الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تالله لو كانت الدنيا بأجمعها
…
تبقى علينا ويأتي رزقها رغدا
ما كان في حقِ حرٍ أن يذل لها
…
فكيف وهي متاعٌ يضمحلُ غدا
أبو السعود المفتي:
سل الأيامَ ما فعلت بكسرى
…
وقيصر والقصور وساكنيها
أما استدعتهمُ للبينِ طُرّاً
…
فلم تدعِ الحليمَ ولا السفيها
أقول: ويعجبني في هذا المقام قول من قال: ما زهد الزاهدون فيما كتب لهم. قال الشيخ الشعراني: إذا كان الزهد حقيقته ترك شيء ليس هو له، فالزاهد جاهل، لأن زهده ما وقع إلا في عدم لا وجود له، وهذا مبني على توهّم صحة الاختيار، وهو كلام لا معنى له. انتهى كلامه. وكيف يصح للمرء ترك شيء لم يقدر عليه؟ فيه كلام للأمة فتأمله.
يذمون دنياهم وهم يطلبونها
…
ولم أرَ كالدنيا تُذمُّ وتُمدحُ
قال المثلي:
وبروحي فديته ذا جمال
…
غَنِج اللّحْظِّ كالقنا الأمْلودِ
لقّبوهُ بحامضٍ وهو حلوٌ
…
قول من لم يصل إلى العنقودِ
وقال:
صرفتُ نفسي عن الدنيا وزخرفها
…
لا فضةً أبتغي فيها ولا ذهبا
نفسي التي تملكُ الأشياَء ذاهبةٌ
…
فكيفَ آسى على شيءٍ إذا ذهبا
الشوق للوطن
ثم إني لم أزل مع الزمان في تفنيد وعتاب، حتى رضيت من الغنيمة بالإياب، وأنا أنادي حظاً غير سميع، وأستعطف طالعاً غير مطيع:
وقد ضقتُ بالأحوالِ ذرعاً وحيلة
…
فحتّى متى أشكو ولا تنفع الشكوى
وقد اشتد بنا الأمر في الملازمة، وسايرنا سير مخازمة، حتى انثنيت مما أردته، وجعل كلّما طرق طارق طردته.
فلا أنا من هوى الفيحاءِ خالٍ
…
ولا ممّن أحبُّ قضيتُ دَيني
وقال:
أقول غداً أفوز ببعضِ سؤلي
…
فيأتي في غدٍ مالا أشاءُ
فيا للهِ من عكس الليالي
…
مقاصدي التي فيها الثناءُ
ولما وقفت على الجملة بالتفصيل، وتحققت أن الآمال سوّفت بالأباطيل، أغمضت عما هو بيد الزمان، وقبّحت للنفس ما كان قد زان، وقد نبذت المرام إليه، وقلت: خذه غير مأسوف عليه، فَسَخَتْ النفس بما زاد على الزاد، ولم يبق لي من الأماني سوى الرجوع إلى أوطاني، وقد تجاوزت من التمنِّي حده، وما فاتني شيء سوى الحظِّ وحده.
وإذا نظرتَ إلى الوجودِ بعينهِ
…
فجميعُ ما في الكائنات مليحُ
ولكن أين أنا من تلك المعاهد، وبماذا أتوصّل لمشاهدة هاتيك المشاهد، وقد حالت من دونها تلك البحار، وأحوال هاتيك المفاوز والحِرار:
كيف الوصولُ إلى سعاد ودونها
…
قللُ الجبالِ ودونهن حتوفُ
الرجل حافيةٌ ومالي مَرْكبٌ
…
والكفُّ صِفْرٌ والطريق مَخوفُ
ولا أقول هذه رحلة تشدُّ إليها الرحال، حيث لم تسفر بمحاسنها عن وجوه الرجال، فيا ناظراً إلى ما جرى به القلم، من تسطير المشقِّة والألم، ليس من شِرعة العقل سُرعة العَذْل، فإن من عيّر شخصاً ابتليَ بدائه، ومن حكم الأقضية فقد أزرى برأيه، وإنَّما هذه نَفْثَة مصدور، جواباً لسؤال مُقدّر أو مذكور، حيث الأيام فُرص مغتنمه، وغصَص مقسمه، نسائمها سمائم ومغنمها مغارم.
هي الدنيا تقول بملء فيها
…
حَذارِ حَذارِ من بطشي وفتكي
ولا يغرركم مني ابتسامٌ
…
فقولي مضحكٌ والفعل مُبكِي
وما حال من فارق الحياة ونأى عنها، وكان في الجنة فأخرج إلى النار منها، وقد دَهَمَت بشهب صروفها الليالي، وذلك وِفاق من كانت السعادة في يديه فلم يصنها غير مبالٍ.
عجباً لمثلي وهو يبصر رشدَهُ
…
في الأرضِ كيفَ تقلبت حالاتُهُ
ثم نادى منادي التدبير من عالم التقدير، بأن الخير في الواقع، والأمن في قطع المطالع، وقال لسان الحرمان: عليك الأمان إذا حصل ما قاتك، فلا تندم على ما فاتك.
إذا رُمتَ المطالبَ قبل وقت
…
فلست بواجد إلا الأماني
فقبل الوقت كان سؤال موسى
…
وكان جوابُ ذلك لن تراني
فعند ذلك أشتد الهيام، وتضاعف الوجد والغرام، شوقاً لساكن الزوراء وزيارته السنية، وتوقاً إلى التملّي بتجلّي جماله، قبل تحكّم المنية.
وما اشتياقي حمى الزوراء من عجب
…
وجرحُ قلبي إليها غيرُ مندملِ
وقد حوى سفحها بدراً منازلُهُ
…
صميمُ قلبي في حِلّي ومرتحلي
سقى بها مربعاً تزهو جوانبهُ
…
بوابلِ غيثٍ بذاك الحَيِّ مُنهملِ
وعطَّرَ الجوّ أنفاس الشَذى وقضت
…
يدُ النسيم على الأغصانِ بالميلِ
ويا رعى اللهُ أوقاتاً بها سلفت
…
ما ضرّها لو مشت فينا على مهَلِ
سُقيا لها من ليالٍ مذ مضت تركت
…
أحشاءنا ولهيب النارِ في شُعَلِ
أشتاقها بفؤاد غير مصطبرٍ
…
عنها وأبكي بدمعٍ هاملٍ هَطِلِ
لعل إلمامة بالجزع ثانيةً
…
يَدِبُّ منها نسيم البرء في علَلِ
ولما جعلتني المقادير نُهْزَة الأسفار، ولم تُرِني نزهة الأسفار، بل كنت غرضاً لمتاعب البحار، وعرضاً لمصائب القفار، وقد تزايد ما بي من الألم، ولم يبق مني عضو إلا وبه ألم، توسلت في تلك الحال، إلى العليّ المتعال، أن يردّني إلى حَرَمه بمنّه وكرمه، وكثيراً ما كنت أتوسل بهذه الأبيات:
إلهي طال بعدي واغترابي
…
وفي جُنح الدجى طال التهابي
ونحو أحبتي قد زاد شوقي
…
لأهلي والأقاربِ والصحابِ