الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأصحاب أحد سواي شيئا، وكان أصحابي لهم رواء ومنظر فأعجبوا السلطان وخدموا بين يديه وشكرهم.
ذكر عطاء ثان أمر لي به وتوقّفه مدّة
وكنت يوما بالمشور بعد أيّام من توليتي القضاء والاحسان اليّ وأنا قاعد تحت شجرة هنالك، وإلى جانبي مولانا ناصر الدين الترمذيّ «104» العالم الواعظ فأتى بعض الحجّاب فدعا مولانا ناصر الدين فدخل إلى السلطان فخلع عليه وأعطاه مصحفا مكلّلا بالجوهر.
ثم أتاني بعض الحجّاب فقال: أعطني شيئا وآخذ خطّ خرد باثنى عشر الفا أمر لك بها خوند عالم، فلم أصدقه وظننته يريد الحيلة عليّ، وهو مجدّ في كلامه، فقال بعض الأصحاب أنا أعطيه، فأعطاه دينارين أو ثلاثة وجاء بخطّ خرد، ومعناه الخط الأصغر مكتوبا بتعريف الحاجب، ومعناه: أمر خوند عالم أن يعطى من الخزانة الموفورة كذا لفلان بتبليغ فلان أي بتعريفه، ويكتب المبلّغ اسمه ثمّ يكتب على تلك البراءة ثلاثة من الأمراء وهم الخان الأعظم قطلوخان معلّم السلطان، والخريطة دار، وهو صاحب خريطة الكاغد والاقلام، والأمير نكبية الدّوادار صاحب الدّواة، فإذا كتب كلّ واحد منهم خطّه يذهب بالبراءة إلى ديوان الوزارة فينسخها كتّاب الديوان عندهم ثمّ تثبت في ديوان الأشراف، ثمّ تثبت في ديوان النظر ثمّ تكتب البروانة، وهي الحكم من الوزير للخازن بالعطاء، ثمّ يثبتها الخازن في ديوانه، ويكتب تلخيصا في كلّ يوم بمبلغ ما أمر به السلطان ذلك اليوم من المال ويعرضه عليه، فمن أراد التعجيل بعطائه أمر بتعجيله ومن أراد التوقيف وقّف له، ولاكن لا بدّ من عطاء ذلك، ولو طالت المدّة فقد توقّفت هذه الاثنا عشر ألفا ستّة أشهر، ثمّ أخذتها مع غيرها حسبما يأتي.
وعادتهم إذا أمر السلطان باحسان لحد يحطّ منه العشر، فمن أمر له مثلا بمائة ألف أعطى تسعين ألفا أو بعشرة آلاف أعطى تسعة آلاف!
ذكر طلب الغرماء مالهم قبلي ومدحي للسلطان وأمره بخلاص ديني وتوقّف ذلك مدّة
.
وكنت حسبما ذكرته، قد استدنت من التّجار مالا انفقته في طريقي وما صنعت به الهدية للسلطان، وما انفقته في إقامتي فلمّا أرادوا السفر إلى بلادهم ألحّوا عليّ في طلب ديونهم فمدحت السلطان بقصيدة طويلة أولها:
إليك أمير المؤمنين المبجّلا
…
أتينا نجدّ السير نحوك في الفلا
فجئت محلا من علائك زائرا
…
ومغناك كهف للزيارة أهّلا
فلو انّ فوق الشّمس للمجد رتبة
…
لكنت لأعلاها إماما مؤهّلا
فانت الإمام الماجد الا وحد الذي
…
سجاياه حتما أن يقول ويفعلا!
ولي حاجة من فيض جودك أرتجي
…
قضاها، وقصدي عند مجدك سهّلا
أأذكرها أم قد كفاني حياؤكم
…
فانّ حياكم ذكره كان أجملا!
فعجّل لمن وافى محلّك زائرا
…
قضا دينه، إنّ الغريم تعجّلا!!
فقدّمتها بين يديه، وهو قاعد على كرسيّ، فجعلها على ركبته، وأمسك طرفها بيده وطرفها الثاني بيدي وكنت إذا أكملت بيتا منها أقول لقاضي القضاة كمال الدين الغزنويّ:
بيّن معناه لخوند عالم! فيبيّنه ويعجب السلطان، وهم يحبّون الشعر العربيّ، فلمّا بلغت إلى قولي: فعجّل لمن وافى، البيت قال: مرحمة، ومعناه ترحّمت عليك، فأخذ الحجّاب حينئذ بيدي ليذهبوا بي إلى موقفهم، وأخدم على العادة، فقال السلطان: اتركوه حتّى يكملها، فاكملتها وخدمت وهنّأني الناس بذلك واقمت مدّة وكتبت رفعا، وهم يسمونه عرض داشت، فدفعته إلى قطب الملك صاحب السّند، فدفعه للسلطان، فقال له: امض إلى خواجة جهان، فقل له يعطي دينه، فمضى إليه وأعلمه، فقال: نعم، وأبطأ ذلك أيّاما، وأمره السلطان في خلالها بالسفر إلى دولة آباد، وفي أثناء ذلك خرج السلطان إلى الصيد وسافر الوزير فلم آخذ شيئا منها الّا بعد مدة، والسبب الذي توقّف به عطاؤها أذكره مستوفى وهو انّه لمّا عزم الذين كان لهم عليّ الدين على السفر، قلت لهم: إذا أنا أتيت دار السلطان فدرهوني على العادة في تلك البلاد، لعلمي أن السلطان متى يعلم بذلك خلّصهم، وعادتهم أنّه متى كان لأحد دين على رجل من ذوي العناية وأعوزه خلاصه وقف له بباب دار السلطان، فإذا أراد الدّخول قال له:
دروهي السلطان «105» ، وحقّ رأس السلطان، ما تدخل حتّى تخلّصني، فلا يمكنه أن يبرح من مكانه حتّى يخلّصه أو يرغب إليه في تأخيره! فاتّفق يوما أن خرج السلطان إلى زيارة قبر أبيه ونزل بقصر هنالك، فقلت لهم: هذا وقتكم، فلمّا اردت الدخول وقفوا لي بباب القصر، فقالوا لي: دروهي السلطان، ما تدخل حتّى تخلّصنا! وكتب كتّاب الباب بذلك إلى السلطان فخرج حاجب قصّة، شمس الدين وكان من كبار الفقهاء فسألهم: لأي شيء درهتموه؟ فقالوا: لنا عليه الدين، فرجع إلى السلطان فأعلمه بذلك، فقال له: اسألهم كم مبلغ الدين؟ فسألهم، فقالوا له خمسة وخمسون ألف