الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم نزلت ذلك النيل في معاش صحبة رجل من الروم، لا يجد لديه المؤملّ من الوفاء ما يروم، وكنت أتوخى فيه مكارم الأخلاق، وأزعم أنه من أحسن الرفاق، فوجدته بضد ما أملته:
وما كلّ وجه أبيض بمبارك
…
ولا كلّ جفن ضيق بنجيبِ
أو هو كما قال:
أمّلْتُهُ ثم تأمّلته
…
فلاح لي أن ليس فيه فلاح
وإن من يُنْزِل آمالَه
…
بحادث السعد قليل النجاح
ولما أرخى الليل قِناعه، ومدّ علينا شراعه، سَرَيْنا وقد ألقى البدر نُوره، ونشر الروض بالتعريف نَوْره، فسرنا والليل يسري، والكواكب تسير والنهر يجري، وكأنَّما النيل بحر لجين في تموّجه، أو خدّ ذي دلال في تضرّجه، وقد قلبتنا أصابعه، وتكسرت بتلك الأمواج أضالعه، حتى أسفر الصباح، وشعشع ضياؤه ولاح، فإذا نحن في سيران ما بين جنان.
والماء تلعبُ أطراف النسيم به
…
ما بين ماضٍ وآتٍ أي تَلْعابِ
كأنَّه زرد الدرع المضاعف أو
…
نقش المبارِدِ أو تفريك أثوابِ
أو كما قيل:
النهر مولى والنسيم خديمه
…
هذا الكلام ليس فيه تشكك
لو لم يكن في خدمة النهر انبرى
…
ما كان يصقل ثوبه ويفرّك
فائدة
قال السيوطي عند قوله تعالى فأخرجناهم من جنات وعيون: كانت الجنان بحافتي النيل من أسوان إلى رشيد، وكلها كانت تروى من ستة عشر ذراعاً، فسبحان الحكيم الذي لم يزل.
ولما ارتفعت الشمس أكتسى الجوّ بالغمام، فاعتقدنا ذلك من تمام الإنعام، ولم نزل كذلك، نسلك هاتيك المسالك، وأنا في ألذ نعيم، ما خلا النديم، وفي ذلك أقول:
ليست على الحرّ اللبيب مشقة
…
بأشق من أن لا يرى أمثالهُ
ذاك الغريب وإن يكن في أهلهِ
…
وا رحمتاه له لما قد نالهُ
ما أصدق ما قال الحسن بن شذقم:
وليس غريباً من نأى عن دياره
…
إذا كان ذا مال وينسب للفضلِ
وإني غريب بين سكان طيبة
…
وإن كنتُ ذا مال وعلم وفي أهلي
ولبس ذَهاب الروح يوماً منية
…
ولكن ذهاب الروح في عدم الشكلِ
يحكى أن سليمان عليه السلام، لما أراد بالهدهد أشدّ العذاب، أشار عليه وزيره آصف بن برخيا بحبسه في غير جنسه، وما أعجب ما قال:
قد سمعت الصدا وذاك جماد
…
كلّ شيء تقول ردّ عليكا
وعلى ذكر الهدهد، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، أن الهدهد يرى الماء من تحت الأرض، قيل له: فلم لا يرى الفخ إذا انقضَّ عليه؟ فقال: إذا نزل القضا عمى البصر.
هي المقادير فلمني أو فذر
…
إن كنت أخطأتُ فما أخطا القدر
ومن محاسن النواجي:
اركب النيل ما استطعت ففيه
…
راحة للفتى وغاية بُغْيَه
كم تنزهت حين سافرت فيه
…
في بلاد وكم ظفرت بمُنيَه
وابن تميم:
انظر إلى سير المراكب إذ بدتْ
…
والماء يعلو حولها ويدورُ
مثل السحائب لا يفرق بينها
…
نظرٌ، وكلٌ بالرياح يسيرُ
وللفيومي:
-
في النيل أعلام بدت
…
بيض كأيدي المحسنينا
وإذا خفقن من الهوى
…
تحكي قلوب العاشقينا
ولابن قلاقس:
انظر إلى الشمس فوق النيل غاربة
…
وانظر لما بعدها من حمرة الشفقِ
غابت وألقت شعاعاً منه يخلُفها
…
كأنَّما احترقت بالماء في الغرقِ
وقال آخر:
الشمسُ فوقَ النيلِ قد
…
ألقت شعاعاًً كاللهبْ
فحكى مِسَنّاً أخضراً
…
وعليه حك من ذهبْ
وقال:
البدرُ فوقَ النيلِ قد
…
ألقى شعاعاً يأتلقْ
فحكى مِسَنّاً أَزرقاً
…
وعليهِ حكٌ من وَرِقْ
ولما كان الفجر من اليوم الثالث نزلنا بمرسى رشيد، المحفوفة بعناية الله وفيضه المديد، فقلت إن كان سفر البحر كذلك، فما هو إلا راحة من المشاق والمهالك، ولم أدْرِ أنه قياس مع الفارق، وأن تشبيه الحُمَيّا بماء المُحيّا غير مطابق.
يا بارقاً بأعالي الرقمتين بدا
…
لقد حكيت ولكن فاتك الشنب
ولما أشرقت بها الغزاله، قصدنا من روضها ظلاله، فنزلنا من ساحتها بوكالة الوزير محمد باشا، فإذا هي بناء محكم الأساس، وبها وجوه من الناس، مأمونة الخيانة أمينة على الأمانة، مع كثرة ما يردها من غِمار البشر، وبني الرذالة والأشر، فوضعت بها الأسباب، وأقمت بها في ظل ذلك الجناب، أقلب الطرف فيما رَقّ وراق، وأطوف بأكنافها البهية مع الرفاق.
حشايَ على جمر ذكي من النوى
…
وعيني في روضٍ من الحسن ترتع