الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر لي من أثق به أنّ السلطان أبا سعيد ملك العراق قدم خراسان مرة ونزل على هذه المدينة وبها زاوية الشيخ، فأضافه ضيافة عظيمة وأعطى لكل خباء بمحلته رأس غنم، ولكل أربعة رجال رأس غنم، ولكل دابة بالمحلة من فرس وبغل وحمار علف ليلة فلم يبق في المحلة حيوان إلا وصلته ضيافة.
حكاية الشيخ شهاب الدين الذي تنسب إليه مدينة الجام
يذكر أنه كان صاحب راحة مكثرا من الشّرب، وكان له من الندماء نحو ستين وكانت لهم عادة أن يجتمعوا يوما في منزل كل واحد منهم فتدور النّوبة على أحدهم بعد شهرين، وبقوا على ذلك مدة، ثم إنّ النوبة وصلت يوما إلى الشيخ شهاب الدين فعقد التوبة ليلة النوبة، وعزم على إصلاح حاله مع ربّه، وقال في نفسه: إن قلت لأصحابي إني قد تبت قبل اجتماعهم عندي ظنوا ذلك عجزا عن مؤنتهم، فأحضر ما كان يحضر مثله قبل من مأكول ومشروب، وجعل الخمر في الزقاق، وحضر أصحابه فلما أرادوا الشرب فتحوا زقّا فذاقه أحدهم فوجده حلوا، ثم فتحوا ثانيا فوجدوه كذلك، ثم ثالثا فوجدوه كذلك، فكلّموا الشيخ في ذلك فخرج لهم عن حقيقة أمره، وصدقهم سنّ بكره «117» ، وعرفهم بتوبته، وقال لهم: والله ما هذا إلا الشّراب الذي كنتم تشربونه في ما تقدم! وتابوا جميعا إلى الله تعالى، وبنوا تلك الزاوية وانقطعوا بها لعبادة الله تعالى، وظهر لهذا الشيخ كثير من الكرامات والمكاشفات.
ثم سافرنا من الجام إلى مدينة طوس «118» وهي من أكبر بلاد خراسان وأعظمها، بلد الإمام الشهير أبي حامد الغزالي «119» رضي الله عنه، وبها قبره، ورحلنا منها إلى مدينة مشهد الرضا «120» وهو علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي
زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب «121» رضي الله عنهم، وهي أيضا مدينة كبيرة ضخمة كثيرة الفواكه والمياه والأرحاء الطاحنة، وكان بها الطاهر محمد شاه والطاهر عندهم بمعنى النقيب عند أهل مصر والشام والعراق، وأهل الهند والسند وتركستان يقولون: السيد الأجل «122» .
وكان أيضا بهذا المشهد القاضي الشريف جلال الدين لقيته بأرض الهند والشريف عليّ، وولداه أمير هندو ودولة شاه «123» وصحبوني من التّرمذ إلى بلاد الهند وكانوا من الفضلاء.
والمشهد المكرم عليه قبّة عظيمة في داخل زاوية وتجاورها مدرسة ومسجد، وجميعها مليح البناء مصنوع الحيطان بالقاشاني، وعلى القبر دكانة خشب ملبّسة بصفائح الفضة، وعليه قناديل فضة معلقة، وعتبة باب القبة فضة وعلى بابها ستر حرير مذهب، وهي مبسوطة بأنواع البسط وإزاء هذا القبر قبر هارون الرشيد أمير المؤمنين «124» رضي الله عنه وعليه دكانة يضعون عليها الشمعدانات، التي يعرفها أهل المغرب بالحسك، والمنائر، وإذا دخل الرافضي للزيارة ضرب قبر الرشيد برجله وسلّم على الرضا!! ثم سافرنا رى مدينة سرخس «125» وإليها ينسب الشيخ الصالح لقمان السرخسي «126» رضي الله عنه.
ثم سافرنا منها إلى مدينة زاوة «127» ، وهي مدينة الشيخ الصالح قطب الدين حيدر «128» ، وإليه تنتسب طائفة الحيدرية من الفقراء، وهم الذين يجعلون حلق الحديد في أيديهم وأعناقهم وآذانهم ويجعلونها أيضا في ذكورهم حتى لا يتأتى لهم النكاح!! ثم رحلنا منها فوصلنا إلى مدينة نيسابور «129» ، وهي إحدى المدن الأربع التي هي قواعد خراسان ويقال لها دمشق الصغيرة لكثرة فواكهها وبساتينها ومياهها وحسنها وتخترقها أربعة من الأنهار، وأسواقها حسنة متّسعة ومسجدها بديع وهو في وسط السوق ويليه أربع من المدارس يجري بها الماء الغزير، وفيها من الطلبة خلق كثير يقرءون القرآن والفقه وهي من حسان مدارس تلك البلاد.
ومدارس خراسان والعراقين ودمشق وبغداد ومصر، وإن بلغت الغاية من الإتقان والحسن فكلها تقصر عن المدرسة التي عمّرها مولانا أمير المؤمنين المتوكل على الله المجاهد في سبيل الله عالم الملوك وواسطة عقد الخلفاء العادلين أبو عنان وصل الله سعده ونصر