الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما أعطاه السلطان للأمير سيف الدين غدا بن هبة الله بن مهنّى أمير عرب الشام
.
ولما قدم هذا الأمير «59» على السلطان أكرم مثواه وأنزله بقصر السلطان جلال الدين داخل مدينة دهلى، ويعرف بكشك لعل، ومعناه القصر الأحمر، وهو قصر عظيم فيه مشور كبير جدا ودهليز هائل، على بابه قبة «60» تشرف على هذا المشور، وعلى المشور الثاني الذي يدخل منه إلى القصر، وكان السلطان جلال الدين يقعد بها وتلعب الكرة بين يديه في هذا المشور، وقد دخلت هذا القصر عند نزوله به فرأيته مملوا أثاثا وفرشا وبسطا وغيرها، وذلك كله متمزق، لا منتفع فيه، فإن عادتهم بالهند أن يتركوا قصر السلطان إذا مات بجميع ما فيه لا يعرضون له ويبنى المتولي بعده قصرا لنفسه، ولما دخلته طفت به وصعدت إلى أعلاه، فكانت لي فيه عبرة نشأت عنها عبرة وكان معي الفقيه الطيب الأديب جمال الدين المغربي الغرناطي الأصل البجائي المولد، مستوطن بلاد الهند قدمها مع أبيه، وله بها أولاد، فانشدني عند ما عايناه،
سلاطينهم سل الطّين عنهم
…
فالرؤوس العظام صارت عظاما! «61»
وبهذا القصر كانت وليمة عرسه كما نذكره، وكان السلطان شديد المحبة في العرب مؤثرا لهم معترفا بفضائلهم فلما وصله الأمير أجزل له العطاء وأحسن إليه إحسانا عظيما، وأعطاه مرة، وقد قدمت عليه، هدية أعظم ملك البايزيدي «62» من بلاد مانكبور أحد عشر فرسا من عتاق الخيل وأعطاه مرة أخرى عشرة من الخيل مسرجة بالسروج المذهبة عليها اللجم المذهّبة ثم زوجه بعد ذلك بأخته فيروز خوندة.
ذكر تزوج الأمير سيف الدين بأخت السلطان
ولما أمر السلطان بتزويج أخته للأمير غدا عيّن للقيام بشأن الوليمة ونفقاتها الملك فتح
الله المعروف بشونويس، بشين معجم مفتوح وواوين أولهما مسكن والآخر مسكور بينهما نون وآخره سين مهمل، وعيّنني لملازمة الأمير غذا والكون معه في تلك الأيام، فأتى الملك فتح الله بالصّيوانات فظلل بها المشورين بالقصر الأحمر المذكور، وضرب في كل واحد منهما قبة ضخمة جدا وفرش ذلك بالفرش الحسان، وأتى شمس الدين التبريزي أمير المطربين ومعه الرجال المغنون والنساء المغنيات والرواقص وكلهن مماليك السلطان، وأحضر الطباخين والخبازين والشوائين والحلوانّيين والشّربدارية والتنبول داران، وذبحت الأنعام والطيور، وأقاموا يطعمون الناس خمسة عشر يوما ويحضر الأمراء الكبار والأعزة ليلا ونهارا.
فلما كان قبل ليلة الزفاف بليلتين جاء الخواتين من دار السلطان ليلا إلى هذا القصر فزينه وفرّشنه بأحسن الفرش واستحضرن الأمير سيف الدين وكان عربيا غريبا لا قرابة له فحففن به، وأجلسنه على مرتبة معينة له، وكان السلطان قد أمر أن تكون ربيبته أم أخيه مبارك خان مقام أم الأمير غدا، وأن تكون امرأة أخرى من الخواتين مقام أخته وأخرى مقام عمته وأخرى مقام خالته حتى يكون كأنه بين أهله «63» !! ولما أجلسنه على المرتبة جعلن له الحناء في يديه ورجليه «64» ، وقام باقيهن على رأسه يغنّين ويرقصن، وانصرفن إلى قصر الزفاف وأقام هو مع خواص أصحابه، وعين السلطان جماعة من الأمراء يكونون من جهته وجماعة يكونون من جهة الزوجة، وعادتهم أن تقف الجماعة التي من جهة الزوجة على باب الموضع الذي تكون به جلوتها على زوجها، وياتي الزوج بجماعته فلا يدخلون إلا إن غلبوا أصحاب الزوجة أو يعطونهم الآلاف من الدنانير إن لم يقدروا عليهم!! ولما كان بعد المغرب أتي إليه بخلعة حرير زرقاء مزركشة مرصعة قد غلبت الجواهر عليها فلا يظهر لونها مما عليها من الجوهر، وبشاشية مثل ذلك، ولم أر قط مثل ذلك، ولم
أر قط خلعة أجمل من هذه الخلعة، وقد رأيت ما خلعه السلطان على سائر أصهاره مثل ابن ملك الملوك عماد الدين السّمناني، وابن ملك العلماء وابن شيخ الإسلام وابن صدر جهان البخاري، فلم يكن فيها مثل هذه.
ثم ركب الأمير سيف الدين في أصحابه وعبيده، وفي يد كلّ واحد منهم عصى قد أعدها، وصنعوا شبه إكليل من الياسمين والنّسرين وريبول «65» ، وله رفرف «66» يغطي وجه المتكلل به وصدره، وأتوا به الأمير ليجعله على رأسه، فأبى من ذلك، وكان من عرب البادية، لا عهد له بأمور الملك والحضر! فحاولته وحلفت عليه حتى جعله على رأسه وأتى باب الصّرف ويسمونه باب الحرم «67» ، وعليه جماعة الزوجة فحمل عليهم بأصحابه حملة عربية وصرعوا كل من عارضهم فغلبوا عليهم، ولم يكن لجماعة الزوجة من ثبات! وبلغ ذلك السلطان فأعجبه فعله، ودخل إلى المشور وقد جعلت العروس فوق منبر عال مزين بالديباج مرصع بالجوهر والمشور ملآن بالنساء والمطربات قد أحضرن أنواع الآلات المطربة وكلهنّ وقوف على قدم إجلالا له وتعظيما، فدخل بفرسه حتى قرب من المنبر فنزل وخدم عند أول درجة منه، وقامت العروس قائمة حتى صعد فأعطته التنبول بيدها فأخذه وجلس تحت الدرجة التي وقفت بها، ونثرت دنانير الذهب على رؤوس الحاضرين من أصحابه، ولقطتها النساء والمغنيات يغنين حينئذ، والأطبال والأبواق والأنفار تضرب خارج الباب.
ثم قام الأمير وأخذ بيد زوجته ونزل وهي تتبعه، فركب فرسه يطأ به الفرش والبسط، ونثرت «68» الدنانير عليه وعلى أصحابه، وجعلت العروس في محفة وحملها العبيد على أعناقهم إلى قصره، والخواتين بين يديها راكبات وغيرهن من النساء ماشيات، وإذا مرّوا بدار أمير أو كبير خرج إليهم ونثر عليهم الدنانير والدراهم على قدر همته حتى أوصلوها إلى قصرها.