الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويخدمون لخدمته، ثم ينصرفون، وطعامهم مرتان في اليوم إحداهما قبل الظهر والأخرى بعد العصر.
ذكر بعض أخباره في الجود والكرم
وإنما أذكر منها ما حضرته وشاهدته وعاينته، ويعلم الله تعالى صدق ما أقول، وكفى به شهيدا مع أن الذي أحكيه مستفيض متواتر، والبلاد التي تقرب من أرض الهند كاليمن وخراسان وفارس مملوة بأخباره يعلمونها حقيقة ولا سيما جوده على الغرباء فإنه يفضلهم على أهل الهند، ويؤثرهم ويجزل لهم الإحسان ويسبغ عليهم الإنعام ويوليهم الخطط الرفيعة ويوليهم المواهب العظيمة، ومن إحسانه إليهم أن سماهم الأعزة ومنع من أن يدعون الغرباء وقال: إن الإنسان إذا دعى غريبا انكسر خاطره وتغير حاله وسأذكر بعضا مما يحصى «37» من عطاياه الجزيلة ومواهبه إن شاء الله تعالى.
ذكر عطائه لشهاب الدين الكازروني التاجر وحكايته
كان شهاب الدين هذا صديقا لملك التجار الكازروني الملقب ببرويز، وكان السلطان قد اقطع ملك التجار مدينة كنباية، ووعده أن يوليه الوزارة فبعث إلى صديقه شهاب الدين ليقدم عليه، فأتاه، وأعدّ هدية للسلطان وهي سراجة من الملفّ المقطوع المزين بورقة الذهب، وصيوان مما يناسبها، وخباء وتابع، وخبا «38» راحة، كل ذلك من الملف المزين وبغال كثيرة، فلما قدم شهاب الدين بهذه الهدية على صاحبه ملك التجار وجده آخذا في القدوم على الحضرة بما اجتمع عنده من مجابي بلاده وبهدية للسلطان.
وعلم الوزير خواجة جهان بما وعده به السلطان من ولاية الوزارة فغار من ذلك، وقلق بسببه، وكانت بلاد كنباية والجزرات قبل تلك المدة في ولاية الوزير، ولأهلها تعلق بجانبه وانقطاع إليه، وتخدّم له، وأكثرهم كفار وبعضهم عصاة يمتنعون بالجبال، فدس الوزير إليهم أن يضربوا على ملك التجار إذا خرج إلى الحضرة، فلما خرج بالخزائن والأموال ومعه شهاب الدين بهديته نزلوا يوما عند الضحى على عادتهم، وتفرقت العساكر، ونام أكثرهم فضرب عليهم الكفار في جمع عظيم، فقلتوا ملك التجار وسلبوا الأموال والخزائن وهدية
شهاب الدين ونجا هو بنفسه، وكتب المخبرون إلى السلطان بذلك فأمر أن يعطي شهاب الدين من مجبي بلاد نهروالة «39» ثلاثين ألف دينار ويعود إلى بلاده، فعرض عليه ذلك، فأبى من قبوله، وقال: ما قصدي إلا رؤية السلطان وتقبيل الأرض بين يديه، فكتبوا إلى السلطان بذلك، فأعجبه قوله وأمر بوصوله إلى الحضرة مكرما.
وصادف يوم دخوله على السلطان يوم دخولنا نحن عليه، فخلع علينا جميعا وأمر بإنزالنا وأعطى شهاب الدين عطاء جزيلا، فلما كان بعد ذلك أمر بستة آلاف تنكه كما سنذكره، وسأل في ذلك اليوم عن شهاب الدين: أين هو؟ فقال له بهاء الدين بن الفلكي:
ياخوند عالم نميدانم معناه. ما ندري، ثم قال له: شنيدم، زحمت داره معناه سمعت أن به مرضا، فقال له السلطان بروهمين زمان، در خزانة يك لك تنكه، زريكري وبيش أوببري تادل أو خش شود، معناه: إمش الساعة إلى الخزانة وخذ منها مائة ألف تنكه من الذهب واحملها إليه حتى يبقى خاطره طيبا، ففعل ذلك، فأعطاه إياها، وأمر السلطان أن يشترى بها ما أحب من السلع الهندية ولا يشتري أحد من الناس شيئا حتى يتجهز هو، وأمر له بثلاثة مراكب مجهزة من آلاتها، ومن مرتّب البحرية وزادهم ليسافر فيها، فسافر ونزل بجزيرة هرمز وبنى بها دارا عظيمة، رايتها بعد ذلك.
ورأيت أيضا شهاب الدين وقد فنى جميع ما كان عنده وهو بشيراز يستجدي سلطانها أبا اسحاق وهكذا مال هذه البلاد الهندية! قلما يخرج أحد به منها إلا النادر، وإذا خرج به ووصل إلى غيرها من البلاد بعث الله عليه آفة تفني ما بيده كمثل ما اتفق لشهاب الدين هذا فإنه أخذ له في الفتنة التي كانت بين ملك هرمز وابني أخيه جميع ما عنده وخرج سليبا من ماله!!