الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تخترق السبع
الطباق، وتفترق بركاته الآفاق، وإني لأصفه وهو يقيناً فوق ما أصفه، وأنطق بما كتبته وغالب ظني أنِّي ما أنصفه:
وما عليّ إذا ما قلت معتقدي
…
دع الجهولَ يظن الحقَّ بهتانا
والله والله العظيم ومَنْ
…
أقامه حجةً للحقِ برهانا
إنّ الذي قلت بعضٌ من مناقبهِ
…
ما زدت إلا لعلِّي زدت نقصانا
أما كتبه ومصنَّفاته فالبحار الزواخر، وجواهرها لكثرتها لا يعرف لها أولٌّ من آخر، وما وضع الواضعون مثلها، وإنَّما يخص الله بمعرفة قدرها أهلها، ومن خواصها أنه ما واظب واحد على مطالعتها والنظر فيها، إلا وانشرح صدره، وتيسَّر أمره، وقوي على حل المشكلات، وَفَكِّ المعضلات.
وإذا خَفيتُ عن الغبيِّ فعاذر
…
أن لا تراني مقلة عمياءُ
وقال غيره:
نظرتُ إليه نظرة فتحيّرتْ
…
دقائقُ فكري في بديع صفاتهِ
فأوحى إليه القلب أني أُحبهُ
…
فأثَّرَ ذاك الوهم في وَجَنَاتهِ
وقال:
إن الغريبَ إذا أقام ببلدةٍ
…
لعبت أناملهُ على الحيطانِ
فتراه يكتب والغرام يهزه
…
والشوقُ يُقْلِقَهُ إلى الأوطانِ
وإلى يومنا هذا وأنا محاجر البين، لم أجتمع على نفسي طرفة عين، ولا لاحت لي بارقة من وجودي، أعدّها من أيام سعودي، ومع ذلك لم ينقطع الرجاء والاستمداد، وإن قعد بي الاستعداد.
أمرَّ بالكرم خلف حائطه
…
تأخذني نشوة من الطربِ
المحمل السلطاني
وفي اليوم السابع عشر كان خروج المحمل السلطاني، وهو يوم مشهود تخرج له
المخدّرات، وكان أمير الركب أميره وابن أميره، والفرد الذي يعزّ
على الدهر أن يأتي بنظيره، وكم طمح لهذه الإمارة طامح، وسرح لخدمتها سارح، فافتضِح بقصوره وتقصيره، وكيف لا وهو الجامع لأشتات الفضائل، والحريّ بقول القائل:
أتته الإمارة منقادة
…
إليه تُجَرْجرُ أذيالها
ولو رامها أحدٌ غيره
…
لزُلْزِلت الأرضُ زِلزالها
فلم تَكُ تصلح إلا له
…
ولم يَكُ يصلح إلا لها
وهو مولانا المقر العالي الأمير محمد بن الأمير فرّوخ باشا، خلَّد الله تعالى رواق سيادته بدوام دولة أيامه، وأبَّد سرادق سعادته على مرور الدهور وتوالي أعوامه، ولا زالت كتائب النوائب بعوادي نقمه إلى أعدائه مبعوثة، وغرائب الرغائب بغوادي نعمه إلى أوليائه محثوثة.
آمين آمين لا أرضى بواحدة
…
بألف آمين في ألفين آمينا
ولم أزل في تلك الديار العمادية، التي أقول فيها بلسان الحال:
دار العماد فرط شوقي لها
…
يَجِلُّ أن يذكر بين العبادِ
ما راقَ طرفي بعدها منزلٌ
…
لأنّها في الحسنِ ذاتُ العمادِ
فلما كان اليوم الثاني والعشرون برزنا من تلك الديار، إلى حيث تسوقنا الأقدار:
فمن لي بقلبي إذ رحلت فإنّني
…
مخلّف قلبي عند من فضلُه عندي
ولو فارقتْ روحي إليه حياتَها
…
لقلتُ أصابتْ غير مذمومة العهدِ
فآهاً على تلك الديار العمادية وأوقاتها، وحفظاً لتلك الوجوه التي لشمس المكارم ضوء على جبهاتها، وفي السلامة من أكدار الغربة، والعَوْدُ إلى تلك المنازل الطيَّبة التربة، ما يسلو به الفؤاد، ويروق مدى الآباد.
فهل درى البيتُ أنِّي بعد فرقتهِ
…
ما سرتُ من حرم إلا إلى حرمِ
فمررنا بالكسوة، وهي على ثلاثة عشر ميلاً من دمشق، وفيها يمكث الحاج.
ثم
أتينا على خان ذي النون وفيه شكل حصار، ويطبخ فيه شوربا بسلق لجميع الحجّاج. ثم أتينا على الصنمين، وهي من قرى حوران، فصعدنا منزلة رأس الماء، وما ألطف ما قال:
سقى الله أرضاً طَوْقها مثل طَرْزِها
…
وساترها بُرْد من الوشي أخضرُ
تذكرت أحبابي بمثوى بريدها
…
فعينيَ رأس الما وجسمي المغيّرُ
وخواص هذا المنزل البرغش والبرغوث، قال أعرابي:
تطاول بالفسطاط ليلي ولم يكن
…
بأرض الفضا ليل عليّ يطولُ
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة
…
وليس لبرغوث عليّ سبيلُ
ولابن ميمون ملغزاً فيه:
ومعشر تستحل الناس قتلهم
…
كما إستحلوا دم الحجاج في الحَرَمِ
إذا سفكت دماً منهم فما سفكت
…
يداي من دمه المسفوك غير دَمَي
ثم أتينا على المزيريب وهو وادٍ به قلعة، وعندها بحرة ماء ينتهي ماؤها إلى جسر الجوامع فيما يقال، وأصله من عين تنبع من شمال القلعة على نحو نصف ميل، وما ألطف ما قال:
لقد قابلتنا بالعجائب بحرة
…
مكمّلة الأوصاف بالطول والعرضِ
كأنّ الذي يرنو إليها بطرفه
…
يرى نفسه فوق السما وهو في الأرضِ
والمزيريب مجتمع الحجاج، وفيه الأسواق العامرة بما يحتاج إليه الركب، بل بما يتِّجر به، وفي هلال ليلة ذي القعدة يوقد ما في الوادي من الدكاكين، ألفاً ونحوه، وتعرف بالوقدة، وتوقد الشموع والمشاعل في الركب، وتكون ساعة عجيبة.
ولما كان الصباح رحلنا وأتينا على وادي القديم، ويعرف بالمفرق، لأن الحجاج إذا رجعوا تفرقوا فيه، وهو مسيل كثير الزَلَق وحوله قرى وضياع.
ثم أتينا على الزرقاء وهو وادٍ من أعمال عَمَّان وبه قصر شبيب بن مالك، وفيه
نهر عظيم ينبت القصب الفارسي، وفيه ملاقاة.
ثم أتينا على البلقاء واد قفر، يقال في غَرْبيه ماء، وفيه اجتمعتُ بالأمير الذي فيه يقال:
أمير له في حَلْبة الجود والوغى
…
سوابق للإنسان قبل التِماحِه
وعقل إذا ما جال أغنى برأيه
…
عن الجيش يشكو الخوف شاكي سلاحه
ولما قصدته لأمر اقتضى ذلك وجدته فوق ما أملّته، وأهديت إليه منظومة الصور الفلكية وكتبت معها:
لما رأيتك في فضلٍ وفي أدبٍ
…
علوتَ قدراً على العلياء والحُبُك
ناسبت قدرك يا مَنْ عزَّ جانبه
…
وقلت أهدي له منظومة الفلك
فظفرت من إحسانه وحسناه، بما تحقق به أنَّه المعني بقول القائل:
طلق يُفيض على العفاةِ سجالُه
…
وعلى العداة بِسَطْوه سجيّلا
وإذا حباك بغُرّة من ماله
…
ثنّى وأعقب غرّة تحجيلا
ثم أتينا على القطراني بعد معاقبة عقبات ومحاجر، وهو واد فيه قلعة وبركة ماء تفيض على مثلها. ثم أتينا على الحسا من أعمال الكرك، وفيه نهر لطيف وملاقاة.
ثم أتينا على عنيزة وهناك البرد الشديد، وبه خان قديم. ثم أتينا على معان من أعمال الكرك، به ضيعة وقلعة، وآبار ماؤها ليس بالجيد.
ثم أتينا على عقبة الصوان منحدر على نصف ميل، وبها أحجار القدح الجيدة، التي لا يكاد يوجد مثلها، ومنها تنقل للهدية، وإذا نزل عنها الركب أناخ أسفلها ليتكامل،
فيخرجون أنواع الحلوى المعدودة لذلك ويفرقونها على بعضهم، فلذلك يقال لها عقبة الحلوى، ورأيت العرب تأخذ القطن العتيق فتبله بالماء القراح، وتمسح به عرق الضأن من تحت إبطيه وفخذيه، فإذا جفّ كان بمنزلة الضرم، ثم مررنا بعبادان وليست هي التي قيل فيها ليس وراء عبادان قرية لأن تلك في
ساحل البحر المحيط، وهي التي يأخذ منها أهل الفلك أطوال البلدان.
وبالطلبيات، وبطن الغول، وادٍ كثير شجر الغضا والعبيثران الذكي.
ثم أتينا على ذات حج، وادٍ فيه قلعة لطيفة، فيها شجرة توت وريفة، ونقر في حجر ينبع منه الماء، فيخرج من القلعة ويملأ البركة خارجها، وفيه نخيل ومياه غير جيدة، ثم نزلنا بالعرائد، وهي قاع البسيطة، وفيها اجتمعت بالفاضل المتفنِّن الشيخ محمد الحر، أحسن الله تعالى إليه، أنشدني إجازة لنفسه النفيسة:
قلت لما ألجئت في هجو دهر
…
بذل الجهد في احتفاظ الجهولِ
كيف لا أشتكي صروف زمان
…
ترك الحرّ في زوايا الخمولِ
وأنشدني لغيره:
لعمرك ما الغريب بذي التنائي
…
ولكنّ المُقِلَّ هو الغريبُ
إذا ما المرء أعْوَز ضاق ذَرْعاً
…
بحاجته وأبعده القريبُ
وللشيخ نجم الدين الشامي:
علة شيبي قبل إِبّانه
…
هجر حبيبي في المقالِ الصحيح
ويدِّعي العلَّة في هجره
…
شيبي ففي القولين دور صحيح
-
مسألة الدور جرتْ
…
بيني وبين من أحب
ولولا مشيبي ما جفا
…
لولا جفاه لم أشب
قلت وأنت خبير بأن هذا المعنى فيه ما فيه، إذا الدور توقف وجود كلّ