الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان جلوس هذا الأمير على دكانة كبيرة، عليها البسط وعلى مقربة منه القاضي، ويسمى سالار، والخطيب ولا أذكر اسمه، وعن يمينه ويساره أمراء الأجناد وأهل السلاح وقوف على رأسه والعساكر تعرض بين يديه.
وهنالك قسيّ كثيرة، فإذا أتى من يريد أن يثبت في العسكر راميا أعطى قوسا من تلك القسي ينزع فيها، وهي متفاوتة في الشدة فعلى قدر نزعه يكون مرتّبه، ومن أراد أن يثبّت فارسا فهنالك طبلة منصوبة فيجري فرسه ويرميها برمحه، وهنالك أيضا خاتم معلّق من حائط صغير فيجري فرسه حتى يحاذيه، فإن رفعه برمحه فهو الجيّد عندهم، ومن أراد أن يثبّت راميا فارسا فهنالك كرة موضوعة في الأرض فيجري فرسه ويرميها، وعلى قدر ما يظهر من الإنسان في ذلك من الإصابة يكون مرتّبه.
ولما دخلنا على هذا الأمير وسلّمنا عليه كما ذكرناه أمر بإنزالنا في دار خارج المدينة هي لأصحاب الشيخ العابد ركن الدين الذي تقدم ذكره، وعادتهم أن لا يضيفوا أحدا حتى يأتي أمر السلطان بتضييفه.
ذكر من اجتمعت به في هذه المدينة من الغرباء الوافدين على حضرة ملك الهند
.
فمنهم خذاوند زاده قوام الدين قاضي ترمذ، قدم بأهله وولده، ثم ورد عليه بها إخوته عماد الدين وضياء الدين وبرهان الدين، ومنهم مبارك شاه أحد كبار سمرقند، ومنهم أرن بغا أحد كبار بخارى، ومنهم ملك زاده ابن أخت خذاوند زاده، ومنهم بدر الدين الفصّال، وكل واحد من هؤلاء معه أصحابه وخدّامه واتباعه.
ولما مضى من وصولنا إلى ملتان شهران وصل أحد حجّاب السلطان وهو شمس الدين البوشنجي والملك محمد الهروي الكتوال «30» ، بعثهما السلطان لاستقبال خذاوند زاده وقدم معهم ثلاثة من الفتيان بعثتهم المخدومة جهان، وهي أم السلطان، لاستقبال زوجة خذاوند زاده المذكور وأتوا بالخلع لهما ولأولادهما ولتجهيز من قدم من الوفود، وأتوا جميعا إليّ وسألوني: لماذا قدمت؟ فأخبرتهم أني قدمت للإقامة في خدمة خوند عالم وهو السلطان وبهذا يدعى في بلاده.
وكان أمر أن لا يترك أحد ممن يأتي من خراسان يدخل بلاد الهند إلا إن كان برسم الإقامة، فلما أعلمتهم أني قدمت للإقامة استدعوا القاضي والعدول وكتبوا عقدا عليّ وعلى من أراد الإقامة من أصحابي وأبى بعضهم من ذلك.
وتجهّزنا للسفر إلى الحضرة، وبين ملتان وبينها مسيرة أربعين يوما في عمارة متصلة وأخرج الحاجب وصاحبه الذي بعث معه ما يحتاج إليه في ضيافة قوام الدين واستصحبوا من ملتان نحو عشرين طبّاخا وكان الحاجب يتقدم ليلا إلى كل منزل، فيجهّز الطعام وسواه فما يصل خذاوند زاده حتى يكون الطّعام متيسّرا، وينزل كل واحد ممن ذكرناهم من الوفود على حدة بمضاربه وأصحابه، وربّما حضروا الطعام الذي يصنع لخذاوند زاده، ولم أحضره أنا إلا مرة واحدة.
وترتيب ذلك الطعام أنهم يجعلون الخبز، وخبزهم الرّقاق، وهو شبه الجراديق، ويقطعون اللّحم المشوي قطعا كبارا بحيث تكون الشاة أربع قطع أو ستّا، ويجعلون أمام كل رجل قطعة ويجعلون أقراصا مصنوعة بالسّمن تشبه الخبز المشرّك «31» ببلادنا، ويجعلون في وسطها الحلواء الصّابونية «32» ، ويغطون كل قرص منها برغيف حلواء يسمونه الخشتي ومعناه الأجري، مصنوع من الدقيق والسكر والسمن، ثم يجعلون اللحم المطبوخ بالسمن والبصل والزنجبيل الأخضر في صحاف صينية، ثم يجعلون شيئا يسمونه سموسك «33» ، وهو لحم مهروس مطبوخ باللوز والجوز والفستق والبصل والأبازير، موضوع في جوف رقاقة مقلوّة بالسمن، يضعون أمام كل إنسان خمس قطع من ذلك أو أربعا، ثم يجعلون الأرز المطبوخ بالسمن وعليه الدجاج، ثم يجعلون لقيمات القاضي ويسمونها الهاشمي ثم يجعلون القاهرية.
ويقف الحاجب على السّماط قبل الأكل ويخدم إلى الجهة التي فيها السلطان، ويخدم جميع من حضر لخدمته، والخدمة عندهم حطّ الرأس نحو الركوع، فإذا فعلوا ذلك جلسوا