الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا سمعوا ذلك، فلما ألقى ذلك إلى الناس أنكره الأمراء، وضرب كلّ واحد منهم طبله وخالف، فلم يبق معه من أحد، وأرادوا قتله فمنهم منه ملك تمور، وقام دونه ففرّ إلى أبيه في عشرة من الفرسان سمّاهم ياران موافق، معناه الأصحاب الموافقون فأعطاه أبوه الأموال والعساكر وأمره بالعود إلى التلنگ «79» فعاد إليها، وعلم أبوه بما كان أراد، فقتل الفقيه عبيدا، وأمر بملك كافور المهردار فضرب له عمود في الأرض محدود الطرف وركّز في عنقه حتى خرج من جنبه طرفه ورأسه إلى أسفل وترك على تلك الحال وفرّ من بقى من الأمراء إلى السلطان شمس الدين ابن السلطان ناصر الدين بن السلطان غياث الدين بلبن واستقرّوا عنده.
ذكر مسير تغلق إلى بلاد اللكنوتي وما اتّصل بذلك إلى وفاته
.
وأقام الأمراء الهاربون عند السلطان شمس الدين «80» ، ثم إن شمس الدين توفي وعهد لولده شهاب الدين فجلس مجلس أبيه، ثم غلب عليه أخوه الأصغر غياث الدين بهادور بوره، ومعناه بالهندية: الأسود، واستولى على الملك وقتل أخاه قطلوخان وساير إخوته وفرّ شهاب الدّين وناصر الدين منهم إلى تغلق فتجهز معهما بنفسه لقتال أخيهما وخلّف ولده محمدا نائبا عنه في ملكه وجدّ السير إلى بلاد اللكنوتي، فتغلب عليها وأسر سلطانها غياث الدين بهادور، وقدم به أسيرا إلى حضرته.
وكان «81» بمدينة دهلي الولي نظام الدّين البذاوني «82» ولا يزال محمد شاه ابن السلطان يتردّد إليه ويعظم خدّامه، ويسأله الدعاء، وكان يأخذ الشيخ حال تغلب عليه، فقال
ابن السلطان لخدامه: إذا كان الشيخ في حاله الذي تغلب عليه فأعلموني بذلك، فلما أخذته الحال أعلموه فدخل عليه، فلما رآه الشيخ قال: وهبنا لك الملك. ثم توفّى الشيخ في أيام غيبة السلطان، فحمل ابنه محمد نعشه على كاهله فبلغ ذلك أباه فانكره وتوعده، وكان قد رابته منه أمور ونقم عليه استكثاره من شراء المماليك واجزاله العطايا واستجلابه قلوب الناس فزاد حنقه عليه وبلغه أنّ المنجّمين زعموا أنّه لا يدخل مدينة دهلي بعد سفره ذلك، فتوعدهم «83» ! ولما عاد من سفره وقرب من الحضرة أمر ولده أن يبني له قصرا وهم يسمونه الكشك بضم الكاف وشين معجم مسكن، على واد هنالك يسمى أفغان بور «84» ، فبناه في ثلاثة أيام وجعل أكثر بنائه بالخشب مرتفعا على الأرض قائما على سواري خشب وأحكمه بهندسة تولّى النظر فيها الملك زاده المعروف بعد ذلك بخواجة جهان، واسمه أحمد بن إياس كبير وزراء السلطان محمد «85» ، وكان إذ ذاك شحنة العمارة، وكانت الحكمة التي اخترعوها فيه أنّه متى وطئت الفيلة جهة منه وقع ذلك القصر وسقط.
ونزل السلطان بالقصر وأطعم الناس وتفرقوا واستأذنه ولده في أن يعرض الفيلة بين يديه وهي مزيّنة فأذن له.
وحدّثني الشيخ ركن الدين أنّه كان يومئذ مع السلطان ومعهما ولد السلطان المؤثر لديه محمود فجاء محمد ابن السلطان، فقال للشيخ: ياخوند! هذا وقت العصر، انزل فصلّ! قال لي الشيخ: فنزلت وأتى بالأفيال من جهة واحدة حسبما دبّروه، فلما وطئتها سقط الكشك على السلطان وولده محمود قال الشيخ فسمعت الضّجة فعدت ولم اصلّ فوجدت الكشك قد سقط، فأمر ابنه أن يوتي بالفؤس والمساحي للحفر عنه، وأشار بالإبطاء، فلم يؤت بهما إلّا وقد غربت الشمس فحفروا، ووجدوا السلطان قد حنا ظهره على ولده ليقيه الموت! فزعم بعضهم أنّه أخرج ميّتا وزعم بعضهم أنّه أخرج حيّا، فأجهز عليه، وحمل ليلا إلى مقبرته التي بناها بخارج البلدة المسمّاة باسمه تغلق أباد فدفن بها.
وقد «86» ذكرنا السبب في بنائه لهذه المدينة وبها كانت خزائن تغلق وقصوره، وبها القصر الأعظم الذي جعل قراميده مذهّبة، فإذا طلعت الشمس كان لها نور عظيم وبصيص يمنع البصر من إدامة النظر اليها، واختزن بها الأموال الكثيرة.
ويذكر أنّه بنى صهريجا وأفرغ فيه الذهب إفراغا فكان قطعة واحدة فصرف جميع ذلك ولده محمد شاه لما ولى، وبسبب ما ذكرناه من هندسة الوزير خواجة جهان في بناء الكشك الذي سقط على تغلق كانت حظوته عند ولده محمد شاه وايثاره لديه فلم يكن أحد يدانيه في المنزلة لديه ولا يبلغ مرتبته عنده من الوزراء ولا غيرهم....