الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيوب، وبلغت النفقه عليها خمسين ألف دينار، وقال الشعراء في شأن هذه القبة وأكثروا، فمن ذلك:
أتيت لقبرِ الشافعي أزورهُ
…
فعارضني فُلكٌ وما عنده بحرُ
فقلتُ تعالى الله تلك إشارةٌ
…
تشيرُ بأنَّ البحرَ قد ضمه قبرُ
وقال النابلسي:
لقد أصبحَ الشافعي الإمامٌ
…
وفينا له مذهبٌ مُذهبُ
ولو لم يكن بحر علمٍ لما
…
غدا وعلى قبرهِ مركبُ
القرافة
والقرافة على نحو ميلين من القاهرة، قال في المُغْرِبْ في أخبار المَغْرِب وبت ليالي بقرافة الفسطاط وهي في شرقيها، وبها قبور عليها مبانٍ معتنى بها، وفيها القبة المزخرفة التي فيها قبر الإمام الشافعي، وبها مسجد وجامع، ومدرسة كبيرة للشافعية، وترب كثيرة، ولا تكاد تخلو من الطرب ولا سيما الليالي المقمرة، وهي أعظم مجتمعات أهل مصر. وفوق القرافة من شرقيها جبل المقطم، وليس له علو ولا عليه اخضرار، وإنَّما يقصد للبركة والإجماع على أنه ليس في الدنيا مقبرة
أعجب منها، ولا أبهى من أبنيتها، ولا أحسن تربة منها، كأنَّها الكافور والزعفران، مقدسة في جميع الكتب، من أشرف عليها رآها كأنَّها مدينة بيضاء، والمقطم عليها كأنَّه حائط من ورائها. وقال شافع بن علي:
تعجبتُ من أمر القرافة إذ غدت
…
على وحشة الموتى لها قلبنا يصبو
فألفيتها مأوى الأحبة كلّهم
…
ومستوطن الأحباب يصبو له القلبُ
وقال آخر:
إذا ما ضاقَ صدري لم أجد لي
…
مقر نزاهة إلا القرافه
لئن لم يرحم المولى افتقاري
…
وقلةَ ناصري لم ألقَ رافه
وفيها تربة الليث بن سعد الحنفي ويكون عنده سُرُج وخيرات وجمع، بحيث لا يوجد في مكانه قدر شبر خالٍ من القراء والفقراء والزوار، وهو مجرب لتفريج المضايق، وفيه قيل:
الليثُ قُدّس سرّه
…
وزكا أريجاً نشرُه
ما أَمَّهُ ذو كُربةٍ
…
إلا وآذن بِشْرُه
قال ابن خلكان: إن الليث كان حنفي المذهب وإنه ولي القضاء بمصر، وإن مالكاً أهدى إليه صينية تمر فأعادها مملوءة ذهباً، توفي سنة خمس وسبعين ومائة، وسمع من الهاتف عند دفنه:
دُفن الليثُ فلا ليثَ لكم
…
ومضى العلمُ غريباً وقُبِر
وهنالك تربة الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض قدّس الله سره، وهي تحت العارض، وهو مفازة بجبل المقطم، وفيه يقول أبو الحسين القصاب:
لم يبق صَيّبُ مُزْنةٍ إلا وقد
…
وجبت عليه زيارةُ ابن الفارضِ
لا غرو أن يروي الصديّ ولحدُهُ
…
أبداً ليوم العرضِ تحت العارضِ
ولابن حجلة:
-
سقى السفح من ذيل المقطّم عارضٌ
…
تعارضهُ من دمع عيني مواطره
فكم فيه من صبٍ قضى وغرامه
…
أوائله لا تنقضي وأواخره
وهذه التربة تجلو عن القلب الصدأ، وترشده إلى سبيل الهدى، وفيها يجد الفؤاد من السرور ما يملأ ألف وادٍ، قال في البرق الوامض: ولد ابن الفارض لست وأربعين وخمسمائة، وحَدّث عن القاسم بن عساكر وسمع منه الحافظ المنذري وروى شعره، قال: وكان قد جمع بين الجزالة والحلاوة في شعره. وكان أبوه يتولى الفروض بالقاهرة، قال ابن خلكان: كان على قدم التجريد، كثير الخير، جاور بمكة زماناً، وكان محمود العشرة. وفي تذكرة الكندي قال: حدّث شيخنا شهاب الدين محمود، أن ابن الفارض كان قاضياً، فلما كان في بعض الأيام من يوم جمعة دخل المسجد للصلاة وقت الخطبة، فوجد شخصاً يغني فنوى تأديبه، فلما انقضت الصلاة وانتشر الناس، برز، فناداه المذكور أن أقبل، فلما أقبل أنشده:
قسمَ الإلهُ الأمرَ بين عبادهِ
…
فالصبُّ ينشد والخَلىّ يسبحُ
ولعمري التسبيح خير عبادة
…
للناسكين، وذا لقوم يصلحُ
فكان ذلك سبب زهده وفراق رسوم تهامته ونجده، وفي تذكرة الصلاح للصفدي أنه لما اجتمع بالشيخ شهاب الدين السهروردي بمكة المشرفة أنشده:
في حالةِ البعدِ روحي كنتُ أُرسلها
…
تقبّل الأرض عني فهي نائبتي
وهذه نوبةُ الأشباحِ قد حضرت
…
فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
وتوقف النيل في أيامه، فأرسل إليه الملك الكامل وهو بالروضة، فكتب رقعة وأمرهم أن يلقوها في النيل، فلما ألقوها فيه زاد وغمر البلاد، وهي هذه الأبيات:
يا أيها النيلُ المباركُ إن تكن
…
من عندِ ربكَ تأتِ فاجْرِ بأمرِه
أو إن تكن من عند نفسك آتياً
…
فالله يبسط بِرَّه في بَرِّه
كم من بلاد لست تسلك أرضها
…
ملأ الإله بيوتها من بِرِّه
قال الصليبي اللعين بكفره
…
والكفر يركض في جوانب صدرِه
مسرى سرى والنيل أضحى واقفاً
…
والدمع يجري من توقف بحرِه
ومضى النسيء وليس فيه زيادة
…
إن النسيء زيادة في كفرِه
نحن الألى فزنا بجاه محمدٍ
…
وبدينه وبفضله وبفخرِه
فغنيّنا يرجوه ذُخْرَ غنائه
…
وفقيرنا يرجو نداه لفقرِه
يا بَرُّ إن البُرَّ أصبح غالياً
…
فارخص بحق ما غلا من سعرِه
وأفض على السد المبارك ماءه
…
واكسره ربّ فجبرنا في كسرِه
ومن أحسن ما رأيت بمصر المحروسة خان الخليلي فإنه كنز جمع من المحاسن أسناها، ولم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، ومن سَعَته وتشعب طرقه يكاد يكون مدينة مستقلة، وفيه قيل:
كلُّ أرضٍ قد تسامت
…
باقتضا أمر جليلِ
فعليها مصر جَلّت
…
إذ حوت خان الخليلِ