الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عروشها غير عامرة، ومن رآها ظنها عامرة لإتقان بنائها وكانت ضخمة فسيحة، ومساجدها ومدارسها باقية الرسوم حتى الآن ونقوش مبانيها مدخلة بأصبغة اللّازورد، والناس ينسبون اللّازورد إلى خراسان، وانما يجلب من جبال بدخشان التي ينسب إليها الياقوت البدخشى، والعامة يقولون: البلخش «86» ، وسياتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وخرب هذه المدينة تنكيز اللّعين وهدم من مسجدها نحو الثّلث بسبب كنز ذكر له أنه تحت سارية من سواريه، وهو من أحسن مساجد الدنيا وأفسحها، ومسجد رباط الفتح بالمغرب «87» يشبهه في عظم سواريه، ومسجد بلخ أجمل منه في سوي «88» ذلك.
حكاية [أميرة تبني مسجدا]
ذكر لي بعض أهل التاريخ أن مسجد بلخ بنته امرأة كان زوجها أميرا بلخ لبني العباس يسمّى داود بن علي «89» ، فاتفق أن الخليفة غضب مرة على أهل بلخ لحادث أحدثوه فبعث إليهم من يغرمهم مغرما فادحا، فلما بلغ إلى بلخ أتى نساؤها وصبيانها إلى تلك المرأة
التي بنت المسجد، وهي زوج أميرهم، وشكوا حالهم وما لحقهم من هذا المغرم، فبعثت إلى الأمير الذي قدم برسم تغريمهم بثوب لها مرصع بالجواهر قيمته أكثر مما أمر بتغريمه، فقالت له: اذهب بهذا الثوب إلى الخليفة، فقد أعطيته صدقة عن أهل بلخ لضعف حالهم.
فذهب به إلى الخليفة وألقى الثوب بين يديه وقصّ عليه القصة فخجل الخليفة وقال: أتكون المرأة أكرم منا؟ وأمره برفع المغرم عن أهل بلخ، وبالعودة إليها ليردّ للمرأة ثوبها، واسقط عن أهل بلخ خراج سنة! فعاد الأمير إلى بلخ وأتى منزل المرأة وقص عليها مقالة الخليفة ورد عليها الثوب، فقالت له: أوقع بصر الخليفة على هذا الثوب؟ قال: نعم، قالت: لا ألبس ثوبا وقع عليه بصر غير ذي محرم مني!! وأمرت ببيعه، فبني منه المسجد والزاوية ورباط في مقابلته مبنيّ بالكذّان، وهو عامر حتى الآن، وفضل من الثوب مقدار ثلثه فذكر أنها أمرت بدفنه تحت بعض سواري المسجد ليكون هنالك متيسّرا إن احتيج إليه خرّج، فأخبر تنكيز بهذه الحكاية فأمر بهدم سواري المسجد فهدم منها نحو الثلث ولم يجد شيئا فترك الباقي على حاله، وبخارج بلخ قبر يذكر أنه قبر عكّاشة بن محصن الأسدي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما الذي يدخل الجنة بلا حساب «90» ، وعليه زاوية معظمة بها كان نزولنا، وبخارجها بركة ماء عجيبة عليها شجرة جوز عظيمة ينزل الواردون في الصيف تحت ظلالها.
وشيخ هذه الزاوية يعرف بالحاجّ خرد، وهو الصغير، من الفضلاء، وركب معنا وأرانا مزارات هذه المدينة منها قبر حزقيل «91» النبي عليه السلام وعليه قبة حسنة، وزرنا بها أيضا قبورا كثيرة من قبور الصالحين لا أذكرها الآن، ووقفنا على دار ابراهيم بن أدهم «92» رضي الله عنه، وهي دار ضخمة مبنية بالصّخر الأبيض الذي يشبه الكذّان، وكان زرع الزاوية مختزنا بها وقد سدّت عليه، فلم ندخلها وهي بمقربة من المسجد الجامع.
ثم سافرنا من مدينة بلخ فسرنا في جبال قوه استان «93» سبعة أيام وهي قرى كثيرة عامرة، بها المياه الجارية والأشجار المورقة، وأكثرها شجر التين، وبها زوايا كثيرة فيها الصالحون المنقطعون إلى الله تعالى، وبعد ذلك كان وصولنا إلى مدينة هرات وهي أكبر المدن العامرة بخراسان.
ومدن خراسان العظيمة أربع ثنتان عامرتان وهما: هرات ونيسابور «94» وثنتان خربتان: وهما بلخ ومرو «95» ، ومدينة هرات كبيرة عظيمة كثيرة العمارة ولأهلها صلاح وعفاف وديانة، وهم على مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه، وبلدهم طاهر من الفساد.