ضعيف، انظر:(لسان الميزان 740).
الثانية: الفضل بن المختار، قال أبو حاتم:"مجهول وأحاديثه منكرة يحدث بالأباطيل"(الجرح والتعديل 7/ 69). وقال ابن عدي: "وعامته - أي حديثه - مما لا يتابع عليه إما إسنادًا وأما متنا"(الكامل 8/ 576).
قال الهيثمي: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه الفضل بن المختار، وهو منكر الحديث يحدث بالأباطيل"(المجمع 1375).
* * *
688 -
حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه:
◼ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: «أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، [ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ]» .
[الحكم]:
صحيح المتن، وهذا إسناد خطأ بذكر أنس، والمحفوظ فيه عن حذيفة، كما قال الدارقطني.
[التخريج]:
[سط (ص 219) "والزيادة له" / متفق (3/ 1878) "واللفظ له" / فقط (أطراف 1196)]
[التحقيق]:
مداره على عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، واضطرب فيه على أوجه:
الوجه الأول:
أخرجه بحشل في (تاريخ واسط ص 219) قال: حدثنا علي بن يونس، قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، قال: حدثنا يس الزيات، عن الأعمش، عن أنس بن مالك، به.
وتابع علي بن يونس، الحسن بن الصباح البزار، حكاه الدارقطني في (العلل 2464).
الوجه الثاني:
أخرجه الدارقطني في (الأفراد) - كما في (الأطراف 1196) -: من طريق سختويه بن (مازيار)
(1)
، عَن عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز، عَن ياسين
(1)
تحرف في المطبوع إلى (مازياد)، والصواب المثبت، انظر: ترجمته في (تاريخ الإسلام 6/ 88).
الزيات، عن الزُّهْرِيِّ، عن أنس، به.
الوجه الثالث:
أخرجه الخطيب في (المتفق والمفترق 3/ 1878): أخبرنا البرقاني أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي أخبرني علي بن محمد بن حاتم حدثنا جعفر بن محمد البرذعي حدثنا محمد بن أبي أيوب عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن الثوري، عن الأعمش، عن أنس، به.
وعبد المجيد بن عبد العزيز، قال فيه الحافظ:"صدوق يخطئ وكان مرجئا أفرط ابن حبان فقال: متروك"(التقريب 4160).
ولذا قال الدارقطني - بعد حكاية الوجهين الأوليين -: "وكلاهما وهم، والمحفوظ: عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة"(العلل 2464).
* * *
689 -
حَدِيثٌ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ:
◼ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَتَى الْمِهْرَاسَ، فَبَالَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوِ الصَّلَاةِ، فَقُلْتُ: لَقَدْ فَعَلْتَ شَيْئًا يُكْرَهُ (منكرًا)؛ بُلْتَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَضَّأْتَ وَمَسَحْتَ عَلَى خُفَّيْكَ ثُمَّ تَوَجَّهْتَ إِلَى الْمَسْجِدِ أَوِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ:«خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ» .
[الحكم]:
منكر، وقال الإمام أحمد: ليس بصحيح وهذا كذب، وأعله البخاري.
[التخريج]:
[مش (مط 43) "واللفظ له"، (خيرة 444) / تخ (4/ 67) مختصرًا / ضيا (6/ 144/ 2139) / الميموني (مغلطاي 2/ 225) "والرواية له"].
[السند]:
أخرجه ابن أبي شيبة في (مسنده). والبخاري في (تاريخه). والضياء في (المختارة): من طريق إسماعيل بن عبد الله سمويه.
ثلاثتهم: عن مالك بن إسماعيل النهدي، حدثنا زهير، حدثنا وهب بن عقبة، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبيه، عن أنس بن مالك، به.
ورواه الميموني - كما في (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 225) -: عن شاذان، عن زهير أبي خيثمة، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ سعد الأنصاري الذي يروي عن أنس، ترجم له ابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل 4/ 97 - 98)، والبخاري في (التاريخ الكبير 4/ 67)، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكره ابن حبان في (الثقات 4/ 299).
وأعل حديثه هذا البخاري، فقال - عقبه -:"قال ابن أبي شيبة نا ابن عُيَيْنَةَ عن يحيى بن أبي إسحاق أنه سمع أنسا: «لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ، حَدَّثُونِي عَنْهُ»، قال البخاري: "وهذا أصح".
يعني أَنَّ أنسًا لم ير النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين قط، وإنما أخبره بذلك أصحابه، فدل ذلك على نكارة قول من روى عنه أنه قال:«خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَ سِنِينَ يَفْعَلُ ذَلِكَ»
(1)
.
ولذا قال الميموني: قلت لأحمد: حدثنا شاذان ثنا زهير أبو خيثمة عن وهب
…
" وذكر الحديث، قال أحمد: "ليس بصحيح، وهذا كذب"، وسألته عن وهب بن عقبة فقال: "ليس به بأس"، وسألته عن محمد بن سعد الأنصاري فقال: "لا يعرف" (شرح ابن ماجه لمغلطاي 2/ 225).
قلنا: محمد بن سعد الأنصاري، قال فيه ابن معين:"لا بأس به"، وذكره ابن حبان في (الثقات). (تهذيب التهذيب 9/ 184). وقال ابن حجر:"صدوق"(التقريب 5905).
[تنبيه]:
فرَّق الحافظ المزي بين وهب بن عقبة الجعفي الذي يروي عن محمد بن
(1)
وسيأتي مزيد بيان لذلك في فصل المسح على الخفين.
سعد، وعنه زهير بن معاوية، وبين وهب بن عقبة البكائي، الذي يروي عن يزيد بن مذكور، فذكر الجعفي تمييزًا عن وهب بن عقبة البكائي العجلي فقال:"تمييز: وهب بن عقبة الجعفي، عن محمد بن سعد الأنصاري، عن أبيه، عن أنس. وهو شيخ متأخر عن هذا، ذكرناه للتمييز بينهما"(تهذيب الكمال 31/ 135 - 136).
والصواب أنهما واحد، فقد روى الطحاوي في (شرح مشكل الآثار 11/ 511) من طريق زهير بن معاوية (عن وهب بن عقبة عن يزيد بن مذكور) فدل على أنهما واحد، ولم نر من اتبع المزي على التفريق بينهما، والله أعلم.
* * *
690 -
حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ:
◼عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ عَلَيْهَا قَائِمًا، ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» .
[الحكم]:
صحيحٌ المتن من حديث حذيفة، وهذا إسنادٌ خطأ بذكر ابن مسعود.
[التخريج]:
[خط (7/ 99)].
[السند]:
قال الخطيب في (تاريخه): حدثنا عبد الله بن أحمد التمار، أخبرنا أبو بكر إبراهيم بن محمد بن داود بن سليمان العطار، في جوارنا ببغداد، حدثنا أبو علي محمد بن شعبة بن جوان، حدثنا وهب بن جرير، حدثنا أبي، قال: سمعت الأعمش يحدث، عن أبي وائل، عن عبد الله، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ أبو بكر إبراهيم بن محمد العَطَّار؛ ترجم له الخطيب في (تاريخه) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وذكر له هذا الحديث.
فهو مجهول الحال، والحديث غير محفوظ عن عبد اللَّه بن مسعود، إنما رواه جرير بن حازم وغيره من الثقات الأثبات من أصحاب الأعمش (كشعبة والثوري وأبو معاوية ووكيع وغيرهم) عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، مرفوعًا، به. كما تقدم قريبًا.
* * *
691 -
حَدِيثُ جَرِيْرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ:
◼ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ: «أَنَّ جَرِيرًا، بَالَ قَائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَصَلَّى، فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» .
[الحكم]:
صحيح المتن دون زيادة: «قَائِمًا» فشاذة.
[التخريج]:
[حم 19237]
[السند]:
أخرجه أحمد (19237) قال: حدثنا محمد بن أبي عدي، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن همام بن الحارث، به.
سليمان: هو ابن مهران الأعمش، وإبراهيم: هو النخعي.
[التحقيق]:
هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين، إِلَّا أَنَّ محمد بن أبي عدي تفرد بقوله:«بَالَ قَائِمًا» ، وقد خالفه كل أصحاب شعبة، فرووه عن شعبة به (أَنَّ جَرِيرًا بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ
…
)، ولم يذكروا قوله (قَائِمًا)، وهم:
1 -
غندر، عند أحمد (19236).
2 -
آدم، عند البخاري (387).
3 -
أبو داود الطيالسي في (مسنده 703).
4 -
خالد بن الحارث، عند النسائي (774)، وابن خزيمة (198).
5 -
هاشم بن القاسم، عند ابن حبان (1331).
خمستهم: عن شعبة به، دون قوله (قائمًا).
وكذا رواه كل أصحاب الأعمش، وهم:
1 -
أبو معاوية، عند مسلم (272)، وأحمد (19168).
2 -
وكيع، عند مسلم (272)، والترمذي (93)، وابن ماجه (543).
3 -
ابن عُيَيْنَةَ، عند مسلم (272)، وأحمد (19201)، وغيرهما.
4 -
عيسى بن يونس، عند مسلم (272).
5 -
علي بن مسهر، عند مسلم (272).
6 -
أبو عوانة، عند أحمد (19234)، والطبراني في (الكبير 2425).
7 -
سفيان الثوري، عند عبد الرزاق (756)، وأبي عوانة في (مستخرجه 768) وغيرهما.
8 -
حفص بن غياث، عند النسائي (118).
9 -
شجاع بن الوليد، عند أبي عوانة في (مستخرجه 766).
10 -
زائدة، عند أبي عوانة في (مستخرجه 769)، والطبراني في (الكبير 2423).
11 -
جرير، عند أبي عوانة في (مستخرجه 769).
12 -
أبو اسامة، عند الطبراني في (الكبير 2424).
كلهم: عن الأعمش، به، دون قوله (قائمًا)، فلا ريب أَنَّ هذه زيادة شاذة. والله أعلم.
* * *
692 -
حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:
◼ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه: «أَنَّه رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ قَائِمًا» .
[الحكم]:
إسناده ضعيف جدًّا.
[التخريج]:
[طس 293]
[السند]:
قال الطبراني في (الأوسط): حدثنا أحمد بن رِشْدِين، قال: حدثنا إبراهيم بن حماد بن أبي حازم المدني، قال: حدثنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، به.
[التحقيق]:
إسناده ضعيف جدًّا، مسلسل بالعلل:
الأولى: أحمد بن رِشْدِين، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رِشْدِين، ضعيف، انظر:(لسان الميزان 740).
الثانية: مصعب بن ثابت، قال الحافظ:"لين الحديث"(التقريب 6686).
الثالثة: إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وهو الزُّهْرِيّ الضرير، ضعفه الدارقطني، وأقره الذهبي وابن حجر، وذكر أَنَّ الدارقطني أخرج له عدة أحاديث في غرائب مالك، (لسان الميزان 107). وفي المقابل: قال مسلمة بن قاسم: "ثقة"(الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة 2/ 174)، ولكن قول الدارقطني هو المعتبر؛ لإمامته، ثم لأنه جرح مفسر، حيث شفع ذلك ببعض أحاديثه المناكير.
وقال الهيثمي: "رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن حماد بن أبي حازم، ولم أر من ذكره"(المجمع 1016)، كذا قال هنا، ونقل في مواضع آخر عن الدارقطني تضعيفه، انظر:(المجمع 300، 3033، 14983، 18319).
* * *
693 -
حَدِيثُ آخر عن سهل:
◼ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ مَعَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ إِلَى قُبَاءٍ فَرَأَيْتُهُ بَالَ قَائِمًا ثُمَّ جَلَسَ فَتَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، فَقَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: بُلْتَ قَائِمًا، وَأَنْتَ شَيْخٌ كَبِيرٌ، إِنَّمَا بَوْلُكَ بَيْنَ رِجْلَيْكَ لَا يَذْهَبُ، ثُمَّ تَوَضَّأْتَ وَمَسَحْتَ عَلَى خُفَّيْكَ! ، فَقَالَ: هَكَذَا يَا ابْنَ أَخِي رَأَيْتُ مِنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَمِنْكَ يَفْعَلُ.
• وفي رواية، عن أبي حَازِمٍ، قَالَ: رَأَيْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَبُولُ قَائِمًا؛ فَإِنَّهُ تُحُدِّثَ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَقَالَ:«قَدْ رَأَيْتُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي فَعَلَهُ» .
[الحكم]:
منكر بهذا السياق.
[التخريج]:
[خز 66 "والرواية له" / جعد 2943 "واللفظ له"]
[السند]:
أخرجه أبو القاسم البغوي في (مسند ابن الجعد 2943) قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، نا عبد الحميد بن سليمان. (ح) وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، نا عبد العزيز بن أبي حازم، قالا: نا أبو حازم، قال: ذهبت مع سهل بن سعد
…
فذكره. قال البغوي: "واللفظ لأبي الربيع".
وقال ابن خزيمة (66): ثنا نصر بن علي، ثنا الفضيل بن سليمان، أنا أبو حازم، به.
[التحقيق]:
الحديث باللفظ المذكور إسناده ضعيف؛ فقد بيّن البغوي أنه لفظ رواية
أبي الربيع الزهراني عن عبد الحميد بن سليمان، وعبد الحميد هذا:"ضعيف"(التقريب 3764).
وتابعه فضيل بن سليمان النميري، وهو:"صدوق له خطأ كثير" كما في (التقريب 5427).
وقد خالفهما جماعة من الثقات؛ فرووه عن أبي حازم به في المسح على الخفين خاصة.
كذا أخرجه ابن أبي شيبة في (مسنده 112) قال: نا قُتَيْبَة بن سعيد، نا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، أنه رأى سهل بن سعد بال بول الشيخ الكبير، يكاد يسبقه، وهو قائم، ثم توضأ، ومسح على الخفين، فَقُلْتُ: لِمَ لَا تَنْتَزِعُ الْخُفَّيْنِ؟ فَقَالَ: «لَا، قَدْ رَأَيْتُ خَيْرًا مِنِّي وَمِنْكَ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا» .
وكذا أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" - كما في (جمع الجوامع 20/ 403)، (الكنز 27659) -، وغيره: عن يعقوب بن عبد الرحمن، به.
وهذا إسناد صحيح، كما قال الحافظ في (المطالب 44)، والبوصيري في (الإتحاف 445)، فيعقوب بن عبد الرحمن: هو الزُّهْرِيّ الإسكندراني: "ثقة" من رجال الشيخين (التقريب 7824).
وكذا أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير 5801): من طريق أحمد بن منيع، حدثنا حسين بن محمد، عن أبي غسان، عن أبي حازم: أنه نظر إلى سهل بن سعد يبول قائمًا، فمسح على خفيه، فقلت ما هذا يا أبا العباس قال:«رَأَيْتُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي مَسَحَ عَلَيْهِمَا» .
وهذا سند صحيح، وبه تعلم أَنَّ قول البغوي عقب حديثنا: "حدثنا جدي،
نا حسين بن محمد، نا أبو غسان، عن أبي حازم، عن سهل، نحوه". إنما هو نحوه في المسح على الخفين فحسب.
وكذا رواه في المسح على الخفين خاصة: الطبراني في (المعجم الكبير 5895): من طريق عبد العزيز بن أبي حازم.
ولوين في (جزء له 66)، والطبراني في (المعجم الكبير 5822): من طريق سعيد بن عبد الرحمن الجمحي.
كلاهما: عن أبي حازم، به.
وعليه فالحديث بذكر البول قائمًا مرفوعًا، لا يثبت من هذا الوجه، بل هو منكر، والله أعلم.
* * *
694 -
حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ:
◼ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَبْصَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبُولُ قَائِمًا» .
[الحكم]:
منكرٌ من حديث زيد، وضعفه العقيلي.
[التخريج]:
[عق (3/ 392) / متفق 1341].
[السند]:
رواه العقيلي في (الضعفاء) - ومن طريقه الخطيب في (المتفق) - قال: حدثناه الحسن بن أحمد بن سليمان حدثنا عيسى بن حماد حدثنا رِشْدِين عن أبيه عن ابن سعيد التيمي قُتَيْبَة بن سعيد عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ عن ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت، به.
[التحقيق]:
هذا إسناد تالف؛ يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ، تركه غير واحد من الأئمة، ورمي بالكذب، ولذا قال الذهبي:"تالف"(الكاشف 6134) وقصّر الحافظ فقال: "ضعيف"(التقريب 7508). وانظر: ترجمته في (تهذيب التهذيب 11/ 185).
وقد خولف؛ فقد رواه ابن عُيَيْنَةَ ومَعْمَر عن الزُّهْرِيِّ عن قبيصة عن زيد موقوفًا.
كذا أخرجه ابن أبي شيبة في (المصنف 1321): عن ابن عُيَيْنَةَ عن الزُّهْرِيِّ عن قبيصة: "أنه رأى زيد بن ثابت يبول قائمًا".
ورواه الطبراني في (الأوسط 277)، والطحاوي في (شرح معاني الآثار
4/ 268) عن مَعْمَر عن الزُّهْرِيِّ به موقوفًا.
وذكره العقيلي في ترجمة قُتَيْبَة بن سعيد التيمي، فقال:"قُتَيْبَة بن سعيد التيمي مجهول في النسب والرواية عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ عن الزُّهْرِيِّ حديثه غير محفوظ، وإسناده لا يصح إِلَّا موقوفًا"، ثم ذكر هذا الطريق مرفوعًا، ثم أعقبه بالموقوف من طريق الحميدي عن سفيان به، وقال:"هذا أولى"(الضعفاء 3/ 392).
وقال الذهبي عن قُتَيْبَة هذا: "شيخ يروي عن يحيى بن أبي أُنَيْسَةَ لا يدرى من هو"(الميزان 3/ 385).
وفي السند أيضًا:
* رِشْدِين بن سعد، ضعفه غير واحد من الأئمة، وقال ابن يونس:"كان صالحًا في دينه فأدركته غفلة الصالحين فخلط فِي الحديث"(تهذيب التهذيب 3/ 240). وقال الحافظ: "ضعيف رجح عليه أبو حاتم ابن لهيعة"(التقريب 1942).
* وأبوه: سعد بن مفلح، لم نقف له على ترجمة.
* * *
695 -
حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ
◼ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَالَ قَائِمًا مِنْ جُرْحٍ كَانَ بِمَأْبِضِهِ» .
[الحكم]:
منكر، قاله الذهبي، وضعفه الدارقطني، والبيهقي، وابن عساكر، والنووي، وابن الملقن، وابن حجر، والألباني.
[اللغة]:
المَأبِض: باطن الركبة (النهاية في غريب الحديث 4/ 595).
[التخريج]:
[ك 658 "واللفظ له" / قطغ (إمام 2/ 499)، (إتحاف 15/ 181) / هق 494 / نعيم (طب 498) / خطابي (1/ 20) / ضياء (مرو ق 34/ ب)].
[السند]:
أخرجه الحاكم (المستدرك) - وعنه البيهقي في (الكبرى) - قال: حدثناه أبو عمران موسى بن سعيد الحنظلي بهمدان ثنا يحيى بن عبد الله بن ماهان الكرابيسي ثنا حماد بن غسان الجعفي ثنا معن بن عيسى ثنا مالك بن أنس عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، به.
أخرجه الدارقطني في (غرائب مالك): من طريق عبيد الله بن أحمد بن منصور الكسائي، عن حماد بن غسان، به.
ومداره عند الجميع: على حماد بن غسان الجعفي، به.
قال الدارقطني في (غرائب مالك): "تفرد به حماد بن غسان عن معن بهذا الإسناد"(الإمام 2/ 499)، (اللسان 3/ 276/ 2742).
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ فيه حماد بن غسان الهمداني الجُعْفِي، قال الدارقطني:"ضعيف"(العلل 6/ 197)، وأقره الذهبي في (المغني في الضعفاء 1722).
وقال الدارقطني - عقب الحديث -: "تفرد به حماد، وهو ضعيف"(إتحاف المهرة 15/ 181).
وقال البيهقي: "غير قوي"(معرفة السنن 842)، وقال في (السنن):"وَقَدْ رُوِىَ في الْعِلَّةِ في بَوْلِهِ قَائِمًا حَدِيثٌ لا يَثْبُتُ مِثْلُهُ"(السنن الكبرى 488). وأقرهما ابن حجر في (الفتح 1/ 330).
وضعفه أيضًا: ابن عساكر في كتابه (مجموع الرغائب في ذكر أحاديث مالك الغرائب)، كما في (عمدة القاري 3/ 136)، والنووي في (خلاصة الأحكام 1/ 160)، و (شرح مسلم 3/ 165)، و (الإيجاز ص 152)، والألباني في (الإرواء 58).
ومع ذلك قال الحاكم: "هذا حديث صحيح تفرد به حماد بن غسان، ورواته كلهم ثقات".
وتعقبه الذهبي وابن الملقن، فقال الذهبي:" حماد؛ ضعفه الدارقطني"(التلخيص 1/ 159).
وقال في (المهذب): "هذا منكر"(المهذب في اختصار السنن الكبير 1/ 110).
وقال ابن الملقن: "وفيه نظر، لا جرم ضعفه البيهقي وغيره"(التوضيح لشرح الجامع الصحيح 4/ 420).
* * *
696 -
حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخْعِيِّ - فِي الرَّجُلِ يَبُولُ قَائِمًا -، قَالَ:«انْتَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ، فَفَحَّجَ ثُمَّ بَالَ قَائِمًا» ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: حَتَّى رَأَيْنَا أَنَّ تَفَحُّجَهُ شَفَقًا مِنَ الْبَوْلِ.
• وفي رواية عَنْ إِبْرَاهِيمَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَنَحَا الْقَوْمُ عَنْهُ، وَقَامَ فَتَفَاجَّ - حَتَّى رَقَّ لَهُ الْقَوْمُ؛ خَوْفًا أَنْ يُصِيبَهُ الْبَوْلُ -، ثُمَّ بَالَ قَائِمًا» .
[الحكم]:
البول قائمًا صحيح كما تقدم، وهذا مرسل ضعيف.
[التخريج]:
[شيباني 37 بلفظ السياقة الأولى / آثار 276 بلفظ السياقة الثانية]
[السند]:
رواه محمد بن الحسن في (الآثار 37)، وأبو يوسف في (الآثار 276) كلاهما: عن أبي حنيفة، عن حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم، به.
[التحقيق]:
هذا مرسل ضعيف الإسناد؛ أبو حنيفة: هو النعمان بن ثابت الإمام الفقيه، وهو مع إمامته في الفقه كان ضعيفًا في الحديث، ضعفه جماهير النقاد، كما في (التاريخ الكبير 8/ 81)، و (الضعفاء للعقيلي 1881)، و (طبقات ابن سعد 9/ 324)، و (المجروحين 2/ 405)، و (الكامل 10/ 119)، و (الجرح والتعديل 8/ 449)، و (الضعفاء لأبي نعيم 255).
ثم إن المشهور عن حماد بن أبي سليمان ما رواه حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان وعاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن المغيرة: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى سُبَاطَةَ بِنِي فُلَانٍ فَفَحَّجَ رِجْلَيْهِ وَبَالَ قَائِمًا» .
أسنده عبد بن حميد وأحمد وابن خزيمة وغيرهم من طرق عن حماد بن سلمة، وقد أعله أحمد والترمذي والدارقطني وغيرهم بما رواه منصور والأعمش عن أبي وائل عن حذيفة في البول قائمًا، خرجه الشيخان وغيرهم، وقد سبق بيان ذلك كله مع تخريج الحديثين المذكورين.
* * *
697 -
حَدِيثُ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا:
◼ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «مَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا [قَطُّ] إِلَّا مَرَّةً [وَاحِدَةً] فِي كَثِيبٍ أَعْجَبَهُ» .
[الحكم]:
ضعيف لإرساله.
[التخريج]:
[ش 1320" واللفظ له" / مسد (مط 39)، (خيرة 443، 3589/ 2) / هش 53 "والزيادتان له"]
[السند]:
رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) قال: حدثنا وكيع، عن زكريا، عن عبد العزيز أبي عبد الله، عن مجاهد به مرسلًا.
زكريا: هو ابن أبي زائدة، وعبد العزيز: هو ابن رفيع المكي.
وقد توبع وكيع:
رواه مسدد في (مسنده): عن يحيى بن سعيد القطان.
ورواه هشام بن عمار في (جزء من حديثه) عن سعيد بن يحيى اللخمي.
كلاهما عن زكريا، عن عبد العزيز بن رفيع، عن مجاهد، به مرسلًا.
ولفظ هشام: «مَا أَهْرَاقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ قَائِمًا قَطُّ
…
».
[التحقيق]:
هذا إسناد ضعيف؛ لإرساله، مجاهد بن جبر من الطبقة الوسطى من التابعين، وفي الإسناد أيضًا زكريا بن أبي زائدة، وهو ثقة إِلَّا أنه كان
يدلس، وقد عنعن، ولا يعرف بالرواية عن عبد العزيز وإن كان عاصره وساكنه! .
وقد نقل البوصيري في الموضع الثاني من (إتحاف الخيرة 3589/ 2) أَنَّ زكريا قال: "حدثني عبد العزيز بن رفيع"، وهذا النقل فيه نظر، فقد ذكر ابن حجر هذا الموضع أيضًا في (المطالب 2395) بالعنعنة، ويؤيده أنه جاء كذلك معنعنا عندهما في الموضع الأول، وكلا الموضعين من رواية مسدد عن يحيى القطان عن زكريا! .
هذا، وقد اعترض مغلطاي على مرسل مجاهد هذا قائلا:"وحديث حذيفة والمغيرة يرده، ويوضح أنه ليس في كثيب، فدل على التعدد"(شرح ابن ماجه 1/ 153).
قلنا: ولكن يحتمل أَنْ يكون قول مجاهد هذا ليس من باب الرواية، وإنما خرج منه مخرج الاجتهاد والفتوى، كما أَنَّ السباطة المذكورة في حديث حذيفة والمغيرة فسرت بالكناسة، والكناسة: الموضع الذي يرمى فيه التراب والأوساخ وما يكنس من المنازل، والتراب الذي يكنس من المنازل غالبا ما يكون دقيقا، ومثله يسمى كثيبا أيضًا، وكذا كل ما انصب في شيء فقد انكثب فيه، وكل مجتمع من تراب وغيره فهو كثبة، ومنه سمي الكثيب من الرمل؛ لأنه انصب في مكان فاجتمع فيه، انظر:(إصلاح المنطق ص 268)، و (العين 5/ 351)، و (النهاية 2/ 335)، و (تاج العروس 4/ 109).
* * *