الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرددت عليها السلام، ولم أقف معها ولا التفت إليها، فلما خرجت أدركني بعض الناس، وقال لي: إن المرأة التي سلمت عليك هي الخاتون، فخجلت عند ذلك وأردت الرجوع إليها فوجدتها قد انصرفت فأبلغت إليها السلام مع بعض خدّامها واعتذرت عما كان منّى لعدم معرفتي لها!
ذكر بطيخ خوارزم
وبطيخ خوارزم لا نظير له في بلاد الدنيا شرقا ولا غربا إلا ما كان من بطيخ بخاري، يليه بطيخ إصفهان، وقشره أخضر، وباطنه أحمر، وهو صادق الحلاوة، وفيه صلابة.
ومن العجائب أنّه يقدّد وييبس في الشمس ويجعل في القواصر كما يصنع عندنا بالشّريحة والتّين المالقي «19» ، ويحمل من خوارزم إلى أقصى بلاد الهند والصين، وليس في جميع الفواكه اليابسة أطيب منه! وكنت أيام إقامتي بدهلي من الهند متى قدم المسافرون بعثت من يشتري لي منهم قديد البطيخ، وكان ملك الهند إذا أوتي إليه بشيء منه بعث إليّ به لما يعلم من محبّتي فيه، ومن عادته أنه يطرف الغرباء بفواكه بلادهم ويتفقدهم بذلك.
حكاية [التاجر الكريم]
كان قد صحبني من مدينة السّرا إلى خوارزم شريف من أهل كربلاء يسمى علي بن منصور، وكان من التجار فكنت أكلّفه أن يشتري لي الثياب وسواها، فكان يشتري لي الثوب بعشرة دنانير ويقول اشتريته بثمانية، ويحاسبني بالثمانية ويدفع الدينارين من ماله وأنا لا علم لي بفعله إلى أن تعرفت ذلك على ألسنة الناس، وكان مع ذلك قد أسلفني دنانير فلمّا وصل إليّ إحسان أمير خوارزم رددت إليه ما أسلفنيه، وأردت أن أحسن بعده إليه مكافأة لأفعاله الحسنة، فأبى ذلك وحلف أن لا يفعل، وأردت أن أحسن إلى فتى كان له اسمه كافور فحلف أن لا أفعل، وكان أكرم من لقيته من العراقيين.
وعزم على السفر معي إلى بلاد الهند ثم إن جماعة من أهل بلده وصلوا إلى خوارزم برسم السفر إلى الصين فأخذ في السفر معهم، فقلت له في ذلك، فقال: هؤلاء أهل بلدي
يعودون إلى أهلي وأقاربي ويذكرون أنّي سافرت إلى أرض الهند برسم الكدية فيكون سبّة، وعلي لا أفعل ذلك.
وسافر معهم إلى الصين فبلغني بعد وأنا بأرض الهند، أنه لما بلغ إلى مدينة المالق «20» وهي آخر البلاد التي من عمالة ما وراء النهر، وأول بلاد الصين، أقام بها وبعث فتى له بما كان عنده من المتاع فأبطأ الفتى عليه وفي أثناء ذلك وصل من بلده بعض التجار ونزل معه في فندق واحد فطلب منه الشريف أن يسلفه شيئا بخلال ما يصل فتاه، فلم يفعل، ثم أكّد قبح ما صنع في عدم التوسعة على الشريف بأن أراد الزيادة عليه في المسكن الذي كان له بالفندق، فبلغ ذلك الشريف فاغتم منه ودخل إلى بيته فذبح نفسه «21» فأدرك وبه رمق، واتهموا غلاما كان له بقتله، فقال لهم: لا تظلموه فإني أنا فعلت ذلك بنفسي ومات من يومه غفر الله له! وكان قد حكى لي عن نفسه أنه أخذ مرة من بعض تجار دمشق ستة آلاف درهم قراضا فلقيه ذلك التاجر بمدينة حماة من أرض الشام فطلبه بالمال، وكان قد باع ما اشترى به من المتاع بالدّين فاستحيى من صاحب المال، ودخل إلى بيته وربط عمامته بسقف البيت وأراد أن يخنق نفسه، وكان في أجله تأخير فتذكّر صاحبا له من الصيارفة فقصده وذكر له القضية فسلفه مالا دفعه للتاجر.
ولما أردت السفر من خوارزم اكتريت جمالا واشتريت محارة «22» وكان عديلي بها عفيف الدّين التوزري، وركب الخدّام بعض الخيل، وجلّلنا باقيها لأجل البرد ودخلنا البرية التي بين خوارزم وبخاري، وهي مسيرة ثمانية عشر يوما في رمال لا عمارة بها إلا بلدة واحدة، فودعت الأمير قطلودمور وخلع عليّ خلعة، وخلع علي القاضي أخرى وخرج مع الفقهاء لوداعي، وسرنا أربعة أيام، ووصلنا إلى مدينة ألكات «23» وليس بهذه الطريق عمارة
سواها، وضبط اسمها بفتح الهمزة وسكون اللام وآخره وتاء مثناه، وهي صغيرة حسنة نزلنا خارجا على بركة ماء قد جمدت من البرد فكان الصبيان يلعبون فوقها ويزلقون عليها.
وسمع بقدومي قاضي ألكات، ويسمى صدر الشريعة وكنت قد لقيته بدار قاضي خوارزم فجاء إلي مسلّما مع الطلبة، وشيخ المدينة الصالح العابد محمود الخيوقي «24» ، ثم عرض عليّ القاضي الوصول إلى أمير تلك المدينة، فقال له الشيخ محمود: القادم ينبغي له أن يزار «25» . وان كانت لنا همة نذهب إلى أمير المدينة وناتي به ففعلوا ذلك، وأتى الأمير بعد ساعة في أصحابه وخدامه فسلّمنا عليه، وكان غرضنا تعجيل السفر، فطلب منا الإقامة، وصنع دعوة جمع لها الفقهاء ووجوه العساكر وسواهم ووقف الشعراء يمدحونه، وأعطاني كسوة وفرسا جيدا، وسرنا على الطريق المعروفة بسيبايه «26» وفي تلك الصحراء مسيرة ست دون ماء.
ووصلنا بعد ذلك إلى بلدة وبكنة «27» ، وضبط اسمها بفتح الواو واسكان الباء الموحدة وكاف ونون، وهي على مسيرة يوم واحد من بخارى بلدة حسنة ذات أنهار وبساتين وهم يدّخرون العنب من سنة إلى سنة، وعندهم فاكهة يسمونها العلوّ «28» بالعين المهملة وتشديد اللام، فييبّسونه ويجلبه الناس إلى الهند والصين، ويجعل عليه الماء ويشرب ماؤه، وهو أيام
كونه أخضر حلو فإذا يبس صار فيه يسير حموضة ولحميته كثيرة ولم أر مثله بالأندلس ولا بالمغرب ولا بالشام.
ثم سرنا في بساتين متصلة وأنهار وأشجار وعمارة يوما كاملا، ووصلنا إلى مدينة بخارى «29» التي ينسب إليها أمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن اسماعيل البخاري «30» ، وهذه المدينة كانت قاعدة ما وراء نهر جيحون «31» من البلاد، وخرّبها اللعين تنكيز التتري «32» جدّ ملوك العراق، فمساجدها الآن ومدارسها وأسواقها خربة إلا القليل، وأهلها أذلّاء، وشهادتهم لا تقبل بخوارزم وغيرها لاشتهارهم بالتعصّب ودعوى الباطل وانكار الحق، وليس بها اليوم من الناس من يعلم شيئا من العلم ولا من له عناية به!!