الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شعراً، وهي تندب وتقول: يا مواليا. فسُمّي بذلك. قيل وأول بيت قالته في هذا الوزن قولها:
يا دار أين ملوك الأرض أين الفرسْ
…
أين الذي قد حَموْكِ بالقنا والترسْ
قالت تراهم رمم تحت الأراضي دُرسْ
…
سكوت بعد الفصاحة ألسنتهم خرسْ
فائدة
قال المقريزي أهل الإسكندرية يستقبلون من الكعبة ما بين الركن الغربي إلى الميزاب، فيجعلون الدب الأكبر خلف كتفهم الأيسر وقت طلوعه، ويكون الجدي على الأذن اليسرى، انتهى بمعناه.
فوائد
عن الإمام الحافظ الشيخ أحمد المقري، وكان يدرس بجامع فراجا على الساحل خارج السور، لأن البلدة تحول أكثرها إلى ذلك الموضع ولم يزل يتجدد بها البنيان.
(ومنها) أن سورة الكوثر لم تشتمل على ميم، وفي ذلك إشارة إلى أن هذا العطاء
غير مرجوع فيه، إذ الميم يرجع منتهاها إلى مبتداها من حيث أنها دائرة.
(ومنها) أنه قيل في تفسير قوله تعالى ولقد نصركم الله ببدر أن المراد به محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه من أسمائه، وإليه الإشارة بقوله تعالى طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى وذلك أن لـ طه من العدد أربعة عشر، وهو كمال البدر.
(ومنها) ما وقع في الحديث القدسي كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف، فخلقت خلقاً فبي عرفوني. وذلك أن لفظ فبي له من العدد اثنان وتسعون وهو عدد لفظ محمد.
(ومنها) أن بعض الأدباء استخرج عدد الرسل عليهم السلام، من إسم محمد صلوات الله عليه، بحساب الجمل وذلك بتحليل الاسم إلى ثلاث ميمات، لكلّ ميم من العدد تسعون، وعلى ذلك للحاء تسعة، وللدال خمسة وثلاثون، فالمجموع ثلاثمائة وأربعة عشر!!
قال: وضمنت ذلك منظومتي السنوسية حيث قلت:
وعدة الرسل الكرام الكُمَّلِ
…
في اسم محمد بدت بالجمَّلِ
ميم وحاء ثم ميم كُرّرت
…
وبعدها دالٌ كما قد قررت
(ومنها) أن بعض الأدباء استخرج مدة عمره عليه الصلاة والسلام، من
لفظة نبئ بالهمزة، لأن لها على ذلك من العدد ثلاث وستون.
(ومنها) أن ابن رشد كان يقول: ما من مسألة وإن كانت جلية في ظاهرها، إلا وهي مفتقرة إلى الكلام على ما يخفى من باطنها، وقد يتكلم المرء على ما يظنه مشكلاً وليس بمشكل، وبخلافه.
(ومنها) أن نسبة الفائدة إلى مفيدها من الصدق في العلم وشكره، والسكوت عن ذلك من الكذب في العلم وكفره، ولا ينافيه خبر انظر إلى ما قال ولا تنظر إلى مَنْ قال:
إذا أفادك إنسان بفائدةٍ
…
من العلوم فجدد ذكرها أبدا
وقل فلان جزاهُ اللهُ صالحةً
…
أفادَنيها وخلِّ الكبرَ والحسدا
ولا يخفى ما في هذا الكلام من الرعونة، وفيه كلام يحسن السكوت عنه.
(ومنها) أنّ كلاً من البسملة والحمد لله أمر ذو بال، فيحتاج إلى سبق مثله ويتسلسل، وأجاب بأن المراد ما يقصد في ذاته وليس وسيلة لغيره، وبأن كلاً منهما كما يحصل البركة لغيره ويمنع نقصه، يحصل ذلك لنفسه، كالشاة تزكي نفسها وغيرها من الأربعين.
(ومنها) أن ابن جني حكى أن سيبويه رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: خيراً، وذكر كرامة عظيمة. فقيل له: بِمَ؟ قال: بقولي إن اسم الله تعالى أعرف المعارف.!
(ومنها) أنّ ثعلباً قال في - الرحمن: إنه اسم أعجمي بالحاء المعجمة عُرِّب بالمهملة وهو غريب، ومن إملائه:
الحدُّ والموضوعُ ثم الواضع
…
والاسم الاستمداد حكم الشارع
تصور المسائل الفضيله
…
ونسبة فائدة جليله
حق على طالبِ علمٍ أن يحيط
…
بفهم ذي العشرة منبزها ينيط
تخصه قبل الشروع في الطلب
…
كيما يكون عارفاً فيما طلب
وقال غيره:
حياة وعلم قدرة وإرادة
…
وسمع وإبصار كلام مع البقا
صفات لذات الله جلّ قديمةٌ
…
لدى الأشعريّ الحبر ذي العلم والتقى
وقال غيره:
أولو العزم خمس والشرائع خمسةٌ
…
يُدانُ بها ربّ العباد ويُعبَدُ
فنوح وإبراهيم ذو الحلم والتقى
…
وموسى وعيسى ثم جاء محمدُ
وقال غيره:
وكل نبيّ في القرآن فإنه
…
لمن نسل إبراهيم ذي العلم والتقى
سوى خمسة لوط وهود وصالح
…
ونوح وإدريس الذي فاز وارتقى
وقال غيره:
إلا إن قرّاء الأئمة سبعة
…
بهم يهتدي في الذكر كلُّ كبير
عليّ أبو عمرو وحمزة عاصم
…
ونافع عبد الله وابن كثير
ولبعضهم:
إن الليالي للآنام مناهلٌ
…
تطوى وتنشر دونها الآجالُ
فطِوالُهنّ مع السرور قصيرةٌ
…
وقِصارهنّ من الهمومِ طِوالُ
ومنه:
نزيل سكندرية ليس يُقرى
…
بغيرِ الماء أو نظرِ السواري
فلا تطمع برؤية قرص خبز
…
فليس لضيفها المحتاجِ قاري
وفي عاشر شهر ربيع الأول، جاء كتاب يشتمل على قتل المرحوم السيد أحمد بن عبد المطلب أمير مكة المشرفة، وبما وقع تحدث عامة أهل مكة قبل الوقوع، وإرجاف العوام مقدِّماتٌ لأمر واقع لا شك فيه، فلنذكر طرفاً من خبر هذا السيد الشهيد، لما في ذلك من الفائدة التي تعود صلتها على أهل الاعتبار.
كن عالماً أخبارَ من عاشَ وانقضى
…
وكن ذا اعتبارٍ واغتنم أطيبَ العمر
ولنبدأ أولاً بنسبه الشريف، فإن أنساب بني هاشم يقصر عنها طمع الطامع، أو هم كما قال:
وما دخولهم في الناسِ أو مُضر
…
إلا دخول كلام الله في الكلمِ
فاقصر فإنك لا تحصي فضائلهم
…
لو كان في كلّ عضو منك ألفُ فمِ
هو السيد المقدس المبرور أحمد بن عبد المطلب بن حسن ذي المآثر المشهورة
والنوادر المسطورة، ابن أبي نمي محمد بن بركات، وله الأخلاق الحسنة والشمائل المستحسنة، قبض عليه التركي عام تسع وتسعمائة وذهب به إلى القاهرة، فتألم لذلك أهل مكة المشرفة، وفي ذلك يقول ابن العليف:
عزيزٌ على بيت النبّوة والملك
…
مقام على ذلِّ المهانة والفتكِ
وأعظم ما يلقى الكريم من الأسى
…
على نفسِ ما يلقى من الضيم والضنكِ
برغمِ العلا والمجد والسيف والندى
…
حصلت أبا عجلان في قبضةِ التركِ
وتلكَ لعمر الله أدهى مصيبة
…
أصمّ بها الحاكي عن الحادثِ المَحْكي
فيالك من دهرٍ تناهت خطوبُهُ
…
نظمت حصاةَ القلبِ والهمِّ في سلكِ
عدمتُ الليالي ما أمرّ صروفها
…
وأخلقها باللومِ في الفعلِ والتركِ
رحلتم فربعُ الأنسِ ما زال موحشاً
…
خليّاً وسِتْر العزِّ أصبح في هتكِ
وأسلمتم كلّ القلوبِ إلى الأسى
…
فهذا الورى ما بين باكٍ ومستبكي
وغادرتُم في الكربِ جيرةَ طَيْبَة
…
كذا حيرة البطحاءِ والحرمِ المكي
ولما استقلَّت بالمسيرِ خيولُكُم
…
وحادي النوى يشكو إليه كما نشكي
وسرتم وسارَ الجودُ يمشي أمامكم
…
وظلت بنو الآمالِ من خلفكم تبكي
رأينا الجبالَ الشمَّ والمجد والعلى
…
تسير بها بُزل الجمال على وشكِ
وفي أيامه وأيام أبيه أبي نمي محمد، استولى على الديار المصرية ملك الروم السلطان سليم، وجهّز إليهما قاصداً بالاستقرار والاستمرار، وذلك في سنة تسع وعشرين وتسعمائة:
فلا عَدِمَتْهم نعمة خلقتْ لهم
…
ودنيا بهم فيها الحياةُ تطيبُ
وبركات المذكور هو ابن محمد بن بركات بن حسن بن عجلان، الذي يقول في بنيه الشاعر:
لو لم يكن في بني عجلان نافلة
…
إلا سماحتهم في العِزِّ بالباسِ
لكان ذلك كافٍ في محبتهم
…
وكيف لا وهم من أشرفِ الناسِ
وعجلان هذا، هو ابن رميثة ابن أبي نمي بن حسن بن علي بن أبي عزيز قتادة، الذي دخل مكة بالسيف ودعا إليها الضيف، وطرد عنها الهواشم لأمر اقتضاه وحكم به الباري تعالى وقضاه:
ومن تكنِ الأسد الضواري جدودهُ
…
يكن ليلُه صبحاً ومطعمه غضّا
وذلك في سنة سبع أو تسع وخمسمائة، ويقال لِعَقِبه القَتَادات، فلا خلا الله منهم الوجود، ولا زالت منازلهم مأوى المكارم والجود، وكانت مملكته ممتدة من الينبع إلى حلى، وعدله فيها ظاهر جلي، وكان بطلاً شجاعاً، مهاباً مطاعاً.
ملكٌ أبوهُ وأمهُ من دوحةٍ
…
منها سراجُ الأمةِ الوهاجُ
شربوا بمكة في ذرى بطحائها
…
ماَء النبوة ليس فيه مزاجُ
كتب إليه الناصر يستدعيه ويعده ويمنيه، فأجابه لذلك فسار من مكة إلى
العراق، فلما وصل إلى المشهد الفروي خرج لملاقاته الأعيان، وكان في جملة من خرج من غمار الناس شخص معه أسد مسلسل، فتطيّر منه الشريف قتادة وقال: مالي وبلدة تذل فيها الأسود؟ فرجع لوقته إلى الحجاز. فكتب إليه الناصر يعاتبه على قدومه عليه ورجوعه قبل وصوله إليه، فكتب إليه الشريف قتادة:
بلادي وإن جارت عليّ عزيزةٌ
…
ولو أنني أعرى بها وأجوعُ
ولي كفِّ ضرغامٍ إذا ما بسطتها
…
بها أشتري يوم الوغا وأبيعُ
مُعَوّدةٌ لَثْمَ الملوكِ لظهرها
…
وفي بطنها للمجدبين ربيعُ
أأتركها تحت الرهان وأبتغي
…
لها مخرجاً إني إذاً لرقيعُ
وما أنا إلا المسكُ في غير أرضكم
…
يضوعُ وأما عندكم فيضيعُ
فكتب إليه الناصر أما بعد فإذا نزع الشتاء جلبابه ولبس الربيع أثوابه، قابلناكم بجنود لا قبل لكم بها، ولنخرجنّكم منها أذلة وأنتم صاغرون. فلما أحس بالشرّ
كتب إلى بني عمه أبناء الحسين من أهل المدينة يستنجدهم، وكتب إليهم أبياتا منها قوله:
بني عمنا من آل موسى وجعفر
…
وآل حسين كيف صبركم عنا
بني عمنا إنّا كأفنان دوحة
…
فلا تتركونا تتخذنا العدى قنّا
إذا ما أخٌ خَلَّى أخاه لآكلٍ
…
بدا بأخيه الأكلُ ثم به ثَنّى
فلما أقبلت الكتيبة الناصرية، وقد أتته رجال النجدة من بني الحسين، بدد شمل تلك الكتيبة وكسرها، وأستأصل ساقتها وقهرها، وضاقت عليهم الأرض، حتى أن هاربهم إذا رأى غير شخص ظنه رجلاً. فلما رأى الناصر شدّة بأسه
وعدة لباسه، مدحه على سيرته وأولاه صفاء سريرته، وأقطعه قرى متعدّدة وأكرمه بصلات متجددة، فلم يزل أميراً على الحجاز، وملكاً لها على الحقيقة لا المجاز، ولله در علي بن المقرب حيث يقول:
من سالم الناس لم تسلم مقاتلُهُ
…
منهم ومن عاش فيهم بالأذى سَلِما
ما كلّ ساعٍ إلى الهيجاء يدركها
…
من حكّم السيف في أعدائه احتكما
وهكذا فلتكن الهمم العلية، والشمائل العلوية، وبالجملة فإنهم المعنيون بقول القائل:
فتية لم تلد سواها المعالي
…
والمعالي قليلة الأولادِ
وفيهم يقول مادحهم:
ويكاد من كرَمِ الطباع وليدُهم
…
يهب التمائم ليلةَ الميلادِ
وإذا امتطى مهداً أفليس يُنيمُه
…
إلا نشيدُ مدائح الأجدادِ
أو هم كما قال:
وكم فيهم محاسن وهي شتّى
…
وأوصاف ألذّ من المدامه
فلا زالت على الأيّام تبقى
…
محاسنُهم إلى يومِ القيامه
وقتادة المذكور هو ابن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن الحسين بن
سليمان ابن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى الثاني بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله المحصن بن الحسن المثنّى بن أمير المؤمنين الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. وفيه قيل:
كانت قريشٌ بيضة فتفلّقت
…
فالمُحُّ خالِصُه لعبد منافِ
الرائشون وليس يوجد رائش
…
والقائلون هَلُمَّ للأضيافِ
وما أصدق ما قال:
أولئك الناس إن عُدّوا وإن ذُكروا
…
ومن سواهم فلغو غير معدودِ
لو خلد الدهر ذا عز لعزّته
…
كانوا أحق بتعمير وتخليدِ
وأما سيرته فإنه كان شريف النسبين، كامل الحسبين:
فيا نسباً كالشمس أبيض واضحاً
…
ويا شرفاً من هامة النجم أرفعُ
وكان عزيز النفس، صدوق الحَدْس:
تعرف من عينه نجابته
…
كأنَّه بالذكاء مكتحلُ
محباً للفقراء ومستنزل الضيف للقرى، متنزلاً لأهل الأدب، مولعاً بالمنادمة والطرب، تأدب بالأشعار والسير، ومشى في التصّوف على طريقة الشيخ الأكبر، وكانت في خدمته كثير من المشايخ الكبار، وسافر إلى اليمن فاِجتمع برجالها، وبشّر بولاية مكة المشرفة فكان لا يزال يتشوّفها، ويكنى عنها بطلوع الشمس، سمعت منه عام اثنين وثلاثين وألف:
لقد صار قلبي قابلاً كلّ صورة
…
فمسرحُ غزلان وديرٌ لرهبانِ
أدين بدينِ الحب أنّى توجهتْ
…
ركائبهُ فالحبُ ديني وإيماني
وكان من أموره أنه لما قدم الوزير أحمد باشا متوجهاً إلى اليمن انكسر مركبه بثغر جدة، فلما دخل البندر طلب من يغوص البحر لإخراج ماله منه، فاخرجوا له البعض واعتذروا عن الباقي، فاتهمهم وقتل حاكم البلدة وأمين قلعتها، وذلك في
شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وألف، وشريف مكة إذ ذاك السيد محسن بن حسين بن أبي محمد، وقد توجه السيد أحمد المذكور إلى الوزير فأغراه على الشريف محسن، وما زال به حتى وسَمَهُ بإمرة مكة المشرفة، وكان لا يملك شيئاً في تلك الحالة، فلله دَرّ من قال:
إذا اصطفاك لأمرٍ هيَّأَتك له
…
يدُ العناية حتى تبلغ الأرَبا
لو لم تُرد نيلَ ما أرجو وأطلبه
…
من باب فضلك ما علّمتني الطلبا
ولما قضى على الوزير نادى باسمه في تلك الجهات، وأخذ العهود على أولئك الجند، فأقبل عليه الشريف محسن وحاصره إلى سَلْخ شعبان، ثم رجع إلى مكة وقد قتل جماعة ممن معه وثلاثة من بني عمه، وكان في عسكر لا يظن انكساره.
وما يمنعُ الجيشُ الكثير التفافهُ
…
على غير منصورٍ وغير مُعان
فلما كان سابع عشر شهر رمضان قدم السيد أحمد في عسكره إلى مكة المشرفة، وخرج إليه الشريف محسن في جمع عظيم إلى ما وراء الحجون فوقع ما وقع، ورجع الشريف محسن إلى الحسينية وكان لا يُتَوهم رجوعه، والله غالب على أمره متصرف في ملكه، يفعل ما يشاء وهو العليم الخبير:
ما اِختلف الليلُ والنهار ولا
…
دارت نجوم السماء في فَلَكِ
إلا لينتقل السلطان من ملك
…
قد زال سلطانه إلى ملكِ
ومالكُ العرش لم يزل أبداً
…
ليس بفانٍ ولا بمشتركِ
ثم إن السيد أحمد دخل مكة المشرفة في ذلك الموكب الذي لم يسمع بمثله في قومه وأهله، فاستقر به سلطانه، وعظم مكانه وإمكانه، وقد خلت منازل الأشراف من سكانها، ونَعَقَ غرابُ البين في أركانها، وأصبحت تلك القصور كالممحوة من السطور، ومكة مستوحش فيها الأنيس، ويرثي لمصائبها إبليس.
كأن لم يكن فيها أوانسُ كالدُمى
…
وأقيال مكة في بسالتهم أسدُ
تداعى بهم صرف الزمان فأصبحوا
…
لنا عبرة تُدمي الحشا ولمن بعدُ
فلم يزل بمكة أميراً متغلباً على الأشراف، منصوراً بالرعب في سائر أقطار الحجاز، حتى أن كثيراً من الناس توهم أنه القائم من أهل البيت، وأسعد الله به من شاء من عباده، وأمدّه بسنا إمداده، وكان من أمره ما تناقله الركبان.
وكان ما كان مما لستُ أذكرُه
…
فظُن خيراً ولا تسأل عن الخبرِ
ولم يزل على ذلك الحال، وملوك مكة في أكناف الجبال:
ولقد وقفت على منازلهم
…
وطُلولها بيد البلى نهبُ
وبكيت حتى ضج من لَغَبٍ
…
نِضْوي ولجَّ بعذليَ الركبُ
وتلفتتْ عيني فمذ خفيتْ
…
عنّي الطلولُ تلفتَ القلبُ
ولما كان العشرون من المحرم افتتاح سنة تسع وثلاثين، قدم الوزير قانصوه فاختلى بالسيد أحمد وخنقه بداره ودفنه في طاقة، فكثُر اللَغَط بين الجند حتى أدى إلى نبش قبره ليعلم حاله، وبقي مطروحاً على أعين الناس من الصبح إلى وقت الزوال، ولسان الحال يقول:
لا يسلمُ الشرفُ الرفيع من الأذى
…
حتى يراق على جوانبه الدم
ثم دفن ثانياً في تربة آل جَدِّه الحسن عليه الرحمة.
فإن دَفَنوا تحتَ الترابِ جمَالهُ
…
فما دُفنت أوصافُهُ وشمائلُه
فيا عين سُحّي لا تَشُحِّي بوابلٍ
…
على ماجدٍ لا يعرفُ النهرَ سائلُه
ثم انعقد الرأي على ولاية الكبير الخطير السيد مسعود بن إدريس بن حسن، حفظ الله تعالى أيامه من الأكدار، ولا زالت داره أشرف دار، وذلك في الخامس من صفر الخير من السنة القائل لسان حالها:
هذا حباه الله ملك جدودهِ
…
ولذاك جناتُ النعيم تزخرفُ
وفيه يقول الشيخ الفرفوري:
أميرنا السيد المفضال مسعودُ
…
من وصفُه العدلُ والإنصافُ والجودُ
توارثَ المجدَ عن إدريس والده
…
أكرم به والداً أحياه مولودُ
وما أقرب ما قال:
قل للمقيم بغير دار إقامة
…
آن الرحيل فودّع الأحبابا
إن الذين صحبتهم ولقيتهم
…
صاروا جميعاً في التراب ترابا
ولما كان سادس عشر ربيع الثاني هَبَّت الرياح الشرقية واعتدل حال البحر،
فعزمت على ركوبه والنفس عندها إباء وامتناع، لما شاع من قولهم ما خفق الشراع، ولكن أي عقل لمعقول، وقد ورد في النقول: لو كشف لأحدكم لرأى قائداً يقوده، فألجأتها إلى ركوبه وألزمتها، واقتحمت بها لجته وأنشدتها:
لقد خضتِ يا نفسُ بحرَ الهوى
…
وأحرقتِ قلبي بنارِ النوى
علام نفورك من مركبٍ
…
سرى في أمانِ شديدِ القوى
فنزلت إحدى المراكب المتوجهة نحو الروم، منشداً بيتيّ المفتي أبي السعود وحَبْر العلوم:
خلِّ الديارَ بما فيها لأهليها
…
وقل سلامٌ على الدنيا وما فيها
وألقِ معتصماً تلك العزيمة في
…
بحرِ التوكلِ بسمِّ الله مجريها
فسرنا تلك الليلة والليلة الثانية على أحسن حال وأنعم بال، ثم اضطرب البحر وقامت فيه العناصل بحيث كادت لا تبقى شيئاً على وجه الماء، وكان المدفع إذ ذاك ما يناهز الثلاثين سفينة فتفرقت بجمعها، حتى لا ترى واحدة منها واحدة ولا تظفر عنها بنبأ، وقد عقد الغيم غمائم غمه، وأمطرنا الوجل سحائب همه، وأرسل الغمام علينا الأمطار كأفواه القُرَب، ولقد شاهدت الأهوال من تلك الأحوال ولا عجب.
على أنها الأيام قد صرن كلها
…
عجائب حتى ليس فيها عجائب
وامتدّ الحال وقلّ النوال، وقد نفد ما كان معنا من الما، واستولى علينا الظما:
ومن العجائب أنني
…
في لجِّ بحرٍ صرتُ راكب
وأموتُ من ظمأ ولك
…
ن عادة البحر العجائب
ويقول غيره:
وكم مات في البحر أخو ظما
…
بغُلّتهِ والماء جار وراكد