الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفندي العشاقي، لا زال في كلاءة القدير الباقي، فرأيت منه مَتَّعه الله بحياته وأمدَّه بسنيِّ صلاته، مولى قد استغنى عن الألقاب، بما حواه من شرف الجناب:
وليس يصحّ في الأذهان شيء
…
إذا احتاج النهار إلى دليل
ولم أكن أعرف ذاته الشريفة، ولا استنشقت عرف شمائله الوريفة، حتى دعتني إليه مكارمه، وأمدتني بمعروفه مراحمه، وأنشد في شأنه عندليب إحسانه:
لا عيب في جودهِ إلا ترادفهُ
…
قبل السؤال فراجيه كخجلانِ
ومما جرى به القلم، في شأن هذا المفرد العلم:
قد قلت للمجد من تهوى تواصله
…
وكلنا لك ذو وَجْدٍ وأشواقِ
فقال لي بلسانٍ غير معتذر
…
لا أشتهي أن أوافي غير عشاقي
ولعل هذه معرفة نشأت عن العهد القديم، فانتشرت روائح عرفها الشميم، حتى أقول هذا مبتدأ ودادٍ لابد وأن يُرْفع خَبَرُه، وصِدْقُ ولاءٍ لاغَرْوَ أن يبدو على باب الصفاء أثره:
فأبقِ لي ودّه يا دهرُ متصلاً
…
وخذ بقيةَ ما أبقيت من أملي
ذكر القسطنطينية العظمى
حكى الشيخ الأكبر في كتاب محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار في غَزاة مَسْلَمَة بن عبد الملك بلاد الروم ودخوله فيها، أن جزيرتها ثمانية فراسخ، في المدينة منها أربعة فراسخ، ولما قَدِم مَسْلَمَة على عمر بن عبد العزيز وأخذ يصفها له، قال: ما
رأيت بلاداً تحكيها، هي مدينة بريّة بحرية، كثيرة الفاكهة والطعام واللباس، سورها من الحجر، وعرضه يسير عليه مائة فارس عرضاً، وأمّا الأبواب فإنّها حديد، وعرض ما بين كلّ بابين ميل، انتهى. وفي الخريدة هي مثلثة الشكل، منها جانبان في البحر وجانب في البر، وفيه باب الذهب، وطولها تسعة أميال، وعليها سور حصين ارتفاعه أحد وعشرون ذراعاً، ويحيط به سور آخر يسمى الفصيل وارتفاعه عشرة أذرع، وله مائة باب أعظمها المُمَوَّه بالذهب، وبها منارة بالقرب من دار الشفاء، قد ألبست جميعها من نحاس أصفر كالذهب محكم الصنعة والتحزيم، وعليها قبر قسطنطين، وعلى قبره صورة فرس من نحاس، عليه
شخص على صورة الملك، وقوائم الفرس محكمة بالرصاص ماعدا يده اليمنى فإنها موقوفة في الجو، وقد فتح يده اليمنى مشيراً بها نحو بلاد المسلمين، وفي يده اليسرى كرة - قيل في اليمنى - طِلَّسْم يمنع العدوّ، وعلى اليسرى مكتوب ملكت الدنيا حتى صارت في يدي مثل هذه الكرة، وخرجت هكذا لا أملك منها شيئاً وفي المعنى:
وفي قبض كفّ الطفلِ عند ظهوره
…
دليل على الحرص المركّب في الحيّ
وفي بسطها عند الممات إشارة
…
ألا فأنظروني قد خرجت بلا شيّ
وبلفظ آخر:
دليل على حرص ابن آدم أنهُ
…
ترى كفه مضمومةٌ عند وضعهِ
وفي بسطها عند المماتِ إشارة
…
إلى صفرها مما حوى بعد جمعهِ
حكى القاضي شهاب في الفوائد السنية أن قسطنطين من أبناء الملك الأعظم الملقب قيصر، نشأ بمدينة الرها ونقل العلوم، ولم يزل في غاية من السعادة والظفر منصوراً على من ناواه، وكان في أول أمره على دين المجوس، شديداً على النصارى ماقتاً لدينهم، ثم رجع إليه، وسببه أنه ابتلي بجذام ظهر عليه فأغتمَّ لذلك،
وجمع الحذاق من الأطباء فاتفقوا على أدوية دبّروها له، وأمروه أن يستنقع بعد أخذ تلك الأدوية في صهريج مملوء من دماء أطفال رُضَّع ساعة، فأمر بجمع جملة من أطفال الناس وذبحهم ليستنقع في دمائهم وهي طرية، فجمعت الأطفال لذلك وعظم ضجيج أمهاتهم، فرحمهنَّ وقال: احتمال علَّتي أولى وأوجب من هلاك هذه العدة العظيمة من البشر، فأمر برد الأطفال إلى أمهاتهم، فانصرف النساء بأولادهن، فلما صار من الليل إلى مَضْجِعه، رأى في منامه قائلاً يقول له: إنك رحمت الأطفال وأمهاتهم، ورأيت احتمال عِلّتك أولى من ذبحهم، فقد رحمك الله تعالى ووهبك السلامة، فابعث إلى رجل من أهل الإيمان يدعى شلبشته وقِفْ عند ما يأمرك به. فانتبه مذعوراً وبعث في طلب الرجل، فلمَّا أتى به إليه أخبره بما رآه في منامه فَقصَّ عليه دين النصرانية فالتزمه، وشفاه الله تعالى. فأعلن بدين المسيح عليه السلام، فخلع طاعته أهل رومية فخرج عنها وبنى مدينة القسطنطينية، فعرفت به فسكنها وصارت تخت الملك، ثم خرج إلى رومية فلما دنا منهم