الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر قتله لأخيه
وكان له أخ اسمه مسعود خان وأمه بنت السلطان علاء الدين، وكان من أجمل صورة رأيتها في الدنيا، فاتّهمه بالقيام عليه «86» ، وسأله عن ذلك فأقر خوفا من العذاب فإنه من أنكر ما يدعيه عليه السلطان من مثل ذلك يعذب! فيرى الناس أن القتل أهون عليهم من العذاب فأمر به فضربت عنقه، في وسط السوق وبقى مطروحا هنالك ثلاثة أيام على عادتهم، وكانت أم هذا المقتول قد رجمت في ذلك الموضع قبل ذلك بسنتين لاعترافها بالزّنا فرجمها القاضي كمال الدين.
ذكر قتله لثلاثماية وخمسين رجلا في ساعة واحدة
!
وكان مرة عيّن حصّة من العسكر تتوجه مع الملك يوسف بغرة «87» إلى قتال الكفار ببعض الجبال المتصلة بحوز دهلى فخرج يوسف وخرج معه معظم العسكر وتخلف قوم منهم، فكتب يوسف إلى السلطان يعلمه بذلك، فأمر أن يطاف بالمدينة ويقبض على من وجد من أولئك المتخلفين ففعل ذلك وقبض على ثلاثماية وخمسين منهم فأمر بقتلهم أجمعين فقتلوا!
ذكر تعذيبه للشيخ شهاب الدين وقتله
وكان الشيخ شهاب الدين ابن شيخ الجام الخراساني الذي تنسب مدينة الجام بخراسان إلى جده حسبما قصصنا ذلك، من كبار المشايخ الصلحاء الفضلاء «88» ، وكان يواصل أربعة عشر يوما، وكان السلطانان قطب الدين وتغلق يعظمانه ويزورانه ويتبركان به، فلما ولى السلطان محمد أراد أن يخدم الشيخ في بعض خدمته، فإن عادته أن يخدم الفقهاء والصلحاء محتجا أن الصدر الأول، رضي الله عنهم، لم يكونوا يستعملون إلا أهل العلم والصلاح، فامتنع الشيخ شهاب الدين من الخدمة، وشافهه السلطان بذلك في مجلسه العامّ
فأظهر الإباءة والامتناع! «89» فغضب السلطان من ذلك، وأمر الشيخ الفقيه المعظم ضياء الدين السمناني أن ينتف لحيته! فأبى ضياء الدين من ذلك، وقال: لا أفعل هذا، فأمر السلطان بنتف لحية كل واحد منهما! فنتفت! ونفي ضياء الدين إلى بلاد التّلنك، ثم ولاه بعد مدة قضاء ورنكل «90» فمات بها.
ونفى شهاب الدين إلى دولة آباد، فأقام بها سبعة أعوام ثم بعث عنه فأكرمه وعظّمه وجعله على ديوان المستخرج «91» ، وهو ديوان بقايا العمّال يستخرجها منهم بالضرب والتنكيل، ثم زاد في تعظيمه وأمر الأمراء أن يأتوا للسلام عليه ويمتثلوا أقواله، ولم يكن أحد في دار السلطان فوقه، ولما انتقل السلطان إلى السكنى على نهر الكنك، وبنى هنالك القصر المعروف بسرك دوار، معناه شبيه الجنة «92» ، وأمر الناس بالبناء هنالك، طلب منه الشيخ شهاب الدين أن يأذن له في الإقامة بالحضرة، فأذن له إلى أرض موات مسافة ستة أميال من دهلى فحفر بها كهفا كبيرا صنع في جوفه البيوت والمخازن والفرن والحمّام وجلب الماء من نهرجون، وعمر تلك الأرض وجمع مالا كثيرا من مستغلها لأنها كانت السنون قاحطة، وأقام هنالك عامين ونصف عام مدة مغيب السلطان.
وكان عبيده يخدمون تلك الأرض نهارا ويدخلون الغار ليلا ويسدّونه على أنفسهم وأنعامهم خوف سرّاق الكفار لأنهم في جبل منيع هنالك، ولما عاد السلطان إلى حضرته استقبله الشيخ ولقيه على سبعة أميال منها فعظّمه السلطان وعانقه عند لقائه، وعاد إلى غاره، ثم بعث عنه بعد أيام فامتنع من إتيانه، فبعث إليه مخلص الملك النّذرباري «93» ، وكان من كبراء الملوك فتلطف له في القول وحذره بطش السلطان فقال له: لا أخدم ظالما أبدا! فعاد مخلص الملك إلى السلطان فأخبره بذلك فأمر أن ياتي به، فأتى به فقال له: أنت القائل:
إني ظالم؟ فقال: نعم أنت ظالم، ومن ظلمك كذا وكذا، وعدّد أمورا، منها تخريبه لمدينة
دهلى وإخراجه أهلها، فأخذ السلطان سيفه ودفعه لصدر الجهان، وقال: يثبت هذا أني ظالم واقطع عنقي بهذا السيف! فقال له شهاب الدين: ومن يريد أن يشهد بذلك فيقتل، ولكن أنت تعرف ظلم نفسك! وأمر بتسليمه للملك نكبية راس الدويداريّة، فقيّده بأربعة قيود وغلّ يديه وأقام كذلك أربعة عشر يوما مواصلا لا ياكل ولا يشرب! وفي كل يوم منها يؤتى به إلى المشور ويجمع الفقهاء والمشايخ، ويقولون له ارجع عن قولك، فيقول: لا أرجع عنه وأريد أن أكون في زمرة الشهداء! فلما كان اليوم الرابع عشر بعث إليه السلطان بطعام مع مخلص الملك، فأبى أن يأكل، وقال: قد رفع رزقي من الأرض! ارجع بطعامك إليه! فلما أخبر بذلك السلطان أمر عند ذلك أن يطعم الشيخ خمسة إستار «94» من العذرة! وهي رطلان ونصف من أرطال المغرب، فأخذ ذلك الموكلون بمثل هذه الأمور، وهم طائفة من كفار الهنود، فمدّوه على ظهره وفتحوا فمه بالكلبتين وحلّوا العذرة بالماء، وسقوه ذلك، وفي اليوم بعده أتي به إلى دار القاضي صدر الجهان وجمع الفقهاء والمشايخ ووجوه الأعزة فوعظوه وطلبوا منه أن يرجع عن قوله فأبى ذلك فضربت عنقه، رحمه الله تعالى
ذكر قتله للفقيه المدرس عفيف الدين الكاساني «95» وفقيهين معه
وكان السّلطان في سنين القحط قد أمر بحفر آبار خارج دار الملك، وأن يزرع هنالك «96» زرع وأعطى الناس البذر وما يلزم على الزراعة من النفقة وكلفهم زرع ذلك للمخرن، فبلغ ذلك الفقيه عفيف الدين، فقال: هذا الزرع لا يحصل المراد منه! فوشى به إلى السلطان فسجنه وقال: له لأي شيء تدخل نفسك في أمور الملك؟ ثم إنه سرّحه بعد مدة فذهب إلى داره.
ولقيه في طريقه إليها صاحبان له من الفقهاء، فقالا له: الحمد لله على خلاصك، فقال الفقيه: الحمد لله الذي نجّانا من القوم الظالمين «97» ، وتفرقوا فلم يصلوا إلى دورهم حتى بلغ ذلك السلطان، فأمر بهم فأحضر ثلاثتهم بين يديه، فقال: اذهبوا بهذا، يعني عفيف