الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر دخول السلطان إلى حضرته وما أمر لنا به من المراكب
وفي الغد من يوم خروجنا إلى السلطان أعطى كلّ واحد منّا فرسا من مراكب السلطان عليه سرج ولجام محلّيان، وركب السلطان لدخول حضرته وركبنا في مقدّمته مع صدر الجهان وزيّنت الفيلة أمام السلطان وجعلت عليها الأعلام ورفعت عليها ستّة عشر شطرا، منها مزركشة ومنها مرصّعة ورفع فوق رأس السلطان شطر منها وحملت أمامه الغاشية، وهي ستارة مرصّعة، وجعل على بعض الفيلة رعّادات صغار، فلمّا وصل السلطان إلى قرب المدينة رمى في تلك الرّعادات بالدّنانير والدراهم مختلطة، والمشاة بين يدي السلطان وسواهم ممّن حضر يلتقطون ذلك، ولم يزالوا ينثرونها إلى أن وصلوا إلى القصر «99» وكان بين يديه آلاف من المشاة على الأقدام وصنعت قباب الخشب المكسوّة بثياب الحرير وفيها المغنّيات حسبما ذكرنا ذلك.
ذكر دخولنا إليه وما أنعم به من الإحسان والولاية
ولمّا كان يوم الجمعة ثاني يوم دخول السلطان أتينا باب المشور فجلسنا في سقائف الباب الثالث، ولم يكن الإذن حصل لنا بالدخول وخرج الحاجب شمس الدين الفوشنجيّ فأمر الكتّاب أن يكتبوا اسماءنا وأذن لهم في دخولنا ودخول بعض أصحابنا وعيّن للدخول معي ثمانية، فدخلنا ودخلوا معنا ثمّ جاءوا بالبدر والقبّان، وهو الميزان، وقعد قاضي القضاة والكتّاب ودعوا من بالباب من الأعزّة، وهم الغرباء، فعيّنوا لكلّ إنسان نصيبه من تلك البدر فحصل لي منها خمسة آلاف دينار، وكان مبلغ المال مائة ألف دينار تصدّقت به امّ السلطان لمّا قدم ابنها، وانصرفنا ذلك اليوم.
وكان السلطان بعد ذلك يستدعينا للطّعام بين يديه ويسأل عن أحوالنا ويخاطبنا بأجمل كلام، ولقد قال لنا في بعض الأيام: انتم شرّفتمونا بقدومكم فما نقدر على مكافأتكم، فالكبير منكم مقام والدي والكهل مقام أخي والصغير مقام ولدي، وما في ملكي أعظم من مدينتي هذه أعطيكم إيّاها! فشكرناه، ودعونا له، ثمّ بعد ذلك أمر لنا بالمرتّبات فعيّن لي اثنى عشر ألف دينار في السنة وزادني قريتين على الثلاث التي أمر لي بها قبل، إحداهما قرية جوزة والثانية قرية ملك بور.
وفي بعض الأيّام بعث لنا خذاوندزاده غياث الدين وقطب الملك صاحب السند فقالا لنا: إن خوند عالم يقول لكم: من كان منكم يصلح للوزارة أو الكتابة أو الامارة أو القضاء
أو التدريس أو المشيخة أعطيته ذلك! فسكت الجميع لأنّهم كانوا يريدون تحصيل الأموال والانصراف إلى بلادهم! وتكلّم أمير بخت ابن السيّد تاج الدين الذي تقدّم ذكره، فقال: أمّا الوزارة فميراثي، وأمّا الكتابة فشغلي، وغير ذلك لا أعرفه، وتكلّم هبة الله ابن الفلكيّ فقال مثل ذلك، وقال لي خذاوندزادة بالعربيّ: ما تقول أنت يا سيّدي؟ وأهل تلك البلاد لا يدعون العربيّ الّا بالتّسويد، وبذلك يخاطبه السلطان تعظيما للعرب، فقلت له: أمّا الوزارة والكتابة فليست شغلي، وأمّا القضاء والمشيخة فشغلي وشغل آبائي، وامّا الامارة فتعلمون أن الأعاجم ما أسلمت إلّا بأسياف العرب! فلما بلغ ذلك إلى السلطان أعجبه كلامي. وكان السلطان بهزار أسطون يأكل الطعام فبعث عنّا فأكلنا بين يديه وهو يأكل، ثم انصرفنا إلى خارج هزار اسطون وقعد أصحابي، وانصرفت بسبب دمّل كان يمنعني الجلوس فاستدعانا السلطان ثانية فحضر أصحابي واعتذروا عنّي، وجئت بعد صلاة العصر فصلّيت بالمشور المغرب والعشاء الآخرة.
ثمّ خرج الحاجب فاستدعانا فدخل خذاوند زادة ضياء الدين، وهو أكبر الإخوة المذكورين فجعله السلطان أمير داد «100» ، وهو من الأمراء الكبار فجلس بمجلس القاضي، فمن كان له حق على أمير أو كبير أحضره بين يديه، وجعل مرتّبه على هذه الخطّة خمسين ألف دينار في السنة، عيّن له مجاشر «101» فائدها ذلك المقدار، فأمر له بخمسين ألفا عن يد، وخلع عليه خلعة حرير مزركشة تسمّى صورة الشير، ومعناه صورة السبع لأنّه يكون في صدرها وظهرها صورة سبع، وقد خيط في باطن الخلعة بطاقة بمقدار مازركش فيها من الذّهب، وأمر له بفرس من الجنس الأوّل، والخيل عندهم أربعة اجناس، وسروجهم كسروج أهل مصر، ويكسون أعظمها بالفضّة المذهّبة.
ثمّ دخل أمير بخت فأمره أن يجلس مع الوزير في مسنده، ويقف على محاسبات الدّواوين، وعيّن له مرتّبا أربعين الف دينار في السنة، أعطى مجاشر فائدها بمقدار ذلك، وأعطى أربعين ألفا عن يد، وأعطى فرسا مجهّزا، وخلع عليه كخلعة الذي قبله، ولقّب شرف الملك.
ثمّ دخل هبة الله ابن الفلكي فجعله رسول دار «102» ، ومعناه حاجب الأرسال وعيّن له مرتبا أربعة وعشرين الف دينار في السنة، أعطي مجاشر يكون فائدها بمقدار ذلك، وأعطى
اربعة وعشرين الفا عن يد، وأعطى فرسا مجهّزا، وخلعة، وجعل لقبه بهاء الملك، ثمّ دخلت فوجدت السلطان على سطح القصر مستندا إلى السرير والوزير خواجة جهان بين يديه والملك الكبير قبولة واقف بين يديه فلمّا سلّمت عليه، قال لي الملك الكبير: اخدم، فقد جعلك خوند عالم قاضي دار الملك: دهلي، وجعل مرتّبك اثنى عشر الف دينار في السنة، وعيّن لك مجاشر بمقدارها وامر لك باثنى عشر الفا نقدا تاخذها من الخزانة غدا إن شاء الله واعطاك فرسا بسرجه ولجامه، وأمر لك بخلعة محاريبيّ وهي التي يكون في صدرها وظهرها شكل محراب، فخدمت وأخذ بيدي فتقدّم بي إلى السلطان فقال لي السلطان لا تحسب قضاء دهلي من أصغر الأشغال، وهو اكبر الأشغال عندنا، وكنت أفهم قوله ولا أحسن الجواب عنه وكان السلطان يفهم العربي ولا يحسن الجواب عنه، فقلت له: يا مولانا على مذهب مالك وهؤلاء حنفيّة، وأنا لا أعرف اللّسان، فقال لي: قد عيّنت بهاء الدين الملتانيّ وكمال الدين البجنوريّ ينوبان عنك ويشاورانك وتكون أنت تسجّل على العقود، وأنت عندنا بمقام الولد، فقلت له: بل عبدكم وخديمكم، فقال لي باللسان العربيّ: بل أنت سيّدنا ومخدومنا، تواضعا منه وفضلا وإيناسا، ثمّ قال لشرف الملك أمير بخت، وإن كان الذي رتّبت له لا يكفيه لانّه كثير الانفاق فأنا أعطيه زاوية إن قدر على اقامة حال الفقراء وقال: قل له هذا بالعربيّ، وكان يظنّ أنّه يحسن العربيّ، ولم يكن كذلك، وفهم السلطان ذلك، فقال له بروويكجا بخصبي وآن حكايه بر او بگوي وتفهيم كني تا فردا إن شاء الله بيش من بيايي جواب أو بگوي «103» ، معناه امشوا الليلة فارقدوا في موضع واحد، وفهّمه هذه الحكاية فإذا كان بالغد إن شاء الله تجيء اليّ وتعلّمني بكلامه.
فانصرفنا وذلك في ثلث الليل، وقد ضربت النوبة، والعادة عندهم إذا ضربت لا يخرج أحد فانتظرنا الوزير حتّى خرج وخرجنا معه، ووجدنا أبواب دهلي مسدودة فبتنا عند السيّد أبى الحسن العبّادي العراقي بزقاق يعرف سرابور خان، وكان هذا الشيخ يتّجر بمال السلطان ويشتري له الأسلحة والأمتعة بالعراق وخراسان.
ولمّا كان بالغد بعث عنّا فقبضنا الأموال والخيل والخلع وأخذ كلّ واحد منّا البدرة بالمال فجعلها على كاهله، ودخلنا كذلك على السّلطان فخدمنا، وأتينا بالأفراس فقبّلنا حوافرها بعد أن جعلت عليها الخرق، وقدناها بأنفسنا إلى باب دار السلطان فركبناها، وذلك كلّه عادة عندهم ثمّ انصرفنا وأمر السلطان لأصحابي بألفي دينار وعشر خلع ولم يعط