الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورقةٌ في طباعٍ
…
بها على الناسِ سادوا
وقال:
لا تغالي بمدح مصر وقصّر
…
فهي دار سراتها الأوغادُ
إن مصراً وإن تغاليت فيها
…
جُمعت في صفاتها الأضداد
وقال ابن أبي حجلة:
دع عنك مصرَ فأهلها بعد الوفا
…
ألفوا الجفا وتحجّبوا في الأبنيه
قُلبتْ بها الأعيانُ حتى أنني
…
شاهدتُ سعد الدين سعد الأخبيه
وأصل هذا الشعر ما يحكى أن شهاب الدين القوصي، كان يوماً عند الملك الأشرف، فدخل عليه سعد الدين الحكيم وكان بينهما وحشة، فقال له الأشرف: يا شهاب الدين ما تقول في سعد الدين؟ فقال: هو عندك سعد السعود وعلى السمّاط
سعد بلع، وعند المرضى سعد الذابح، وعند الضيف سعد الأخبية، فضحك الملك لذلك وأصلح بينهما، وأمر لكلّ منهما بتشريف. وقيل في باب زويلة:
يا صاحِ لو أبصرت بابِ زويلة
…
لعلمت قدرَ محلهِ بنيانا
لو أن فرعوناً رآهُ لم يرد
…
صرحاً ولا أوصى بهِ هامانا
مشهد سيدنا الحسين وذكر مقتله
وأجل فضيلة سمح بها الزمان لكليم البين، زيارة مشهد سيدنا الحسين، نفعنا الله تعالى بأنفاسه الطيّبة، ووالى على ضريحه شآبيب رحمته الصيّبة، والحسين هذا هو أبو عبد الله بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، وأمه فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد سنة أربع وقتل سنة إحدى وستين من الهجرة، بكربلاء من أرض العراق بناحية الكوفة، وإلى ذلك ينظر أبو عبد الله الفيومي حيث يقول:
تركتُ جفني واصلاً والكرى
…
راء فجُدْ بالوصلِ فالوصلِ زَيْنُ
ولا تجبني يا حياتي بلا
…
فالقلبُ يخشى كربَ لا يا حُسيْنُ
واختُلِف في قاتله لاجتماعهم على قتله، فقيل سنان بن أنس النخعي وقيل رجل
من مذحج وقيل شمر ابن ذي الجوشن وقيل عمر بن سعد. =
ومن تفكر في الدنيا وغايتها
…
أقامهُ الفكرُ بين العجزِ والتعبِ
-
وكان الأمير على إخراج الخيل لقتاله عبيد الله بن زياد بأمر يزيد، كما حكاه السيوطي في التاريخ ولقد تجاوز الحد مَنْ قال إنَّما قتل الحسين بسيف جده ستُكتبُ شهادتُهم ويسألون.
تنامُ النصارى واليهود بأمرهم
…
ونوم بني الزهراء نوم مشرّد
وما هي إلا رِدةٌ مستحيلةٌ
…
وكفر قديم بالحديث ِيجدّد
وكان الأمير على السرية عمر بن سعد بن أبي وقاص، وكان السبب في ذلك غرور أهل العراق وكان يقال:
بلوتُ الناسَ قرناً بعد قرنٍ
…
فلم أرَ غيرَ خَتّالٍ وقالي
ولم أر في الخطوب أشد وقعاً
…
وأصعب من معاداة الرجالِ
وذقت مرارة الأشيا جميعا
…
فما شيء أمر من السؤالِ
ولما تبيّن له الغدر أراد الرجوع فمنع من ذلك، فلما كان يوم الجمعة الثالث من المحرم قدم عمر في أربعة آلاف، وبعث بخمسمائة فارس فنزلوا
على الماء وحالوا بينه وبين الحسين. ونادى منادياً: يا حسين لا ترى الماء حتى تموت عطشاً. ثم إن عمر كتب إلى ابن زياد: أما بعد فإن الله تعالى قد أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وقد أعطاني الحسين عهداً أن يرجع إلى المكان الذي أتى منه، أو أن يسير إلى أي ثغر شئنا، أو أن يأتيَ يزيد فيضع يده في يده. فكتب إليه أما بعد، فإني لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتمنّيه، ولا لتعقد له عندي شافعاً، أعرض عليهم النزول على حكمي، فإن أبوا فقاتلهم ومثِّل بهم، فإنهم لذلك مستحقون، فإن قُتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره، فإنه عاق شاق ظلوم. فلما أتاه الكتاب ركب إلى الحسين وقال له: جاء الأمر بكذا، ثم إن عمر خرج فيمن معه، والحسين في أصحابه.
في موقفٍ وقفَ الحِمامُ عليهم
…
في ضنكة واِستحوذَ اِستحواذا
فأخذ عمر سهماً ورمى به وقال: اشهدوا أنّي أول من رمى. وحمل أصحابه فصرعوا رجالاً وأحاطوا بالحسين وقاتلوه، فأدماه رجل من كندة يقال له مالك، فأخذ دمه بيده وقال اللهم إن كنت حبست عنّا النصر من السماء، فاجعل ذلك لما هو خير منه، واشتدّ عطشه فدنا ليشرب، فرماه ابن تميم بسهم فوقع في فمه، فتلقى الدم بيده ورمى به إلى السماء وقال: بعد حمد الله والثناء عليه. اللهم إني
أشكو إليك ما يصنع بابن بنت نبيك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تبق منهم أحداً. فأقبل شمر في نحو عشرة إلى منزل الحسين، وحالوا بينه وبين رحله، وأقدم عليه وهو يحمل عليهم، وقد بقي في ثلاثة، ومكث طويلاً من النهار، ولو شاءوا قتله لقتلوه، ولكن كان يتّقي بعضهم ببعضهم، ويحب هؤلاء أن يكفهم هؤلاء، فنادى شمر في الناس: ويحكم ما تنتظرون بالرجل؟
فحملوا عليه من كلّ جانب، فضرب كفّه اليسرى وعاتقه ابن شريك التميمي، فحمل عليه في تلك الحال سنان بن أنس النخعي فطعنه بالرمح فوقع، وقال لخولة الأصبحي احتز رأسه، فأرعد وضعف، فنزل إليه وذبحه وأخذ رأسه فدفعه إلى خولة وسلب الحسين ما كان عليه حتى سراويله، وانتهبوا متاعه وما على النساء، وصنعوا ما صنعوا وما عسى أن نقول؟
وقسَت منهم قلوبٌ على من
…
بكت الأرضُ فقدهم والسماءُ
فابكهم ما استطعتَ إنّ قليلاً
…
في عظيمٍ من المصابِ البكاءُ
ووجد بالحسين ثلاث وثلاثون طعنة، وأربع وأربعون ضربة، ثم نادى عمر من ينتدب للحسين فيوطئه فرسه. فانتدب عشرة فداسوه بخيولهم حتى رضوا ظهره وصدره.
مصائبُ شتى جمعت في مصيبةٍ
…
ولم يكفها حتى قفتها مصائبُ
وكان عدة من قتل معه اثنين وسبعين رجلاً، ومن أصحاب عمر ثمانية وثمانين غير الجرحى، ثم دفن في اليوم الثاني بالطفّ حيث قتل، وفي ذلك قيل:
بالطفّ لي أسوةٌ في كلّ حادثةٍ
…
فهات يا دهرُ ما أعددت من محنْ
ما كنتُ أدري الليالي في غوائلها
…
تسقي الحسينَ الردى والسمَّ للحسنْ
ثم بعث عمر بن سعد برأس الحسين ورؤوس أصحابه إلى ابن زياد، ودخل خوله بن يزيد الأصبحي على ابن زياد برأس الحسين وهو ينشد:
املأ ركابي فضةً وذهبا
…
إني قتلتُ السيدَّ المُحجّبا
قتلتُ خيرَ الناسِ أماً وأبا
…
وخيرهُم إذ ينسبون نَسبا
فوضع الرأس بين يدي ابن زياد، فكان ينكت ثنايا الحسين بقضيب كان في يده، وزيد بن أرقم حاضر وهو يقول له: اكفف، فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبّل هذه الثنايا.
وإذا البيناتُ لم تغنِ شيئاً
…
فالتماسُ الهدى بهنٍٍَّ عناءُ
ثم بعد يومين دخل الكوفة عمر ومعه ثياب الحسين وأخواته، وفيهم عليّ بن
الحسين، وهو مريض، فأدخلهم علي بن زياد، وطيف برأس الحسين على خشبة في الكوفة، ثم بعث به إلى يزيد بن معاوية.
خرجوا بهِ ولكلِّ باكٍ خلفهُ
…
صعقاتُ موسى يومَ دُكَّ الطورُ
والشمسُ في كبدِ السماءِ مريضةٌ
…
والأرضُ واجفةُ تكادُ تمور
وأرسل معه النساء والصبيان على الأقتاب، والأغلال في عنق علي بن الحسين وفي يديه، إلى أن جيء برأس الحسين فوضع بين يدي يزيد في طست، فأمر الغلام فرفع الثوب الذي كان عليه، فلما رآه ستر وجهه بكمه كأنَّه اشتمَّ من رائحة، وجعل يقرع ثناياه بقضيب كان في يده وهو يقول: الحمد لله الذي كفانا المؤونة، (كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله)، ومكث الرأس مصلوباً بدمشق ثلاثة أيام، ثم تُرك في خزائن السلاح، والقصة أشهر من نار على علم، وقد أفردت بالتأليف. وإنَّما ذكرت هذه النبذة ردعاً للنفس عند تطورها وتهورها، وإلا فما ثمرة الأسف؟ والعتب على الماضي عبث.
ودع عنكَ أمراً قد مضى لسبيلهِ
…
ولكن على ما نالكَ اليوم فاقْبِل
وما أوقع ما قال:
يقدح الدهر في شماريخ رضوى
…
ويحطّ الصخورَ من هبّودِ
يحكم اللهُ ما يشاءُ ويُمضي
…
ليسَ حكم الإلهِ بالمردودِ
وقال وما يجدي المقال:
بعضُ الذي نالنا يا دهرُ يكفينا
…
فامنن ببقيا وأودعها يداً فينا
إن كان قصدكَ إرضاَء العدو بنا
…
فدون هذا به يرضى مُعادينا